المتوالية الحزينة فى أسباب موت شكسبير

أسباب موت شكسبير
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد عبد الحافظ ناصف

صدر مؤخرا عن دار الفاروق المجموعة القصصية “أسباب موت شكسبير” للكاتب رضا محروس الذى صدر له من قبل مجموعة “البنت ذات الضفائر” عن قصور الثقافة و”أمنية للشمس” قصص للأطفال عن المركز القومى لثقافة الطفل، كما نشر عشرات القصص القصيرة للكبار و الأطفال فى المجلات العربية و المصرية.  فاز محروس بعدد من الجوائز فى القصة القصيرة مثل جائزة اقرأ التى كانت تقيمها مؤسسة اقرأ الخيرية  وجائزة  سوزان مبارك فى أدب الطفل لعامى   91 و 92.

 بدأ رضا محروس الكتابة كفلاشة قوية فى التسعينيات سطع نورها بين هذا الجيل من كتاب القصة القصيرة وأدب الطفل لكن الحياة قد أخذته سنوات كثيرة ربما لأسباب منها أن حرفة الأدب لم تكن وقتها، ولا فى أى وقت قادرة على أن تحقق أى طموح للعيش الكريم فى بلادنا العربية، فأى كاتب خارج عالمنا العربي يستطيع أن يعيش حياة كريمة من عائد كتاباته، لكن دور النشر فى بلادنا تضن على الكاتب بحقه و المضحك أنها تصادر هذا الحق فى الحاضر والمستقبل والغيب أيضا، وكأنه يجب على الكاتب أن يؤمن و يبصم أن ما سيتحقق فى المستقبل من حق دار النشر التى ستنشر له الكتاب و يكفبه الفخر و عليه أن يعمل فى الفاعل لكى يأكل ويشرب و يعيش لأن الكتابة ليست حرفة إلا لدور النشر فقط !!

شاء القدر أن أكون فى طريق هذا الكاتب المهم حتى يعود دائما للكاتبة مرة بعد مرة وأن أذكره دايما بموهبته الكبيرة التى كانت ومازالت قادرة على تقديم نصوص قصصية جيدة؛ ومنها بالطبع تلك المجموعة القصصية “أسباب موت شكسبير ” والتى تستحق دار النشر الفاروق الشكر على نشرها بهذا الغلاف المتميز والأنيق وهذا الشكل المحترم اللائق.

تتكون المجموعة من اثنتى عشرة قصة قصيرة تتراوح بين الطول والقصر، وبعد القراءة أرى أن المجموعة ناقشت و تعاملت مع مجموعة من المفاهيم التى وردت خلال عدد من القصص منها الموت والغربة والقهر والحرية والحزن، وتميزت المجموعة بروح المتوالية القصصية التى يشترك فى وجودها عدد من العناصر المشتركة  من عناصر كتابة القصة، مما يأخذ بها أيضا نحو روح الرواية.

 ومن الأفكار التى بدأت بها المجموعة فكرة الموت التى ظهرت فى قصة “الموت وطقوس الياسمين” ونجد بها موت الأم من خلال فكرة جيدة مزجت بين الواقع والخيال، حين حلم القاص بأمه التى لم تمنحة عقد الياسمين الذى يحبه ربما لشيء يشعر به الكاتب من تقصير تجاهها لغيابه بعض الوقت عنها منشغلا بأكل العيش المر فى هذا الزمن الصعب،  لكن الواقع كان يجهز للبطل مفاجأة سعيدة أن الأم قد تركت له هذا العقد من الياسمين مع التمرجى قبل أن تموت. “.. و همس بصوت يملؤه الأسى: قبل أن تسلم الروح..استفاقت للحظة واعتدلت.. تكلمت بصوت واضح، أوصتنى أن أعطيه لك.. تأملته.. طوقت به عنقى.. و التفت إليها.. وكان وجهها مازال يبتسم”.

