ليس هناك فريق آخر
أظهر تلك المعجزة ، معجزة الغفلة
إنهم يسافرون عبر الطرق الترابية التي تحف بالبيوت
ويجمعون الخبرات
بمجرد النظر عبر النوافذ القريبة
بلا مقابل يجوبون الريف
من أجل الكؤوس الرخيصة
ثم لايجدون خزانة تضمها
ليس هناك فريق آخر
يترجرج لاعبيه في المقاعد الخلفية
أو يتشبثون بأطراف أصابعهم في السيارات الخيام
يأكلون ويشربون
ويلوحون لمن يعرفون ولمن لايعرفون
يتفادون ببراعة
مداعبات سمجة
يتفادون لطمات صريحة
الذين عقدوا صداقات العمر
بعضها بشجارات متوحشة
وبعضها بغمزات العين،
يردون تحيات الإعجاب بكل محبة
بصقات طائرة
في مقابل بصقات طائرة
ـــــــــــــــــــــــــــ
*”سرسنا” قرية الشاعر
ياسر السنديوني
“اللاعب“
عيناه خاليتان من الخُبث
ممتلئتان بأسئلة بسيطة
تعبر من وقت لآخر في سماء طاهرة
مثل طيور سرسنا ،
حنانه بخل به خوفاً على أحبائه
وكلماته نادرة مثل الذهب
إخلاصه لفريقه المغمور أنساه أهله ومستقبله
وأرسبه عاماً وعامين،
قادم من بعيد
يعبر بين البيوت
ويجتاز الحقول
أسطورة تحدث كل يوم
يراه البعض كما أراه
ويقول البعض ليس لديه شيء يفعله؟
يواسي الأشجار الوحيدة على الطريق
ومن الأزهار الذابلة يقترب
كأنه يقول لها ،
أنا وحيدلا أعرف لمَ ؟!
تحققي أنتي من طيبة قلبي
قادما من ناحية “الساحة”
والشمس تغرب
ينتظره مقعد في الشرفة ، يتنهد بعمق
بينما الأطفال يتهامسون باسمه
سوف يقول البعض ياله من حالم
وسوف يقول البعض
إذا كان على هذا القدر من الموهبة
لما لا يلعب في الأهلي
لما لا يلعب في الزمالك؟
بيده حقيبة بها حذاء مهترئ وترنج رخيص
وبعينيه إما فرحة وإما أسى
سوف يقول البعض
اليوم فاز
وسوف يقول البعض
اليوم هُزم
وتقول لي أمي
بصوت خفيض
لمَ لا يبحث عن عمل؟
لو رأيتم طيبته
لن تصدقوا أنه هو
الذي يجمع اللاعبين من منازلهم في قلب الظهيرة
كقائد يجمع جيشه من أجل الحرب
بينما الشمس تشوي الأرض
ولا يستطيع أحد أن يقول له لا
سوف يقول البعض لم نر أحداً يقدس اللعب هكذا
وسوف يقول البعض
شرير يفسد أصدقاءه
يكره المتخاذلين
وتصمت السماء فجأة احتراما له
عندما يرسل صرخاته في كل اتجاه
سوف يقول البعض
دعه يؤدب هؤلاء الكسالى
وسوف يقول البعض
إنه لن يمنع المكتوب
لو رأيتم فرحته
عندما استضافته القناة السادسة
وهو فرح ينظر إلى الكاميرا بدهشة
كان يتصبب عرقاً
ويحس أن تعبه لم يذهب سدى
أخبر الجميع أنه سيظهر في التليفزيون
لكن هذه الحلقة
وهذه الحلقة بالذات لم تذع أبداً
هكذا أراد القدر الحكيم
ألا يشوب إخلاصه شائبة
حزنه
لم يشف منه لسنوات
عندما ضاع في اللحظات الأخيرة
أمله في الصعود إلى الدرجة الأولى
إلا بفضل صلاة مستمرة
حولته بكل رقة إلى سكينة المؤمنين
بفضل تصميم والهام لا يأتي إلا لمدافع من الطراز الرفيع
زاد وزنه قليلا ومال شعره إلى الشيب
يمر بهدوء عند أطراف الملاعب
تراوده رغبة أن يكشف ركبتيه كي يري الصغار
