بي دي إف: ديوان “وديعة كـبقرة” للشاعرة مروة نبيل

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

الديوان الأوّل للشاعر مروة نبيل، كتب عنه الشاعر الكبير "إبراهيم المصري" يقول:

هل الوردةُ جميلة؟

إن استثنينا أطناناً من البلاغة، فالإجابةُ.. نعم، الوردةُ جميلة أو هي كذلك في الواقع، وفي الشعر أيضاً حينما نعيد أطنانَ البلاغة إلى وصف الوردة.

في كتابها "وديعة كبقرة".. تكشط "مروة نبيل" أطنانَ البلاغة هذه، فلا يكون الشيء جميلاً بذاته، وإنما "بكتابته" وتلك هي وظيفةُ الشعر، إن كنا نبحث له عن وظيفة.

 

(شُعوري بالسِّلْمِ مُرْتَبِطٌ

بالوَردةِ الذَابِلَةِ في إبْطِ كِتَابٍ

والواحِدةِ التي لم تَدْخُل مِنْ بَابِ البَيت

والمُخْتَبِئَة و لَن تَذْهَبْ إلى قَبري مُفْرَدَة.

هذا لَيسَ مَعناه أنَ الوَردةَ كَهْرَباء أو قَصيدةٌّ

قُلتُ قَولي لِي وكَانَ خَسَارَةً فيه).. ص 17 نص: صدأ.

ويمكن لمَن شاء تأويل النص إلى أية وجهة يراها، لكن “الوردة” في النص لن تُرى أو يجب ألَّا تُرى خارج النص بما هي حاملٌ واهنٌ أو ذابلٌ لحالاتٍ مركَّبة، حيث يمكن تلمس الشعرَ أو رؤيته بدون أن يكون واقفاً بالضرورة في مجازٍ تقليدي. ومروة نبيل، على أية حال لا تخفي قصدها ومنذ البداية، حينما تُصدِّر كتابها الشعري الأول بهذه العبارة:

(سَأُفَكِكُ الأوهَامَ العَزيزَةَ.. المَتينَةَ.. القَويَّةَ(.... ص 5

وإن كان قارئ كتاب “وديعة كبقرة” سيأخذ هذه العبارة على محمل الجد باحثاً عنها في نصوص الكتاب، فلن يخيب سعيه، بدءاً من العنوان.. وديعة كبقرة.. وصولاً إلى:

(أنا وَديعةٌ كَبَقرةٍ

ذاتَ أوْرَاكٍ كما تَرىَ

ذُبِحَتْ زَهْرَةَ كَأْسِي

بِواسِطَةِ دابةٍ عمياءْ

عذُرْاً

ليسَ لديَ أُوركِيد.).. ص 62 نص: لَيْسَ لَدَيَّ أُوركِيد.

ويمكن بالطبع اللغو وهو كثيرٌ في الكتابةِ عن الشعر هذه الأيام، كأن نقول إن ثمة نصاً مغايراً عند مروة نبيل وجنوحاً بيِّناً إلى الاختلاف سعياً إلى صوتٍ خاصٍ بها، لكن لماذا اللغو إذا كانت نصوص مروة تقول ذلك، وتؤكده نفياً للغو وتأكيداً لشعرية مختلفة:

(يُمْكِنُني الحَديث عَن جَلْيِ الصحُونِ

وعُقْدةِ التَعْقيمِ

وحسَاسِيتي المُفْرَطةِ نَحو التُراب

ومُخَطّطَاتِ التَغَلُّبِ عَلى اِسْوِدَادِ البَشَرةَّ

لَكِنَني كُلَما رأيت شَجَرة أشْعرُ أنَني أفْتقِدُها

أو سَأفْتَقِدُها

وأرىَ ثَعابين خَرَجَت عَن إلهِ السُّمِّ

فيُصِيرُ دَوْرُ الصُّحُونِ مُهَمَشًاّ

وأُفَكِّك بَيْتي و أُقْدِّمه قُرْبَانًا إلىَ البقَرَة.).. ص 96 نص: القَصِيدةُ حُرَّة.

والقصيدة كذلك في شعر مروة نبيل “قصيدة حرَّة” لا بمعنى شكل الكتابة فقط، وإنما الأهم بمعنى حرية إقامة بلاغتها الخاصة، فلا يعود أي شيءٍ هو ما نعرفه وإنما ما نراه ماثلاً في نصوصٍ تزيح الحجاب قليلاً أو كثيراً عن علاقات الأشياء والكلمات، وهو ما يعني أن الشاعر قد يرى ما لا يراه الآخرون ويأتي به، ليسبب قدراً كبيراً أو صغيراً من الدهشة، وتلك أيضاً من صفات أو وظائف الشعر:

(القَصيدةُ صِفْرٌ

تَكْتُبكِ أزجالٌ

ثُمَ يُكَلّمُكَ الرَبُّ

و تَعيشُ عامًا في تِيه).. ص 108 نص: القَصيدةُ سَديِمٌ.

