د. نجلاء سعيد
يمثل العنوان في القصة أو الرواية أهمية بالغة، وله تأثير كبير على الكيفية التي يستقبل بها القراء العمل، فإما أن يثير العنوان خيال القارئ ويدفعه إلى قراءة العمل التخييلي للوقوف على دلالته، وإما أن ينسحب القارئ نهائيًا، متجاهلًا العمل.
ويفترض بالعنوان الجيد أن يكون متوافقا مع القصة بشكل ملائم، وأن يكون يكون مثيرًا ومؤثرًا وله معنى قوي لدى القارئ، وفي نفس الوقت لا يهتدي القارئ إلى دلالته إلا بعد قراءة أغلب العمل أو قراءته بالكامل، عندئذ يبدأ القارئ في عقد مقارنة بين الانطباع الأول الذي تكون لديه عند قراءة العنوان للمرة الأولي والمعاني العميقة التي توصل إليها من خلال القراءة المتأنية للنص التخييلي.
يتكون عنوان المجموعة القصصية (محاولة أخيرة للظهور) للكاتبة هبة بسيوني، من تركيب وصفي يتكون من الصفة وهي كلمة أخيرة والموصوف المتمثل في كلمة محاولة، هذا بالإضافة إلى شبه الجملة في نهايته، والملاحظ أن طرفي التركيب كلاهما نكرة تفيد الشيوع والعموم، وكأنما أرادت الكاتبة أن تقول إنه ما من أحد إلا ولديه ألم ما أو معاناة يرغب في البوح بها أو مواجهتها ووضع الحلول لها، فالطبيعة البشرية لا تتغير ولم تتغير منذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا.
ففي قصة (الشيطان الأصفر) يختفي أطفال البلدة، فتقع الأمهات فريسة لحزن عظيم، اعتصر قلوبهم ومآقيهم؛ مما يجعلهم يوافقون على عرض صانع الذهب بأن يضع لهن قلوبًا وعيونًا ذهبية مكان تلك التي أعطبها الحزن، فأطعنه ليتخلصن من عبء الشعور وتبعاته، دون أن يضعن في الحسبان ما تبع ذلك من ويلات.
في قصة (عطر) يتكبد المحب مشاق رحلة بحرية طويلة للإتيان بمهر محبوبته، وعند عودنه يتفاجأ بها تزف لشخص آخر، فيشعر بأسى عميق ولا يجد وسيلة للتخلص من هذا الأسى إلا بنزع قلبه من أحشائه ووضعه في صندوق، وتفعل الحبيبة شيئًا مماثلًا في قصة (بلا أجفان) ففي البداية تتخلى عن أجفانها؛ لكي تملأ عينيها من حبيبها قبل الرحيل، وحين يتأخر الحبيب وتيأس من عودتِه ينفطر قلبُها، فتقبل بالزواج من شخص آخر وعدها بتعويذة تنسيها حبيبَها وتشفي قلبَها المكلوم.
وفي قصة (رائحة الكذب) تلجأ البطلة إلى السحر؛ لكي تتخلص من القيلِ والقال وتربص أهل القرية بها ومحاولتِهم إقصاءَها هي وأطفالَها عن البلدة.
في قصة (حَساء العدس) تقبل البطلة بالزواج من شخص لا يشبهُها ولا يستحقُها، فقط للتخلص من أقاويلِ أهلِ القرية، وتكتشف بعد الزواج أنه ظل رجل، وأنه تابعٌ لأمِه التي أخفت عنها حقيقتَه، فتتخلص منها بوضعِ السمِ في حَساء العدس، وتقرر في النهاية إكمالَ لعبة الزواج الصوري؛ لكي تستطيع العيش في البلدة دون أن يضايقها أحد.
من خلالِ هذا العرض لبعض قصص المجموعة يتضح أن عنوان المجموعة يخضع للتمطيطِ على مدارِ النص، وأنه عنوانُ دال يكتمل بمدلولِه ويفتحُ مجالاتٍ عدة لتوقع القارئ، وليس مجرد علامة ناجزة، تقلص دَور القارئ في عملية إعادة إنتاجِ النص وتأويلِ دلالتِه النهائية.
