بقلم: السيد نجم
إن الوعى المشف بين طيات العمل الأدبي عموما، ليس إلا وعى الأديب ذاته، ولا يجب أن تكون مقولات الأديب فعلا مقحما على خصوصية العمل الأدبي. لذلك يعد أدب المقاومة هو شكل الحوار الإنساني المبدع المعبر عن الصراع بين الواقع و المثال أو العقلي أو التنظيرى المرجو.. بهدف إعلاء شأن الواقع عله يقترب من المثالي. و تعد المقاومة رد الفعل في حالة توافر عنصر “الوعي” بالذات و الآخر مع توافر عنصر الرغبة في التجاوز و الإنجاز.
وفى قضية “الهوية” يلزم الإشارة إلى مصطلحي “الانتماء” و “الالتزام” مع توجه سياسي واع في إطار ثقافي عام يعي الحضارة الإنسانية و كينونة الذات و خصوصيتها. إلا أن السؤال عن الهوية يعبر ضمنا عن الخوف من الغياب في مواجهة “الآخر” خصوصا خلال فترات التحول في حياة الشعوب.. لكن السؤال نفسه يحمل قدرا من الطموح و الرغبة في التحقق.
أما عن “الانتماء” و “الالتزام”، فقد شاعا في القرن العشرين. و لعب المذاهب الفكرية في توجيه الأدب، فشيوع الواقعية صاحب الدعوة إلى الانتماء(الذي هو الانتساب إلى الواقع لكونه جزءا من الإنسانية) مع الدعوة بالالتزام بوجهة نظر أو موقف معين.
كما انه في معجم “لاروس” : الالتزام هو المشاركة في القضايا السياسية و الاجتماعية، و الملتزم هو الذي يتخذ موقفا في النزاعات المختلفة معبرا عن طبقة أو حزب أو نزعة.
و في الفكر الوجودي للانتماء و الالتزام أهمية خاصة، حتى جاء “جان بول سارتر” و قال:
” أن الإنسان مصدر الوجود، فهو الذي يعطى للأشياء معناها، ولا قيمة لأي شئ غير ذات الإنسان، لذلك يعد حرا.. عليه فالأديب ملتزم إذا ما اختار مهنة الكشف عن سر الإنسان و العمل على كشف ما يراه معيبا، وهو بنفس الدرجة يعد مسئولا”.
لقد بدأ القرن العشرين و العالم العربي يبحث عن ذاته (هويته) في مواجهة الآخر المحتل.. و الطريف أن ينتهي القرن و نحن في بداية قرن جديد.. مازالت القضية(الهوية) محل السؤال. فان كانت القضية في البداية تبحث عن الخلاص من المستعمر، فأنها الآن تبحث عن الخلاص الثقافي و الفكري في ظل ثورتي الاتصال و المعلومات. وهو ما يطلق عليه بالغزو الثقافي و الهيمنة الإعلامية. وقد أثارت المخاوف بالتالي: ( التعرض لفقدان الهوية العربية و الإسلامية، حالة من الاغتراب قد تصيب الصغار و الشباب، التأثير على بعض الثوابت الثقافية بالمنطقة العربية.. و غيرها)
ربما يجدر الإشارة إلى بعض الملامح الفكرية في بدايات القرن العشرين وقضية، و لتكن تلك المناظرة الفكرية التي دارت بين الشيخ “محمد عبده” و الكاتب “فرح انطون” حيث كان البحث عن الهوية متمثلا في فكرة أصول الدولة المدنية.
فقال الشيخ بضرورة توافر النظر العقلي لتحصيل الأيمان، البعد عن التكفير، و الاعتبار لسنن الله في الخلق مع عدم إعطاء السلطة للشيوخ و إبقاء مدنيين عليها.
أما فرح انطون فقال بأن غرض الحكومة المدنية حفظ الأمن بين الناس و حفظ الحرية ضمن دائرة الدستور، المساواة بين الناس بقطع النظر عن مذاهبهم و معتقداتهم، و أن للسلطة الدينية اختصاصاتها المحددة.. مع النظر إلى أن العقل البشرى مطبوع على الاختلاف و الكون مطبوع على التنوع.
.. الطريف أن فن الرواية لم يكن بالفن الراسخ بعد خلال بدايات القرن العشرين، و يمكن التأكيد بثقة الآن أن هذا الفن ولد و ترعرع و رسخ تحت إلحاح الحاجة إلى التعبير الإنساني عن تلك القضايا الفكرية التي راجت في ذلك الحين. كانت هناك العديد من المحاولات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر للتعرف على فن الرواية الذي بدأ بالترجمة ثم المحاكاة الكاملة و غيرها من المحاولات.
إلا أن الراصد لتلك الفترة و ما كتب حقيقة في هذا الفن، لا يجد إلا قضية الهوية و البحث عن الذات هي الأصل و هي الدافع الحقيقي وراء روايات كتبت بالفعل ( و بغض النظر عن البعد التقني و الفني الذي وصلت إلية الرواية فيما بعد ).
فقد استخدمت الرواية كسلاح له دوره، و هو ما قام به “فرح انطون” نفسه بعد كل المناظرات الشاقة التى مارسها أمام الشيخ ” محمد عبده”.. فنشر رواية ” الدين و العلم و المال” عام 1903م ثم رواية “أورشليم الجديدة” عام 1904م و لعلهما أولى الروايات التى كتبت في مجال المقاومة بإبراز أهمية الإصلاح و النقد الذاتي، و البحث في أثر الصراع بين ذوات “الأنا الجمعي” من الطوائف و الفئات و الطبقات داخل المجتمع الواحد، و بهدف البحث عن “الهوية”..
منذ قرن مضى، انشغلت القريحة العربية بموضوع “الهوية”، هناك من تحمس إلى الإسلام كهوية، ومن رجح العربية، والبعض في مصر طالب بالمصرية، وتعددت الاطروحات والأفكار. والآن مع بدايات القرن الجديد(الحادي والعشرون)، تجددت القضية. ليس في الأمر ما يدهش، هكذا الأمم والشعوب، مثل الأفراد عليها أن تتوقف وتتأمل أحوالها بين الحين والحين، إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
ما سبق ليس هو القضية التي شغلت الجميع حقيقة، انشغلوا أكثر بما يسمى “خصوصية ثقافة ما” وبالتالي خصوصية الثقافة العربية عندنا. وفى هذا الموضوع كتب “د. أحمد أبو زيد” كتابه الهام “هوية الثقافة العربية”. وقد وضع معيار تلك الخصوصية بعدد من العناصر هي:
“اللغة”.. حيث أن اللغة العربية لها أهمية خاصة مع العرب على هذه البقعة من الأرض، وهى بالفعل عامل تماسك بين شعوبها. ولا يتنبأ الكاتب بانفصال اللهجات عن اللغة الأم كما حدث في القارة الأوروبية، فكانت الإنجليزية، والفرنسية والإيطالية وغيرها.. كلها عن اللاتينية.
“الدين”.. إذا كانت العربية لغة القرآن، فان الإسلام هو الذي حمل العربية إلى مواقع فتوحاته الأولى. والدين هنا لا يلعب دور إتمام العلاقة بين الفرد وربه، أو هو أسلوب حياة فقط.. بل لعب الدين في الوطن العربي دوره في الربط بين أفراده والناطقين بالعربية. ولا إكراه في الدين، فوجود الطوائف والأديان المختلفة إلى جوار الإسلام، ليس إلا تعبيرا عن رحابة ذلك الدين وأهله، كذا تمتع سكان الوطن الكبير من غير المسلمين تعبيرا عن الحرية المتداولة فيما بين الجميع.
كما أن الدين الإسلامي يقدم نسقا ثقافيا متميزا تتحدد به: نظرة الإنسان إلى نفسه، مع ثنائية الروح والجسم، وأن الروح من أمر الله. وللجسد حرمته.. كما تتحدد نظرة الإنسان إلى الخالق وعلاقته به.. وأيضا نظرة الإنسان إلى الكون والكم المعرفي في القرآن عن الكون يستحق التأمل.. كما يحدد الإسلام النظرة إلى الآخر من مسيحيين وديانات أخرى، على أنها ديانات سماوية.
“التراث”.. لقد تعاون الدين واللغة العربية فى الحفاظ على كيان العالم العربي وهويته وثقافته خلال التاريخ العربي والإسلامي الطويل. ومازال يعيش فينا ذاك التراث القديم، ويعبر عن نفسه في الكثير من العادات والأفكار.
والبعض يتشكك في رابطة التراث تلك، فلم تتعرض اللغة أو الدين من تشكيك، قدر تعرض التراث، في كونه رابطة بين العرب. لذا يلزم الاعتراف بقدم وربما عدم جدوى بعض من ذاك التراث، إلا أن العربي أضاف إلى تجاربه الكثير بسبب التراث، ولا يمكن تجاهله.
والآن القضية، بعد البحث عن الروابط الثقافية بين العرب، هي الانفتاح على ثقافة الآخر، أو العلاقة بيننا والآخر، أو ما يسمى بالغزو الثقافي.
فمن الصعب عزل أية ثقافة أو أفكار خاصة بشعب أو جماعة، بمعزل عن بقية العالم، نظرا لثورة الاتصالات الهائلة الآن. وهذا الاتصال من الممكن أن يثرى الثقافات الخاصة. وربما لأن الغلبة للغرب فقد تخوف البعض واعتبرها غزوا ثقافيا. لكن الوعي بالقضية في حد ذاته يعتبر سدا آمنا للجميع.
وهناك قضية وثيقة الصلة بالثقافة، يجب الولوج فيها، ألا وهى :علاقة التعليم بالثقافة. فالتعليم يهدف في النهاية إلى إعداد الفرد للحياة لاجتماعية، يجب أن يكون النظام التعليمي متوائم مع المفاهيم والثقافة العامة للمجتمع، كما يجب أن يكون التعليم متطورا بحيث يواكب التطور، على الرغم من أنه تطور وارد من الغرب. فالعلاقة متشابكة وهامة، والاتصال أفضل من الانفصال، وعلى رجال التعليم إعداد المواءمة المناسبة.
كما أن قضية التعريب والترجمة في القلب من قضايا الثقافة، ولا يمكن تصور تقدم ما، ما لم يلعب المترجم دوره في إضافة الجديد إلى الثقافة. هناك ترجمة المصطلحات العلمية، والتقنية، والفنية. وهناك ترجمة للمعلومات العلمية الموثقة. كذلك ترجمة للآثار الفكرية في كل بقاع الأرض. فمن الخطأ الظن أن الترجمة تنحصر في الغرب فقط.
أما الثقافة الإبداعية.. قصة وشعر ومسرح وغيره، فهي المعبرة عن التعريف السابق من أن الثقافة هي المعبرة عن جماع النشاط البشرى في بقعة ما. وليس أكثر تعبيرا عن ذاك النشاط إلا العمل الإبداعي، بكل صوره.
ومع ذلك هناك معوقات أمام تلك الثقافة الإبداعية في الوطن العربي، منها: أن البيت العربي لا يلعب دوره الواجب والمنوط به، بتربية الذوق الغنى، والإحساس بالجمال، مع التنشئة الاجتماعية المناسبة. ربما بعض رجال الدين يقدمون بعض التفسيرات حول النشاط الإبداعي، وتسئ إليه. مع أنه من المعروف أن “الإبداع” ليس في الفن فقط، بل هو ملكة إذا اكتسبها الطفل، سوف يصبح ماهرا ومبدعا في عمله أيا ما يكون تخصصه. وربما يعانى النشاط الإبداعي من قلة الراعية الرسمية الواجبة ببعض الأقطار. كما أن أسلوب التعليم بالمدارس لا يحث على الإبداع، ويعتمد على التلقين والحفظ. ولا يمكن إغفال دور وسائل الإعلام في تهيئة الجميع لتقدير وفهم النشاط الإبداعي عموما. والمقصود بالنشاط الفني.. الشعر والخط، والفنون التشكيلية، الموسيقى.
ولا يمكن إغفال الثقافة الشعبية، أو الشفهية، أو المتداولة بالسليقة والمتوارثة.. فهي من ملامح الثقافة الحقيقية لأي شعب من الشعوب. والشعب العربي له تعددية اللهجات والثقافات المحلية، إلا أنها في مجملها قد تكون محددة بأطر متفق عليها، وتحكمها رؤى مشتركة.. مثل الرؤى الدينية، ورسوخ بعض التقاليد الاجتماعية المتفق على أهميتها مثل الكرم.. وغير ذلك.
مع بدايات الألفية الثالثة حاصرتنا “العولمة” و كأننا أمام كائن مفترس غريب يغزو مضاجعنا فجأة. ليس تهويننا من ذلك المصطلح ولا تهويلا، لكنها الحقيقة الجديدة التى يستشعرها العامة والخاصة هذه الايام. وقد بات السؤال: هل نحن مضمار سباق الى القاع أم الى قمة؟!أم نعيش وهما خالصا؟. لعل أهم الاسئلة: ماذا عن الهوية.. عن الذات الجمعية و الانتماء الوطنى و القومى.. فى مقابل هذه الهجمة التى قد تبدو أحيانا مجهولة المنبع و المصب؟!
أصبح مصطلح “العولمة” على درجة من الشيوع و الانتشار بحيث يكفى الاشارة اليه لتتجدد الاسئلة.. هل هى نهاية التاريخ كما يقول “فوكوياما”اليابانى؟ أم هى صدام الحضارات المتوقع كما يقول”صامويل هنتينجتون”؟.. ولا اجابة الا القول بأننا نعيش عصرا جديدا، بحيث يجب الا ننشغل الا بالبحث فى المزيد من عوامل الربط من أجل المزيد من الانتماء بالقبض على قيم الهوية الاصيلة و تشييد البناء من جديد.
أمام بشائر الثورة المعلوماتية وامكانات ثورة الاتصالات الجديدة.. اكتشف الانسان المأزق. عرف أن زيادة السكان على الأرض تنمو بمتوالية هندسية، وأن المعرفة الانسانية تتضاعف مرة كل 18شهرا، وأن ثورة التكنولوجيا الجديدة تغزو جسده وترسم خريطة جينية تحدد مستقبل امراضه المتوفعة، كما لو كان “الرجل الاخصر” الشخصية القصصية سوف نصنعها عنوة أو هكذا ظن البعض.
