فرانسوا باسيلي
حين اقترب كوكب الكورونا من كوكب الأرض، حملت أمتعتي ولغتي ودخلت غرفتي، عازماً ألا أغادرها حتي ينزل الوحي بالشعر والفكر علي جبهتي، فيشرح لي ربي ما خفي علي قلبي، وحتي يهديني إيماني بآلهةٍ تملأ صدري بسلام الداخلين آمنين، وحتي يطمئن قلبي إلى سلامة كوكبي، فكيف أخرج إلى ساحة الحرب وحدي، وليس لي سوي روحٌ مرفرفٌ وجسدي، وليس لي سوي يدي، تكتب ما ينطقه الوحي من صورٍ وسور، وما يكشف لي من سر أسرار كوكبي.
وفي الليلة الأخيرة قبل القيامة، وكنت قد طلبت من الوحي علامة، قال الوحي لي سأرسل لك علامة، و حين تأخذ العلامة تخرج بالسلامة.
وفي الفجر الأحمر شع نورٌ مبين فأنار غرفتي والعالمين، وهَبَطَتْ مِنْ عليائها إلَهَةٌ تسبح في ضيائها، وقفتْ أمام ضعفي بجسدٍ فارهٍ يتلألأ ببروق القادمين والراحلين، كأنها قد جمعت كواكب الكون بين نهديها، وعصرت غبار النجوم زيتاً يدهن ذراعيها وساقيها، لفحتني بلهاثٍ من شفتيها هب علي وجهي كنار جهنم الكافرين، ومدت كفها تلمسني فسال منه عسلٌ من جنة المؤمنين، فكأنما قد جمعت في جسدها أقاليم الجنة والجحيم، وفي عينيها أقانيم النقمة والنعمة، وفي خصرها قسوة المنتقم الجبار ورأفة الرحمن الرحيم.
فتحتْ فمها ونطقتْ قائلة “خذني”،
فسقطت علي وجهي مرتجفاً لفرط دهشتي وحسرتي، وقلت كيف آخذك وقوتي ليست سوي لغتي؟
وكيف أرد عن كوكب الأرض كوكب الكورونا، وأنا في البدء كنت الكلمة، وفي النهاية الكلمة،
وحيلتي ليست سوي لغتي؟
قالت وهي ترفعني إليها، لا تخذل نفسك فتخذلني، ألا تعرف أن الكلمة حياة وخلق؟ ألا تعلم أن الحرف حرقٌ وحق؟ بالكلمة تخلق وتصد وترد، وبالفكر والشعر تعلو وتتمدد، تنمو وتتجدد، كيف تجهل قوة فكرك وشعرك، وهي ما حلق بك للأعالي، فعرفت العالي والمتعالي عليك، واغتنيت بالغني الغالي، كيف تبخس نفسك حقها وحقك، فتخذل الحق والحب، وتخسف الأغاني والمعاني؟
خُذْنِي إِجْذبنِي إِلَيْكَ لِنَفَّنِي وَنُغَنِّي
قالت وهي تعلو وتعلو.
فتعاليت تعاليت،
وجذبتها، وأخذتها فأخذتني،
والتصقنا روحاً وجسدا، فصرنا واحداً أحدا.
رآنا كوكب الكورونا نعلن عليه الحب والحرف فانصرف.
وانحرف كوكب الأرض بنا.. وانعطف.. فنجونا.