بين المشتهى السيموطيقى والعشق المابعد – حداثى في رواية “كيميا”

كيميا
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 حاتم عبدالهادى

تحيلنا رواية “كيميا”  للروائى المصرى وليد علاء الدين – منذ البداية – إلى التاريخ، أدب الرحلات، السيرة الزمانية، عبر المكان، لأسطورة “كيميا”، ابنة مولانا، التى قدمها جلال الدين الرومى قرباناً لمحبوبه شمس الدين التبريزى،لتظل برهاناً،وحقيقة، ويقيناً، يتجسّد عبر الأزمنة والعصور. ولتظل كيميا ” اليتيمة “،سؤالاً مركزياً، جوهرياً، بل السؤال الأهم حول طبيعة العالم، الكون، الحياة !!.

إنه وليد علاء الدين، ذلك المحب الكبير، العاشق لكيميا – بعد مرور حوالى ثمانية قرون من موتها، أو قتلها  أو غيابها الأسطورى -، فنراه يسافر فى رحلة للبحث عنها،يجوب ردهات جبال الأناضول، عبر الرحلة الصوفية السيموطيقية الكبرى: من دبى الى قونية بتركيا، لتتجسد المسيرة النورانية لأدب الرحلات الشاهق. ولا غرو اذن أن نراه يصيح فى مهابة واجلال: “جئت ملبياً دعوتك… يا جلال الدين الرومى”.

وعبر الرواية الشاهقة، الشائكة،المثيرة، الممتعة، الملغزة، نرى تشابك الزمان مع المكان، واندغام الحلم مع الواقع، الحقيقة مع الخيال، النوم مع اليقظة، حتى يخال للقارىء،أنه يماهينا ويأخذنا – عنوة – عبر مركبة الزمن، الى هناك، حيث مسيرة الحب الصوفى الكبرى، والعشق الالهى الكبير، والحكايات والطقوس التى تأخذ الروح الى الأنوار الكبرى: الحب عبر مدارج الهيام، والارتقاء والصعود الى مدارج العشق الكبرى، ورحلة الايمان الباذخة، كى نتطهر من أدران واقعنا،ونستحم فى بحيرة الصفاء، والبهاء الروحى المثير، ونتمتع معه بحكاية كيميا بنت مولانا الجليل، الشاعر العاشق، والمحب الكبير.

 انها اذن، رواية  خاصة،رحلة صحفيّة،كلفه بها – مع اثنين آخرين – المركز العربى للأدب، فى أبوظبى، للكتابة عن طقوس الاحتفال بجلال الدين الرومى فى بلدته قوطية بتركيا، ويبدو أن غرض الرحلة كان بمقصدية نشر تقارير صحفية،بمناسبة اعلان اليونسكو لشخصية جلال الدين الرومى،كمحتفى به فى العام الجديد،وقد كلف المكتب معه: ثريا من المغرب، وخليل من فرنسا، ووليد من أبوظبى.

اذن هى رحلة عمل، منذ البداية،من دبى الى أسطنبول، لوصف مشاهد الرحلة،والطريق الى جبال الأناضول، ركوب المترو الى كنيسة آيا صوفيا،التى بناها الامبراطور جوستنيان،، وتحولت بعد ذلك الى مسجد، ثم مسجد السلطان أحمد (المسجد الأزرق ) القابع مواجهتها، والذى بناه محمد الفاتح ليكون أكبر معماراً وجمالاً من الكنيسة، وغير ذلك.

لقد بدأ الرواية بخلط الحلم بالواقع، وبتشويق السارد لمن تلبستّه أحلامه، تصوفه اللحظى، وكأنه لبس خرقة المتصوفة، أو أصبح كمجذوب الحضرة الذى يخلط الحقيقة بالحلم، الا أننا نراه يسجيل أحلامه، يومياته، عبراندغام الحقيقة بالخيال، والدخول مباشرة الى قلب الأحداث حيث جلال الدين الرومى، وابنته كيميا، وكأن عشقه لكيميا – من جانب الراوى / المؤلف / السارد العليم – قد تلبّسه وجعله يعيش حالة الحب السيموطيقى،عبر اندغام الرؤى، وشطحات الصوفية،وعالمها الذى استلبه كى يكون البطل، محبوب كيميا،وعاشقها، بل حارسها الملاك كما أطلق عليه والده، الذى كان مولعاً بسرد حكايات أهل المدينة عن انشغال مولانا الرومى بشمس الدين، الغريب، المحبوب.