تاريخه العريض
المكتوب بلغة الجروح الواضحة
سوف يقول من يعرفه
كان يوما ما نجم النجوم
وسوف يقول البعض
عيب عليه لم يعد صغيراً
رويداً رويداً
سوف يستسلم في يأس نبيل
للهدوء والوقار
كما يريد البعض
الهدوء والوقار
اللذان تحتاجهما مجالس العزاء
سوف يطل مثل موظف
ويمشي مثل أب
المدرب العام
درويش كرة القدم
هتلر الملاعب
مباحث أمن دولة المواهب الصاعدة
صوفي الأهداف القاتلة
في الهيئة الكاملة للمدرب العام
الترزي الذي قفز فجأة إلى المشهد الكروي
من خلف منصة التفصيل
والطموح في عينيه
والمقص في يده ،
أول من لعب بأربعة مدافعين دون ” ليبرو”
أول من وضع صانع ألعاب تحت اثنين من المهاجمين
أول من حرر الأطراف وأعطى مهام خاصة
للاعبين لا يكادون يفقهون شيئا
أول من حدد المهام المعروفة للاعب الارتكاز
أول من توقع سيناريو مباراة كاملة
بشجاراتها ،
بأهدافها الصحيحة بأهدافها الملغاة ،
استولى في صمت على السلطة الإدارية
لأن الفريق ببساطة ليس له حقوق
استولى على السلطة الفنية
بخطة ترتكز على الحنان
كونه المدرب الوحيد في البلد
كونـه يرعى الفريق
مثل أرملة تجري على أيتام
الخبير الذي يفهم في كل شيء
الذي استولى على مهام الطبيب المعالج
لأنه الوحيد الذي يحتفظ في حقيبته
ببخاخ موضعي يزيل الألم
بنظراته المجنونة يشحذ همم اللاعبين
الذين تعدوا مرحلة النشوة
ويلعبون دائماً على حافة إيذاء النفس ،
يستخدم لغة كروية
لشرح الخطط
يرسل تعليمات بلغة محلية
قوامها أسماء الأمهات،
المدخن العتيد ذو الأسنان السوداء
مطلوب من كل الفرق المنافسة
من أجل أفكاره المثيرة
من أجل خططه المؤلمة
أُنظر في السوق
هل هناك غيره
يغلق محله ساعة الذروة ؟!
كبير المشجعين
رجل مجنون
لديه جيش صغير من المجانيــــن
يدينون له بالولاء
دون أن يعرفوا السبب
قائد انتصر في مواقع عديدة
وفي بلاد بعيدة
رغم أن جيشه لايدخل حروبا في الصباح
يرابط صامتاً بل
عند قهوة الميدان وحولها
حذاري من الإقتراب منه
حذاري من إزعاجه
رجل جاد
رغم أنه هناك شك كبير بأنه يعي مايفعل
رجل دولة
كلماته غير المفهومة لايقلل من سحرها
الرغاء الذي يسيل من فمه
ولا الضباب الذي يغلف نظارته طوال العام
فكلماته هي همزة الوصل الوحيدة بين الجماهير وبين السماء
كان القدر يظن وهو يخيّره
بين كرة القدم وبين أغلى شىء في حياته أنه يقتله
لم يكن يعرف أنه يهدي إليه حلمه
على طبق من ذهب
تخلص من عائلته بكلمة
وتوجه إلى عمله ذات صباح
وببصقة في وجه المدير
إشتري حريته
تفرغ لحبه الوحيد
لفنه الخاص
فنه الذي يتراوح بين الأهازيج الرخيصة والصراخ
بين الجنون والهستيريا المطعمة بالأغاني
تقديراً له من الجماهير الغفيرة
صنعت له منصة عالية
من الورود والأعلام
كي يرى الجميع
الطريقة الفاتنة التي يهلل بها
في مواجهة الأقدار .
ـــــــــــــــــــــــ
*شاعر مصري
* قصائد من ديوان “اللاعب” صدر أخيرا عن مؤسسة الغاوون