عموما شاع مصطلح العولمة بالعقد الأخير من القرن العشرين، خصوصا بعد انهيار سور برلين، وسقوط الاتحاد السوفيتى، وقد شاع من قبل الشعار:”فكر عالميا ونفذ محليا”. وتعمدت فى القرن الجديد برسوخ عوامل محركة و دافعة، منها: ثورة التكنولوجيا و الاتصالات، طبيعة السوق الجديدة مع اعتبار المواد الخام و المنتجة كلها ذات طبيعة دولية، سقوط نظرية الاقتصاد الموجه، مع تغير فى خريطة ميزان القوى السياسية فى العالم.
وبالقدر نفسه تخوف البعض من آثار العولمة، وهى تتمثل فى اضمحلال دور الدولة الذى ينحصر فى وضع السياسات، التخوف من التغييرات الاجتماعية المتوقعة عن سقوط وارتفاع اقتصاد الدول على حسب قدرتها على مواجهة أو التعامل مع مفاهيم آليات السوق الجديدة، الخوف على شعار بيئة عالمية نظيفة، كما تتبدى بعض المخاوف الامنية وظهور بذور جماعات ارهابية و غيره.
أما “الثقافة” وعلاقتها أو تأثرها بالعولمة فهو محور الارتكاز هنا. فسيطرة التكنولوجيا الفائقة ربما تخلق الانحلال الخلقى، التفكك الاسرى، العنف وأشكال جديدة من الجريمة، وربما الانتحار. ربما بسبب زوال الفاصل بين الواقع الحقيقى و الخيال، وربما لاسباب آخرى.
أما وقد نوقشت تعريفات القومية أو الوطن بالمعنى المعاصر مع القرن الثامن عشرنظرا للمتغييرات الصناعية و الاقتصادية، بينما كان مفهوم الهوية و الانتماء مرتبطا من قبل بالنظر الى الحاكم.. أتسع الأمر فى القرن التاسع عشر مع اتساع التجارة العالمية كى يتضمن المفهوم(أى القومية) مفهوم الهوية الوطنية وبالتالى ارتبط بالمصالح الاقتصادية للدولة.
الطريف أنه مع بداية القرن العشرين تنبأ البعض بتلاشى القومية وهو ما جاء نقيضه على أرض الواقع.. بل رسخت أكثر عما قبل، خصوصا وقد كانت أحداث الحرب و الاستعمار تعم العالم كله (وهو الدور التاريخى للمقاومة) وعلى الرغم من تعقد العلاقة بين القومية و الوطنية، الا أنه يبقى للوطنية تميزها الثقافى الذى يربط بين أفراد المجتمع المرتبطين برقعة أرض ما، أو بالوطن.. و بالتالى تأتى مفاهيم “الانتماء” و “الهوية” بما يؤكد الجانب العاطفى والشعورى لهؤلاء و هؤلاء.. فى الوطن الواحد.
لكن السؤال الان:هل البحث عن الهوية الان فى مقابل كل التخوفات من العولمة يعتبر نقيض القول و الفعل مع المتغييرات.. أو دعوة للانغلاق فى مقابل العولمة و الانفتاح.
الحقيقة أن الانتماء و الوطنية هما جوهر الهوية. فالوطنية ثقة بالانا الجمعية، لمجموعة تعيش على أرض أرض مشتركة، يشعرون بالولاء و الانتماء للأرض و الالتزام بمجموعة المفاهيم الرابطة مع استيعاب لذاكرة حمعية تتمثل فى جوهر العادات و التقاليد والقيم العامة.
كما أن الوطنية ليست التعصب ضد الآخر، ولا الغرور بالذات ولا الانغلاق على الذات، ولا هى دعاوى باطلة للاعتداء على الاخر.
الوطنية هى محور الارتكاز لاستيعاب الماضى و الانطلاق الى المستقبل….. ولا نتصورها ضد العولمة، بل انفتاح على العالم بلا غرور ولا انبهار أو احساس بالدونية. و بالتالى انفتاح على الانسانية بكل مفاهيمها وأننا جزء من عالم أرحب. لذا فالمشاركة مع الآخر وبلا افتعال بالتشدق بمصطلحات أكبر هو جوهر العلاقة بين الهوية والعولمة.
لكن السؤال : كيف يمكننا الدخول فى فعاليات العولمة و المشاركة الايجابية معها و فيها؟ وبصيغة أخرى : كيف تبدو المقاومة فى مقابل المشاركة الايجابية مع الآخر؟؟
لا يتم ذلك الا بعد التسلح.. بالوعى بملامح هذا العالم الجديد، و مفاهيمه و ملامحه.. وأن نكون على أرض صلبة وواعية لامراض العصر مثل الايدز كمرض بيولوجى، وأمراض السوق الحرة كمرض أقتصادى أو أية علة يجب التعامل معها. أن تصبح ثورة المعلومات الى جانبنا و ليست ضدنا، بالمشاركة فى وسائلها التكنولوجية، والتأهيل العلمى و المعرفى لاستيعاب المعلومات و التعامل معها بموضوعية علمية للاستفادة منها بأكبر قدر و ليس للوقوف أمامها بالرفض المطلق.
نحن فى حاجة الى آفاق للتعامل و للمعرفة قبل أى شىء آخر.. وفى كل الاحوال مسلحون بحب الوطن، بالانتماء الموضوعى الايجابى و ليس العنصرى، مع الاحتفاظ بمجموعة الثوابت القيمية العليا وخصوصا القيم الدينية.
فليست العولمة و الدخول فيها كى نخسر أنفسنا. الهوية الواعية تضيف الى الأفراد قوة دافعة للمشاركة الايجابية و ليس العكس. كى تبقى مفاهيم المقاومة على أهبة الاستعداد، خصوصا مع شكل معركة مختلف عما كان طوال التاريخ الانسانى، وكذا أسلحتها وساحة التعارك الت قد تبدأ بالأذهان أى الأقكار قبل الأفعال.
ولا يبقى الا البحث الواعى لوسائل التحقيق و التنفيذ.. فلا شك ان للتعليم (المعلم و المناهج و العملية التعليمة) دوره، وأن للثقافة العامة و الخاصة (بكل وسائل التثقيف) أهميتها. وفى اطار ذلك تتعاون كل وسائل مؤسسات الدولة / الدول المتاحة و الواجب اضافتها.. كل ذلك داخل اطار الفهم الصحيح الواعى ل”المقاومة”.
والمتابع لا يفصل بتلك الحدية، فالفهم الصحيح للمقاومة يشارك فى تحديد وتهذيب وسائل التنفيذ، واستيعاب الوسائل وتوجيهها الصحيح يوجه ويرشد مناحى المقاومة.
وقفة مع الانتماء..
يعد مصطلح “الانتماء” من أكثر المصطلحات ذات الصلة بموضوع “المقاومة” وأدبها. ليس فقط للدلالة المباشرة الشائعة، حيث يعنى الوفاء/ الاخلاص/ المشاركة الايجابية.. الخ، وكلها ذات مغزى أخلاقى. أما وقد بات المصطلح ذات دلالة سياسية وثقافية.. فليس أقل من التوقف مع المصطلح والبحث عن تلك العلاقة الهامة والمباشرة حين البحث فى موضوع الهوية/ الوطن…
يعنى الانتماء بداية، انتماء الفرد لجماعة معينة والعمل على تقديم التضحية الواجبة تجاهها ان لزم الأمر. لذا فهو قوة دافعة فى ذاته، أى أن الانتماء روح وسلوك لا ينفصلان. كما يتصف الانتماء ب”الالتزام”، حيث تصبح مفاهيم الجماعة وقوانينها وقيمها هى المعيار الذى يلزم به المرء نفسع، دون اجبار.
غالبا ما يكسب الانتماء بعض الصفات للمنتمى، منها التخلص من الذاتية الفردية الأنانية، الشعور بالسعادة حين مشاركة الجماعة وخدمتها، الموافقة المطلقة على أفكار الجماعة وان بدت غير خيرة، وبذلك يصبح الفرد متكيفا مع الجماعة.. وما البطولات الفردية الا من بواعث روح الانتماء.
وقد فسر الكثيرون الانتماء على أنه فطرى، حيث أن الانسان ضعيفا بطبعه وفى حاجة الى الآخر/الجماعة كى يشعر بالاطمئنان. كما أن الذات الانسانية لا تتحقق الا من خلال علاقتها بالخارج حيث الجماعة. كما أضاف البعض أن وجود “قضية” يزيد من الانتماء، حيث يتحول الكل الى وجهة مشتركة تجمع الأفراد وبالتالى الجماعة حولها.
لقد فسر البعض ظاهرة الاستشهاد والتضحية حتى الموت بسبب الانتماء، فتحقق الذات بالانتماء، والولاء لقضية الجماعة، ويعبر الانتماء عن نفسه بالفناء فى القضية أو المشروع العام الجامع لأفراد الجماعة.. وليس الاستشهاد الا أقصى مدى للتعبير عن ذلك الولاء للجماعة والدفاع عن القضية، فتتحول التضحية بالذات الى تأكيد لها، وتلبية نداء الجماعة (بالاستشهاد) تعبيرا عن قوتها الداخلية.
الا أنه يلزم الاشارة الى أن مقولة أن الانتماء فطرى، فى حاجة الى اضافة حقيقة موضوعية، ألا وهى أن كل فطرى فى حاجة الى تهذيب وتوجيه أو الى “تربية”.. أى أن الانتماء فى حاجة الى الصقل بالخبرات اليومية المضافة والتدريب. فتكون البداية بتحديد قضية/قضايا الجماعة، والتدريب على حب الجماعة وقبولها بكل تناقضتها (ان وجدت)، وهو ما عبر عنه البعض بالتدريب على الولاء عند الأطفال أولا. وفى فترة المراهقة يعتمد على الولاء للجماعات الطبيعية، مثل الأسرة والفصل وفريق الرياضة.. وهكذا.
وأخيرا فعلاقة الفرد بالمجتمع هامة فى تحديد حريته وفى التماسك الاجتماعى نفسه. ولأن مسألة الوحدة الوطنية قضية هامة ومصيرية، فان موضوع “الانتماء” من أهم الموضوعات الواجب تزكيتها دوما فى مجال الحديث عن “الوطن” والمواطنة، وبالتالى حب الوطن وجمايته والدفاع عنه الى حد الفناء من أجله.
لعل نمو وازكاء روح البطولة لا يتشكل الا من خلال “الانتماء”، حيث الصراع بين رغبات وشطحات الذات الفردية، وحاجات الجماعة ورغباتها، فتتولد روح البطولة أولا من خلال وعى الفرد بتحقيق حريته من خلال جماعته، وفى مرحلة تالية تعبر روح البطولة عن نفسها، من خلال الفناء من أجل قضية الجماعة للتعبير عن الانتماء وقوة الذات المنتمية.
الهوية / الوطن / الأرض:
ترى ما هى هوية الوطن؟.. هل هو قطعة أرض نعيش فوقها؟ أم اناس احببناهم وأحبونا، او حتى تعايشنا سويا ومها من أجل غد افضل للجميع؟ أم ترى الوطن هو الأرض والناس معا، فتشكلت ملامحنا وعواطفنا بفعل الأرض والناس معا، فأسمينا الجوامع وطننا؟!
الأرض.. لتكن هي ذاك التعيين المكاني، تكتسب الدلالات و المعاني بما يتجاوز ملامحها المادية، فتكتسب بعدا روحيا و قيما عليا، حتى أن التحقق الإنساني ذاته لا وجود له دون ذلك الحضور الباقي دوما للأرض.
هي البقعة الإقليمية التى يكبر فوقها الفرد، فتغدو بذرة فى الذات الفردية و الجماعية.. ولا يبقى دونها إلا الفداء بالروح و الدم. وما البذل من أجلها فى “الصراع” إلا لأنها فى “السلم” أعطت.
للأرض حضورها المميز فى الإبداع منذ القدم.. صورها الشاعر العربي القديم بتصوير ديار الحبيب، و لما تركته صور أطلالها.. كما تجلت بحضور مختلف. والآن يمكن أن نقول: أن الصراع من أجل الأرض ليس إلا دفاعا عن الذات بكل ما تتضمنه من معاني الوجود و الحياة نفسها.
تبدت الأرض فى الإبداع العربي و الرواية خصوصا على أشكال عدة و رؤى مختلفة، و أن اتفقت فى مجموعها على أنها بمعنى ما الرحم والنماء. لقد نالت الأرض ما تستحقه فى الإبداع الروائي خصوصا، بل و زادت عددا بعد نكبة 1948م فى فلسطين.. وهذه نماذج منها.
: رواية “الأرض”.. “الأرض المكان”
صدرت هذه الرواية للمرة للكاتب “عبد الرحمن الشرقاوى” عام 1954م. تعبر بشدة عن الأرض بوصفها “المكان” المهدد غير الآمن، و قد تعرض سلام الأرض للخطر، و نتيجة للاستلاب فقد الناس الإحساس بالأمن و السلام، فضلا عن إحساسهم باغتصاب.
فالرواية تعرض للعلاقة بين الفلاح و الأرض.. التى هي الشرف و العرض. و التراث الشعبي عموما زاخر بالسخرية من ذاك الذي يهمل أو يبيع أرضه. لكن ماذا يكون الحال إذا تعرضت الأرض للاغتصاب.. ؟
إن جوهر الصراع فى تلك الرواية ينبع أساسا من ذلك التوحد الوجداني البارز بين الفلاح و الأرض. إذا لم يجد الكاتب أية مشقة فى إقناع القارئ أن يجعل من حادثة استيلاء الباشا على جزء من الأرض سببا مقنعا للصراع.
فالأرض هي مصدر الخير من مأكل و مشرب، وهى المأوى.. بها يصبح الفرد فى مكانة اجتماعية خاصة و ترفع من شأنه.. و أن برز فى الرواية أن الأرض هي التحقق للإنسان البسيط بل وجوده كله.