انه عبر استعادة التاريخ، يسرد لنا – عبر الفلاش باك، والمثاقفة التاريخية القرائية للتاريخ – قصة كيميا، ومولانا، وشمس التبريزى، وكأنه قد تماهى معهم تاريخياً، ودخل فى اللعبة السردية، ليكون أحد الأبطال التاريخيين، عاشق ” بنت مولانا ” – كيميا –  جميلة الجميلات التى أصبح ملاكها الحارس، وعاشقها الأثير !!.

انها الأحلام، الانجذابات، جوهر الصوفية الأسنى:  الحلول والاتحاد: أنا هو، هو أنا، أو كما يقول الشاعر محمد عثمان عبده البرهانى:

أنا فى أنا وانى فى أنا                   رحيقى مختوم بمسك الحقيقة.

انه الحلول الكبير، الاندغام بالروح، لا الجسد – كما يتوهم الكثيرون -، والابحار مع الذات الى عوالم شتى، الى الهيولى الكبير، عبر السيموطيقا،وعبر جبال البراءة،ومستنقعات وأوحال قوطية، عبر النور الذى يتغشّى العتمة،لحظة الانجذاب،الحلول الكبرى للأرواح العاشقة: شمس، كيميا، ثم علاء الدين ذلك العاشق القديم / الجديد، الذى يريد حقه التاريخى فى المحبة، فى الكشف  عن حكاية “كيميا” بنت مولانا الجميلة، المشتهاة.

وعبر لعبة السرد،والتقاريرالصحافية، التى كان يرسلها وليد الى نورى،ليجهزها للنشر فى الصحيفة،نراه يكسر الحائط الوهمى الرابع،لمسرح السرد التاريخى الشاهق، وكأنه  يخترق مسروديات التاريخ،ليعيش داخله،عبر ثمانية قرون، ونعيش معه كقرّاء، فى قلب الأحداث، نعايشها، ونتلمّسها، نستنطق شخصياتها، وندخل الى جوهرها،عبر تشاركية الذات الساردة، والقارىء، لنخشّ من باب مسجد،ومتحف،وضريح، ومولوية مولانا جلال الدين الرومى عبر بوابة السرد، لنعايش الأحداث التاريخية، ولنحاول أن نجد اجابة عن أسئلةكبرى عن: حياة كيميا الغامضة، مولانا،علاء الدين، شمس، جحا، أبى يزيد البسطامى،الذى وصفه ككوب ماء – فى العشق الالهى -، بينما سيدنا محمد كان محيطاً: ” من ذاق عرف “، وغير ذلك.

ولعل روعة الرواية تأتى –هنا- من ذلك الاستخدام الشاهق، السلس، المتناغم للغة عبرالسارد / الراوى العليم / الكاتب، الذى يتماهى مع الأحداث، ويشركنا فيها،فتكون المتعة مضاعفة، ينتضمها عقد هارمونى قشيب، لشاعريّة السرد، وجلال اللغة، وسموق معمارها الشائق، الشيق، المثير، القلق، الهادىء، المثير، عبر تسارع الأحداث وتلاحقيتها، والتى تجعلنا ننجر، نكرّ اليها، دفعة واحدة،على حد تعبير السائق الأسكندرونى،وأمه الكردية، فى وصف مناقب مولانا، حيث أنه: “أول طريق الحج، وصاحب البركة والكرامات الباذخة”.

انه السارد، الشاعر / الصوفى التائه، الباحث عن الحقيقة واليقين،نراه قد ترقىّ ليصعد الى الحلم، الى المعارج، الى مروج شيفونية، أكثر بهاء، واختيالاً، وكيف لا، وهو المحلق فى سماوات الحلم / الذات / الارتقاء،عبر أفق الصوفية الجليلية؟!.

