رامايانا يعود إهتمام النقاد الإنكليز بها كون أسلافهم الذين وطأت أقدامهم أرض الهند قبل أكثر من قرن من الزمان تعرفوا عليها كواحدة من أقدم الملاحم في القارة الهندية يعتقد أن كاتبها يدعى فالميكي وهو اول شاعر هندي يتناول كتابتها كملحمة طويلة يرجح أنها تعود إلى آلاف السنين كتبت باللغة السنسكريتية وانتشرت في العديد من البلدان الآسيوية بما في ذلك النيبال والتبت وتايلاند وبورما ولاوس وكمبوديا وماليزيا وأندونيسيا ، كما أنها كتبت من قبل الشعوب الهندوسية ، جاوة ، البوذية ، الإسلام ، السيخ ، وقد عقد الإنكليز المقارنات بينها وبين الأوديسة لهوميروس ، تبين أنها لاتختلف عنها إلا بمكانها وزمانها ، كما أنهم عاشوا أخبار شاعرهم الأيرلندي الكبيرشيموس هيني قبل رحيله عن هذه الدنيا والذي رشح رامايانا لكتابتها شعرا ، لكن القدر لم يمهله تحقيق ذلك .
الرواية صدرت مؤخرا بالتزامن مع احتفالات الهند بها هذا الشهر ضمن برنامج الأضواء أو ديوالي الذي تعيد فيها ذكرى هذه الملحمة الخالدة وسط المصابيح الملونة الزاهية والألعاب النارية ، ومعظم تلاميذ المدارس في الهند يعرفون فصول هذه الملحمة التي باتت تدرس إلى جانب الدروس الدينية لأنها تشتمل على المواعظ والحكم على لسان راما الذي يركب الصعاب ويخوض غمار الحرب من أجل إنقاذ زوجته سيتا وتخليصها من براثن خاطفها الملك رافانا .
شكلت هذه الرواية جزءا قويا من تربية ناجرا الحياتية حيث قال عنها :
– كانت عائلتي تقص عليّ أحداثها في الساعات الأولى التي تسبق منامي ، لقد كانت أحداثها تعكس لي الأعمال الجيدة مقابل السيئة حتى أصبحت معروفا لدى أسرتي بطاعتي الكبيرة لهم دون كسل نتيجة لتأثري بهذه الملحمة وحكمتها البالغة .
تعرف ناجرا على رامايانا في العشرينات من عمره عن طريق دراستها بلغة البنجاب ، ثم اكتشف أن الكاتب الهندي البارع آر . كي . ناريان قد تناولها نثرا وأن هناك المئات قبله قد تناولوها في عشرات اللغات التي تنطق بها الهند كالسنسكريتية إلى الجاوية ، ناجرا وهو يتناولها الآن كرواية فهو يريد استهداف المتعلمين من الطبقة المتوسطة للقراء الإنكليز كما يقول الذين يعرفون الكلاسيكية الأوربية ، لكنهم ربما لايعرفون الشرقية منها .
ومع أن هناك أوجه تشابه – يقول ناجرا – بين رامايانا الهندية وإلياذة هوميروس فالقارئ كثيرا ما يميل إلى أن تكون الملحمة بيديه عبارة عن قصة ممتعة أردت القبض على بعض الترفيه فيها ، في آواخر الثمانينات في الهند قام التلفزيون بتكييف 78 جزءا منها وعرضها بشكل يومي ما جعل المحلات تغلق أبوابها والطرق أصبحت شبه خالية نتيجة لمتابعتها حتى أن الناس هناك كانت تؤدي الصلوات بشكل عفوي وهي تشاهدها متضرعة الآلهة أن يحفظ راما وهو يخوض غمار المعارك ، وأنا أعيش سني مراهقتي في لندن شاهدت التلفزيون يعرض قسما منها ووجدت كيف أعجب الإنكليز بها وبما حوته من أزياء شعبية فازددت فخرا بهذه القصة الرائعة.
ناجرا في حديثه معي قال أنه استخدم اللغة الإنكليزية في كتابته للرواية لجعل القصة عالمية مع أنها كتبت بلغات عدة محلية وشعوري أن القارئ الغربي سوف يتعرف على الهند المتعددة الثقافات والتي تناولت الملحمة باعتبارها لاتنتمي لفئة هندية واحدة بل لعموم الهند ، فعلى سبيل المثال رافانا الخاطف لسيتا زوجة راما الذي اعتبره جنوب الهند شيطان ، لكنه بطل يحمل سحنة داكنة في الأراضي التي يتكلم أهلها الآرية ومعتبرين راما قاس نوعا ما ، في نهاية الملحمة عاد راما بسيتا زوجته منتصرا مع أن بعض المقاطعات الهندية اعتبرت سيتا خاطئة لأن مفاهيمها كالفخر والشرف تنتمي بتقاليدها إلى الثقافة الهندية الشمالية التي تغيرت الآن كثيرا ، ومع حرصي على تضمين وجهات نظر مختلفة لها وحتى السياسية منها يمكن قراءتها بالطريقة التي سوف تعجب القارئ كما يقول .
هذا الإعجاب بها جعل من شيموس هيني الشاعر الأيرلندي الكبير يفكر بترجمتها شعرا إلى الإنكليزية كما ترجم من قبل ” بيوولف ” التي تعتبر من أهم الأعمال في الأدب الأنكلو سكسوني ، و ” دانتي ” ، لكنه لم يحقق ذلك بسبب وفاته في الثلاثين من أغسطس / آب 2013 وهي خسارة فادحة أن لاتكون هذه الملحمة من شعر هيني كما يعتقد ناجرا الذي التقى به عدة أيام قبل رحيله أطلعه خلالها على موضوع روايته وكان إيجابيا معه وهو يستمع للطريقة التي عالج بها الرواية ومتأثرا بأحداثها جميعا .
ناجرا لم يستغرب ذلك من هيني وهو الشاعر الإنساني الذي أطلع على الكثير من نتاج الأمم واصفا له رامايانا كونها الجسر الذي مشى عليه منذ طفولته يأمل أن تكون ملتقى جميع ثقافات العالم .
عن/ صحيفة الديلي تلغراف
خاص الكتابة