الموسيقا: قصة حب

محمد الفخراني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد الفخرانى

سأُحب أن أعيش قصة حب مع الموسيقا، وأُنجب منها: 3 كمنجة، 2 جيتار، 1 بيانو، 1 ناى، وديوان شعر.

سأحب أن أغيب بوجهى فى صدرها، أتنفَّس بين خصلات شعرها، أُمَرِّر أصابعى على زَغَبِها، وكل فقرة فى ظهرها، أشمُّ جانب رقبتها، أُنصِتُ إلى دقات قلبها، أتنفَّس أنفاسها، سأُحب أن أسمع صوتها، شهقتها، فى تلك اللحظات الحميمة، ماذا يكون صوت الموسيقا وقتها، وهى فى ذروة نشوتها.

الموسيقا تُحوِّل العالمَ إلى حلم، وتُحوِّل الحلمَ إلى عالم.

يمكن النظر إلى كل شىء وكأنه موسيقا بطريقة ما، حركة الطيور، الماء، الحيوان، الأشجار، أو حتى مِشيَات بعض البشر، وبعض تفاصيلهم التلقائية، هناك موسيقا مستمرة فى خلفية كل شىء، كأنها ما يُحرِّك كل شىء، تلك الموسيقا الداخلية للكون، يمكنك أن تتخيَّل أن للكون موسيقا داخلية، ثم لكل جنس موسيقاه، للأشجار موسيقاها الداخلية، ولكل شجرة موسيقا تخصُّها، للبحار موسيقاها، ولكل بحر موسيقا تخصُّه، للطيور موسيقاها، ولكل طائر موسيقاه، كل حيوان، قطرة مطر، شعاع ضوء، وليل، وكل هذه الموسيقا الداخلية لكل فرد بذاته تجتمع معًا فى لحن كونى كبير، وفقط عندما يتوقف هذا اللحن يموت العالم.

هل كان العالم خاليًا يومًا من الموسيقا؟ لا أعتقد، ربما العالم بالأساس لحن كبير.

أَنظر إلى الآلات الموسيقية باعتبارها كائنات حية، لها روح، هى فكرة عامة لدىّ: كل شىء له روح.

 الكمنجة: شابة تميل إلى الشجن المحبوب، الرقيق، بها حزن شفيف، هى أيضًا قادرة على خلق حالة خاصة من البهجة، فتاة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن الاستغناء عنها، وجودها يجعل كل شىء أجمل.

 البيانو: رجل رومانسى فى الأربعين من عمره، عاش الكثير من قصص الحب، أو أنها قصة واحدة يعزف لأجلها طوال حياته.

 الدرامز: شاب طائش، يعيش داخل صخبه الخاص، والذى بطريقة ما ينسجم مع ما وَمن حوله، لكن لا تحاول التطفل عليه، اُتركه لطيشه اللذيذ. التشيللو: هو جَدُّ هَزْلى، لديه الكثير من الطرق العجيبة ليستمتع بحياته، والتواصل مع مَنْ هم أصغر منه فى العمر.

 الساكس: شاب به مزيج أزرق من العبث والحلم، لا يمكنك إلا أن تحبه، وستحب من وقت لآخر أن يلمسك مزيجه الأزرق هذا.

 الترومبيت: هو النَزِق المَرِح، يخفى جنونًا خاصًا سرعان ما يظهره،  صاحب النَزَق المحبوب، والنَزَق دومًا محبوب.

 العود: رجل مُتحفِّظ، لا يكشف كثيرًا عن مشاعره، لكنه يفعل ذلك أحيانًا، فيؤثر فى جميع مَنْ حوله، يمكنه أن يحكى عن مشاعره طوال الليل. الجيتار: الشاب الوسيم، المُحِب للحياة، يعيش قصص حب كثيرة فى وقت واحد، ليس مخلصًا لأىّ منها، لكنه أيضًا مخلص لها جميعًا، يفعل هذا بسهولة وأسلوب خاص بسيط، الجميع يعرف عنه هذا، ويقبلونه منه. الناى: الطيف الذى يمكنه أن يكون شابًا لبعض الوقت وشيخًا لبعض الوقت، أو الاثنين معًا، يُغنِّى من روحه الواسعة الشفافة ليُربِّت على أرواح الجميع.

