“بلبل” الأولى.. مجلة رائعة من عدد واحد!

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

هل سمعت من قبل عن مجلة مصرية للأطفال اسمها “بلبل”؟ لا، ليست “بلبل” التى بدأ صدورها عن دار أخبار اليوم فى 5 سبتمبر 1998، وتحوّلت إلى “أبطال اليوم”، ثم إلى “فارس” التى لا تزال تصدر حتى الآن، وإنما “بلبل” أخرى صدرت عن جمعية الأمل لرعاية الطفولة والأمومة، ولم تستمر طويلًا.

يخبرنا العدد الأول منها أن ثمنها 750 مليمًا، وعدد صفحاتها 36 صفحة، وأنها نصف شهرية. للأسف العدد متروك بدون تاريخ، لكن من رقم الإيداع يُفهَم أنه مطبوع عام 1984.

جمع الغلاف كل الشخصيات الأساسية للمجلة؛ ومنهم الطفل تيخا، والنحلة نيللى، والقطة لوزة والكلبة موزة، والطفل الفرعونى (الذى لم يُذكر اسمه فى الحلقة الأولى من مغامرة “مين ده والحجاب المسحور”) يرقصون معًا حول عنوان المجلة المكتوب أسفل الغلاف بخط كبير، بينما الطائر بلبل، رمز المجلة، يقف بألوانه الجذابة، وابتسامته الهادئة، فوق العنوان الرئيسى.

ضمّت المجلة 6 قصص مُصوَّرة ذات مستوى فنى راقٍ، ولغة فصحى مُيسّرة، وهى: “العازف الأعمى”: قصة مروان الشواربى، وسيناريو عادل عبد العال، ورسوم علاء الدين سعد، عن طالب فنون جميلة مصرى يفشل فى دراسته ويسافر إلى فرنسا. “الطفل تيخا والفيل الوردى”: تأليف ورسوم مصطفى أبو خشب، عن فيل وردى يكره قرصات الناموس، لكن ينصحه تيخا أن يستحم، وينظِّف بيته، كى تبتعد عنه الحشرات. “مملكة النحلة نيللى”: قصة نظمى خليفة، ورسوم أنسام يوسف، عن أهمية العمل. “مين ده والحجاب المسحور”: قصة مروان الشواربى، وسيناريو عادل عبد العال، ورسوم هدى وصفى، عن اكتشاف طفل فرعونى ينتمى للأسرة الرابعة نائمًا فى أحد المعابد، وهو ما يعنى أنه سافر فى الزمن 5000 سنة. “صفحات من كفاح العرب”: إعداد عادل عبد العال، ورسوم عادل جيلانى، عن حياة المؤرخ المصرى عبد الرحمن الجبرتى. “لوزة وموزة”: تأليف ورسم أباصيرى وسمير عن الأنانية التى تفسد الصداقة (العيب الوحيد لهذه القصة هى أن الرسم والتأليف جعلا الشخصيتين المؤنثتين اسمًا مذكّرين شكلًا ولغة!).

هناك تنوُّع فى الأبواب، مثل باب “كل سنة وإنت طيب” الذى يطلب من الأطفال إرسال صور لهم؛ مُرفَقة باسم صاحبها، وتاريخ ميلاده، وباب “تسلية” الذى يقدِّم تسالى المتاهة، والاختلافات الخمسة، وتحديد عمل كل رجل من حركته المرسومة، وباب “من التراث” الذى يروى قصة الغار، عن هجرة خاتم الرسل من مكة إلى المدينة، وباب “الرياضة” عن رياضة التجديف.

يتمكن هذا العدد الأول من صنع علاقة وثيقة مع قارئه الطفل بطرق متنوعة. فمثلًا، 3 قصص من قصص المجلة الستة مُسلسَلة، فى نهاياتها جملة “البقية فى العدد القادم..” التى تجبرك على انتظار الأعداد التالية. كذلك هناك لوحة تحتل صفحتين فى منتصف المجلة لربع صورة بلبل، وفى ذلك ذكاء تجارى يدفع الطفل لشراء الثلاثة أعداد اللاحقة، كى يكوِّن poster أو صورة كبيرة لرمز المجلة. وأخيرًا باب “بنك بلبل” الذى يقدم عملة “اللبلب”، المطبوعة فى الأسفل بقيمة 50 لبلب، ويوضِّح أنه فى كل عدد ستُطبَع هذه “النقود” بأكثر من قيمة، وذلك كى يتسنى للأصدقاء شراء منتجات المجلة، المعروضة فى صورة فوتوغرافية مغرية؛ وتضم قبعات، وساعات يد، وتى-شيرتات، وطبق فريزبى، وعلى هذه المُنتجات تجد صورة بلبل رمز المجلة، مع توضيح الأثمان؛ فالتى شيرت بـ1000 لبلب، والساعة بـ4000 لبلب، أما الاشتراك المجانى لمدة سنة فى المجلة فيستلزم 5000 لبلب.