: رواية “الوباء”.. الأرض المعنى
تعتبر رواية “الوباء” للكاتب “هانى الراهب” من الأعمال الروائية التى تناولت فكرة الأرض من زاوية خاصة.. ألا وهى الأرض المعنى.
فقد قدم الأرض من خلال تلك الأجيال المتوالية، جيلا بعد جيل.. مختلفا و متنوعا فى الخصائص و الملامح، ولا يثبت إلا الأرض المكان التى تحولت الى معنى. فالأرض تبدو جلية فى بداية و نهاية الأحداث المتصارعة، و هي التى تكشف عن المتناقضات بين الأفراد (أفراد سلالة الشيخ السنديان).
فالجد الأكبر “السنديان” نال مكانته الاجتماعية و سلطانه بسبب الأرض.. و على مدار قرنين، جيلا بعد جيل تتوالى الأجيال و المصائر. وتعبر الأرض عن نفسها بل عن دورها عندما يموت الجد الأكبر و تبدأ عملية تقسيم الأرض.. حيث يبدأ الصراع، و تنكشف دخائل الناس، لتكشف العيوب.. كل العيوب.
رواية “قدرون”.. الأرض المكان و المعنى و المستقبل
رواية ” قدرون” للكاتب الفلسطيني “أحمد عوض” (المقيم داخل فلسطين) تبدو و كأنها جمعت ملامح النموذجين السابقين، مع ملمح الرؤية المستقبلية.
الأرض هنا ورثتها الأبناء جيلا بعد جيل، إلا أن الجيل الجديد أهمل الأرض.. الوحيد الذي حافظ عليها و بذل الجهد و العرق، فاكتسب صفات أكسبته مكانة متميزة بين الجميع.. وهو ما يبرز سمة أهمية الأرض المكان و المعنى.
يوم أن تواردت الأخبار بوجود الكنز فى جوف الأرض.. بدت الرؤية المضافة هنا. الأرض المستقبل، الحلم / الحقيقة، و بدا يشارك بالفكر فى طرق التنقيب عن الكنز.
أما و قد تم اكتشاف الكنز.. الحقيقة، كانت مرحلة جديدة من الرواية، حيث معنى الخصب و النماء و الأمل و الجمال. كيف لا تعنى ذلك و الكنز هو تمثال من الذهب “بعل و عشتاروت” الذي يعنى كل تلك الرموز و المعاني.. ؟
فلما تآمر الحفيد “على” و قرر بيع الأرض الى أحد اليهود الأمريكان، يبدأ صراع من لون جديد بين عثمان الجد و الحفيد. خلال تلك المرحلة من الصراع يتعرف القارئ على جانب تأريخي هام حول تلك الأرض، يذكرها الجد و يسرد بطولات كانت و مضت كافح فيها الأباء عن الأرض نفسها.
بدت الأرض الماضي و المستقبل، و الحياة المطمئنة.. لكنه أعلن عن استعداده للحرب و هو الجد العجوز، ليس من أجل الحرب و لكن من السلم و المستقبل السعيد.
رواية “السد”.. الأرض الرمز
نشرت هذه الرواية للمرة الأولى خلال عقد الخمسينيات من هذا القرن، كتبها الروائي التونسي “محمد المسعدى”.
لقد اكتشف “غيلان” ينبوعا غزيرا و فقرر أن ينشئ سدا يخزن خلفه المياه لتتمكن الناس من الاستفادة من المياه المخزنه فى الزراعة. إلا أن البعض لا يرضيهم ذلك، يحاربون أفكاره و تحركوا كي يمنعوه فعلا.
لولا أن “ميارى” الشخصية الرمزية، لعله الخيال.. وقف الى جانبه مشجعا. و يبدأ غيلان العمل، و كانت المفاجأة حيث ثار العمال أنفسهم و حطموا السد الذي بدا وقد شارف على الانتهاء. بل سعى بعض العمال الى قتله.. لذا فكر جديا فى عدم معاودة المحاولة، لولا أن الخيال أو ميارى حثه من جديد لمعاودة المحاولة. لكن يبدو أن السماء غير راضية عليه فقد تهدم السد، قدره أن ينهار السد كلما شارف على الانتهاء 11
عموما يعتمد العمل على خلفية فلسفية مع توظيف فنى للرمز كي يقول لنا الروائي: هكذا الحياة، و حتى السلم لا يخلو من الصراع.
متى يتحول “النوستالجية” أو “الحنين الى الوطن” الى “اغتراب” مقاوم؟ وبعدا آخر معبرا عن الهوية؟
ولماذا الاغتراب تحديدا؟
إنها “محنة” تلك التي يستشعرها الفنانين والأدباء، منذ أن كانت الحرب العالمية الأولى والثانية وحتى الآن. فكان “الاغتراب” الذي ضرب بجذوره معبرا عن نفسه في الأدب والفن.
فقد راجت الفلسفة الوجودية بعد الحرب العالمية الثانية، ربما بسبب الشعور باغتصاب حياة الإنسان وأفكاره خلال ذاك القرن الماضي.. فكانت مشاعر السلب والتشيؤ، مع التبرم من المعطيات الاجتماعية بعامة، وربما السياسية والاقتصادية في الكثير من دول العالم.
عبرت تلك المحنة عن نفسها في أعمال الأدباء.. أمثال “تشيكوف”، “كافكا” و”ت. س. اليوت” وغيرهم. كما توقف أمامها المفكر “كيركيجور”،”جان بول سارتر”. أما في الأعمال الموسيقية فقد عبر عنها”شونبيرج”، “سترافنسكى” وغيرهما. حتى عبر “كافكا” عنها بقوله:” إن سير الحياة، يحمل الواحد منا ولا ندرك إلى أين؟، لقد أصبح الواحد منا، شيئا جمادا، أكثر مما هو مخلوق حي”. ربما أكثر التعريفات المتفق عليها:”الاغتراب هو عبارة عن تخارج إمكانات الإنسان، وتحققها على هيئة أفعال، هذه الأفعال تعلو عليه وتتباعد عنه، بحيث تصبح وكأنها شئ آخر، منفصل وغريب عنه”.
يقول “د. فاروق وهبة” في كتابه “الاغتراب في الأدب والفن”، أن ظاهرة الاغتراب توجد في أقوال “أبوحيان التوحيدي” في القرن العاشر الميلادي.. الذي قال في كتابه “الإشارات الإلهية”:” لم تواتيني الدنيا لأكون من الخائضين فيها، والآخرة لم تغلب على لأكون من العاملين لها”. ومن أقواله وكتاباته يتضح أن الغريب عند التوحيدي، هو ذلك الإنسان الشقى الذي ينطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، والذي يشعر بالاقتلاع من هذا العالم، الجذور تربطه، إذ أنه لا يقوى على الاستيطان في أي مكان، ويأتي هذا الشعور بالمحنة، وعدم التكيف مع الواقع من ذلك الإحساس المركز بالتفرد والعلو الذاتي.
وهناك أنواع من الاغتراب “السيكولوجي… والتكنولوجي”.. أما الاغتراب الإبداعي.. وهو الذي يحقق معنى التخارج المشار إليه سلفا. الطريف أن أغلب الجماعات والمذاهب الفنية والأدبية في القرن العشرين انبثقت من أحد جوانب مفهوم الاغتراب. لم تكن “الدادية” كحركة فنية إلا معبرا لهدم القديم وبناء الجديد لعصر جديد. “الانطواء” عند السرياليين بهدف الغور إلى الأعماق.. فيكون إما الفرار أو التكيف
إن الاغتراب الإبداعي له سماته وملامحه.. منها محاولة فهم الفنان للواقع بطريقته الخاصة، وهو حين يقدم تفسيره للتجربة البشرية لا يملك إلا الحقيقة الفنية.. وهى أول سمة للاغتراب الإبداعي. وهو ما أكسب الفن مفهوما جديدا يقوم على معنى الاستقلال(أي استقلال الفن) وأن هدفه وقيمته خاصة به وحده ليس مسئولا عن الحياة أو مسئولا عنها.
وبالتالي شاعت سمة “القيمة الاستيطاقية” محل “الجمال” بالمعنى الشائع المباشر للكلمة. فتحولت دلالة “القبح” من معناه التقليدي إلى معنى استطيقى أو جمالي وخاصة لذاك الذي يشعر بالاغتراب. وقد قدم البعض تعريفا للقبح:”هو ما يثير تأمله الاستطيقى ألما أو كدرا”. فكانت الوجوه المشوهة عن تفجير القنبلة الذرية على هيروشيما مثلا،أكثر جمالا وتأثيرا.
وهو أيضا ما يبرر البدء بتلك المفاهيم الأولية حول “الاغتراب” قبل التعرف على عدد من الروايات.. العراقية، الشابة، المهاجرة أو المنفية. كلها ملامح اتسمت بالشعور بالغربة إما لأن الكاتب مهاجر أو منفى، وإما لكونه رافضا وتحت سطوة المؤسسة شعر بالنفي. والنماذج المختارة لروائيين عراقيين شباب، أو كتبوا أعمالهم المشار إليها وهم في سن الشباب.
رواية “قوة الضحك في أورا”..
صدرت رواية “قوة الضحك في أورا” للروائي “حسن مطلك” عام 2003م، بعد وفاة صاحبها،عن دار “الدون كيشوت” للنشر بسوريا. تقع في 144 صفحة، وقد سجل الكاتب تاريخ الانتهاء منها عام 1987م. وهى الرواية الثانية له، بعد رواية “دابادا” التي نشرت عام 1988م. قام شقيقه “محسن الرملي” على جمعها ودفعها إلى المطبعة، وهو ما يفسر الفارق ألزمني بين الكتابة والنشر الذي تجاوز ست عشرة سنة.
والرواية تعد من الأعمال الشاقة في القراءة والمتابعة، ربما بسبب المزاوجة الزمنية إلى حد التوحد بين القديم والجديد في الزمان والمكان أيضا.. حيث “أورا” عاصمة الآشوريين، هي نفسها مسرح أحداث طفولة وحياة “البطل”. كما وحد بين الراوي، والروائي، وشخصية “ديام” حيث يقول الكاتب: “ديام” هو أنا.. كيف أنكر؟.. وآدم هو أنا.. وأوليفر هو أنا.. !
“أورا”.. تاريخ مفتعل أو هو كل مكان لم أره.. القبر/الموت.. أو الهرب من مكان لآخر.. أو ذكريات تحولت كوابيس(هذا ما قاله الروائي في كلمات قليلة قبل الفصل رقم 1. )
يقول الروائي : “لن أكتب رواية، لا أريد إرضاء أحد.. لست بحاجة إلى من يصفني بالبطولة في مسألة الانتصار على الألم”.. أننا إذا أمام “حالة” في رواية، وليست رواية تقليدية تسرد حالة على النسق الأرسطى. كل ما نسعى إليه هو الولوج إلى عالم مغاير بين دفتي كتاب، يحتمل التأويل، والكذب، والشفقة. وفى كل الأوقات عليك أن تصدق الكاتب وتسعى لأن تتحمل الألم المتولد سطرا بعد سطر. “ألم” شفيف راق وعزيز، ألم يحمل داخله العزة والكبرياء والأماني الطيبة.. يحمل الحلم.
.. ” الطفل مع أبيه، وأدم الحداد أو العم، في حضرة الرجل الإنجليزي.. الطفل مع العم القوى العفى، يخرجان، يتركان “أورا”.. سرعان ما تآلف الطفل مع المكان الزاخر بعظام البشر والجماجم التي دفعتها مياه الأمطار الغزيرة من تحت الأرض إلى سطحها.. مملكة أشور من حوله.. تقفز الأحداث هنا وهناك. الرجال حول الإنجليزي في حوار زاعق، حيث تغوط أحدهم عمدا في حضوره.. والصغير يلهو مع “مطلق وياسين” صائدا الخنازير في البيداء، ومع “ديامة” الجميلة التي تنضج يوما بعد يوم.
لكن “سيل المطر، الفيضان الكاسح، فعل فعلته.. قسم الناس إلى قسمين، منهم من نبت من أنقاض مملكة أشور، ومنهم من سقط وغرق وحملهم النهر إلى فم البحر. تماما كما قسم السنة إلى نصفين، وحيث اخترع الناجون –في سنة واحدة- اختراع الملعقة والحذاء.
صحيح الجد الأول أو الأكبر “دلهوث” لم يفقد ما في الذاكرة كليا، فهو صاحب الأسماء كلها.. أما الجدة أخبرتهم أن “دلهوث” قال:” كلكم أبنائي فما الذي جعلكم تنقسمون إلى عشائر وأنتم من ظهري”؟؟
وكان المطر والأم تمنع ولدها من ترك الدار، وكان الفيضان الذي يحفر في الأرض ويخرج الجماجم، التي شعر الطفل أنها ستغزو حوش دارهم. أمام الخطر الجاثم، بات الطفل روح تاريخ، تذكر أقول جده الأكبر “دلهوث” الذي يرى بأن الإنسان لا يكون إنسانا عندما يخطئ، أما الذي لا يخطئ فهو من البشر. “لقد جئت مسلحا بيقين الانتباه والغفوة معا، حاضر من منطقة الظل… “. كان منهم من يمشى على الماء، ومنهم من خاف مقدم الحيتان مع الماء/الطوفان، فأغلقوا الأبواب.. مع ذلك كانت الأموات أكثر من الأحياء. وكان كل حرص الأم ألا يصل الطوفان إلى صندوق الثياب.
تماما كما حرص “أوليفر” الإنجليزي على سرقة التمثال أو الثور الحجري، بمعاونة العم “حداد ومع رفض الأب الذي اشترى ثورا حيا يرعاه ليلقح أبقار أورا كلها، لعلها تخصب ثورا حجريا. يعد نفسه بالأمان ويعد أولاده. أما الأم فلم تحلم أن تكون روحا تاريخيا، بلا أية فكرة عن الشر، لذلك لم تكن من الممثلين لسلالة دلهوث، وفق مقاييس الجدة التي تقول نقلا عن دلهوث:” باشر بإزالة الشر ستجد نفسك قد باشرت الخير.. مجرد إزالة الشر هو عمل خير”. فيما ينسب الأب الأمر كله إلى جزاء العقاب على ذنوب لا يتذكر أنه ارتكبها.
