دان فيتش[i]
ترجمة: سهيل نجم[ii]
غير رومانسي
ربما كنا نتحدث لغة
ناعمة ومتعرجة كقطع الحرير.
رومانسية، مثل الفرنسية أو الإيطالية
أو الإسبانية ـ أحب أبناء اللاتينية.
لكن القوى التاريخية
منحتنا هذه الموهبة الجرمانية في الثرثرة
التي شبهها فولتير، ذلك السلطعون الفرنسي الذكي،
بشخير الخيول.
*
هدية لعبة المتاهة السحرية
كانت هذه أفضل من الذهب أو اللبان العربي،
كانت هدية عيد الميلاد المثالية –
حلمًا رائعًا للغاية لا يمكن تغليفه،
وشعاعًا من أشعة الشمس، وبريقًا
من لون الحلوى والكروم اللامع.
خطوتنا التالية بعيدًا عن المنزل.
كانت أمي تقلقنا كثيرًا
لرؤيتنا نترنح في الشارع.
“لا تسرع كثيرًا!” توسلت إلى أبي
بينما كان يثبتني على المقعد.
كلما لعبنا لعبة سوبرمان من قبل،
بغض النظر عن مدى جهدنا في الركض
فإن منشفة الحمام التي نرتديها كعباءة
كانت بالكاد ترفرف على ظهورنا.
لم نحقق أبدًا سرعة الهروب.
– ليس حتى في تلك الساعة السحرية
عندما ظهرت دراجات التدريب أخيرًا
وبينما كانت المناشف ترفرف بعنف في أعقابنا،
طرنا في الشارع على دراجاتنا الجديدة –
كانت هذه أول تجربة لنا مع قوة الإنسان الخارق حقًا.
*
حصون
قلاع صليبية على منحدرات جبلية،
وحواجز خشبية لسلاح الفرسان الأميركي،
ومنحنيات طينية باهرة في حصون ألامو[1] –
كم أحببناها عندما كنا صغارًا.
عندما كنا ضعفاء، ومنفتحين
ومنهكين حتى النخاع
كم كنا نتوق، مثل سرطان البحر الناسك
إلى تلك الأصداف الآمنة الصلبة
المصنوعة من الخشب والصخور والحجر.
كان ثمة مساحات مغلقة ذات شقوق ضيقة
في أبراجها وأسوارها
حيث يمكن لصبي مسلح محاصر
أن يصد العالم الصارخ كله
بقوس وسهم
أو ببندقية أطفال فقط.
*
المسدسات وقراباتها
لماذا أردتُها بشدة؟
مسدسان لامعان بستة طلقات بمقابض بلاستيكية،
وحزام مسدس مرصع بمسامير فضية
وحافظات مسدس مزينة بحواف جلدية.
كنت في الخامسة من عمري فقط، لكن رغباتي العميقة
كانت تجعل أي شخص مسالم يرتجف.
بالطبع، كنت قد شاهدت المسدسات على شاشة التلفزيون –
لن يُقبض على أي شخص يعبث ببقرة
ميتًا من دون أن يحمل سلاحاً.
في الغرب القديم الخارج عن القانون، كان المسدس
هو الصديق الوحيد الذي يمكنك الاعتماد عليه.
كان يحول الصبي إلى رجل.
لكن المسدس العاري محرج:
إذا وضعته في حزامك، فإنك تخاطر
بإطلاق النار على قدمك – أو ما هو أسوأ.
ليس غير مقامر متملق من ولاية ميسيسيبي
من الممكن أن يخفي مسدسه الصغير
في جيبه أو محفظته.
لا، كان عليك أن تحمل قرابًا ـ
غليظاً وحاسمًا، وهي كلمة رجولية ـ
مصنوعًا من جلد قوي ورجولي بالقدر نفسه.
ومن الذي قد يفكر حتى
في ارتداء قراب أبيض أو وردي؟
كان الأسود والبني هما اللونان اللائقان الوحيدان.
كانت لفات القبعات الحمر تجعل الانفجارات كلها أعلى
وتمنحني أول نفحة من البارود الحقيقي.
وكان عليك أن تكون سريعًا في السحب ـ
مرارًا وتكرارًا، كنت أتدرب على إخراجها
وبعد صوت فرقعة ودوران رائع،
أعيدها مرة أخرى.
عندما يكون لديك مسدس، فإن الأشرار
يختبئون فجأة في كل مكان.
قد لا تراهم، لكنهم هناك،
يختبئون في كمين خلف الشجيرات.
كنت أسمع سارقي الماشية، وهم يقصون أوراق شجرة المطاط
التي تملكها عمتي روث.
