حاوره: المخرج أحمد رشوان
طارق يخلف مخرج فلسطيني، خريج المعهد العالي للسينما سنة 2000 ويعيش في مصر منذ ذلك الحين أي منذ عام 1996. في المعهد كان له مشروعان تخرُّج في السنة الثالثة والرابعة أحدهما “قبو البصل” لجونتر جراس من كتاب “الطبل الصفيح”. والثاني عن رواية سميح القاسم “الصورة الأخيرة في الألبوم”. بعد المعهد أخرج ثلاثة أفلام تسجيلية، أولها فيلم الحمل والذئاب (2001) عن مدرسة الكفيفات التي قصفت في رام الله أثناء الانتفاضة الثانية من مستوطنة قريبة منها، ثم فيلم” العاصفة مرت من هنا” (2007) ويرصد مرحلة في حياة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وحركة فتح 67 حتى معركة الكرامة في مارس 1968. وأخرج فيلمًا تسجيليًا عن دلال المغربي، الشهيدة الفلسطينية التي نفذت عملية فدائية في الثمانينات. كما عمل كمساعد مخرج في عدد من الأفلام المصرية والفلسطينية، مثل “العاشقان” مع نور الشريف، و”انتظار” مع رشيد مشهراوي، “فيلم هندي” مع منير راضي، “دم الغزال”، و”الوعد” مع محمد ياسين. وفي فلسطين أخرج برنامجًا تسجيليًا يؤرخ لتاريخ الثورة الفلسطينية منذ التأسيس حتى السبعينات.
- أنت تقيم في مصر منذ سنوات طويلة، هل تحرص على زيارة فلسطين من حين لآخر؟
- طول الوقت أحرص على زيارة فلسطين. والدي وأسرتي جميعا ما زالوا يعيشون هناك. وأذهب مرتين أو ثلاثة كل عام، فلسطين في قلبي دائما. أنا أساسًا من طبريا. وأهلي هاجروا عام 48 إلى الأردن، ثم عدنا إلى فلسطين بعد اتفاقية أوسلو. كان والدي، الكاتب يحيى يخلف، يعمل في منظمة التحرير ووزيرًا للثقافة الفلسطينية.
- وهل غيّرت أحداث غزة رؤيتك للفن والسينما؟
- حينما بدأت الأحداث كنت بالصدفة البحتة في رام الله، حيث وصلت يوم 6 أكتوبر، واستيقظنا في اليوم التالي على ما حدث، وظللنا في حالة عدم استيعاب لمدة يومين، ثم فرحنا جدا، بالطبع كانت مشاعر رائعة لأننا لأول مرة يكون هناك مقاومة، وهناك هجوم. ثم دخلنا في الإشكالية الخاصة بوحشية الرد الإسرائيلي، وكم الشهداء، حتى وصلنا لموضوع التجويع. بقيت شهرًا هناك تقريبًا وعدت لمصر، وبالطبع بقيت مقيدًا طوال الوقت بالتلفزيون وبمتابعة القنوات الإخبارية. حتى وصلت لمرحلة فقدان العقل. والسؤال الذي كان يطرح نفسه: ما هو دورنا؟ طبعا في السينما الموضوع يحتاج إلى وقت لصنع عمل ناضج. كنت لا أعرف ماذا أفعل. حتى وجدت مؤسسة أمريكية اسمها الـ WCK أي الـ World Central Kitchen بتقدم مساعدات غذائية في غزة. وأول مرة كانوا يعملون في ظل الحروب. فكرتهم إنه في ظل وجود نازحين وناس دون مأوى إن يقدموا لهم وجبة ساخنة. أعجبت جدا بالفكرة وسعيت أن أتطوع مع هذه المنظمة. عملت لأربعة شهور. هذه الأشياء جعلتني أستوعب أنني أصنع شيئًا حقيقيًا. كل يوم أذهب للعمل، أبحث عن أصدقاء في غزة أرسل لهم طعامًا عن طريق المؤسسة. المكتب الرئيسي هنا في مصر، وعندنا ناس هناك على الأرض مطبخ كبير وصل أن يقدم في اليوم 60 ألف وجبة في رفح، قبل أن يدخلوها ويدمروا الدنيا. ثم بدأت اشتغل على كتابة فيلم قصير. كان من الأحلام كذلك أن أعمل فيلم قصير عن غزة والآن في مرحلة البحث عن التمويل والإنتاج.