انها ” كيميا”، التى رآها، والتى انتظرته طويلاً – كما يذكر – وكأنه يعيد انتاجية الأدب الصوفى، الفيزيائى، التخييلى، والأسطورى أيضاً بصورة معاصرة.

وعبر تبادلية السارد العليم، الحكّاء، نراه عبر هارمونية السرد الممتع، يعبر بنا عبر المثيولوجيا، والسيمياء،الى فيزيائية السرد، الى عالم الأسطورة، أسطورة الذى طار،حلّق،ارتقى المروج، اذ هو الملاك الحارس، والصوفى التائه، والبدوى العاشق الأخير !!.

انه يحيلنا الى الغازيات السرد، الى شيفرات سوريالية، ليست تركية، عثمانية، ولا لاتينية كذلك، انها طلاسم الحقيقة، اشراقاتها التى توحّد معها عبر اللغة البهية الطازجة المختلطة بسرد غرائبى،ليحيلنا الى مروج الدهشة التراكبية،عبر الصورة والظّل، الانسان والقرين، الذى يلازمه، وعبر رسائله مع نورى،نستطيع الجزم بأننا ” أمام رواية تختلط فيها الرسائل مع أدب الرحلات، مع المغامرات، مع السيرة، داخل أروقة الذات / التاريخ / تركيا المشرقة / المكان / عالم الصوفية السيميائى “.وهى رواية يختلط فيها العام بالخاص: السياسى بالتاريخى، والواقعى مع التخييلى، والحقيقة مع ظلال الواقع الأثيرى، ويصوغها لنا عبر لغة تنثال من ذاكرة سارد عارف بالتاريخ، وأقانيم الذات الهادرة فى أفق العالم، وبأسلوب يعلن فيه عن اقتصاديات اللغة المائزة،واشراقاتها العرفانية، النورانية، عبر التراكب، وحمولات الأسلوبيات التى تنيرأفق السرد، وحقوله الدلالية،واشتقاقاته المتباينة.

انها “كيميا”، فتاة الرابعة عشر، التى تتزوج شمس، الشيخ الذى جاوز الستين، بينما قلبها يهفو الى علاء الدين ابن مولانا، ذلك الفتى النبيل الذى جذب قلبها المشرق، لأنواره الطالعة من جبال البراءة المشرقة. وهو كسائح جوال نراه على عتبات جلال الدين الرومى مع الداخلين الى ضريحه المهيب المكسو بالذهب والمخمل، والمطرز بالحرير،حيث العطور والبخور، وصوت الناى، الذى يجعله يعلن بأن الزمان يقيم هنا،مع المكان،حيث الجو الصوفى الايمانى المهيب، والذى يعبّرعن تجليات البهاء،واشراقات الجمال النورانى التى تخفق لها القلوب لتتطهر، وتذوب،عبرالعشق،والصفاء الروحى للايمان الخالص،المشعّ، لصاحب المقام، المولوية، ومؤلف كتب ” المثنوى “، و” الديوان الكبير “، و كتاب:” فيه مافيه “،كما أنه الشاعر،وصاحب الكرامات الكبرى.

وعبر المراقبة والمشاهدة، وهى من أصول وأسس مدارج،ومعارج المتصوفة، نراه يرقب المكان، يصفه،بفيزيائيته، وتفاصيله المدهشة. عند الضريح يقابل ثريا – رفيقة الرحلة – وبصحبتها مرشد، مترجم، شرح لهما تفاصيل المكان حيث ضريح مولانا وابنه: ” سلطان ولد “، وزوجته وقبور كثيرة لخلفائه،ومريديه المقربين، لكنه لما باغته بالسؤال عن قبر “كيميا” بدت دهشة الرجل،واستغرابه لمعرفته بها، لكنه أجاب بعدم معرفة أحد هنا بمكان قبرها، فلربما تكون مدفونة هنا، أو فى مكان آخر !!.