وتنقسمُ المجموعة إلى قسمين: تدورُ أحداث القسم الأول في زمنٍ مجهول ومكانٍ غير معروف تسكنه كائنات فوق طبيعية كالسحرة والجنيات ومصاصي الدماء، وتدور أحداثُ القسم الثاني في عصرِنا الحالي وأبطال ُ القصص هم أحفاد أبطالِ قصص القسم الأول، ولهم نفس الطبيعة البشرية، الفارقُ الوحيد يأتي في قولِ الكاتبة:
الزمنُ تكرارٌ للحظةٍ معزولة، عندما ترك السحر بلدتَنا وسكننا نحن، نحن من نسكن في اللا وقت ونقولُ دومَا (يوما ما سأفعل).
ويسيطر على قصصِ القسم ِالأول من المجموعة ما يُعرف بالواقعية السحرية،ويرى بعض النقاد أنها نوع أدبي في حين يرى بعضُهم الآخر أنها تقنية أدبية تسمح للكاتبِ بالخلقِ والإبداع وللقارئ بالإثارة ِوالتشويق، ولكن المهم هنا هو التمييز بينها وبين العجائبي أو الفانتاستيك.إن وجود الكائناتِ فوق الطبيعية شرطٌ أساسي لكلٍ من الواقعية السحرية والفانتاستيك، لكن الفارقَ بينهما يكمن في ردِ فعل القارئ الضمني، فإذا أحست الشخصية ومعها الفارئ الضمني بالدهشة أو التردد أو الخوف تجاهَ ما يحدثُ أمامَها من أحداثٍ غيرِمعقولة فنحن في العجائبي أو الفانتاستيك، أما إذا تعاملت الشخصية مع الأحداث والكائنات فوق الطبيعية وكأنها أمور ٌطبيعية مألوفة لا تثيرُ الدهشة، فنحن في الواقعية السحرية.
بناء الفضاء الجغرافي في مجموعة (محاولة أخيرة للظهور):
الفضاء الجغرافي هو مكان ينتجه الحكي، وهو محدودٌ جغرافيًا، قابلٌ للإدراكِ والتخيل، ويتحركُ فيه الأبطال، ويضم الفضاء مجموعة الأمكنة في القصة أو الرواية وإطارِها المتحرك.
مما سبق يتضحُ أن الـفضاءَ أكـثرُ شـموليـة من المكـان، ففضـاء الروايـة يتسع لـيشـملَ مجمـوعةَ الأمـكنة فيهـا; حيث المكـان الروائي ليس واحـدًا، بل يتعـدد بتعـدد الأحداث، فكل حدث قرين مكان، وكل شـخصية روائية يضمها مكان تـتحركُ فيه وتبادله التأثر والتأثير. وهذا المكان/الأمـكنة في تعددِها وتنوعـِها وتقاطعِها وتماسـها يضمها فضاءٌ واحد.
إن الفضاء الروائي مثل المكونات الأخرى للسرد لا يوجد إلا من خلال اللغة، فهو فضاءٌ لفظي بامتياز ويختلف عن الفضاءات الخاصة بالسينما والمسرح، أي عن كلِ الأماكن التي ندركُها بالبصر والسمع، إنه فضاء لا يوجد سوى من خلالِ الكلماتِ المطبوعة، وعن طريقِ هذه الكلمات يخلق القاص مكانًا خياليًا له مقوماتُه الخاصة وأبعادُه المتميزة وحقيقة أبعدُ من حقيقتِه الملموسة، وقد يشبه هذا المكان المتخيل الواقع ولكنه أبدًا لا يحاكيه.