للأسف، كنت أعيش في الغرب الجديد الملتزم بالقانون.
ومع ذلك، إذا تجرأ المجرم بلاك بارت يومًا ما
على التسلل من جهاز التلفزيون، فأنا على أهبة الاستعداد.
في تبادل إطلاق النار، لن أهرب أبدًا.
أستطيع الآن الدفاع عن أصدقائي وعائلتي،
أنا الصبي الذي يحمل المسدس الفضي.
*
ربيع الصحراء
الصحراء تفيض في هذا الوقت من العام
بأزهار صغيرة، أرجوانية ووردية وبيضاء
عيونها السود مشرقة ورقيقة مثل الغزلان
ثمة ثعبانان ملكيان يتغازلان في الرمال
في موجات وحلقات
جسداهما الطويلان المخططان يتحركان
فوق وتحت بعضهما بعضا.
من يعود لمن؟ كل بوصة
من الطول الذي بلا أطراف لها إرادتها الحرة
هل هناك اتصال،
هل ثمة نقطة ثابتة في كل هذا التدفق؟
هل يعرف هذان الرأسان الصغيران
أو يحتاجان إلى معرفة؟
لا أرجل لهما، وكلهما أرجل
فخذان سميكان كبيرا الحراشف
يفركان بعضهما بعضاً
ناعمان وجافان
بعضلات عاصرة لا تعرف الخوف
لأفاعيان جرسيتان خانقتان
عيونهما
هادئة
وذيولهما متشابكة
مثل الأطفال الذين يمسكون بأيدي بعضهم بعضاً.
*
بصل مصر
عندما هُيئ رمسيس الرابع للخلود
لم يضع المحنطون، على العكس من الإغريق،
أي عملة معدنية في فمه أو جيوبه.
بدلاً من ذلك، وضعوا بصلًا بحجم مقلة العين
في تجاويفه الفارغة التي لا ترى.
كان المصريون يقدسون البصل
كمرآة أرضية للكون.
ذكّرت طبقاته العديدة الشفافة
عالم الفلك بطليموس
بالمدارات السبع الشفافة في السماء.
حتى أن بني إسرائيل –
الذين علقوا في صحراء سيناء
وليس لديهم ما يأكلونه سوى المن-
تذكروا بصل مصر
الذي جعل حتى العبودية عذبة.
لا حاجة إذن للتساؤل،
لماذا يتجنب العشاق المصريون
التفاح المستدير والأحمر،
ويتنهدون قائلين: “أنت بصل عيني يا حبيبي”.
………………………………..
[1] ألامو هي بعثة إسبانية تاريخية ومجمع حصون أسسه المبشرون الكاثوليك الرومانيون في القرن الثامن عشر في ما يعرف الآن بسان أنطونيو، تكساس، الولايات المتحدة. وكان موقع معركة ألامو في عام 1836، الحدث المحوري لثورة تكساس التي قُتل فيها البطلان الشعبيان الأمريكيان جيمس باوي وديفي كروكيت
[i] دان فيتش رجل ذو مواهب عديدة. فهو شاعر ومترجم ورسام وموسيقي. وقد نال الثناء ليس فقط لشعره الخاص ولكن أيضًا لترجماته للأعمال الأدبية الصينية والعربية والأنجلو سكسونية. أسس مجلة الشعر الدولية “أتلانتا ريفيو”، التي يحررها أيضًا، ناهيك عن دار نشر شعر أتلانتا، وهي دار نشر محلية في أتلانتا مكرسة لنشر كتب الشعر. نقرأ في شعر دان فيتش مزيجاً غريباً وأليفاً في الوقت ذاته من بساطة الشعر وعفويته وطفوليته وانتمائه العميق للحياة التي تتجاوز التعقيد المفتعل لتراكيب الشعر المهووس بالمجازات المبالغة بسرياليتها وصورها الغريبة التي تحير القارئ وتدفعه للبحث من دون جدوى عن الدلالات والرموز المحتملة. بتصوري أن دان فيتش يسقي شعره من موارد تجد الروح فيها عوالم نقية وصافية تثير في القارئ نشوة الجمال والشعر.
[ii] شاعر ومترجم عراقي. صدرت له أربعة دواوين شعرية والعديد من الكتب المترجمة من الإنكليزية وإليها في الشعر والنقد الأدبي والرواية والفكر والفلسفة من بينها أعمال لكُتاب مثل ألسدير غري وتيد هيوز ونيكوس كازنتزاكيس وخوسيه ساراماغو وإدوارد سعيد وفيلاس سارانك ونورالدين فارح وهربرت ميسن و هالدور لاكسنس وبيلي كولنز.