د. أحمد فرحات
بعد ثورتي يناير و30/6 في القاهرة انطلق د. طارق الزيات بتقديم رواياته إلى الجمهور ، فبدا قويا في أعماله التي اندفع في تقديمها لساحة النقد .
كتب د. طارق روايات:
ظل رجل. رواية 2021.
وهيبة رواية 2022.
واجب النفاذ رواية .2022
معبد الدم رواية 2022.
وظائف في الآخرة. رواية 2023.
عوالم محظورة رواية 2024.
جلاديولس رواية 2024.
دوبامين رواية .2024.
حصل على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق جامعة القاهرة عمل أستاذا مساعدا للقانون العام بأكاديمية سعد العبدالله بدولة الكويت يعمل حاليا مستشارا قانونيا بدولة الكويت.
إن نظرة فاحصة لهذه الأعمال ستجد أنها انفجار روائي في فترة وجيزة من 2020-2024 وهذا السيل من الروايات في الفترة الوجيزة دليل على موهبة مدفونة في الأعماق منذ الصغر، لكنها وجدت التوقيت المناسب للظهور.
وكل هذه الروايات نتيجة أفكار واعية تختلج بضمير الكاتب؛ فالعقل الواعي هو العقل القادر على احترام الفكرة حتى ولم يؤمن بها.
يبدو الفضاء الروائي عند الروائي جاذبا للمتلقي؛ لأنه ينتقي مجرد أفكار، ثم يجسد هذه الأفكار في صورة شخصيات ومواضع سردية، فمثلا يغلب على هذه الأعمال أن وراءها كاتبا جم التواضع، فهو على المستوى الإنساني رجل تألفه النفس، وترتاح إلى مجالسته، ومؤانسته، متواضع في ردوده على الناس بمحبة وصدق. وعلى المستوى الفن الروائي لا يقدم نماذج للمرأة اللعوب، وغير السوية، فمعظم أو كل أعماله تقدم نموذج المرأة الحكيمة الفاضلة المحترمة وأن أخطاءها في العمل الروائي هي الأخطاء الطبيعية عند النساء عامة، كالغيرة، والطيبة المفرطة، والاستئثار، والطمع الطبيعي المقبول. ولم نجد عنده نموذج حميدة في زقاق المدق، أو زبيدة العالمية في الثلاثية، فهذا النموذج اللعوب للمرأة غير السوية شبه منعدم في فضاء الزيات الروائي، وهي تبدو كالشبح هلامية.
في غرفة العناية، و قفت ميسون(الزوجة الثانية) بعيدا حتى تفسح لفادية(الزوجة الأولى) مكانا؛ كي تطمئن على ناظم؛ فقالت لها فادية: ميسون، تعالي كي تحدثي ناظم، تحدثي إليه، و لو لم يرد عليك.
…
في المطار كانت فادية، و عبد الغفار، و كريمة، و حسين بكير، في انتظار ناظم، و عندما خرج من المنطقة الجمركية تقدمت منه فادية و مالت إليه، و احتضنته، و صافحت ميسون، و أقبل عليه عبدالغفار الذي بدا عليه التأثر، و احتضه، و كذلك فعل حسين،.. وقالت فادية ليسون: – أنا أعرف يا ميسون كم هو وعلي الوضع صعب علي و لكني أطلب منكِ إن لم يكن لديك اعتراض- أن تقيمي معي، فرعاية ناظم تحتاجنا سويا اندهشت ميسون، وقالت:
حقا؟!
حقا، ما كان قد كان. و الآن، نحن زوجتان لرجل واحد في حاجة إلينا سويا. مهما حدث، و مهما أغضبني زواجه منك فإن هذا الأمر أصبح من الماضي. مهما حدث، و مهما أغضبني زواجه، و أنا لا أريد أن يحدث له أي تشتت. ربما يكون بقاؤنا إلى جواره مسرعا لتعافيه.
كما تريدين، كل ما أتمناه أن أكون إلى جواره
سنكون معا إلى جواره
عليك أن تتصور ذلك الحوار بين زوجتين لرجل واحد، وهو أمر لا يحدث كثيرا في مجتمع النساء.