أبعاد الفضاء الجغرافي في الرواية:
البعد الجغرافي:
للمكان ِحضورٌ مميز في النص القصصي، فهو محملٌ بدلالاتٍ مختلفة ؛ فالأشياء التي تشكل جغرافية المكان لا تـوجـد في فـضـاءِ الـنص وجـودًا مـجـانـيًـا، فـمـا هي إلا عـنـاصـر تحـملُ الـكـثـيـر َمن المـعـاني في وجودِهـا ؛ فالنافذة بوصفِها شيئًا مشكلًا لجغرافية المكان، تقومُ بأدوارٍ عدة حسب الوضع الذي تتخذُه في سياقِ النص، فالغرضُ الواضح المباشر من النافذة هو التطلع إلى الخارج، والسماح للضوءِ والهواء بالعبور إلى المكان، لكنها في بعض قصصِ المجموعة تتعدى وظيفتَها الأولى وتكتسب وظيفة مغايرة، ففي قصة بعنوان (قضبان ) يعمل البطل الذي يتصف بضيق الأفق ويفتقر إلى البصيرة عامل تحويلة في السكة الحديد، ويعاني أمراضًا عديدة بالإضافة إلى عدم قدرته على الإنجاب ؛ مما جعله ينسحبُ من الحياة شيئًا فشيئًا، فيقطعُ كلَ صلاتِه بالعالمِ المحيط، متعللًا بشتى الأسباِب والأعذار، واتسمت علاقتُه بالمحيطين بالجفافِ العاطفي، لكن سماعَ صوتِ المطر يضخَ في عروقِه دمًا جديدًا وأملًا جديدًا:
(أنظر للأعلى. لا شيء فوقي سوى السماء. لا أميز هل ما أسمعه صوتُ المطر أم أنه نفسُ الصوِت الذي يطنُ بأذني باستمرار. أجول ببصري في الغرفة ِالباردة موحدة الألوان التي لا تعجبني، لكنها فُرِضَت عليّ منذ بدايةِ العمل. المكان ضوؤه خافت بسبب الستائرِ الداخلية. أنهضُ لأفتح َالنوافذ ؛ لكي أشعرَ بأن هناك بدايةً ليومٍ جديد) فوظيفةُ النافذة هنا هي إدراك العالم برؤية جديدة وبصيرة نافذة.
ومن عناصرِ تأثيثِ المكان أيضا الستائر التي تغطي النافذة، وتتخذ دورًا جديدًا حسب السياق الذي تأتي فيه، ففي قصة بارتليني تشتاقُ البطلة التي تعاني الصمم إلى أخيها المقيم خارجَ البلاد، وهوالوحيد الذي كان يعرف حقيقةَ حالتِها ويتفهمُها ويحاولُ مساعدتَها على التعايش مع أزمتِها، لكنها تشعُر بصعوبةٍ بالغة في الاندماجِ مع العالم:(الطقسُ بارد رفعتُ رأسي من فوقِ الوسائد ونهضت لأزيحَ الستائر. ضاقت عيناي في مواجهة النور وأنا أنظرُ للأشجارِ المواجهة لبيتي تتحرك) فالستائرُ المغلقة هنا لم تعُد مجرد أداة لحجبِ الضوءِ والتراب، لكنها أصبحت تعني فقدانَ القدرة على التواصل مع العالمِ المحيط وعدمَ الاعتياِدِ على المواجهة.
إن اختيار أسماءٍ حقيقية للأماكنِ الجغرافية في النص كالمدن والأحياءِ والشوارع تـعـملُ عـلى إيـقـاظ حس المتلقي الذي يـبـدأُ فى صـنعِ مـكـانٍ مـتـخـيـل سـواء أقدم النص إشاراتٍ مـكانيـة أم لم يقدم، ويعطي القارئ إحساسًا بأنه يستطيع أن يتحققَ من وجودِها وأن يذهب إلى زيارة هذه الأماكن، ففي قصة دنج دنج دنج يتعلقُ البطل بفتاة ويرى فيها فتاةَ أحلامِه، فيقررُ التنازلَ عن وظيفةِ الكاهن وطلبَها للزواج، لكنه يكتشفُ أنها لا تبادلُه نفسَ الشعور وأنه لم يكن بالنسبةِ لها سوى شخصٍ يذكرُها بحبيبهِا السابق الذي يحتلُ كلَ كيانِها، ومع أنه واثق من أنهما يعيشانِ معًا في إيطاليا، إلا أنه يلمحُ خلفية بلد أخرى أثناءَ الحديثِ معها، فيسألُها:
“هو انت فين حالًا، في أنهي بلد؟
ترد بتعجب: أنهي بلد ! اسكندرية، محطة الرمل، ما احنا اتقابلنا في الكنيسة هناك “
إن ذكرَ الأماكن بأسمائهِا الحقيقية هنا يوحي بأنها مازالت عالقة هناك، في المكانِ الذي التقت فيه حبَها الأول والوحيد.
أما المدن البعيدة التي يخلقها القص وتستحيلُ رؤيتَهـا عيانًا، فلا يملك المتلقي إلا أن يصدقَ وجودَها ويعتقد َ فيما تنتجُه هذه الأمـاكن من مـعـانٍ، ويحفلُ القسمُ الأول من المجموعة بمثلِ هذا النوع من الأماكن.
