أيمن مصطفى الأسمر
رغم مرور شهور عديدة توقفت خلالها حكاياتي مع القطط، إلا أن قطة جديدة ذات ألوان غريبة ومتداخلة أصرت على الظهور بقوة في فترة من حياتي يسودها الاضطراب والقلق، كان هذا بعد وفاة أمي بما يقارب السنة، وانقطاع علاقتي بالقطة المشمشية الأولى، وخروج القطة المشمشية الثانية إلى مصيرها المجهول قبل ذلك بقليل، والنهاية الحزينة للقطط الثلاث الصغيرة، كنت أراها كغيرها من القطط الكثيرة التي تمرح في المنطقة المحيطة بمنزلنا، كان عدد لا بأس به من هذه القطط قد أنشأت صداقات متنوعة مع بعض السكان وأصحاب المحال التجارية القائمة بالمنطقة، تقوم هذه الصداقات في الأساس على الانتفاع المباشر لهذه القطط بما يقدمه لها هؤلاء من طعام وشراب هو في الغالب من مخلفاتهم، في مقابل ذلك كانت هذه القطط رغم حياتها بشوارع المنطقة تسمح لهؤلاء الأفراد بالتعامل معها كقطط أليفة، يداعبونها ويربتون على ظهورها أحيانا، كما تظهر لهم بعض معالم الولاء والمودة، كأن تتذكر بدقة مواعيد خروجهم من منازلهم أو متاجرهم ودخولهم إليها فتقف أو تحوم في صبر انتظارا لهم، وعند رؤيتها لهم تقوم باتباعهم لفترة وجيزة في موكب لا يخلو من عجب أو طرافة، كنت أتابع ذلك كله لكنني لست طرفا فيه، إلا أنني في فترة لاحقة قمت بوضع بعضا من طعام في شارعنا في وقت محدد من الليل وتصادف وجود بعض هذه القطط في هذا الوقت، كانت القطة ذات الألوان الغريبة المتداخلة والتي تبدو صغيرة الحجم والسن غير أنها تحمل جنينا في بطنها أسرعهن وصولا إلى هذا الطعام والإجهاز عليه، ومع تكرار الأمر في نفس الوقت تقريبا ولكن في أيام غير متتابعة اعتدت على وجودها في انتظاري واقترابها مني مع مواء ناعم يحمل رغبتها في استمرار ذلك الطقس يوميا، ثم بدأت تتبعني لبرهة وتحتفي بقدومي في هذا الوقت المتأخر من الليل بل وفي أوقات أخرى، وكالعادة أثر سلوكها الذي يحمل قدرا كبيرا من الفطنة والقدرة على التمييز، فضلا عن مشاعر الود والوفاء التي تظهرها لي ـ حتى ولو كانت مرتبطة بمنفعة مباشرة ـ في نفسي، ودفعني ذلك إلى المقارنة بين سلوكها وسلوك كثير من الناس في تلك الفترة المضطربة من حياتي، وبقدر رغبتي الشديدة في تجنب الناس والابتعاد عن التعامل معهم كلما كان ذلك ممكنا ـ وهو أمر يصعب تنفيذه ـ، كنت على العكس أرحب بالعلاقة الناشئة بتلك القطة الجديدة في حياتي، والتي أكد لي سلوكها معي أن الحيوانات قد تكون بالفعل أكثر فطنة ووفاء من غالبية البشر.