احتوى العدد على باب “موسوعة بلبل” وهو صفحة عن الكرة الأرضية فى خلفيتها صفحة عن الأنهار، وأجمل من المعلومات المطروحة، كحجم الكوكب وأشهر 3 أنهار فيه، أن الصفحة بها خط جانبى، ونصيحة للقارئ أن يقص الصفحة بمحاذاة ذلك الخط، حتى يجتمع له مع الوقت صفحات تحمل معلومات عن أمور شتى، تحقِّق عند جمعها موسوعة خاصة به. تحرز هذه الفكرة هدفين معًا؛ التشجيع على المعرفة، وعلى شراء المجلة لتكوين هذه الموسوعة أيضًا.

هناك تأكيد ملحوظ على الهوية المصرية والعربية للمجلة؛ فشخصية العدد هو ابن خلدون رائد علم الاجتماع، وباب “المؤمن الصغير” يستعرض بطولة الصحابى المُحارِب سعد بن أبى وقاص فى معركة القادسية، فضلًا عن القصة المصورة عن حياة الجبرتى، والأخرى عن شخصية الولد الفرعونى الذى يجد نفسه فى عالمنا المعاصر، بل إن لهذه الشخصية قطًا يصاحبها، وهو اختيار لا يجىء إعتباطيًّا؛ إذ إن القط من الحيوانات المقدسة عند قدماء المصريين.

تطلق المجلة العنان لخيال الطفل؛ فهناك صفحة مسابقة “ارسم ولوِّن”، وفيها لوحة لشباك مفتوح على فراغ أبيض، وعلى القارئ أن يرسم ويلوِّن ما يراه فى هذا الفراغ، ثم يرسل الصفحة للمجلة، فقد يفوز بواحدة من 50 جائزة. جاء نص خطاب المسابقة رقيقًا واعيًا، مُحادثًا الفنان وليس الطفل، كى يقدِّم “رؤيته للعالم الإنسانى الذى يعيشه”، وفى ذلك احترام لعقلية الطفل، وتحفيز لمواهبه. أضف لذلك باب “المؤلف الصغير” الذى يشجِّع الأطفال على الكتابة الأدبية، داعيًا إياهم أن يرسلوا قصصًا من تأليفهم، والقصة الفائزة بأفضل تقدير تحظى بالنشر؛ كقصة “اللوزة المضحكة”، للطفلة “سارة حسين – 10 سنوات”، والمنشورة فى هذا العدد مرة فى صورتها السردية العادية، ثم مرة كقصة مصوُّرة من 7 كادرات مرسومة بريشة الفنانة وفاء الأكحل. يُكمل هذا الخط باب “بريد الأصدقاء”، حيث نشهد أسئلة الأطفال لصنّاع المجلة، وإجابات مثيرة لخيالهم؛ فمثلًا عندما يسأل أحدهم: “أين يطير بلبل فى إجازة الصيف؟”، تجيب المجلة: “فى بلاد لم يرها من قبل”.

حتى الإعلان التجارى الذى تقدمه المجلة، لأفلام “تيودور” للتصوير الفوتوغرافى، مرسوم بأناقة، ويستغل كلًا من شخصية لوزة وموزة لصالحه؛ ليكون جزءً من عالم المجلة، وله مذاقها.

العجيب أنى حينما حاولت الوصول إلى جمعية الأمل لرعاية الأمومة والطفولة، التى اضطلعت بإصدار المجلة، كانت النتيجة هى الوصول إلى جمعية لها الاسم ذاته، لكن تأسست سنة 1997، ولا صلة لها بمجلة صدرت سنة 1984. ثم حاولت الوصول إلى شركة “يم” التى شاركت فى إصدار المجلة، وكانت ملكًا للأستاذين مروان الشواربى، وحسام أبو الفتوح، وتقع فى حى الزمالك، لكن بكل أسف لم يعد لها وجود حاليًا. لذا أقصى ما استطعته هو التواصل مع الفنان التشكيلى الكبير الأستاذ علاء الدين سعد، الذى ساهم فى المجلة برسمه لقصة “العازف الأعمى”، واكتشفت من خلاله أن “بلبل” صدرت من عدد تجريبى واحد، ولم تُوزَّع داخل مصر. بالمناسبة، العدد المتوافر لدى، الذى بنيت هذا المقال على أساسه، أشتريته من ركن لبيع الجرائد والمجلات بأحد نوادى الإسكندرية فى نهاية الثمانينيات؛ أى بعد طباعته بعدة سنوات. على أى حال، واضح أن “بلبل” عانت من مشاكل جوهرية حالت دون استمرارها، ليصبح عددها الأول هو عددها الأخير.

لكن رغم ذلك، نجح هذا العدد الوحيد فى تحقيق أصعب معادلة؛ مُبدِعًا مجلة ممتعة، وجادة، ومصرية فى وقت واحد. وأن يساوى قدر فرحك بها أسفك عليها لتوقفها قبل الأوان، ليصير هذا العدد الآن “نادرًا” بكل معانى الكلمة.

مقالات من نفس القسم