البعد الاجتماعي
المكانُ بوصفِه حيزا صالحا للحياةِ فيه يكونُ أساسا ولبنة أولى لإقامة المجتمعاتِ البشرية، هذه المجتمعات البشرية تستمدُ صفاتِها من المكان ِالذي تعيشُ به، ويتجلى هذا في أوضحِ صورِه في قصصِ القسمِ الأول من المجموعة، فالفضاءُ فيها هو القرية، وفي القرية تزدادُ العلاقاتُ الاجتماعية نتيجةً لمحدوديةِ المكان، ومن ثم تكثُر الشائعات ويزدادُ القيل والقال، خاصة عند قدوم امرأة غريبة إلى القرية مثيرة وشهية في آنٍ واحد، تقول الكاتبة في قصة رائحة الكذب: (عندما نزَلَت ببلدتِنا منذُ عامٍ تجرُ مقشةً وراءها وتحملُ طفلا رضيعا. الكل يبتلع لسانَه أمامَها، الإبر توخزُ ظهرَها والسياطُ تسلخ ولكن في الخفاء، أمامَها الجميع أشباحٌ لطيفة، وجوهٌ بلا ألسن، أسنان ٌبيضاء تبتسم وتخرجُ الهمسات من بينها. لا تسمعُنا ولا تهتمُ بكلامِنا )
البعد النفسي للمكان
البعد النفسي هو ذلك البعد العاكس لما يثيره المكان من انفعالٍ سلبي أو إيجابي في نفسِ الحال فيه، ولابد للمكان أن يكون بناؤه منسجمًا مع أمزجة وطبائع شخصياتِه،وأن تكشف بنيةُ المكان عن الحالة الشعورية التي تعيشُها الشخصية،.ويمكن استغلال صورَة المكان في القصةِ إلى أبعد حد، فـإسـقاطُ الحـالةِ الـفكـرية أو الـنفـسيـة للأبطـال على المحـيط الـذي يـوجـدون فـيه يـجـعلُ لـلـمـكـانِ دلالـة تـفـوقُ دورَه المـألـوف بوصفِه ديكورأو حلية، تقول البطلة في قصة والت ديزني: (بسقفِ غرفتي صورملائكة طائرة على الأسطح مع رسم لفتاةٍ حزينة بدرجة مقلقة تعزفُ الناي.لونُ السماء اخترتُه للحوائط ونقوشٌ بيضاء لطيفة في الأركان تحيط ُبالمصباحِ الوحيد بالغرفة.ذو ضوءٍ خافت.تم تعديلُه خصيصًا ليكونَ كذلك. أكرهُ الأضواءَ الخافتة)
إن وصفَ المكان هنا يفسرُ الحالة البينية والضبابية التي تعيشُها الفتاة، ويكشفُ عن تلك الحالة وجودُ الفتاةِ الحزينة التي تعزف الناي الذي لايتناسب مع صورة الملائكة الطائرة على الأسطح، كما أن المصباح ذا الضوء الخافت وهو عنصرٌ من عناصِر تأثيثِ المكان يدلُ على التشوش وعدم الوضوح، فالفتاة تعيشُ حالة من الصراعِ الداخلي بين تربيتِها الصارمة ودينِها الذي يأمرُها بالاحتشام وبين تطلِعها إلى ممارسة حيويتهِا بوصفِها أنثى جميلة تلفتُ الأنظار، ومما يدل على عدم الاستقرار أيضًا قولُ الكاتبة في نفسِ القصة ( الريح تؤرجح الستائر)
وهناك قصة أخرى في المجوعة ترتبطُ بهذه القصة بشكلٍ أو بآخر وعنوانُها (ملائكةٌ طائرة على الأسطح ) تشعرُ البطلة في هذه القصة بالضيقِ المستمر؛ لأنها تهبُ حياتَها للعملِ الجاد وتتصرفُ دائما بشكلٍ رصين وتتمنى أن تصبح مثلَ صديقتِها النائمة أمامَها فتتصرفَ بعفوية وتصادق الرجال دون أن تشعرَ بالذنب، والحقيقة أنها تعيشُ حالةً من الانقسام وأنها وصديقتُها شخصٌ واحد يشعر بمشاعر متناقضة ؛ ولكي تتخلص من عبء هذا الانقسام تدعو صديقتَها لرسم ِملائكة على سقفِ الغرفة وجعلهِ يماثل سقفَ الكنيسة، وفي الصباحِ تطلُ على صديقتهِا من علٍ وقد أصبحت الفتاة التي تعزف الناي في سقفِ الغرفة، في إشارة إلى نجاحِها في تحقيق التوازن بين الروحي والمادي.