“الكوابيس” لها دور فاعل، جعلته ينظر إلى النافذة معترفا، وقد امتد بصره نحو “الغرب” :”أنت أفضل شخص عرفته يا ديام، لأنك مثقف بثقافة غربية”. ويأتي ضوء الغروب ويلون كل شئ. فيما تنشغل ديامة في الحفر لأجل شق ممرات “لضوء الغروب”، حتى كانت لحظة الاكتشاف.. عثرت على العلبة التي نقلتها إلى البيت. دفعها الألم أسفل بطنها أن تطوى ألمها ونفسها داخل الحجرة وحدها، لم تكن تدرى أنه الخصب يشق طريقه إلى جسدها.. وبداية مرحلة جديدة في حياتها كأنثى.
كان العم الحداد يعانى من تضخم خصيته، وكان الولدان (أولاده) يباشران صيد الخنازير ومتابعة النساء اللاتي يدخلن على “الحداد”، بينما اهتمت “سارة” الابنة الصغرى للحداد بحث الرجل على متابعة إنجاز طلبات الناس وصنع أشيائهم. لم يجد “الحداد” حلا سوى أن يقطع خصيتيه.
“تفاحة” ابنه الحداد الكبرى تعرف حكاية أبيها، فتقتل زوجها لتعود إلى “أورا”. أما “سارة” الابنة الأخرى، فلم تخرج إلى الناس لشهور طويلة، فلما خرجت منحت نفسها له.
كما كان للطوفان من اثر واضح على أورا، كان الحال بعد قطع خصية الحداد. تحول الرجل من العنف إلى الرقة، وتحول ولداه من مطاردة الخنازير إلى إذلال أبيهما، فيما كافح ديام إلى إخراج “تفاحة”، لأنها أرادت أن تراه لاخلاصه بعد أن قتلت زوجها.
تماما كما كان لحادثة الغوط أمام الإنجليز من أثر، فقد خرج الرجل يحفر حفرة هنا وهناك كي تغيط فيها الناس. فشل، فسرق ثور حجري مجنح بمساعدة أولاد الحداد. وحل ديام في العمل مع أوليفر مكان أبيه، وكان ضائعا بين أكداس الفخار، ورفوف الكتب، في الهواء المشبع بالشمبانيا………….
فلما تبدأ المواجهة بين ديام والإنجليزي، فيكون بسبب العلبة التي وجدتها ديامة وأعطتها لديام.. إنها علبة الملكة الآشورية، تستحق الصراع لروعة جمالها.. وتبدو الأرض وكأنها على وشك زلزال قوى، تراقصت التماثيل في حديقة البيت، كادت تسقط.. بل سقطت بالفعل، وسقط سور السياج، وسقط كل شئ، حتى اوليفر.. “ورأى أوليفر يزحف بسرواله الأبيض ذي العلامات النحاسية، ويبتسم بوداعة، ثم ينحني ليقطف العشب بأسنانه” ص144
حالة كابوسيه تعيشها، تغوص فيها أو تغوص فيك، فلا تتوقف عند السؤال: ما مصداقية هذا الحدث أو ذاك.. تتوقف طويلا أمام المنمنمات الكثيرة، الملقاة بعناية وقصدية، وراء موقف، جملة، وربما كلمة.. ثم تتساءل: هل كان يعنى الروائي بعمله رصد تاريخ البشرية كلها، وآلا ما هي دلالة “الماء/ المطر/ السيل/ الفيضان / النهر /البحر” ؟ ثم “أورا” الآشورية المحطمة الذابلة.. أو لنقل المنهوبة، فلم يبق منها سوى العظام والجماجم والصندوق الملكي؟ ثم قطع الخصية، والثقافة الغربية، وضوء الغروب ؟
وأخيرا “الزلزال” الذي لم يرد لفظا صريحا، عاش القارئ أعراضه ونواتجه.. فقد غاص “أوليفر” الإنجليزي على الأرض يقطف العشب بأسنانه؟؟
هناك بعض الأعمال يفسدها التفسير المباشر، أو الشرح المتفلسف، لأنها ببساطة “حالة” فنية عاشها الفنان صاحب العمل، نقلها بمنجزه اللفظي والخيالي، ولا حيلة لنا أمام مثل تلك الأعمال إلا التأمل، والاستمتاع الذهني والوجداني بها.. ورواية “قوة الضحك في أورا” للروائي “حسن مطلك” منها، لعلنا نضحك من الألم وتتحقق نبؤه العنوان!!
….. ….. ….. …..
رواية “الفتيت المبعثر”..
تقع “المقاومة” بين “الحرية” و “العدوان”.. ثلاث دوائر متدخلات، فلا حرية غير مدعمة بمفاهيم المقاومة، ولا مقاومة إلا بأفاعيل العدوان المعززة للحرية. وهى أما مقاومة “إيجابية” أو “سلبية”. أما المقاومة الإيجابية فهي المباشرة بإبراز العنف نحو الآخر العدواني، والمقاومة السلبية بإبراز العنف نحو الذات. ويعتبر “الهروب” بكل أشكاله وتجلياته ضمن عناصر المقاومة السلبية المشروعة.
والأدب العربي المقاومى معبأ بتلك الأعمال الإبداعية نثرا وشعرا. كما تعد رواية “الفتيت المبعثر” للروائي العراقي “محسن الرملي” واحدة من ذلك النمط المقاومى، وقد نشرت عام 2000م وفازت كأحسن رواية عربية مترجمة عام 2002م (الجائزة منحت عن إحدى المؤسسات الثقافية بالولايات المتحدة الأمريكية). يقيم الروائي حاليا في المنفى الاختياري له (أسبانيا)، وقد صدر له من قبل مجموعتين قصص، ورواية، فضلا عن مسرحية واحدة.
“الرواية بداية مهداه إلى فتيت آخر مبعثر، إلى “روح شقيقي حسن مطلك لأنه بعض من هذا الفتيت.. المبعثر”، وهو إهداء دال وعتبة للنص موحية.. حيث كانت محاور تجربة الشقيقين هي الفرار والهروب من وطأت الحكم الصدامى بالعراق.
كما رصد الروائي تحت عنوانين “متماثلين تقريبا” الرسالة التي حرص من أجلها على كتابة روايته. أولا: “صفر الروي” حيث يقول:”نحن المبعثرون في المنافي لم نختر أماكننا الحالية، وانما وصلنا اليها اثر انفجارات الدخان في حجر النار الأزلية، والمترنحون اختناقا لا ينظرون:أية بقعة تطأ أقدامهم!!.. “. وفى الثانية: رصد الراوي أحواله بعد الخروج “الهروب المقاومى” إلى حيث مجتمع تخلع فيه الفتاة الأسبانية بنطالها لتبول على زجاج بوابة المترو ليلة السبت، من أثر المخدر. ثم كانت القصيدة التي ربما استوحى عنوان روايته منها (للشاعر ماهر الأصفر)، حيث تقول:
“بستان الخزف الأمثل
– الفتيت المبعثر –
آن خلخال نحاس
نحت أقراط نحاس
أن اسم المرأة المثلى
وجسم المرأة المثلى
والقماش.. شفيفين
أن من حولي بعيدون
وكفى معمة.. “
هذا المدخل الذي يعد التفاتا إلى المناخ النفسي للعمل الروائي، غير منفصل عضويا عنه، بل قد يضيف في الدلالة والمعنى.
تقع الرواية في عشرة فصول بأرقام من 1 إلى 10، تسبقها كلمات الشاعر “قاسم حداد”:
يريدون إقناع الشعب
كم هو على خطأ
نظرة القائد هي المصيبة
إنها مصيبة… حقا “
“قاسم” الفنان التشكيلي (ابن عم الراوي)، وان كان يقتنص قوت أيامه من إصلاح الأجهزة الكهربية والإلكترونية (وهو جانب إصلاحي غير خاف عن القارئ دلالاتها)، هو واحد من عدد كبير من الأبناء لرجل قتل الضابط الإنجليزي في شرخ شبابه، ويفهم الوطنية بطريقته، وان اختلف مع “قاسم” تحديدا في دلالة الوطن.. فهما معا أبناء أخلصوا له.
الأب “عجيل” (زوج عمة الراوي) وطني بالمعنى الشائع، وربما بالصورة التي ترضى السلطة (أية سلطة). يقول في جلساته :
“أعبد وطني.. إني أعبد وطني” ص25
فيعلق الملا صالح: “إنها وثنية جديدة والعياذ بالله”.. ومع ذلك فللرجل تجربته وأفكاره حول الوطنية، يكفى أنه قتل الإنجليزي “ابن الكلب”. بل هو الذي قدم أسرته للوطن، وقودا للحرب فيما بعد. صحيح حدث أن ابتلع القنفذ ذات يوم وهو صغير، فتعلق القنفذ في حنجرته وبح صوته، لكن لم تمنعه تلك الحادثة عن المشاركة، بل أكسبته خصوصية إذا ما تكلم استمع الجميع.. (ويبقى لبح الصوت دلالته أيضا مع تلك الشخصية غير النمطية أو التقليدية).
أطرف ما خلص إليه الرجل أنه قسم العالم والأفعال والأشخاص إلى قسمين، “نشنن” أو “غير نشنن”، تلك اللفظة التي نحتها عن نطقه الخاطئ لكلمة “ناشيونال”. و”نشنن” تعنى الجيد والصحيح!
لذا فقاسم والابن الآخر “سعدى” ليسا “نشنن” لأنهما هربا من الجيش ومن الحرب (الحرب بين العراق وإيران،في الثمانينيات، إبان حكم صدام حسين). برر قاسم هروبه.. لأنها لا تنسجم وميوله الفنية، وانه لا يريد أن يقتل أو يقتل، وأن الحرب التي بعث اليها تعتبر مهزلة.
أما سعدى فهو صاحب المقولة الموجزة: “شئ حلو.. شئ غير حلو”، والحرب وجدها شيئا غير حلو.. فهرب.
أما الابن “عبد الواحد” فهو “نشنن” أكيد، لأنه اشترك في الحرب ولم يهرب، وان مات فيها، وحصل الأب على نيشان ووسام فخم، تسلمه مع تسلم جثته!. لقد التزم الابن “النشنن” طوال حياته بقوانين الحكومة، وخرج من أجل الدفاع عن الوطن والعزة والكرامة والسيادة والشرف والعزة والتراث.. خرج ولم يعد إلا جثة هامدة!
وحول محور “الوطن” و “الحرب” تدور أحداث الرواية وشخصياتها، تلك التي خاضتها العراق مع “إيران”/ الجيران. فقد جلس القائد أمام مجلس الأمة ليأخذ موافقته الصورية على إعلان الحرب، إلا أن أحد الأعضاء البسطاء قالها ببساطة.. عندما نختلف مع جيراننا، نعلو بالسور بيننا وبينهم، وربما نضع قطع الزجاج فوقه، وربما أكثر من هذا وذاك.. لكننا لا نحاربهم. وافقه القائد، طلبه للمشاورة في غرفة جانبية. سمع صوت طلقة رصاص، عاد بعدها إلى القاعة لأخذ الرأي في شأن موافقة الأعضاء، بينما بقى الرجل، لم يعد ويره أحدهم فيما بعد!.. لقد بدأت الحرب إذن!!!
تتوالى القتلى، ويتوالى توزيع الأوسمة مع جثثهم، والهروب من الحرب. ليتفرغ “قاسم” لفنه وعندما يرسم القلب وخريطة العراق.. يكون القلب باللون الأخضر، والوطن باللون الأحمر. وهو ما اعترض عليه الأب وبات بابا للخلاف بينه وبين ابنه، طوال الوقت. فالأب لا يرى منطق عنده يبرر أن يكون اللون الأحمر للوطن، بل هو للقلب.. أليس هو مضخة الدم؟. لكنه في لحظة رضاء مع نفسه، يقر أن الولد قاسم وطني أيضا، أيا ما يكون لون ما رسمه، اكتفى بالقليل “أن أصبح –قاسم-وطنيا ويرسم الوطن”، وقال:”المهم أنها صورة للوطن”!
قبضت يد الموت زوج الابنة “وردة”، ويا لمأساة وردة الجميلة. عندما مات لم تكن تعرف إن كان زوجها رجلا يستحق الاحترام بحسب ما أخبرها به “قاسم”.. أحبها أم أنه مأخوذا بالحرب، التي أخذته منها، حتى أخذته إلى الأبد، لم تستطع الشابة الجميلة الصغيرة الحكم على رجولته!
أما “سعدى” الذي قبض عليه بتهمة الهروب من الحرب، ولأنه بين المختل عقليا والسوى عقليا، وضعوه تحت الفحص في معسكر الهاربين. هناك مارس شذوذه الجنسي مع قائد المعسكر،ومارس كل شذوذ أنقذه من المهالك!، بل أصبح من وجهاء القرية واقرانه عندما ذهب إلى المدينة وأصبح رئيسا لرابطة أحباب القائد!!
.. ويبقى “قاسم”/ “الفن” والحلم والأمل المجهض، يبقى حيا بين طيات الأحداث حتى تلك التي لا يشترك فيها مباشرة. كما يبقى حيا في ذاكرة ووجدان أهل القرية كلهم، فقد تم إعدامه بعد أن حصلوا من أبيه على ثمن الرصاصات النحاسية التي أطلقت عليه، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، فوق فسحاية القرية. ولما حاول “الملا صالح” ستر الجثة الممزقة بعبأيه، قبضوا عليه، واختفى لستة شهور.. عاد بعدها يدعو للقائد من فوق المنبر في كل صلاة!!
كما عاد الأب “عجيل” إلى نفسه، وفهم لماذا كان لون الوطن أحمر، بينما لون القلب أخضر، في اللوحة التي رسمها قاسم. قال:
” الآن فهمت اللوحة يا قاسم
نعم.. نعم.. فهمت يا قاسم” ص79
وتبقى “وردة” الأنثى الجميلة ليستنطقها الراوي جملتها الدالة الأخيرة، تدعو للانتقام :
“لقد جعلناه فتيتا مبعثر… سأجعله فتيتا مبعثرا”
قصص “انتحالات عائلية”..