- هل الفيلم الفلسطيني وثيقة من وجهة نظرك ؟
- طبعاً الفيلم وثيقة مهمة جدًا، يؤكد ذلك أنه فيلم محارَب طول الوقت. يعني أنت كصانع أفلام فلسطيني أصعب شيء أن تحصل على دعم أو تجد منتجً حتى في السينما التجارية، يمكن المهرجانات أسهل قليلًا حيث تجد ناسًا متعاطفين. في بعض الحالات يقولون لك اعمل فيلم عن التعايش بين الفلسطيني والإسرائيلي، أي تحدث في فيلمك عن السلام حتى تنال الدعم. ونحن كصناع أفلام فلسطينيين معظمنا يرفض فكرة السلام لأننا لن نطبّع. هناك سينمائيون قليلون يوافقون على الفكرة ويتلقون دعمًا لأفلامهم. في النهاية، صناع الأفلام الفلسطينيين مجتهدين جدا. أجيال جديدة أفضل من الجيل السابق وهكذا. أما على مستوى المهرجانات الناس بتعافر وبتحاول على قد ما تقدر، لا يوجد مهرجان تقريبا في العالم سواء للفيلم القصير أو التسجيلي أو الفيلم الطويل إلا لازم تلاقي أفلام فلسطينية، ومؤخرا حصلت على جوائز مهمة، مثل فيلم “علم” وفيلم “برتقالة من يافا” و”المسافة صفر”، وبعض هذه الأفلام ترشحت لجوائز الأوسكار.
- كيف يرد الفيلم الفلسطيني على الرواية الإسرائيلية المزيفة؟
- هناك ردود، لماذا؟ لأنك عندما ترى شعبًا حيًا وعنده قصص وحكايات، فهذا رد على الرواية الإسرائيلية. والحقيقة أن هذه الصور الحقيقية والبث المباشر ساهم الآن في قلب الحكاية لتكون الرواية الفلسطينية هي المصدقة في العالم ولأول مرة. لو راجعنا التاريخ سنجد أن هوليوود صنعت أفلامًا عن قصة اليهود وقصة اسرائيل متبنيةً رواية أن اليهود لهم حق في أرض الميعاد، كما في فيلم “قائمة شندلر”. لقد استطاع اليهود التوغل في المجتمع الأمريكي وتحكموا في شركات الإنتاج. فجأة الدنيا انقلبت عليهم بأيديهم. اخترعوا الانترنت واخترعوا هذا العالم الصغير فبات كل الناس يشاهد وسائل التواصل الاجتماعي. الطفل في غزة بهاتف صغير يقوم بعمل بث مباشر للأحداث.
- هل ترى أن السينما يجب أن تواجه الواقع السياسي بشكل مباشر؟
- – طبعا، ولكن بلغة سينمائية. مثلا، دعنا نتكلم عن فيلم “برتقالة من يافا”. الفيلم يتحدث عن فكرة صغيرة جدًا: رجل من الضفة الغربية يريد السفر لخطبة فتاة تسكن في منطقة عرب 48. وهناك حواجز لأنها ما يسمى بإسرائيل. الشاب معه إقامة في دولة أوروبية، ولديه حلم أن يدخل ليقابل خطيبته، وبرفقته أمه وقد حصل لها على تصريح. فجأة يكتشف أنه لا يستطيع الدخول. يبدو لك أن الفاصل بين مكانين مجرد سور. لكنه جدار فصل عنصري، والحقيقة أنه قسم بيوتًا، وقسم العائلة الواحدة. في النهاية منعوه من الدخول. وتعرض للتنكيل به.
- ما رأيك في موضوع التعاون بين الفنانين الفلسطينيين مع فنانين من جنسيات أخرى؟
- هذا شيء جيد جدا وايجابي، بيحصل ساعات انك لما بتحتاج دور لممثل اجنبي بيبقى عندك مساحة انك تجيب حد من برة بيبقى حاجة جيدة جداً لأن ده بيعمل نوع من الرواج والارتباط في علاقات وتواصل بينك وبين بره، وتنفتح على العالم.