وتناولت المجموعة موت الأب أيضا فى قصة ” هو بخير” من خلال علاقة البطل و أخوته البنات بهذا الأب الطيب المكافح الذى يبذل كل جهده ليستر بناته ويضمن لهن مستقبلا جيدا، لكن كل واحدة من الثلاث كانت تهتم بحياتها فقط و تعيش لنفسها دون السؤال عليه لأوقات طويله؛ وحين سألت عليه واحدة منهن نكتشف أنه قد مات  ويؤكد الكاتب فى عنوانه أن هذا الأب الآن بخير بعد أن ترك حياة الشقاء و بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، فيؤكد الكاتب فى نهاية القصة التى جاءت كوخزة موجعة للجميع”.. سألننى عن صحتى و عن صحة أبى..أخبرتهن أن أبى بخير. دخلت إلى غرفته..رائحة الموت مازالت على فراشة.. وضعت رأسى على وسادته و همست: نعم،إن أبى بخير.. ثم انفجرت فى البكاء.”   

وتناول الكاتب موت الزميلة “عائشة النبوى” فى قصة “الموت واليمام” فقد كانت  الزميلة تعمل معه فى المدرسة كرئيسة لقسم اللغة الانجليزية؛ وتعانى من مرض السرطان، والغريب أن عددا قليلا من المدرسين فى المدرسة لا يعرفون ذلك وبالرغم من هذا كانت الأكثر عملا و نشاطا ومحبة للجميع، وكان الكل يتعامل معها كأم أو أخت كبرى، و الغريب أيضا أنها لم تكن تغيب عن المدرسة إلا فى اليوم الذى تذهب لتأخذ فيه جلسة الكيماوى. رصد محروس علاقة عائشة النبوى بزملائها بلغة شفافة أظهرت فيها الجانب الإنسانى الكبير بينها و بينه، و بين الجميع ؛ يقول فى نهاية القصة: “أجتاز الآن- ياعائشة- حجرة اللغة الانجليزية صوب مكتب شيون العاملين..أراهم جميعا مطرقين تسح عيونهم..وجوههم جامدة وكأنها مشدودة على قوالب خشبية..أكاد أنكفأ و أنا أوقع أمام اسمى بالحضور فى الدفتر الذى خلا لأول مرة من اسمك يا عائشة”.

وتناولت المجموعة فى قصة “زيارة” موت الزميل مصطفى عبد القادر الذى أُحيل للتقاعد منذ سنوات و اختفت أخباره، ويقابله بطل القصة  معلم اللغة الانجليزية “على” فى مترو الأنفاق صدفة و يتفقان على اللقاء يوم الجمعة القادمة بعد أن عرف أن زوجته قد رحلت و بنتيه قد سافرا مع زوجيهما للعمل فى السعودية و قطر، ولا أحد يسأل عنه، يرصد الكاتب تفاصيل حياته وملاحظاته على جسمه وصحته التى صارت هزيله. و حين يذهب لكى يزوره فى شقته حاملا معه أشياء بسيطه يجده قد مات بالأمس، فتسقط منه الأشياء دون أن يهتم بأخذها و ينزل تبتلعه الشوارع ولا يعرف أين يسير، يقول الكاتب رضا محروس على لسان البطل فى النهاية:  “…نظرت إلى السماء الصافية..رأيته هناك بقامته الطويلة و جسده النحيف ينظر إلى من بعيد.. يوح لى و يبتسم..استدرت..أغلقت النافذة، ثم بدأت فى البكاء.”

وفى قصة “حكاية حزينة” نجد  الكاتب يقدم لنا الموت مع شخص ليس له علاقة كبيره به، فالموت هنا جاء فى القصة لطفلة صغيرة تتسول مع والدها لكن البطل تعلق بها كثيرا و كان يستبشر بها ويتفاءل كثيرا حين يراها، وفجأة تختفى البنت والرجل و يبحث عنهما و أخيرا يجد الرجل وحيدا دون بنته مرتديا المسبحة الطويلة التى كانت ترتديها البنت، والقصة تؤكد على أن عين الكاتب فى هذه المجموعة تبحث عن اللحظات الإنسانية التى تربطه بمن حوله ومن تربطه بهم علاقة ومن لا تربطه مثل حكاية تلك البنت.