صدرت المجموعة القصصية “انتحالات عائلية” للقاص العراقي “عبدا لهادى سعدون” عن “دار أزمنة” للنشرعام2003م. من إصدارات الكاتب قصص”اليوم يرتدى بدله ملطخة بالأحمر/1991م”، شعر “ليس سوى ريح /2000م”.. مع العديد من المترجمات. وقد كتبت قصص المجموعة ما بين الأعوام 97-2001.
تلك المقدمة ليست من فرط الحديث حول المجموعة القصصية المعنية، أظن أنها ضرورية قبل قراءة تلك القصص التي هي فرط من الأحوال والتجليات لجوهر واحد ووحيد.. وهو هم القاص في البحث عن ذاته التي هي: “فأنا لا أعرف من أنا كما يرددون. ثم يضيفون أنك لست بمغترب، ولا هارب، ولا حاد الأسنان، ولا منفعة لمسح أكتاف، ولا منفى، فلا أنت أبيض ولا أنت أسود، فمن تكون بعد أكثر من باب وأكثر من بحر؟” ص13
بتلك الكلمات القليلة تشكلت أحوال القاص وقصصه.. وعليك أن تقرأ القصص التالية (ثمان قصص) من المجموعة للبحث عن إجابة للسؤال الأولى الذي افترضه، أو لعله طرحه دون أن يقصد أو عن غير عمد.
إليكم تلك القصة :
“لأنني بلا حكاية مقنعة، فأنني أبتكر أمامكم حكايتي الخاصة…
“كل حكايتي كانت هذا اللاشىء: اسم”…
رفع ساقيه في الريح فلم تتكئا على ريح، فسقط فتكسرت أكتافه…
عن أبى: إن أصلابنا تعود إلى آخر الزفرات في بطن جارية للحجاج حين أطبق ترسه على طين أضلاعها في فراش القيلولة حتى غفا في وفرة الدفء والدبق ودسم فروج مشوي مازالت هشاشة لحمه تحرق تفاحة رقبتي…
“أنتظره.. حتى يخرج عصفور من فمي ويختفي في الصمت”.. هذا ما فكرت به كمدخل للقصة…
القصة التي تقرؤونها معي وتصرون على تبديل عنوانها لأنه ليس فصيحا(ونين)، فأخبركم بأن (الأنين) بلهجتها –هي أمي إلا أنها لا تستطيع تحديد الأشياء- لا يكتمل دون حذف الألف وإضافة واو بدله ولأنها لا تعنى الأنين وحسب بل الحرفة وذوبان الجسد وشد الأوصال وذرف الدموع حتى لا يبقى أثر لدمعه واحدة…
بعد أن بحثت “غادة السمان” عن تماثيله في أنقاض الحجر والصواريخ وسط بيروت، لم تعثر على شئ…
ومنذ أن وضعت قدمي في مدريد، وأنا أشعر في كل لحظة ثمة ثور سيباغتني وينبت قرنيه في خاصرتي…
خرجت من كؤوس (جبار أبو الشربت) عند حافة دجلة، بعصير رمانة، لأصل عند الفندق وسط مدريد، لا لشيء سوى أن أعصر البرتقال كل ليلة قبل عودتي إلى غرفتي…
أمضى في الشوارع بثقب في جبهتي.. (لا تحاول أن تجدد العالم)…
.. ما سبق ليست قصة كتبها القاص، ليست أكثر من السطور الأولى لقصص المجموعة!! وهو ما يثير السؤال حول إمكانية قراءة قصص المجموعة كعمل متتابع يجمع بين طياته خط سحري خفي بدأه القاص ب”لأنني بلا حكاية”… و انتهى بالاختراق في جبهته التي هي (ذاته) وأنه لا جدوى من محاولة تجديد العالم!..
يمكن قراءة القصص كأطياف متنوعة الألوان عن أصل واحد، لذا فضلت ألا أتناول قصص المجموعة قصة فأخرى، لأنها في الحقيقة سوف تكون قراءة مبتسرة. ومع ذلك نسعى لجمع الشتات ونسأل سؤالا آخر: ما هي خصوصية عبد الهادي سعدون المبدع، والتي تبدو جلية في هذا العمل؟
.. التساؤل حول الخفي وطرح الظاهر المباشر، لعله من خلال بحثه يهتدي إلى ضالته غير المعلنة. في قصة/فصل “حراكه” حيث يبتكر القاص حكاية ليكتبها.. وقد أخذوه إلى حيث لا يعرف، والقوا به في القارب الغامض يتساءل:”أراقب أين أنا؟، فأجداني محاطا بالوجوه نفسها التي تركتها منشورة كأجنحة قبعة عريضة تراقب أفقا لا يتحرك… “
.. الشخصيات نتعرف عليها من أفعالها ومن آثارها وتأثرها، ليست هناك ملامح وجوه ولا صور أبدان، فلا الأم رسمها لنا ولا الجار.. ومع ذلك عرفنا الكثير عن الأم (مثلا) عندما أشار إلى أنها تنطق “الأنين” ب “ونين”. كما عرفنا الجار عندما خاطبه في قصة “ونين” قائلا: “كتبت القصة منذ زمن بعيد، هو ليس الآن، ربما قبل عشرة أعوام عندما لم أفكر بعد بكتابتها، ولم أكن أتخيل حتى اللحظة التي سأجلس فيها لأسطر الحروف.. “
.. الأحداث ليست سوى انتقالات بالكلمات، فبدت “اللغة” صاحبة خصوصية لا يمكن الانفلات من تأثيرها والالتفات إلى دورها. عفوا فتحت الكتاب بعد إغلاقه، فكانت “تزوير”! حيث غاص القاص في أثر “الخفة” والتي شاعت كفهم وفكر في القصة والرواية خلال العقد الأخير من القرن الماضي.. فكانت مفرداته هكذا : “هذا اللاشىء- تشبثت بال”هنا”- ولأنني بلا أثر – التجرد من الأثقال- جريت بكل قوة الروح.. وغيرها بالصفحة الأولى فقط من القصة”.
.. وهناك ملمح استخدام المفردات الأجنبية بالحروف اللاتينية، تلك التي شاعت ومازالت محل التساؤل حول جدواها وضرورتها.. لن نفترض جوابا ما، فقط نرى أنها هنا في تلك المجموعة وردت محدودة وموظفة بشكل مناسب في القصة الوحيدة التي وردت فيها، قصة “تزوير أو محروقة أصابعه”.
.. وربما يجدر الإشارة إلى أن القاص استخدم “ضمير المتكلم” في قصصه، وهو إن كان عمدا أو عن غير ذلك، متوافق مع توجه القاص الحائر المتسائل.. الباحث عن ذاته وعن الحقيقة. وقد أتاح ضمير المتكلم للقاص قدر من السماحة وعدم التحفظ، لنقل قد يخال للقارئ أحيانا أنه يقرأ اعترافا ما أو رغبة في البوح ودعوة إلى المشاركة تصل إلى حد الصراخ وما هي بصراخ !!
يقول صاحب قصة “مخبرو أجاثا كريستى”: “في الليل تقترب عربتهم. أنزل إلى السرداب ولا أرى شيئا. وصفوا لي مشخوش. بحثت الليل بطوله ولم أعثر عليه. أخبرتهم وقالوا لي أحمل ما تراه. قبل الفجر ملأوا عربتهم بكل ما طالته يداي. ألواح ومسلات، رؤوس ورؤوس بعيون وبدونها، بهيئة شياطين أو ملوك أو آلهة. تركوني وحيدا منهكا أعلى التل، هواء ثقيل يحيطني، فراغ ثقيل وروح فارغة، بينما عليقتى الوحيدة الممتلئة بالدنانير. “
“انتحالات عائلية” للقاص”عبدالهادى سعدون” متميزة، وفيها ما يستحق وقفة أخرى، والطريف أن القاص يكتب الشعر أيضا وهو الواضح في قصصه! كما أنها تضيف إلى مفهوم وملامح المنجز الإبداعي لجيل كامل من شباب العراقيين وشيوخهم.. كان الترحال والفرار والهروب قدرهم.
…… ……. ….. …..
الهوية /الوطن / المرأة
يبدو أن نضج الروائى لا يكشف عن نفسه من خلال التقنيات الفنية وحدها، وان تعلق البعض بالمقولة القديمة أن الموضوعات مطروحة على الطرقات. ففى لحظة تأمل لتلك الروايات التى تعاملت مع المرأة – وكثيرا ما يحدث، وربما الأفضل أن نقول نادرا مالا يحدث – تتضح رؤى الروائى ونضجة الفكرى بدرجة رؤيته و تعامله مع المرأة فى عمله الفنى.
صحيح هناك من استفاد من المرأة لجذب الانتباه، خصوصا مع بدايات الرواية. لكنه دوما تبقى الاعمال الأكثر نضجا التى جعلت من المرأة وسيلة للتعبير عن القيم العليا وهدفا من أجل حياة أفضل.
مر التناول الناضج للمرأة فى الرواية بمرحلتين واضحتين، الأولى تلك التى كانت مع محاولات البحث عن النضج التقنى و الفنى لجنس الرواية نفسها.. الثانية تلك التى بدأت مع نضج الرواية و الروائى معا.
ففى المرحلة الأولى، بدا الوقوف الى جانب المرأة معادلا للموقف فى مواجهة سلبيات و فساد المجتمع والطموح الى الأفضل. لذا كانت الروايات التاريخية التى جعلت من المرأة البطولة و الشخصية المحورية.. كما فى رواية “زنوبيا” للكاتب “سليم البستانى” وهى ملكة تدمر التى اعتلت كرسى العرش، حكمت و حمت وادارت دفة أهل حضارة من أقدم الحضارات فى العالم العربى والانساني. كما كتب فى الموضوع نفسه الكاتب “محمد فريد أبوحديد” فى روايته “زنوبيا ملكة تدمر” عام 1941م أى بعد 69عاما من الأولى، وان كتبت الاولى احياء للتراث.. كتبت الثانية كرد فعل لقضايا اجتماعية و سياسية كانت تموج بها الحياة الاجتماعية بمصر فى حينه. ( وهذه الرواية تحديدا تعد المؤشر الأول لتأريخ المرحلة الناضجة الثانية)
وهناك روايتان تؤكدان وجهة النظر تلك التى ترى فى نضح التعامل مع المرأة نضجا للكاتب، وهما “عذراء دنشواى/ للروائى محمود طاهر حقى عام 1906م” و ” فتاة الثورة العرابية / للروائى يوسف أفندى حسن صبرى عام 1930م-والتى كتبت فى 1903م”. ففى الأولى غلب الموضوع حيث حادثة من أهم الأحداث الوطنية بمصر، حيث ذروة الصراع مع المحتل الانجليزى. وان اعتمد الروائى على وثائق المحاكمة ولم يعمل فيها البناء الدرامى و الصراع الداخلى الواجب فى الرواية، الا أنها من الأعمال الهامة تأريخيا، ويلحظ المتابع أن العنوان و المحتوى لم يهمل للمرأة دورها. أما الرواية الثانية فقد اعتمد الروائى بدوره على مذكرات الزعيم”أحمد عرابى” و جعل من جندى الخدمة أو الحراسة الخاصه به البطولة، حيث نسج خطا رومانسيا مع احدى الفلاحات بقريته، وكان العنوان اشارة اليها.
قد لا يبرز للمرأة دورا بالمعنى العملى او التقنى بشكل مناسب، يكفى الاشارة الآن الى قدر جدية الموضوع وعلاقته بالمرأة وهو أكيد فى الروايتين المشار اليهما.
لعله من قبيل الاشارة فقط، يمكن سرد بعض تلك الروايات التى ماثلت الروايتين السابقتين بدرجة ما، ولمزيد من تزكية فكرة جدية و انتماء الروائى نفسه.. منها: “الفتاة الريفية / محمود خيرى عام 1905م” و ” زينب / محمد حسين هيكل عام 1913م” و ” ثريا /عيسى عبيد عام 1922م”.
و مع عقد الاربعينيات من القرن العشرين، بدا جليا ظهور جيل من الروائيين رسخت على أيديهم تقنيات جنس الرواية الادبى، ومنهم انتقلت الى الرواية و رؤيتها للمرأة الى مرحلة جديدة من مراحل الروائى العربى و الرواية نفسها.
حظيت “المرأة” في الإنتاج الروائي العربي باهتمام الروائيين، إلا أن التوقف أمام أشكال تلك التناولات لم يلق الاهتمام الواجب، إلا من خلال الفحص العام للعمل الروائي نفسه، وليس بالنظر البانورامي المكثف عليها وحدها.
هنا سوف نلقى الضوء على جانب منه، وهو تأمل بدايات كتابة الرواية، وموقع “المرأة” منه.. من حيث التوظيف، درجة الاهتمام، دور المرأة الحقيقي في العمل الأدبي، وغير ذلك الذي يتسع لدراسة طويلة.
لعل أهمية تلك الوقفة السريعة هو البحث عن البعد الاجتماعي و الأخلاقي وربما الاقتصادي و السياسي، خلال زمن الرواية، وليس أجدر بالمرأة والبحث عنها للكشف الصريح أو الحقيقي.. والذى يشى فى النهاية بالوعى المقاومى.. وبالوطن!