وفي معبد الدم تبدو المرأة حكيمة وقورا قائدة تأمل:
خطبة الجدة تيحور بعد مقتل قائد الجيش مقدام، قالتها وهي جالسة: أيها الجنود، أيها الأبطال، أيها الرجال والنساء ، اليوم غالت يد الغدر والغيلة والخسة من القائد مقدام ..
وتأمل خطبتها أيضا لأهل القرية البسطاء وهي تقول: هؤلاء أبناؤكم الأبطال دافعوا عنكم ، وقدموا أرواحهم فداء لكم ولصد الاعتداء عليكم . .
وفي معبد الدم تجد الرمز في مجريات أحداث الرواية رمزا مقصودا . فقد ركز د. الزيات على بث أفكار المعبد وكهنته، وهي أفكار خطيرة أفسدت العلاقة بين رجل الدين وباقي أهل القرية، وكان دائم التركيز على علو صوت الجدة تيحور رأس الحكمة في الرواية لأنها تمثل القيم والمبادئ بعيدا عن أفكار رجل الدين وبث سمومه، مما جعل صراعا بين الخير والشر من أول كلمة في الرواية إلى الكلمة الأخيرة. صحيح انتصرت حكمة الجدة وصت العقل ، لكن صوت رجل الدين الدجال شعوذ قرية مجاورة مما يعني عدم انتهاء العلاقة بين العقل والدين، وأنهما على علاقة عكسية فالعقيدة لا تجتمع بالعقل في أحيان كثيرة.
الميزة الأخرى في عالم د. الزيات الروائي هي العدالة الاجتماعية، فالجاني لابد له من عقاب ليرتدع غيره، ففي كل رواية من الروايات الزياتية تجد خطا أمنيا يتتبع الجاني في شكل شرطي أو أمني محكم البناء، تجد ذلك في رواية عوالم محظورة، ومعبد الدم، ووهيبة، وواجب النفاذ، ودوبامين، وغيرها، كقوله في دوبامين:
كانت الساعة الثانية صباحا عندما دخل أحد الضباط مكتب العميد فكري، قائد فريق البحث في قضية مقتل سميرة، و قال له:
– لقد وصلنا إلى خيط مهم، تتبعنا بعض الكاميرات التي أظهرت تحرك سميرة في وق ت متأخر قبل مقتلها بيومين، و ذهابها إلى أحد الفنادق، حيث سهرت في اللهى الليلي مع شخص شاركها الطاولة، يبدو أنه زوجها، و لكن الغريب أنها عندما غادرت الطاولة إلى دورة الياه لحقها أحد األشخاص، و استوقفها و تحدث معها، و بدا عليها حينها الفزع، و كانت تشير إليه أن يبتعد، فابتعد عنها بعد أن اتصلت من هاتفها بهاتفه، و من بعدها غادر عائدا إلى طاولته.
قال قائد فريق البحث:
– عظيم، هذا خيط مهم، هل تعرفتم على الشخص الذي كان يجلس معها؟
– لا، كان دائما ينظر الأسفل و هو يضع نظارة غامقة اللون، و عندما خرج معها أخذا سيارة من سيارات الليموزين المتاحة في الفندق، و الفاجآة أنهما توقفا في الطريق الدائري؛ حيث كانت هناك سيارة أجرة تقف أمام محطة بنزين، و استقلها، و بقيت متوقفة بعض الوقت، ..
وهناك تصوير للشقاء الإنساني في معظم أعماله تأمل نظرة والد أحمد زوج داليا في رواية جلاديولس عندما أصيب ابنه بمرض، ولم يستطع أن يوفر له مصاريف علاجه في المستشفى، فحدث نفسه حزينا على عمره الوظيفي الذي قضاه ولم يستطع أن يوفر له مصاريف ابنه في موقف يظهر فيه الضعف الإنساني أو قل الشقاء الإنساني، فقال:
اهتز مجدي بشدة من فرط تأثره من موقف عزيز، لقد اقترض المبلغ من الشركة التي يعمل بها، بضمان مستحقات نهاية الخدمة .. شعر أنه خائر القوى كمن ركض طريقا طويلا بلا كلل ولا ملل، حتى تلقفته يد الله التي سخرت عزيزفتوقف ليلتقط أنفاسه، وتوقف جهد نفسه طلبا بعض الراحة[1].