وعبر الالتفات يحيلنا السارد الى مشهدية أخرى توقظنا من تتابع مسيرة السرد، أو لاحداث تشاركية / تداخلية بين المعاصرة والتاريخ، – عبر الرسائل والتقارير الصحفية – فنراه يقطع تتابعية الحداث ليحيلنا الى طلب وليد من ثريا أن يلتقطوا  صورة جماعية لهم أمام المولوية لضريح مولانا جلال الدين الرومى معاً.

كما تبدو جماليات السرد فى التساؤلات التى تجعلنا ننجذب وراءه عبر الحكاية الجميلة، فهو يندهش لموقف الشيخ المحب العاشق، الشاعر، من موقفه من أمر كيميا ورفضه تزويجها لابنه علاء الدين، واهدائها لشمس، وكأنه يقدمها قرباناً للمحب، للغريب، لشمس العجوز الطاعن فى السن، يقول:( كيف لشاعر حقيقى، وصوفى عاشق أن يقدم طفلة قرباناً لاستمرار علاقته بمحبوبه؟ وكيف اختفت كيميا هكذا وكأنها لم تكن؟ لماذا لم يتأسف الرومى على موت قربانه الرقيق؟ لماذا عاشت نكرة وماتت مجهولة القبر،وهى الموهوبة التى تبنّاها،وتربتّ تحت سقف بيته، لتتلقى العلم على يديه؟ لماذا أهداها لشمس،رغم علمه بالحب الذى جمعها بابنه علاء الدين،ورغبة الأخير فى التزوج بها؟ لماذا لم يزوج الرومى شمساً بابنته الحقيقية ” مليكة خاتون “،رغم علمه بالحب الذى جمعهما بابنه علاء الدين ورغبة الأخير فى التزوج بها؟ لماذا لم يزوج الرومى شمساً بابنته الحقيقية ” مليكة خاتون ” طالما يحبه هذا الحب الكبير؟ وما موقف والدى كيميا،من تحويل ابنتهما الى هبة،لرجل يكبرها بأكثر من ثمانية وأربعين عاماً؟ صحيح ياثريا ما وضع المرأة فى عقيدة العاشق الأكبر؟! ) الرواية ص: 67 ).

وعبرمسروديات الرحلة الكونية،الصوفية الكبرى، يعرض لضريح الشاعر / محمد اقبال الذى عرّفنا بالرومى،وبأشعاره الجميلة، التى تأثر فيها بوهج الرومى، والذى جعل اقبال يقول: ” لقد حوّل الرومى طينى الى جوهر،ومن غبارى شيدّ كوناً آخر “.(الرواية ص:70 ).

انه الروائى الباحث عن قبر كيميا، عاشق لمعرفة تفاصيلها، يتماهى معها فى الخيال،ويعيد انتاجية سيرتها، يقول: ” لا يوجد قبر على شكل فراشة، سلام عليك أينما رقد جسدك الهشّ ياكيميا ” ( الرواية ص:71 ).

وفى رحلة البحث من بلخ فى فارس ” ايران “، الى تركيا، تبرز تساؤلات عن وضع كيميا –  كما يشير، فالرومى فارسى الأصل،من مدينة بلخ،التى تقع على حدود أفغانستان، والذى انتقل مع والده الى قونية بدعوة من السلطان علاء الدين، ولقد جاء أبوه هرباً من اجتياح التتار، أو لخلافه مع الرازى، كما يقال، بينما كيميا كذلك من المدينة ذاتها فى أفغانستان “.

انها كيميا خاتون، الدرة اليتيمية التى أغفلها الرومى فى أشعاره،وسقطت من عباءة شمس التبريزى كذلك، لكنها ظلت فى الذاكرة الشعبية الايرانية كرمز، وفى الأدب الشعبى التركى ككيان مقدس لأنها ابنة مولانا،التى احتضنها لتتلقى العلم، فنراه يقدمها – بقسوة – قرباناً لمحبوبه، شمس، لتظل سيرتها أسطورة للباحثين، والهاماً للمبدعين،والروائيين !!.