ففي النظر إلى “عنوان” الرواية، من خلال التسلسل التاريخي أو الزمني لكتابتها، نرى الأعمال التالية تناولت اسم المرأة صريحا :
: “زنوبيا” و “بدور” و”أسماء” و”سلمى” و”سامية” للكاتب “سليم بطرس البستانى” أعوام 71و72و73و78و 1882م. : “أنيس و أنيسه” للكاتب “نعمان عبده القساطلى” 1881م. : “هيلانة” للكاتب “نجيب غرغور” عام 1885م. : “إدوارد وميليا” للكاتب “عزيز الزند” عام 1886م. : “حديث ليلى” أو “الدر النظيم” للكاتب “محمد التميمى” عام 1888م. : “فابيولا” للكاتبة “عفيفة أظن” عام 1895م. : “أرمانوسة المصرية” للكاتب “جرجى زيدان” عام 1896م. : “هرميكس المصرية” للكاتب “سليم الأسود” عام 1896م. : “اوجينى” للكاتب “سليم شاكر” 1900م. : “قصة جوزفين” للكاتب “سليم سركيس” عام 1901م. : ” بديعة و فؤاد” للكاتب ” عفيفى كرم” عام 1906م. : ” زينب” للكاتب “محمد حسين هيكل” عام 1913م. : “دولت” للكاتب ” محمد على رزق” عام 1919م. : “نجلا” للكاتب ” قسطنطين ملحم” عام 1920م. : ” فكرية هانم” للكاتب ” محمد على رزق” عام 1921م. : “ثريا” للكاتب “عيسى عبيد” عام 1922م. :”إقبال هانم” أو ” مسارح العشاق” للكاتب ” محمود كامل فريد” عام 1926م. : ” زبيدة” للكاتب ” على أحمد الشاهد” عام 1926م. : ” سكينة “أو “على مسرح الحياة” للكاتب “عباس محمد “عام1926م. : “سعاد” للكاتب ” أحمد عبد الحليم العسكري” عام 1927م. : “نفرت” أو “عشيقة فرعون” للكاتب ” يوسف صبري” عام 1928م. : “جلفدان” أو “عثرات القدر” للكاتب “سيد جعفر” عام 1931م. : “فاطمة” أو ” الفتاة المعذبة” “السعيد محمد” عام 1931م. : ” دولت “أو “الوفاء الأبدي” للكاتب “عيسى محمد السباعي” عام 1933م. : “إيزيس” للكاتب “محمد زكى” عام 1934م. : “ثريا” للكاتب “جمال الحسيني” عام 1934م. : “هند و المنذر” للكاتب ” اميل حبيبى الأشقر” عام 1935م. : “سونيا” للكاتب ” محمود محسن” عام 1936م. :” بثينة شهيدة الوفاء” للكاتب ” سيد خفاجى” عام 1937م. :” وفاء” للكاتب “عز الدين حمدي” عام 1938م. :” جميلة أميرة الغناء” للكاتب ” كامل محمد عجلان” عام 1940م. :” زنوبيا ملكة تدمر” للكاتب “محمد فريد أبوحديد” عام 1941م. :”فاطمة البتول” للكاتب ” معروف الارناؤوطى” عام 1942م. :”أحلام شهرزاد” للكاتب “طه حسين” عام 1943م. :”زينات ” أو “التكفير” للكاتب “حسين عفيف” عام 1943م. :”إيزيس و أوزوريس” للكاتب ” عبد المنعم محمد عمرو” عام 1945م. :” نفرتيتى” للكاتب ” سنية قراعة” عام 1945م. :”مديحة” أو “الشيطان لعبته المرأة” للكاتب ” أحمد الصاوى محمد” عام 1946م. :”سلوى في مهب الريح” للكاتب “محمود تيمور” عام 1947م. :”أروى بنت الخطوب” للكاتبة “وداد السكاكينى” عام 1948م. :”عفاف” للكاتب ” خير الدين الأيوبي” عام 1948م. :”سلمى الثعلبية” للكاتب ” شعبان رجب الشهاب عام 1949م.
هذا الحصر الفعلي للروايات التي عنونت بأسماء بذاتها لمرأة و اعتمادا على ببليوجرافي الرواية العربية إعداد د. حمدي السكوت، وحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين يكشف على جملة ملامح وهى:
لقد نظر الروائي إلى المرأة في بداية التعرف على جنس الرواية نظرة ساذجة، على اعتقاد منه أن إضافة اسم امرأة ما قد يفتح شهية القارئ على القراءة، فضلا عن أن وجود المرأة في حد ذاته بالعمل من عوامل الجذب والجاذبية في الرواية.
عادة ما يكون العنوان معبرا عن محور العمل الروائي، مع إمكانية التوظيف الرمزي لهذا العنوان، حيث أنه المدخل للرواية. أما أن يوضع العنوان باسم امرأة بلا توظيف فنى، فلا جدوى منه.
هناك بعض الروايات في الفترات الأولى للرواية والتعرف عليها، وربما حتى رواية “زينب”، لم تكن أكثر من ترجمات لروايات أجنبية، وخصوصا في الأدب الفرنسي، وبدلا من كتابة ترجمة.. يكتب تأليف وهوالمترجم في الحقيقة. تلك الروايات في الغالب يكون عنوانها نسائي. منها باسم أجنبي أو عربي.
نالت الشخصيات النسائية التاريخية حيزا من اهتمام الروائيين، فكانت بعض الروايات التاريخية باسمها، منها ما يعتبر اختيارا مناسبا و منها بهدف جذب القارئ.
يلاحظ الدارس لموضوعات الروايات التى كتبت في البدايات الأولى والى مرحلة طويلة من بعد، غلبة الفكر الأخلاقي، مع إقحام أحكام الوعظ و الإرشاد. إذن و الموضوع أخلاقي فلابد أن تكون المرأة في حضورها المشوه والمتهمة دائما بأنها لعبة الشيطان.. كما في رواية “مديحة” أو “الشيطان لعبته المرأة”.
لا يخلو الأمر من وجود بعض الأعمال (القليلة) التى تجد في المرأة رمزا للوفاء.. كما في روايتين تحديدا، إلا وهما “بثينة”أو “شهيدة الوفاء”.. و “دولت” أو “الوفاء الأبدي”.
منذ نشر رواية “غابة الحق” للكاتب السوري” فرنسيس المراشى” عام 1865م، يمكن حصر رواية واحدة أو أكثر منذ عام 1900م حتى 1949م، معنونة باسم امرأة ما.
هناك من كتاب الرواية ربما يعد مغرما و عن عمد يطلق اسم امرأة على أغلب أعماله الروائية، مثل الكاتب “سليم بطرس البستانى”.. الذي كتب: “زنوبيا”، ” اسماء”، ” بدور”، “سلمى”، ” سامية”.
هناك بعض الروايات يكون العنوان باسم امرأة ذات دلالة فنية.. كما كل الأعمال الروائية المستوحاة من التاريخ القديم، مثل رواية “زنوبيا” و”زنوبيا ملكة تدمر”، و “إيزيس”، وكذلك تلك التى ذات دلالة فنية مثل “احلام شهرزاد” لطه حسين.
إن كانت هناك بعض الروايات بأسماء نسائية صريحة، هناك العديد من الروايات تحمل صفات نسائية وتوحى بأن البطولة ومحور العمل هو امرأة، منها:
(قصة فؤاد و رفقة حبيبته” للكاتب “نخلة صالح” عام 1872م، و ” بنت العصر” و”الفاتنة” للكاتب “سليم بطرس البستانى” عام 1875م و 1877م، و “غادة لبنان” للكاتب ” عبده ميخائيل بدران عام 1889م، و “شهيد الغرام” أو “ظبية طنطا” للكاتب “انطوان غوش” عام 1894م، و “المرأة في الشرق” للكاتب ” مرقص فهمي” عام 1894م، و ” عذراء الهند” للكاتب “أحمد شوقي”…….. )
إذا ما ضممنا الاسم الصريح لامرأة أو تلك الأوصاف الدالة عليها بعناوين الروايات التى كتبت في بدايات نشأة جنس الرواية وحتى عام 1949م.. لن تقل نسبة تلك الروايات عن النصف من المجموع الكلى للروايات المنتجة خلال تلك الفترة. وقد جذبت الرواية أسماء كبيرة من الشعراء وغيرهم مثل “أحمد شوقي” و “على مبارك”.. وكانت أعينهم على المرأة كعنصر جاذب في العنوان لقراءة الرواية.
شغلت الرواية بالمرأة على أشكال و درجات مختلفة، فلما نضجت الرواية في بعض الأعمال الفردية لبعض الروائيين، وكذلك بدت أكثر نضوجا على يد جماعة منهم حتى رسخت كجنس أدبي جديد على العربية (بالنظر إلى الشكل و المفهوم الغربي للرواية).
لعل أبرز توظيف للمرأة (عن وعى وقصدية أو عن غير قصد) هو جعلها رمزا للوطن، فباتت المرأة في العديد من الأعمال الراسخة تعبيرا عن قهر ما أو الرغبة في التحرر من عدو ما، وأحيانا هدفا يلتف حوله الجميع، و تتعدد التناولات الرامزة.. (وهو جوهر الأدب المقاومى).
ربما هذا الربط له مبرراته الموضوعية، حيث القرن العشرين هو قرن الاحتلال و التحرر للوطن العربي، ومع تصاعد صيحات الكفاح ضد المحتل، يتبلور التوظيف الرمزي أكثر للمرأة مع اتساق نضوج الكاتب و الرواية نفسها كفن جديد. كما جاءت المرأة الرمز مع الوطن حتى بعد التحرر من الأجنبي. وكانت مرحلة الصراعات من أجل حياة أفضل من خلال الصراع الأيديولوجي و التغييرات الاجتماعية الطموحة هنا أو هناك.
لقد عبر الناقد السوري “شاكر مصطفى” في كتابه “القصة في السوريا حتى الحرب العالمية الثانية” عن هذا المدخل ص61 قائلا: ” فمع تقدم الطبقة البورجوازية إلى زمام القيادة في المجتمع، تقدمت أيضا مثلها، ومبادئها الاجتماعية، فتطور تكوين الأسرة من الطراز الأبوي… وظهرت المرأة بعض الظهور… لقد كان الحب خطيئة، فوجد من يدافع عنه، وكانت الحرية فكرة من الأفكار فوجدت السدنة أو الضحايا “.
: لعل رواية “عودة الروح” للكاتب “توفيق الحكيم” عام 1933م من أنضج الأعمال الروائية في حينه.. وكانت “سنية” رمزا شفيفا فنيا لمصر.
“سنية” فتاة رائعة الجمال.. أحبها الجميع، كل من حولها أحبها، وأعلن عن حبة، كل بطريقته و أفكاره و حيله. و…. وفشل الجميع في الوصول إلى قلبها؟!. الجميع اكتشف خيبة الأمل في تحقيق مراده، أعلنوا ذلك صراحة لبعضهم البعض. فما كان منهم إلا أن تجمعوا من أجل عملا مشتركا يتجاوز أزمتهم و يعلون به هم حب سنية.. فاشتركوا معا في أحداث ثورة عام 1919م ضد المحتل الإنجليزي.
بعد الثورة تحرك قلب سنية، اتجه نحو “مصطفى” ممثل الطبقة الوسطى الجديدة، وهو التاجر في مدينة “المحلة”.. ونجحت سنية في أن يعدل مصطفى عن فكرة بيع الدكان الذي يملكة لأحد الأجانب (وهو ما حدث و شاع بعد ثورة 1919م)، ثم واصل عمله التجاري برضاء الحبيبة.
واضح التوازي والإسقاط معا بين قصص الحب و الأحداث اليومية مع كون “سنية” هي مصر، أو الوطن.
: ثم كانت رواية “زقاق المدق” للكاتب “نجيب محفوظ” عام 1947م، والتي وضعت “محفوظ” بقدم راسخة بين أقرانه ومن سبقوه.
“حميدة” من حواري القاهرة الفقيرة، فيها من القبح والرذائل ما كان في الحياة الاجتماعية بمصر بعد الحرب العالمية الثانية التي اكتوت البلاد بنارها. بها و فيها سقطت كل الثوابت والقيم بسبب الحرب.
ارتبط بها الحلاق “عباس”، وبقيت كل الشخصيات تأكيدا لاكتمال الصورة (ربما صورة المجتمع المصري من خلال مجتمع الحارة)، لم يكن تعلق حميدة بعباس، كان إلى السياسي القواد صاحب الملهى الليلي، لم تخرج من الحارة إلا للدخول في عالم فاسد (الملهى). فكان موت عباس العاشق من طرفه فقط مع بقاء حميدة، دليلا لعجز المحاولات الفردية لتخليص الوطن (حميدة). (ربما يكون الكاتب بعرضه هذا يتنبأ بثورة جماعية ويرفض الحلول الفردية، وهو ما قال به الناقد رجاء النقاش في كتابه “أدباء معاصرون” ص71. )
: رواية “زينب و العرش” للكاتب “فتحي غانم”، تعبر عن عدو مختلف، ورمز المرأة الوطن مختلفا. كيف لا وقد خرج المحتل، المواجهة أيديولوجية فكرية إذن ؟!
“زينب” المرأة الجميلة الطموحة، خطط لها الأب قبل وفاته بأن تتزوج أميرا يقدر جمالها. تابعت الام المهمة، زوجتها من الدبلوماسي بفرنسا، وهو ضعيف الشخصية فحققت معه الثروة ولم تحقق الحب و الاستقرار. على كثرة نزواتها لم تجد الحب و الاستقرار إلا مع الصحفي الشاب “يوسف” بكل دلالات البراءة و الشباب المخلص لوطنه.
كما لعبت بقية شخصيات الرواية دورها البارز في تأكيد الجوانب الاجتماعية و السياسية لمصر، من خلال علاقتهم مع “زينب”.. هي المحور الرئيسي إذن حتى بالنسبة لعم صالح (غير المثقف).
مع ذلك فالكاتب رأى آخر في موضوع رمزية “زينب”، يقول في حواره مع الناقد “حسين عيد” المسجل في كتاب” فتحي غانم الحياة و الإبداع”: ” لقد قرأت للأستاذ الطرابيش، حين كتب عن شخصية زينب أنها تمثل مصر… فكما قلت أن العمل الفنى يكتمل بالمتلقي أيضا، ويقول رأيه ويفسره. ولكنى، عندما أكتب الرواية أقصد امرأة من لحم و دم، أما أنها تحولت إلى رمز عند المتلقي.. فهذا أنا لا أقصده مباشرة”.
