كتب عنه الشاعر والناقد شريف الشافعي*:
في عملها الرابع، بعد “ذاكرة رحيل” (نصوص حرة) و”أقص أيامي وأنثرها في الهواء” (شعر) و”بيننا حديقة” (ديوان مشترك مع الشاعرة سارة عابدين)، تمضي مروة أبو ضيف في طريقها نحو تفعيل الحواس وشحذها من أجل التقاط ما يجري حولها وفهمه عبر القنوات الأولية المباشرة (الإبصار، اللمس، السمع، التذوق، الشم). وذلك من دون إهدار الحدس والاستبطان والاستشفاف والملكات الفطرية، التي تردها إلى حالتها البدائية وخميرتها الأولى، كما يليق بإنسان يريد أن يجد نفسه، في عصر لاهث ابتعد كثيراً عن طريق الهداية، لأن بوصلته الاصطناعية معطلة، رغم الادعاء بتطورها.
لا تحتاج الذات الشاعرة إلى معجزة، وفق عنوان الديوان، للفكاك من إنهاكها الملغز، أو التصالح معه بوصفه سمة إنسانية نبيلة، شأنه شأن الحزن. فكل الحلول لكل المطبات الوعرة تكمن في مواصلة البحث والتنقيب عن النوافذ، وإيقاظ الحواس، وإعادة ترتيب العلاقة مع الآخرين الطيبين:
“ليعبرني أحدهم دون خوف، وأسمع خلاخيل وخطوات خفيفة وواثقة/ منهك كأنني المعجزة، يحكيها الناس ولا يبحث عنها أحد/ منهك كأنني إنسان“.
هذا التعيين الإنساني للمدركات، وهذا الوصول الفني إلى المراد من أقصر الطرق، يقترنان عادة بآلية القنص، بحيث تقبض الشاعرة ببراعة على اللحظة التي تعيشها، وتعمل على تثبيتها نسبياً، وتحاول فتحها على مدارات أوسع من حدود المشهد المنقول، وطبقات أعمق من طبيعة السرد الحكائي المذكراتي.
وهنا يكمن الفرق الجوهري بين السرد الشعري، والسرد القصصي. فالسرد في تجربة “منهك كأنه المعجزة” ليس وصفياً استدعائياً في المقام الأول، ولا تسجيلياً سلبياً للوقائع الدائرة من خارج الحدث، بقدر ما هو بوابة تصويرية تقود إلى اشتباك ذاتي تفاعلي سلس، مع سائر الشخوص والكائنات والموجودات وعناصر اللقطات الجاري التعبير عنها، ما يمثل في نهاية المطاف رؤية متكاملة للأشياء والوجوه، والتحاماً إيجابياً بالمواقف المشحونة بالانفعالات.
وإذا كانت التفاصيل والأحداث تبدو هشة وصغيرة، فإنها في زخمها وتناميها وإسقاطاتها تبلور أيضاً أبعاداً ذهنية وفلسفية ثرية، تصب في المجرى الرئيس للديوان (العثور على الذات الحقيقية والآخرين الحقيقيين وسط متاهة المنفى). ويأتي ذلك الاشتغال بحس طفولي، من دون قصدية أو إعمال عقلي متعسف: “لأني جالسة مثل كهف ساكن، ورهافتي تدعو الكائنات للطمأنينة/ لا جلبة، لا ضجيج/ البئر في عيني حية، ماؤها رقراق وعذب/ تشرب العصافير/ إنسان بكر، خارج من الجنة بلا ذنب، ولا عورة/ عريي يدعو الكائنات للمكوث“.
ينتصر ديوان “منهك كأنه المعجزة” للأنوثة، ولو على نحو ضمني، بالإحالات والإشارات المتكررة إلى تجليات هذه الأنوثة وصيغها ودلالاتها المتنوعة: الأمومة، الخصوبة، النماء، التفتح، الازدهار، التجدد، الإنجاب، الهدهدة… وكأنما الطاقات الإشراقية الحنون كلها ذات صلة دائماً بالمرأة، عنوان الإرادة والمقاومة والتحدي. الأمر الذي قد ينطلي أيضاً على القصائد التي تكتبها امرأة، فهي في مجملها صيحة اخضرار وسعادة وحياة في مواجهة الجدب والشقاء والموات:
“رأسي يصنع الموسيقى، لأني جميلة/ لأن الماء يعرف صفاء روحي، وقلبي يرقص كل يوم/ لأن الحياة تخرج من أناملي الصغيرة، من الحروف التي أنطقها، تخلق الحقيقة/ لأن الطين الذي شكلني، كان رائقاً وسعيداً/ لأني حلوة“.
الديوان صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة أكتوبر 2020
يمكنك تحميل الديوان من >> هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال عن الديوان منشور بالإندبندنت عربية