النار هنا والجنة هناك في أوروبا

رمضان المسيحي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

ما بين أسيوط القابعة في صعيد مصر، واليونان التي تنعم برغدِ قارة أوروبا، تدور أحداث رواية الكاتب عادل سعد التي سمّاها «رمضان المسيحي» وصدرت عن سلسلة روايات الهلال. الرواية تناقش، أساسًا، قضية التحول الديني، سواء من المسيحية إلى الإسلام، أو العكس، غير أن هذا التحول يتم عن غير اقتناع، للهروب من ظروف ما، أو للبحث عن مكاسب أخرى، لا يمكن الوصول إليها إلا بالدخول في دين معين. يقول الروائي على لسان أحد أبطاله ويُدعى أحمد:
«في مصر العيال بالدقون يكبّروا لأن واحد مسيحي أسلم، وهنا بيهللوا عشان مسلم اتنصَّر، والاتنين أولاد كلب».
الرواية تُصوّر طقس التحول هذا، في مشهد روائي دال يقول الروائي فيه:
«وسط عدسات التليفزيون، تناول القربان، ليولد على الهواء مباشرة مسيحيًّا من جديد، وبعد مراسم تغطيسه وتعميده، انحنى خاضعًا، ولمّا نهض رسم البطرك علامة التثليث على صدره، وأعلنت المذيعة في وقار، وهي تتابع طقوس الكنيسة البطيئة: رمضان تذوّقَ قطعة صغيرة من الخبز«البرشان» مغموسة في القليل من الخمرالذي يُمثّل دم المسيح، رمضان صار الآن واحدًا من أبناء الكنيسة، مسيحيًّا، تعمّد ببيت الرب، وتناول القربان المقدس ونال بركة «سر الأفخارستيا»، وحرصًا على حياته، صار في حماية اليونان، ولاجئًا سياسيًّا، لأن الهمج قد يقتلونه كأحد المرتدين».
مشاهد التحول الديني هذه كانت كثيرًا ما تتكرر على شاشة التليفزيون اليوناني، مما كان يُشْعر المسلمين بالغضب، ويرون في هذا إهانة للعرب وللمسلمين. لقد تحول رمضان عن دينه، وأصبح مسيحيًّا ليحصل على اللجوء السياسي، فارًّا من نار مسقط رأسه، إلى جنة اليونان والحرية التي لا سقف لها ولا قيود، كي يعيش في أمان ولا يجرؤ أحد على تهديده بترحيله إلى بلاده، أو بالزج به في السجن، وها هو يعلن بعد دخوله المسيحية أمام أحد أصدقائه المسلمين:
«أنا مسلم وأعرف ربنا أكتر منك، وربنا قال الدين في القلب».
رمضان الذي سأله أصدقاؤه لمَ فعل هذا، أجابهم بأن دين ربنا قال فيه جنة وفيه نار، الجنة بالنسبة له هي النسوان وماتيلدا وويسكي ومارلبورو وفراخ وخوخ جورمادس، أما النار فهي في مصر، في الأوضة الحَرّ، في أمه الزهقانة، وريحة البول، وزوجته وأطفاله الأربعة، وبوابير الجاز، والفول والطعمية، والسجاير الفرط والموت في خنقة الأوتوبيس. رمضان يستنكر سؤال أحد أصدقائه عن ذلك قائلًا له:
« وبعدين ارحمنا، عاملْ مندوب ربنا، وكل يوم تنط على تلات نسوان، وتقربع قزازة ويسكي..دااا غير اللي بتعمله مع الواد اليوناني صاحبك ». هنا يمكننا أن نستشف أن الرواية تناقش أيضًا قضية التدين الظاهري للكثيرين الذين يُصدّرون تدينهم للناس بأقوال جوفاء فقط، فيما تعلن أفعالهم أنهم لا يعرفون أي شيء عن أي دين.كذلك نستشف أن الرواية تقول لنا إن الجهلاء الذين لا يعرفون عن الدين سوى اسمه، هم وحدهم الذين يُنصّبون من أنفسهم دعاةً وحُماةً له ضد الآخرين، وهذا ليس حبًّا في الدين، ولكن لأغراض في أنفسهم، وأهداف يريدون الوصول إليها، عبر ركوب سفينة الدين.إلى جانب هذا تتعرض الرواية إلى مسألة هجرة بعض المصريين إلى الخارج، وخاصة أوروبا، راصدةً المعاناة التي تعترض طريقهم أثناء ذلك، من بحث شاق عن عمل، أو عن سكن.الرواية تناقش ، فضلًا عن هذا، وعلى التوازي، بعض القضايا السياسية التي تتعلق بالوطن العربي، وما يمر به من تغيرات، مرورًا بالثورة الإيرانية والشيوعية واللجوء السياسي، وترصد الحرية التي ينعم بها الأوروبيون الذين يفعلون كل ما يريدون متى وأينما شاءوا، بعيدًا عن كل العُقد، وأولها عُقدة الدين.

مقالات من نفس القسم