: روايات “ريح الجنوب” و “نهاية الأمس” و ” بان الصبح” للروائى “بن هدوقة” الجزائري. ترجع أهميتها في أنها تمثل ثلاث مراحل من كفاح شعب الجزائر من أجل التحرر من المستعمر الفرنسي.. كما تعرض لمراحل التطور الاجتماعي هناك. ماذا عن المرأة إذن وكيف دللت بالرمز ؟
“نفيسة” ترفض الزواج من “مالك”، لكنها لا تستطيع التعبير أو التصريح بهذا الرفض، ذلك بسبب البناء القيمى في المجتمع و الأسرة، فالأب هو السلطة التي تأمر فتطاع مهما كانت النتائج أو الآراء المخالفة.. (في رواية ريح الجنوب)
“نعيمة” تقابل القرار نفسه، من الأب المسيطر، لكنه هذه المرة قرارا بالقتل!. يظن الأب أن ابنته حملت سفاحا، بلا أية رغبة أو محاولة للتأكد مما يعتقد قرر قراره. يسحبها من القرية وفى اللحظة الأخيرة تتضح الحقيقة ببراءتها. أما وقد قرر الأب أخيرا أن يعدل من فكرة القتل، قرر قرارا مستبدا آخر، إلا وهو حرمانها من متابعة دراستها بالجامعة. لتبقى المرأة رمزا للاضطهاد و الظلم.. ( في رواية بان الصبح)
” رقية” تواجه العالم كله، وتشعر بالمقت من الحياة نفسها.. وكيف لا وقد عصفت الحرب بحبها الحقيقي، بزوجها و راعى أسرتها، وعليها أن تتحقق حتى يتحقق لأولادها الحياة الكريمة.. المرأة رمزا للمقاومة و الصمود أمام الحروب و القسوة بكل أشكالها مع الحفاظ على أبناء الوطن و الأجيال الجديد’ أو المستقبل.. (في رواية نهاية الأمس )
تلك النماذج المحدودة من الرواية العربية (وغيرها) جعلت من المرأة رمزا.. إن عمدا كما هو واضح في البعد الفكري في رواية عودة الروح لتوفيق الحكيم، وأصبح غير مباشر في رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ وذلك لغلبة البعد الاجتماعي على الرواية، أما فتحي غانم فقد رفض تعمد الرمزية في روايته زينب و العرش، ثم جعل بن هدوقة المرأة الضحية وسيلته لاقناع القارئ و الوصول إلى أهدافه. وفى كل رمزية الوطن مباشرا كان أو غير مباشر.
… أما وقد حققت المرأة الكثير من المكاسب فى الحياة العامة، مثل حق التصويت والتعلم والعمل وغيرها، فلا يبقى سوى أن تمارس حقها وتعلن عن ذاتها الى حد التمرد، وهو ما التقطه بعض الروائيين، وكل عبر بطريقته ورؤيته.
: رواية “الرباط المقدس” ل “توفيق الحكيم”
انها زوجة الطبيب المنشغل عنها زوجها فى عمله وقراءاته، تمل تلك الحياة الروتينية، فتسعى الى “راهب الفكر” باحثة عن الخلاص، خصوصا أنه ممن يقرأ لهم زوجها، وربما بسبب الفضول والبحث فيما يشغل زوجها عنها.
يتجه راهب الفكر بكليته نحو تلك المرأة والتى بدت له تجربة لا يمكن اهمالها، ويكون ما يكون بينهما، وهو ما سطره الرجل فى كراسته الحمراء (أن حقيقة أو خيالا).. وتكون تلك الاعترافات الفاضحة، وتنهار الأسرة (أسرة الطبيب أو المرأة).
لم يكن السؤال المؤكد هو :ما حقيقة ما تصوره الزوج وأغضبه؟ المؤكد هو ما نجح الروائى فى ابرازه، الأ وهو تمرد الزوجة!. ففى ص172 تتحدث عن اللهو بلهجة الواثق المتحدى وتؤكد أنه حقها المشروع. صحيح بدأ الحوار بينها وبين راهب الفكر أقرب الى مناقشة القضايا نظريا أو مناقشات فكرية، الا أنها قررت أن تأخذ المبادرة فى يدها، وأن تنفذ كل ما تعتقده أنه الحل لمشاكلها. وتقول لراهب الفكر ص247: “أخرج معى الآن الى المجتمع لتعرف فى أى عصر تعيش، انه ليدهشنى من رجل مفكر مثلك أنه مازال يحيا مع شبح الأفكار الميته وخرافات الكتب القديمة”…
هكذا تدعو “المرأة” رجلا لأن يفعل بصرف النظر عما يتضمنه هذا الفعل من معنى. هاهى ذى المرأة ترى الحياة كتابا يستحق القراءة والممارسة. انها امرأة متمردة اذن، وأنثى متمردة تستحق التأمل أيضا (بالنظر الى زمن كتابة الرواية وما هو شائع ومتعارف عليه).
: رواية “أنا حرة” ل “احسان عبدالقدوس”
لعل تلك الرواية تحديدا يمكن بها أن تحدد الكثير مما يمكن ان يقال عن ادب ورؤية “احسان عبدالقدوس”، على الرغم من كونها الرواية الأولى للكاتب (نشرت عام 1954م).
فالشخصية المحورية “أمينة” تسعى لتحقيق “الحب” على طريقتها، مع تمردها المعلن على قيم المجتمع (وان لم يوظف تمردها من أجل الأنا الجمعية أو التعبير عن الهم العام، وكانت فكرة ممارسة الحب هدفا وحيدا وأساسيا فى الرواية، وهو ما يوفر الجانب التمردى الذى نريد ابرازه فى الرواية المعاصرة).
فقد تعلمت حتى تخرجت من الجامعة المريكية (فى حين لم يكن التعليم متوفرا فى المجتمع عموما وللمرأة خصوصا). كما مارست العمل فى المجتمع الوظيفى.. لكن فشل التعليم والعمل فى توفير “الحرية” التى تسعى اليها.. وان عاشت واندمجت مع عشيقها الثورى “عباس”.
: رواية “السكرية” ل “نجيب محفوظ”
فضلنا شخصية “سوسن حماد” للتعبير عن الجانب التمردى للمرأة فى الأدب، على كثرة الشخصيات النسائية بالعمل (الثلاثية)، لكونها تمثل الجيل الثالث وقد جاءت بنمط آخر عن غيرها من سيدات الثلاثية.
آمنت “سوسن” بالأفكار التقدمية، اصبحت كاتبة ثورية فى مجلة “الانسان الجديد”. بدت وكأنها على النقيض من نموذج “أمينة” فى “أنا حرة”.. حيث التعبير عن “الحب” على النقيض، كأن الجنس نقيض الثورية ولا يجب على الثورى التعبير عن حبه.. عندما يسعى “أحمد” زميل الصحافة أن يعبر لها عن حبه، تقول بعنف: “هذه الحياة هى الجد كل الجد، وأنت تعبث”ص309.
بدت ملامح التمرد فى تلك الرواية مختلفة، وهو ما وضح من خلال علاقتها بأحمد فى اكثر من موضع الرواية، حتى أنها تحمل كتابا معها اذا ما تواعدا على لقاء، وكأنها مأمورية عمل!! كما رسمها الروائى أكثر عقلانية وحكمة من أحمد…
ترجع أهمية الرواية و”سوسن” أنها رصدت صورة مختلفة ومضافة الى صور المرأة المتمردة فى الرواية، بحيث بدى التمرد من أجل الوطن، والوطن وحده.
: رواية “الأرض” ل”عبدالرحمن الشرقاوى”
“وصيفة” الفلاحة ابنة شيخ الخفر “محمد أبوسويلم”، ممن وقفوا وقفة رجل واحد أمام الهجمة الشرسة للأقطاعى، وقد قرر نزع أرض أبوسويلم وغيره لتشييد الطريق الممهد الى قصره.
تبدو “وصيفة” جميلة القرية، حلم كل شبابها.. “علوانى”، و”عبدالهادى”، و”محمد أفندى”.. بلا افتعال ولا انفعال لم يقل الروائى انها “مصر”. قال انها الجميلة التى تزوجت من “كساب” الفلاح المشارك مع غيره، بالضبط كما شاركت هى نفسها فى الحياة اليومية للقرية، والبحث عن حل فى المصيبة التى حلت عليها.
انها كيانا مستقلا مسئولا ومشاركا وايجابيا، يعى ما حوله ويعرف خطو تمرده، وهو نموذج ناضح من نماذج المرأة المتمردة بسبب الوطن ومن أجله.
الهوية / الوطن /الأرض
لعل التاريخ هو.. الوعى بالذات الجمعى، من خلال التعرف على أحداث الأيام وردود أفعال الأجداد حيالها.. هو اذن الأحوال المادية المتحققة للكلمة المعنوية /الوطن.
ولأنه يضم البعد الزمانى المكانى فى التجربة الانسانة، كما يضم فكرة الفعل ورد الفعل وفكرة الصراع، بات التاريخ نبعا من منابع الالهام للفن والابداع.. وكل أشكال التعبير عن علاقة الفرد والجماعة مع بعضهم البعض، فى اطار من الأوشاج السببية.
ظلت المعرفة التاريخية هى ملاحقة الملوك والسلاطين والأباطرة والقياصرة، حتى كانت فى القرن التاسع عشر (فى أوربا) الدراسات التاريخية للشعوب فى حياتها الاجتماعية والاقتصادية.. بعد الثورة الصناعية هناك.
وقد بدت فى الوقت نفسخ الدراسات التاريخية من هلال المأثورات الشعبية عن تنوعها.. وهى التى أفرزت وبرزت فيها روح الشعوب، بينما بقيت الوثائق الرسمية للتاريخ من كتب وآثار ومخطوطات، مصادر باهتة.
وقد أكد البعض على اهمية الأعمال الفنية التاريخية، كما فى يؤكد “جورج لوكاتش” على أهمية الرواية التاريخية تحديدا.. لأنها تفى بتوفير وجهة النظر التى تحسم القضايا العقائدية والسياسية. وهو قى ذلك يؤكد على معنى توظيف العمل الفنى التاريخى الى جانب “أدب المقاومة”، الذى هو أدب ترسيخ قواعد الوجود الانسانى الخير، أدب المدينة الفاضلة بمعنى ما، أدب الأنا الجمعية فى سعيها الى لتقوية ذاتها فى مواجهة الآخر العدوانى.
يخطىء من يعتقد أن التاريخى هو الفنى المشاهد أو المقرؤ، فالمبدع يلتزم بروح التاريخ لتوظيفه، ولا يصنع تاريخا أو اعادة لصياغته.
المؤكد الآن أن “التاريخ” أصبح مادة لصناعة تاريخ الأمم وتشكيل مستقبلها، والعمل الابداعى يوثق علاقتنا بالماضى من أجل المستقبل، وهو بالضبط هدف أدب المقاومة، وجوهر رؤيته الموضوعية.
ويمكن أن نخلص مما سبق بالآتى:
.. الأعمال الفنية (وخصوصا الرواية) التى تحاكى التاريخ واحداثه فحسب، تعد ضعيفة من الجانب الفنى.
.. الأعمال الفنية التى تستفيد من “روح التاريخ” هى التى تعنينا، والتى تعد جيدة موضوعيا وفنيا من الجانب النقدى.. حيث يعمل “الخيال ” ويعيد نسيح الحياة والأحداث بفعل الرؤية الفنية وسحر الفن.
يدخل مصطلح “التراث” فى اطار فهم الوطن التاريخ، ترجع أهمية التراث الى عرف توظيف المصطلح، طالما مازلنا نبحث عن جوهر “الهوية”. ولم تتشكل رؤية فكرية حاسمة للفصل بين التاريخى والتراثى.
بداية يرى د. زكى نجيب محمود : “لم تكن اللغة فى ثقافة العرب “أداة” للثقافة، بل كانت هى الثقافة نفسها”
ويقول “هربرت ريد”: “اننى لعلى هلم بأن هنالك شيئا اسمه “التراث”، ولكن قيمته عندى هى فى كونه مجموعة من وسائل تقنية يمكن أن نأخذها عن السلف لنستخدمها اليوم ونحن آمنون بالنسبة الى ما استحدثناه من طرائق جديدة؟”
وتتعدد الآراء حول التراث، وهو ما وضح فى أشكال التناول الفنى والتقنى للأعمال الابداعية، كما فى جنس الرواية. وقد حدد د. حسام الخطيب جملة ملامح مفهوم الحداثة فى الأدب العالمى بعدد محدد، وقد سردها وهو بصدد تصنيف المنتج الابداعى (هصوصا الرواية) من حيث علاقتها بالتراث، وهى: الصدق الفنى فى نقل مشاعر المبدع وتصوير تجربته- خاصية الرفض أو وضوح النزعات الوجودية – التركيز على العالم الداخلى وكشف أسرار النفس – الشعور باشكالية المصير الانسانى والعجز فى تفسير القضايا الكبرى – الشعور بالاغتراب الروحى – مع خاصية النسبية والتحرر من القواعد وما على الأديب الا أن يستعمل طريقته الأدبية ولغته.
فى المقابل هناك من الآراء من يرفض توصيف بعض الروايات بالروايات التراثية.. لأن الروايات التى قامت على التراث ليست الا الشكل الناضج للرواية التاريخية، أو لعلها نسقا من نسقين فى الرواية التاريخية:
النسق الأول هو أن ينتقل الروائى بكل أدواته للعمل فى الزمن الماضى وبعث عذا الماضى من جديد، كما فى أعمال “جمال الغيطانى” و”خيرى عبدالجواد”.
النسق الثانى فى تلك الأعمال التى تبدو وكأن الروائى عفوا استلهم من التاريخ “واقعة” أو “شخصية” وغير ذلك. وهو ما وضح فى رواية “حدث أبوهريرة قال” للروائى محمود المسعدى.
ما يعنينا فيما سبق من اختلافات فى الآراء ووجهات النظر فيما هو تراثى أو تاريخى، أن كليهما يعبر عن تفاعل الانسان الفرد فى جماعته، وتفاعل الجماعات فيما بينها، بحيث تتشكل الأحداث والأفعال التى هى افراز “الوطن” الجامع /المظلة.