وفى القصة التى تحمل عنوان المجموعة “أسباب موت شكسبير” نجد البطل يفاجأ بموت الطائر الذى تتعلق به ابنته الصغيرة، ويطلق عليه شكسبير، وتطلق هى عليه شاكس، يبدأ البطل بالبحث عن أسباب يقولها للبنت الصغيرة كى تقتنع برحيل طائرها، فلم يتوقع موت شكسبير أو أى عصفور آخر، كان مشغولا بماذا سيقول لها؛ فقد فقدت الطفلة من قبل جدهتها التى تحبها وأقنعها بالكاد أنها ذهبت إلى الجنة، و فى خضم هذا التفكير الطاحن يفاجأ أن ابنته قد اكتشفت موت الطائر وأنها وجدت لنفسها أسبابا أكثر منطقية من التى يبحث عنها والدها؛ فقد قالت له أن الطائر قد صعد إلى جدتها فى الجنة وأنها تود أن تذهب إليهما. “… قاطعتنى و هى تخبط على كتفيّ بيدها الرقيقة:

– أريد أن أموت لكى أرى جدتى وألعب مع شاكس من جديد..!!”   

و نجد أن الموت أحد العناصر المهمة فى المجموعة القصصية والتى تجعلها من العناصر الفعالة كى تنتمى لفكرة المتوالية القصصية؛ فالموت تواجد كخط بيانى متصاعد فى عدد من القصص بداية من عنوان المجموعة المتميز “أسباب موت شكسبير” و مرورا بعدد آخر من القصص مثل الموت و اليمام، و زيارة، و هو بخير،حكاية حزينة، الموت و طقوس الياسمين، فنصف قصص المجموعة تتناول الموت بشكل مباشر، إضافة لظهوره فى قصص أخرى يأتى فيها ذكر الأب أو الأم و كذلك الموت فى حالة الإجهاض فى قصة “إيرينا ميلونفيسكى”، خاصة بعد أن دبت الروح  فى الجنين لذا أعتبره موت لشيء عزيز على تلك الفتاة الأمريكية التى كانت رافضة تماما أن تجهض جنينها لولا رفيقها السكير الكولومبى الفظ الهمجى كما وصفه الكاتب.

و ختاما كان الشجن و الحزن علامة مميزة لتلك المجموعة التى ساعدتها اللغة الجيدة الشفيفة والشاعرة فى بعض مقاطع منها أن تكون من محسناتها البديعة التى أضافت للمجموعة، علاوة على التقاط لحظات مهمة للقص أعتمدت على لحظة انفجار القصة و لم تعتمد على السياق القصصى المتعارف عليه بالبداية و الوسط و الختام، كان الحدث فيها هو لحظة الانفجار التى تتوالد منها بقية الأحداث الأخرى.

ومن سمات المجموعة أيضا النهايات التى حملت الكثير من المفارقة مما أحدث حالة من التشويق لتتبع القصة من البداية للنهاية دون ملل و دون توقع لتلك النهايات، و هذا يعطى القارئ حالة من الرغبة فى استكمال العمل.

ومن العناصر المهمة التى تصب فى فكرة المتوالية القصصية غير فكرة الموت جاءت وظيفة البطل التى لم تتغير طوال قصص المجموعة، فلم تخل قصة تقريبا من الإشارة المباشرة أو غير المباشرة أن البطل يعمل مدرسا للغة الانجليزية فى  إحدى المدارس الحكومية؛ ففى القصة الأولى للمجموعة على سبيل المثال تبدأ من جملة “كنت قد انتهيت من كتابة التاريخ وعنوان الدرس حين دق هاتفى المحمول..”وفى القصة الثانية ” الخيوط لا تتقاطع أحيانا” تبدأ بجملة “عندما دق هاتفى المحمول،كنت على وشك الانتهاء من حصة الدرس الخصوصى”  وفى القصة الثالثة “حدث استثنائي للسيد المهيب” وهى القصة التى تعاملت مع لحظة إنسانية لشخصية عسكرية ينسى فيها كل الطقوس التى يجب أن يتحلى بها و ينزل من سيارته لكى يرد ويحتضن حفيدته التى خرجت تجرى ورائه، كانت عين المدرس تراقب تلك الحادثة الإنسانية و جالس على المقهى المقابل لعمارة تلك الشخصية.. يقول البطل/ المعلم: “..لكن السؤال الذى داهمنى ذات صباح حينما لم ألحق الحصة الأولى، ما الساعة التى يأتى فيها هذا الموكب كل صباح”.  

وفى النهاية أرى أن المجموعة تمتلك ذاكرة قوية فى عقل ووجدان من سيقرأها لأنها تعاملت مع لحظات إنسانية فارقة فى حياة البطل وتتماس مع حياة القارئ لآنها تمتلك الكثير من الصدق الفنى.

مقالات من نفس القسم