ويمكن التأكيد بالطبع على أن القصيدة سديمٌ قبل الكتابة، لكنها بعد الكتابة لا تعود كذلك، وإنما قد تصبح بعضاً من شرائع البشر في تلمس الجمال أو في نقد الإنسان، وهو ما يتبدى في “مَجْمَعُ الشَّذَراتِ”..  ومنه على سبيل المثال:

(اللادِينيُّ في غُربتِه

يَشْكو الوِحْدَةَ و يعبدُ أرنبًا.).. ص 115

لكن.. هل يعني كل ما سبق أن بلاغة مروة نبيل نجت من كل ما عملت على تجنبه في كتابها الأول “وديعة كبقرة” الصادر في 148 صفحة، عن دار الأدهم 2015 في القاهرة.

لنقرأ هذا المقطع:

(فأنتَ العَارِفُ العَاشِقُ المَارِقُ

الخائنُ ، المُتَوَحِّدُ بالموتِ

الَذي لاَ إله إلا هوَ بفراديسِ النَار.).. ص 100 نص: أَنْ تَكُونَ شَاعِرًا.

ولنسأل: كم مرَّ مثل هذا في أطنان البلاغة التي عملت مروة نبيل على تجنبها في كتابها، لكنه تسرب في التغاضي عن القليل من الصرامة، التي ما كان لكتاب مروة أن يخسر شيئاً لو أدت الصرامة دورها وحذفت هذا النص من الكتاب، لكن الدرس المُستفاد هو أن الكتاب كائنٌ حيٌّ إن كان قادراً على “حياةٍ خاصةٍ” به لا يجرحها تشابهٌ هنا أو هناك، تناصٌّ هنا أو هناك، أو حتى أن تنهض شجرةُ الكتاب وارفة من مخزون الكاتب الجوفي الذي يخصه معرفةً ودراسة على سبيل المثال، وهذا مما لا تخطئه العين في كتاب مروة نبيل “وديعة كبقرة”.. وهي الحاصلة على ليسانس الآداب تخصص فلسفة من كلية البنات ـ جامعة عين شمس، والتي تعد دراساتٍ تمهيدية للماجستير في جامعة القاهرة عن “الفلسفة الإسلامية والغربية”.. إذ تبدو نصوص الكتاب مشبعة بماء الفلسفة، ليس كنظريات مباشرة وإنما كخلفياتٍ نصِّية تتجلى أحياناً باستدعاء أسماءٍ بعينها:

(شُوبنْهَوَر

اذهبْ أنتَ وبُوذا إلىَ الجَحيمِ

اترُكَانيِأملأُ فراغاتِ إيماني

بالسَائلِ اللَزجِ المصْنُوعِ أساسًا في الصّين).. ص 28 نص: النَّاسُ مَنَازِلُ مِن مَاءِ نَارٍ.

وإن كان للقارئ اختياره الخاص في كتاب، فهذا هو اختياري الخاص ككقارئ من كتاب مروة نبيل.. “وديعة كبقرة”.. وهو كتابٌ يستحق القراءة وأن يُحتفى به.

(كَانَ عَلَيَ أنْ أقرأَ كُل كلمةٍ عن سبِينُوزاّ

وأستعدُّ لِلقائِهِ

رأيتُهُ فَرِحْتُ وعَرِفْتُ أنَ للحياةِ جَوْهَرًاّ

كَانَ كاذبًا وسيحيًّا ولديهِ تَوْأَمتانِ

لِذا كانَ حَنونًا

لمَا صُدِمْتُ بَكَىَ وغَنَىَ )أنا لِيكْ(

لمّا غَنَىَ نُقلتُ إلى صالةِ عَرضِ البولشويّ

أهداني مَجًّا يحملُ عِطْرَ اللُّوفْر

أنيقٌ ولاَ جِنسيٌّ

سَافَرَ وظَلَ يُرسِلُ سَمكًا).. ص 25 نص: أَجْمَلُ ليلةِ امتحانٍ.

 

 

الآن .. يمكنكم تحميل الديوان >>> من هنا

مقالات من نفس القسم