البعد التاريخي الزمني
المقصود بهذا البعد الزمن الكامن في المكان والأشياء التي تشكل جغرافيتَه، فيغيرُ بظلالِه من صورتِها ؛ فالمكان إذن ما هو إلا كمية الحركة في الزمن، ونلمحُ تأثيرَ الزمانِ الخفي في المكان في قصة احتمال، فالبطل يقفُ عند منزل حبيبتِه القديم ويشعرُ بالألم لرحيلِها دون أن يستطيعَ البوح لها بحبِه، فيتذكرَ لحظةَ الوداع ويظلَ جالسًا في نفسِ المكان الذي تركته به وهو يحملُ وشاحَها: (يافطة قديمة يعلوها الصدأ. تأكلت حوافُها، تفيدُ بأن العقار ملكًا لأسرة ما وممنوع التعامل على الأرض إلا عن طريق أصحابِها) فهذا الصدأ الذي أصاب اليافطة وهي عنصر من عناصر المكان عبارة عن إشارة زمنية تدلُ على مرورِ الزمن ؛ مما يدلُ على مضي وقتٍ طويل على هذا الفراق.
البعد الأسطوري للمكان:
والمقصود به هنا ارتباطَ المكانِ بالأسطورة، ويظهرُ ذلك في قصةِ أرمجان، حيثُ البطل الذي يعشقُ فتاةً إلى حد الذوبان ولا يستطيعُ تصديقَ أنها تبادلُه الحب حقًا، فتصحبُه الفتاة إلى البحر وتسحبه للداخل وهي تغني بعد أن أخبرته أنها حامل منه، مما يحيلُ على أسطورة عروس البحر التي تغوي الصيادين بغنائهِا الساحر قبل أن تغرقَهم في البحر.
أنواع الأماكن في المجموعة القصصية:
أولًا أماكن الإقامة الاختيارية
ومن هذه الأماكن البيت، والبيت هو المأوى الذي يشعر فيه الإنسان بالألفة والحميمية ؛ لكن هذا الشعورَ الجميل بالبيت قد يتحول إلى كابوس إذا شعر الإنسان داخلَه أنه مقيد ومراقب، كما هو الحال في قصة (بطعم الثوم )أو إذا شعر الإنسان بأنه سجين داخلَ بيتِه، ويتجلى هذا في قصة عيون لوزية باللون البني الغامق، تقول البطلة:
(اعتدتُ على القضبانِ مثلَه. قبعتُ وراءها في المصحة ومن قبلِها في بيت كنتُ أظنه بيتى )
وإذا ما اضطر الإنسان لسببٍ ما إلى مغادرة بيتِه، فإنه يشعر بالحزنِ العميق لمغادرة مأواه وتغدو كُل الأماكن الأخرى باردة تفتقرُ إلى الأمان ويظهرُ ذلك بوضوح في قصة ( ثلاث حمائم بيضاء):
(المكانُ بارد، أسحبُ غلافَ بنيَ من الورق المقوى وأجلس عليه فوق خشبِ السرير، يرتجفُ عمودي الفِقري)
ثانيًا أماكن الإقامة الجبرية:
ومن هذه الأماكن المصحة في قصة (عيون لوزية باللون البني الغامق )وأيضا المستعمرة في قصة (ثلاث حمائم بيضاء )
ثالثًا أماكن الانتقال العامة والخاصة:
من أماكنِ الانتقالِ العامة الشوارع والميادين والأنهار والبحار، وقد تتحولُ أماكنُ الانتقالِ العامة إلى أماكنِ إقامة جبرية، فعاملُ التحويلة في قصة قضبان ومراقب المعدية في قصة بلاستيك، كلاهما يقضي ساعات طويلة في كشك أو كابينة ضيقة، وهذا المكان الضيق يدل ُعلى العجزِ وعدم القدرة على الفعل أو التفاعل مع العالمِ الخارجي.
أما أماكن الانتقال الخاصة فمن أمثلتِها المطعم في قصة سحابة سوداء.
رابعا الأماكن المتحركة: وتشملُ وسائلَ الانتقال مثلَ الحافلة، وتعدُ مقشةُ الساحرة وسيلةَ انتقال فوق طبيعية في قصصِ القسم الأول.
وهكذا مثَّل الفضاءُ الجغرافي نقطةَ تلاقح للعديدِ من أشكال ِالمكان التي تنوعت بين الواقعي والخيالي والتي أسهمت جميعُها في إنتاجِ الفضاء الحكائي لهذا المنجز الأدبي.