- ما رأيك في حصول السينمائيين من عرب 48 على دعم من الصناديق الاسرائيلية التي يلجئون إليها أحيانا ؟
- النسبة لعرب 48 هم فلسطينيين. فكان الشرط الاسرائيلي اما تخرجوا، اما تبقوا إسرائيليين وتأخذوا جنسيات اسرائيلية. فقعدوا وحافظوا على عروبة الأرض. لولا هؤلاء الناس، لم يكن هناك ارض عربية داخل نطاق أرض 48 الآن. بمعنى حينما تقول الآن أن نسبة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي تكاد تصل للثلث هي عرب ولهم نواب في البرلمان. بالتالي هؤلاء الناس كمواطنين عليهم واجبات ولهم حقوق. إحدى هذه الحقوق الموجودة هناك للإسرائيليين كشعب مثل الشعوب الأوروبية، والولايات المتحدة، أنه يدفع ضرائب وبالتالي من الممكن أن يحصل على دعم لفيلمه.
- ما شكل المعاناة التي يتعرض لها صانع الأفلام الفلسطيني ؟
- الكثير من صناع الأفلام الفلسطينيين يحفرون في الصخر لكي يصنعوا تلك الأفلام. وهناك نقطة هامة قد لاحظتها، أن الثقافة السينمائية عندنا في فلسطين ليست مثل مصر. بمعنى أن مصر السينما منتشرة فيها، وكذلك الثقافة السينمائية. ولكن نحن في فلسطين -لان حياتنا كلها نضال وثورات ودفاع عن الحرية- ليس لدينا وقت أو مساحة متاحة لذلك. أحببت أن أدرس السينما، من حدثني عنها هو أبي، لأنه مثقف ويدرك أهمية هذا الموضوع. ولكن هذا ليس منتشرًا في فلسطين. حينما ذهبت إلى مصر، بدأت أعرف أكثر عن السينما، وإنها صناعة كبيرة، من قبل لم أكن أدرك تلك الأهمية. ورغم الظروف، يظهر لدينا هؤلاء الفنانين الذين يصنعون تلك الأفلام الجميلة والجيدة وتصل لمهرجانات كبيرة، ويراها عدد كبير من الناس ويغيرون في الرأي العالمي.
- هل تعاني من تعسف في تنميط صورة الفنان الفلسطيني في بعض الأفلام العالمية، وبخاصة في الأفلام الأمريكية؟
- حينما يكون صانع الفيلم غير فلسطيني، هناك تنميط بالطبع، فالإرهابي في كثير من الأفلام الأمريكية فلسطيني. لكن هذه الرؤية، بعد 7 أكتوبر، أعتقد أنها ستتغير كثيرًا. لأن الأجانب أيضًا في مرحلة إدراك أن هذه ليست الحقيقة، وأن الفلسطيني ليس إرهابيًا وإنما يدافع عن أرضه. فأنا رأيي أن فكرة التنميط ستختفي تمامًا مع الوقت.
- هل السينما ممكن أن تبقى محرك للتحرر والتغيير؟
- بالطبع، أولًا نحن شعوب بسيطة، ومشكلتها طوال الوقت أنها تبحث عن لقمة العيش، فليس لديها متسع من الوقت. لكن السينما تجعلك ترى الجانب الآخر من الحياة. المرآة التي تعكس الواقع. تعيش أحيانًا دون أن ترى نفسك أصلاً من كثرة انشغالك وسعيك وراء تفاصيل الحياة، ثم فجأة تشاهد فيلمًا فترى ما تمر به من معاناة. هذه هي السينما، تضعك أمام حياتك. والسينما قادرة على عمل تغيير كبير، وهي في رأيي إحدى أدوات تغيير المجتمع. مثلًا، انظر كيف يحب العرب مصر، كيف يعرفونها، إنه تأثير السينما. لو أنك زرت المغرب وسمعك أحد تتكلم بالمصرية، سيرحب بك ويطلب منك أن تتحدث مثل عادل إمام. وظني أن السينما هي القوة الناعمة التي تصنع تأثيرًا لا تصنعه القنابل.