انها “قونية “، مدينة التاريخ والحضارة،البلدة العظيمة، وموطن ” جحا ” وحكاياته الشهيرة، أيضاً. وبين عمورية وأنطاكيا،ومدن الدولة السلجوقية، وحكايات الأتراك، والايرانيين، تظل “كيميا “هى الكيمياء: المعادلة الشهيرة، واللغز الأسنى، لوليد علاء الدين، للسارد العليم،الذى يبحث عبر أفق الرواية / التاريخ / المكان / الحكاية / التخييل عنها، ليعيدها الى ذاكرة الأسطورة، ومرموزات التاريخ الأشهى، وللحضارتين الفارسية،والتركية كذلك.

انها رواية المثيولوجيا، الأصوات التى تأتيه من خلف حجاب، لتخبره عن كيميا ومصيرها، يكلمه الصوت: ” كيميا روح ذبحها مولاهم..بسيف شمس “…. ” كيميا نور “.( الرواية ص: 86-87 ).

انه يحكى لصديقه أحمد،عبر رسائل الأنترنت حكايته هو، حكاية الرحلة، الأرواح التى تطارده، يقول: ” أنا فى قونية تطاردنى أشباح يقودها علاء الدين بن جلال الرومى، لم يجد غيرى ليدله على قبر كيميا حتى تهدأ روحه. لم يعد الأمر مقتصراً على الأحلام والأطياف، بالأمس صافحتنى كف رجل حدثنى بصوت علاء الدين، وحين استدرت وجدت امرأة أوروبية تحتضن طفلتها على حجرها، لك أن تتصور مدى خجلى وفزعى وارتباكى.( الرواية ص: 103 ).

انها رواية يخلط فيها الكاتب / السارد بين الحقيقة والحلم، أو هكذا شبّه له، رأى، تفتحت له طاقات النور،ليخشّ الى عمق التاريخ، يعيشه بتفاصيله، يتمثّل ويتجلّى له علاء الدين،ليرشده الى قبر كيميا. لقد كتبت روايات عديدة عن العشق الالهى، رواية:” بنت مولانا ” كتبتها الانجليزية: ” مورل مفروى “، ورواية:” قواعد العشق الأربعون ” للتركية: ” اليف شافاق “، وهو هنا يعرض – بصورة جديدة للسرد، وبخطابية، للروايتين، ويقارن بين أحداثهما الروائية، والتاريخية ليجدد لنا رحلة البحث عن العاشقة الصغيرة كيميا اليتيمة، الأسطورة التى غابت مع انتهاء القربان !!.

انه يبحث عنها هناك، بين جبال الأناضول، وجبال الألب الكبير،الذى يمتد من المحيط الأطلسى الى جبال الهيمالايا، يبحث بين الأضرحة،والأشجار،والسهول، فى البوسنة والهرسك،والجبل الأسود،فى جبال السلاجقة،وفى كل مكان،عبر براثن الحلم، التاريخ، العالم، ليظهر لنا شخصية:”كيميا “، التى ظلمها التاريخ، كما ظلمتها زوجة مولانا”كيرا خاتون”،وظلمها شمس التبريزى،ومولانا جلال الدين الرومى أيضاً. حيث لم يذكرها فى أشعاره،ولو باشارة واحدة !!

انها حكايات كيميا، حكايات / وليد علاء الدين، حكاية المرأة العربية المظلومة،مقابل أسطرة التاريخ للرجل، لمولانا جلال الدين الرومى عبر القداسة الهائلة، الا أنها مشوبة بتمييز، وهى رواية الواقع السحرى،الذى تتبدّى فيه المعادلات  الموضوعية، والضمنية، والترميزية،والتراكبية، والتواترية، والاسقاطية،والتغايرية،متشابكة، حيث يندغم،ويتماهى، ويتشابك،ويتعالق: الموضوعى بالرمزى، والواقعى بالمتخيل، العام بالخاص،والحقيقى بالحالم،العقل والجنون،الحلم واليقظة،والمكان عبر الزمان،والزمان المندغم فى الحتميات،واللانهائى الممتد. وكأنها رواية تستنطق مابعد حداثة الواقع،وتأتى كذلك فى قالب تراثى،يعبّرعن الأصالة والمعاصرة معاً، ويفتح الأفق للتخييل، ولما هو هناك،خلف ظاهر النص،حيث حديث مولانا فى:”المثنوى” عن الديانات / اليهودية، المسيحية، الاسلامية، وحيث زرادشت يقابل بوذا،ويعبر معهما علاء ولى الدين،الى القارىء،الى التاريخ، بعيداً عن الحتميات، وكأنه يكسر جوقة التاريخ الجامدة، ليطلعنا الى الماضى، فى صورة الحاضر، والى المستقبل الكونى للانسانية،للعشق الالهى،للظلم التاريخى، والى السيرة الذاتية،لكيميا – التى تمثل الشهادة الكبرى،على التاريخ الانسانى، على القيم،والمقدس والجميل،الظلم الكبير لشخص البراءة / المرأة / الطفولة / العشق المتمثل فى صورة كيميا النبيلة الرائعة.