الموسيقا تجعلك ترى الجمال، وتجعل الجمال يراك.

الموسيقا روح وجسد، روح تكاد تلمسها، وجسد مُحَلِّق، لا يمكنك ملامسته، هذا الطيف الشفاف، المحسوس، الموسيقا تجعل كل ما هو غير مرئى مرئيًا، تجعل ما هو مرئى شفافًا، معها كأن العالم لم يحزن يومًا، لم يتألم يومًا، ومعها يكون الحزن والألم طريقة للتداوى.

بالنسبة لى، دائمًا هناك اكتشاف جديد فى الموسيقا رغم كل ما أسمعه، وكل اكتشاف هو قصة حب جديدة، لا يحدث هذا بالسهولة نفسها مع بقية الفنون، يكون من الصعب لى العثور على رواية حلوة، أو فيلم حلو، لكن من السهل أن أعثر على موسيقا جديدة حلوة، يحدث هذا فى أوقات كثيرة دون ترتيب.

ولماذا الموسيقا وحدها من بين الفنون كلها يمكنك أن تعود إليها مرات كثيرة، وتستمع إليها، كأنها جديدة؟

الموسيقا التى تجعلنى أنسحب من الكون كله، إلى لا مكان، لا وقت، لأراها، أَتفرَّج عليها، أنظر فى عينيها، لأرى نفسى، وأنظر فى عينىّ، أنظر فى قلبها تمامًا، وفى قلبى.

الموسيقا التى تضعنى فى قلب الكون، وروحه.

إنها الروح التى تؤلمك لكن ليس عن طريق الإيلام، الروح التى تُسعدك، لكن ليس عن طريق السعادة.

فى هذا العالم مَنْ ليس لديهم حاسَّة السمع أو البصر، وهم بأعداد كبيرة، أنا متأكد أن أرواحهم تسمع، وترى، ليس من المهم أن يكون ما يسمعونه أصواتًا مثل التى نسمعها، أو مناظر مثل التى نراها، ربما يقول شخص ما، كى نتأكد من ذلك يمكننا أن نسأل أحد ممَّن ليس لديهم حاسَّة السمع أو البصر، أنا لم أسأل، ولن أفعل، ربما تكون إجابة أحدهم أنه لا يرى، أو لا يسمع، رغم أنى لا أتوقع أنها ستكون الإجابة، أنا متأكد أن هناك شىء بداخلهم يسمع ويرى، إنها أرواحهم، الروح تسمع وترى.

الموسيقا التى تُغيِّر مصير قطعة من الخشب، وحفنة من الهواء، مجرد مرور حفنة من الهواء داخل قصبة من الخشب، فتصدر عنها الموسيقا، عندها تتحوَّل إلى “ناى”، يتغيَّر اسمها ومصيرها، وما يمكن أن تفعله فى هذا العالم، يمكن للموسيقا أن تفعل هذا بطرق وأشكال متنوعة.

هل جرَّبْتَ يومًا موسيقا تأخذك إلى روح الوجود؟ جرَّبْتَ موسيقا تأخذك إلى نفسك، إلى الناس، النور، الحرية، الخير، الحب، إلى جوهرك الإنسانى، جرَّبْتَ موسيقا تأخذ منك كل شىء، وفى المقابل تعطيك كل شىء.

جربت ما يُعطيكَ نفسه وروحه كاملة؟

موسيقا تأخذك إلى أبعد وأكثر من أن تكون حيًا أو ميتًا.

أىّ شىء فى هذا العالم قد يمنحك بعض الأشياء، أو يأخذ منك بعضها، فقط أشياء قليلة جدًا يمكنها أن تعطيك نفسها كاملة، وفى الوقت نفسه تأخذكَ كاملاً، ودائمًا هى أشياء رائعة، الموسيقا إحداها.

الموسيقا تُلملم منمنمات الروح بأطراف أصابعها، فلا تعرف أيهما أشَفُّ، أيهما أَخَفُّ، الروح أم الموسيقا.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي art 14
Uncategorized
موقع الكتابة

انتحار