.. وقد أورد د. طه وادى تصنيفا للكتابة التاريخية (فى الرواية)، فى مقدمة أوضح فيها أن النصف الأول من القرن العشرين، كان امتدادا فكريا للقرن ال19 من زاوية “الهوية”.. فنشطت الكتابة الابداعية التاريخية للدفاع عن الحاضر المستباح وصورة الماضى والوضيئة. وهو ما برز فى عدد من الملامح:
: الاهتمام بالكتابة العلمية للتاريخ.. من حيث هو علما له مباحثه وتفسيراته. ممن كتب فيها “عبدالرحمن الرافعى- محمد شفيق غربال – محمد عبدالله عنان – سيدة اسماعيل الكاشف.. “
: ازدهار كتابة فن السيرة.. والسيرة نوع أدبى بين التاريخى والأدبى، من كتابه “محمد حسين هيكل – طه حسين – عبدالقادر المازنى.. “
: كتابة الروايات التاريخية.. وقد وضح اتجاهان، الأول استلهم من التاريخ الفرعونى أو المصرى القديم “محمد عوض محمد – عادل كامل – محمود تيمور – نجيب محفوظ”.. اما الاتجاه الثانى استلهم من التاريخ العربى الاسلامى “ابراهيم رمزى – محمد فريد أبوالحديد – على أحمد باكثير – طه حسين – محمد سعيد العريان – عبدالحميد جودة السحار – على الجارم”.
وقفة مع بعض كتاب الرواية التاريخية:
“جرجى زيدان”.. أول من صاغ وأسس للرواية التاريخية. بدأ محاولاته منذ سنة 1894م. اعتمد على تيمة وحيدة فى صياغة أعماله.. تناول مراحل التاريخ العربى، مستعينا فى ذلك بكتب التاريخ، مع الالتزام بوقائهخ الأساسية، كما يبدو اطلاعه على السير وكتب الرحلات، مع مزج قصة عاطفية مفتعلة.
يؤخذ عليه الجانب التعليمى والاهتمام بالتفاصيل التاريخية وكأنه يسجل لكتاب مدرسى، وكذا اقحام القصة العاطفية بغرض جذب القارىء. ومع ذلك يذكر لخ ريادته، حيث ترجع أهميته الى أنه رصد للقريحة العربية خصائص وملامح فترة تحول هامة فى الوطن، وحاجة العامة والخاصة الى كل ما يعضد الذات.
“محمد فريد أبو حديد”.. تعد أعماله أكثر اخلاصا لفن الرواية التاريخية، ويعتبر هو نفسه من أهم من كتبها بعد “جرجى زيدان”.
كانت روايته الأولى “ابنة المملوك” عام 1926م، أما روايته “زنوبيا” عام 1941م، فهى تعد أكثر أعماله نضجا فنيا. تبدو أدبية أكثر منها سردا تاريخيا، وأقل قدرية، وتقل فيها الصدفة غير المبررة.
تدور احداث الرواية حول حياة ملكة تدمر- زنوبيا، وهى المرأة التى قادت شئون دولتها، لما تتمتع به من حكمة وقوة شخصية. تزداد قوة بعد موت زوجها، حتى أنها قررت أن تحارب الروم انتقاما له. وان هزمت، الا أنها بدت على جانب من الثقافة العامة والفكرية، حتى أنها تناقش معلمها فى أفكار افلاطون.. وتبدو فى النهاية شهصية متعددة الجوانب، على العكس من الشخصيات التاريهية الأحادية عادة.
“ابراهيم رمزى”.. أول رواية تاريخية له “باب القمر” عام 1936م. لمقدمة الكتاب أهمية خاصة، حيث عرض ونشر رأى الشيخ “محمد عبده” بضرورة كتابة الرواية التاريخية. وهو ما ينقل الينا المناخ الثقافى والفكرى خلال تلك الفترة، والنزعة المقاومية فى الرواية التاريخية عموما.. حيث يقول عن الرواية التاريخية : “انها وسيلة لمعرفة التاريخ الاسلامى ومطالعته، لأن المعرفة تلك سوف تجعل الأفراد على أهبة الاستعداد لنداء الوطن.. “
تدور احداث الرواية حول شخصية عربية قبل الاسلام “ورقة”، ولد عن ام عربية وأب مصرى. يبدو بطلا أكثر من أبوزيد الهلالى، ولد بمكة، واحب “لمياء” المصرية الأصل. وعندما ظهر الاسلام أعلن اسلامه، كما أسلمت لمياء عن غير رغبة أهلها بمصر.. تزوجا.
انها فكرة لمزاوجة العربية/ المصرية.. حتى أنه قالها صريحة ص275 يقول:
” نعم، ان المصريين كلهم عرب قدامى جاءوا فى اثر عرب أقدم، ولكن قطعت صلتهم بأورومتهم حتى جهلوها”.
“على أحمد باكثير”.. لعله أكثر الكتاب استلهاما للتاريخ، ربما أهم أعماله الروائية، هى رواية “وا اسلاماه”. وان كتب فى المسرح باستلهام التاريخ الاسلامى أيضا.
تناول الفترة الزمنية التى تعرض فيها الشرق العربى الغزو، المغول من الشرق والصليبيين من الغرب. وتابع العمل من خلال قصر الحكم فى مصر، حيث مات الخليفة الصالح أيوب وحكمت شجرة الدر سرا. كما تتبع العلاقة الغامضة بين “قطز” و”الظاهر بيبرس”، وكيف أن الأخير قتل الأول.. بعد أن انتصرا فى معركة خاسمة مع الأعداء.
وبحنكة فنية، تابع علاقة قطز بحبيبته أو زوجته، التى بدت ايجابية وناضجة، حتى أنها شاركته المعارك فى علاح الجنود، الا أنها اصيبت فى المعركة، جرى قطز نحوها ملهوفا يقول: “وا حبيبتاه”، فقالت له: بل قل وا اسلاماه” ص171
.. كما كتب “محمد سعيد العريان”، و”على الجارم ” الرواية التاريخية. اهتم الأول بالفترة التاريخية للعصور الوسطى، بينما تنوع الأخير الذى يعد آخر من كتب ورصد من كتاب النصف الأول من القرن العشرين. وتتصف أعماله بالفنية، حيث مزج بين العام والخاص فى ملامح شخصياته.
“.. رواية “الزينى بركات” للروائى “جمال الغيطانى”
واحدة من تلك الأعمال الروائية التراثية/التاريخية التى قدم فيها الروائى “طبخة” تراثية بما يحمل المصطلح من دلالات، تاريخية بما فيها من اشارات وأسماء وأحداث، مع الوعى المعاصر لتقنيات وفنون الرواية المعاصرة.
فضلا عن ابراز خصوصية الروائى الذاتية، من حيث فهمه ووعيه للهم العام والخاص الآنى، مع طرح التساؤلات الوجودية الانسانية، بلا افتعال أو انفعال.
لذا تعد الرواية من تلك الروايات المقاومية الناضجة، التى تبحث عن هويتها من خلال التراث/التاريخ.. رواية الوطن/التاريخ.
بدت الملامح التراثية جلية فى : التتابع الحكائى الصريح، الانتقال الزمانى والمكانى مستفيدا من تقنيات الف ليلة وليلة، الوصف المباشر للأماكن والشخصيات، ثم الكاتب العالم بدخائل وظواهر الحداث والشخصيات.
كما بدت الملامح التاريخية المجردة، من خلال اختيار الفترة الزمنية.. شخصياتها وأحداثها وأماكنها الحقيقية (تقريبا)، مع الالتزام بالتسلسل التأريخى، وكذا ابراز دور الروائى القديم بما يحمل من رؤية علوية راصدة وعالمة.
ثم كانت الخلفية الثقافية ووجهة النظر الخاصة بالروائى، تلك التى بدت خفية/ جلية بين طيات الأحداث والمعالجات والحوارات.
وان كانت رواية المقاومة (أى عمل مقاومى) تعى هويتها وتسعى للحرية فى مواجهة الآخر العدوانى (على اختلاف أشكاله وخصائصة. ، فان “الزينى بركات ” حققت ذلك ببساطة ويسر، مع حرفية ناضجة. ولا يفوتنا الاشارة الى أن خصوصية الروائى مازالت بارزة مع عمومية الموضوع.. أى أن الرواية حققت خصائص العمل الفنى المقاومى من حيث العام والخاص بنجاح وبساطة.
ربما الاشارة الى مثال وحيد فى تأمل صيغ الأوامر (مثلا)، يكشف :كيف استفاد الروائى من الشكل التراثى فى معالجة أحداث الرواية.
ففى اعلان تنصيب “الزينى” كانت الصيغة التالية:
“يا أهالى مصر،
أمر مولانا السلطان بتسليم المجرم بن المجرم “على بن أبى الجود” الى ناظر الحسبة الشريفة “الزينى بركات بن موسى” ليتولى أمره، ويأخذ حقوق الناس منه، ويذيقة ما أذاق لعباد الله الفقراء والمساكين.
يا أهالى مصر.. يا أهالى مصر
كل من وقعت عليه مظلمة، كل من سلبت منه حاجة، كل من راح ماله بالباطل، بسبب على بن أبى الجود، علية التوجه الى باب الزينى بركات بن موسى، ناظر حسبة القاهرة والوجه القبلى، ليرد عليه حقه وماله.
يا اهالى مصر…
يا أهالى مصر… ” ص19
رواية “حدث أبوهريرة قال.. ” للروائى “محمود المسعدى”
اذا كان العمل الفنى المقاومى، يخلص ضمن ما يخلص اليه هو تحقيق “الخلاص” الجمعى، أى أن أدب المقاومة الجاد الجيد، هو الواعى بهويته،الساعى الى الحرية، فى مواجهة الآخر العدوانى.. كل ذلك من أجل الخلاص الجمعى وليس الفردى.
فعلى الرغم من أن الرواية ذهنية ولا يتضح فيها الآخر العدوانى المتجسد المباشر، الا أنها عبرت عن الآخر العدوانى السالب لحقوق وسعادة الانسان (وهى قيمة عليا عالجها الروائى بقدر فكرى تعاطف معه القارىء وفهمه).
بدت الملامح التراثية/التاريخية فى الرواية من خلال بعض المحاور، منها.. اسم “ابوهريرة” و الكاتب يوضح أن أباهريرة ثلاثة: أولهم الصحابى المعروف، وثانيهم النحوى الشهير، وثالثهم الشخصية المحورية فى الرواية.
وهى شخصية تبعث على الحيرة والتأمل، فهو شديد الغرابة تشكله المفاهيم الصوفية المطلقة وخصوصا التعلق بالمعشوق الأكبر تعالى، وهو الذى يحيا أيامه منتبه الحواس وغارقا فى ملذاته، لذا لا يساوم ولا يسامح. كما أنه القلق الحائر الباحث عن اجابات على الأسئلة المحيرة الصعبة الأزلية.. وكيف لا يكون كذلك وقد انشغل بالسؤال عن سر “الحياة والموت”.. “الحب والكراهية”.. سأل عن المتناقضات؟!
كان الرجل من سكان “مكة” بما تحمله من دلالات، صديقه الشرير وضعه أما الجانب الخفى من الحياة فى مواجة متاع الدنيا مباشرة، فوضعه أولا فى صحراء جرداء (ساعة صلاة الفجر) لشهد المشهد:
“فصعدت فرأيت على رأس الكثيب المقابل من وجه الشرق شبحين.. فتبين لى فتاة وفتى… فى زى آدم وحواء، ممدودان جنبا الى جنب متجهان الى مطلع الشمس” ص51
وفى نقلة أخرى، يدخل أبوهريرة فى وادى لا يسكنه الا الجن، وعاش وحيدا، اشتاق الى “آخر”، فينزل الوحى (مثلما كان مع موسى) ويرى فى المنامصورة “فرعون” و”هامان” على رأس قومهما يصارحان الحياة بالطين والصخر، وكأنهما/كأنهم بسعون الى الخلود.. ليعلن أبوهريرة أنه ادرك القدرة الانسانية الفاعلة.. ويعود الى قومه أكثر قوة.
لكن الناس وهى تعانى شظف العيش انحنت ظهورهم، وذهبت العزة عنهم.. لكنه ينادى بها لتعود ثانية اليهم وقد رفعوا قامتهم.. يدعوهم الى مذهب “الارتفاع مدى قامتهم البشرية”، الى قوة للبناء والسلام والاخاء.
يخطب فيهم يقول:
“هاته الأرض نحن خلقناها، وهاته السماء نحن رفعنا عمادها فأقمناها، فهل ملكتم من خبراتها شيئا؟”
لكن تفشل المحاول، ولم تستنهض الناس، يشعر بالعجز والفشل، يعود الى هواجسه الأولى مع الموت.. لقد قاوم قدر استطاعته وفشل، فكان له شرف المحاولة…..
…………………………
المراجــع:
1-“هوية الثقافة العربية” – أحمد أبوزيد –هيئة قصور الثقافة –يناير 2004م.
2-“ثقافتنا فى مواجهة العصر” – زكى نجيب محمود – هيئة الكتاب 1997م.
3-“تطور الفكر العربى الحديث” –الجزأ الأول والثانى – مشروع القراءة للجميع –عام 1996م.
4-“الرواية التاريخية ” – حلمى محمد القاعود – سلسلة “كتابات نقدية”- هيئة قصور الثقافة –عام 2003م.
5-“الانتماء” – أحمد الأنصارى – سلسلة “مكتبة الشباب” – هيئة قصور الثقافة – عام 2003م.
6-“محمد حسين هيكل والفكر القومى المصرى” –عبدالعزيز شرف –هيئة قصور الثقافة أكتوبر 1996م.
7-“ثورة الأدب” –محمد حسين هيكل –اعادة طبع فى 1977م –هيئة قصور الثقافة.
8-“تجديد الفكر المصرى عند قاسم أمين” –عزت قرنى – هيئة قصور الثقافة 1999م.
9-“الانسان والثقافة.. تأملات” -بافل جوريفيتش” – ترجمة دار الثقافة الجديدة – عام 1977م.
10-“الرواية العربية والبحث عن جذور” – عبدالحميد ابراهيم – سلسلة كتاب التأصيل – عام 1998م.
11-“تشكيل العقل الحديث” – كرين برينتون – ترجمة “شوقى جلال” –هيئة الكتاب 2002م.
12-“على أبواب عصر جديد” – حازم الببلاوى – هيئة الكتاب –عام 1997م.
13-“حوار الحضارات”.. الغرب الكونى والشرق المتفرد”- السيد ياسين- هيئة الكتاب –عام 2002م.
14-“نص الهوية.. ” – منير وليد – سلسلة “كتابات نقدية “- هيئة قصور الثقافة –ديسمبر 2003م.