انها الرواية التى تعيد لنا ذكرى نشأة المذاهب الاسلامية الكبرى، وتحكى تاريخ العشق ومسيرة مولانا جلال الدين الرومى، فى قونية،عبر المثنوى،وأدب الرحلة،والرسائل، والسيرة التى جسّدتها: كيميا: فتاة النور والنار،والحلم والتصوف، والغياب،الظلم الانسانى عبر التاريخ، وغير ذلك.

انها كيميا،كما يقول علاء الدين: ” طعنة فى جسد الفكرة. باب تأتى منه الريح لتديرالسؤال فى العقول “.( الرواية ص:206 ).

انه فى النهاية يشيد بالرومى، بأشعاره، يعتذر له، لأنه أراد اختراق أسطورته، ليحيلنا الى واقع ذواتنا، الى الظلم الكبير،الى المثنوى، الى كلمات جلال الدين الذى – كأنه يعيش بيننا الآن: (يبدو أن تهييج الشعب،هو رهان السلطة منذ الأزل. ولا يملك السحرة لذلك سوى الكلمات التى يجب أن تقول ولا تقول،فيتوارى المعنى خلف من بيده الحجاب “. ( الرواية ص:210 ).

انها الأصوات المتداخلة، الحاضر بالماضى، حكايات آخر الزمان، حكمة الراوى، فلسفته،، صوت الريح، ايقاع “التهويدة ” – الأم التى تهدهد طفلتها – يقول:” يخرج فى آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين،ألسنتهم أحلى من السكّر،وقلوبهم قلوب الذئاب “. الرواية ص:215 ).

انه أدب الرحلة من دبى الى استنبول، الى قوطية، الى العشق الالهى، الى الشاعر الكبير، المحب الامام / جلال الدين الرومى، والى كيميا، عبر بيزنطة القديمة،أسطنبول ” – الآن –  أو القسطنطينية،الأستانة،اسلامبول الرومانية،البيزنطينية،اللاتينية،العثمانية،التركية. وهى رحلة عبر مدارج العشق التاريخى، فى معية العاشق الكبير /جلال الدين الرومى، و ( كيميا ) ابنة النور والحلم، عاشقة وملهمة الكاتب، فى هذه الرواية الباذخة.

وكيميا – كما أرى – هى الرواية الأشهى، الرواية الأهم، التى تعكس روح الانسان عبر مسيرة العشق، عبر واقعه بمتناقضاته،عبر القيم الكبرى للانسانية،كما أنها الرواية التى تجسّد صرحاً شاهقاً لأدب الرحلات، أدب الرسائل، أدب السيرة، أدب الذات،عبر رحلة الكاتب الرائع / وليد علاء الدين، الذى يظهر ويختفى،خلف ظاهر النص،ليحيلنا الى ذواتنا الانسانية الشاهقة،الى الماهيات والأسئلة الكبرى الأولى: الحياة، الموت، الحب، العشق، الحقيقة، البرهان، النور، الانسان بكل تاريخه، ومسيرته الكونية المهيبة،عبر الكون،والعالم، والحياة.

…………….

*كيميا، وليد علاء الدين، رواية، دار الشروق 2018م.

مقالات من نفس القسم