وفي “وهيبة” نماذج عديدة للشقاء الإنساني، ومحاربة الفقر والقهر، ولولا أن وهيبة متعلمة كانت لاقت ضنك العيش، ومع ذلك قدمت الرواية شظف العيش ومعاناة القهر.
وفي “دوبامين” و”جلاديولس” و”معبد الدم” وغيرهم من فضاء د. طارق نلاحظ ملاحظة مهمة جدا هي: كلما ازداد الراوي اقترابا من الشخصيات وصغرت المسافة التي تفصل بينه وبينها حينئذ يبرز أسلوب العرض المعتمد على الحوار. وكلما ابتعد الراوي عن الشخصيات واقترب من المؤلف تضخمت صورته، وارتفع صوته وظهر الأسلوب السردي البسيط المعتمد على التقارير أو الأسلوب غير المباشر.
تأمل قوله:
“وصلت سيارة من سيارات التطبيق، و استقلتها سميرة، و من بعدها تحركت سيارة الأجرة، حتى انعطفت إلى طريق مصر الإسماعيلية، و من بعدها لم تعد تظهر على الكاميرات.
-و بالطبع لوحات السيارة الأجرة، لا وجود لها في السجلات.
-و بالطبع لوحات السيارة الأجرة، لا وجود لها في السجلات.
– ماذا عن الشخص الذي تحدث معها؟
– هذا الشخص مقيم في جناح في الفندق. و بالفحص تبين أنه ناظم بلتاجي، رجل الأعمال المعروف، و هو زوج ابنة عبد الغفار الراضي، المحافظ السابق…”
فإنك تلاحظ لا صوت للمؤلف على الإطلاق، وأن الراوي يتردد بين الوصف والحوار مباشرة دون وجود لصوت المؤلف.
وفي “وهيبة والهروب الأخير” صور متعددة لعلو صوت المؤلف على حساب صوت الراوي أو الشخصيات تأمل قوله:
“كانت هزيمة يونيو 1967م ذات أثر عميق على عموم الشعب المصري، ساهم في الإحباط الدعاية المكثفة التي ضخم فيها الإعلام الموجه من قدرات الدولة، وانكشفت حقائق مريرة، ودخل الحزن البيوت لكي يحتلها، كما احتلت سينا، سقط شهداء، وفقد شباب وأسر ضابط وجنود..
كان الأمر المرير أنهم لم يأخذوا فرصة كي يحاربوا وعرف الناس الحقيقة، والحقيقة مرة، بمرار العلقم، وعرفوا أول مرة في تاريخ مصر الحديثة معنى الهزيمة..
وهيبة القوية التي وجدت نفسها وحيدة في موجهة الدنيا كانت تشعر أن مصر وحيدة في موجهة العالم دولة تواجه داخل مفكك وخارج متربص ..”[2]
فإنك بعد قراءة تلك السطور ستجد ابتعاد الراوي عن السرد والحوار، وبروز صوت المؤلف بشكل لافت.
كما أننا نلاحظ ملاحظة لافتة في معظم أعمال د. الزيات وهي وجود شخصية لها وزنها وقيمتها، غالبا يكون صاحب منصب قيادي؛ طبيب، محامي، ضابط شرطة، مثل: اللوء عبد الغفار في دوبامين، أو الأستاذ عزيز في جلاديولس ..مثل هذه الشخصية الحكيمة تتردد في فضاء د. طارق بشكل لافت. وهي شخصية تقوم بدور محوري وليس رئيسا في بنية العمل الروائي، هي شخصية استرشادية إذا جاز التعبير.
وأخيرا فإن لسفرة الطعام دور كبير في بناء العمل الروائي، وأحيانا يذكر التفاصيل الدقيقة لها بشكل شهي، تأمل الحوار الآتي في دوبامين:
“أشار ناظم إلى النادل الذي جاء بسرعة، وقال:
– هل لديكم قطع ستيك ريب أي؟
– عظيم، أريد طبقي ريب أي متوسط النضج، مع بطاطس مهروسة بصلصة الفلفل الأسود، وقبل كل هذا زجاجة نبيذ أحمر.
سوف أحضر النبيذ حالا، ولكن هل نؤخر الطبق الرئيس؟
– بعد نزول النبيذ بنصف ساعة. “
………………………….
[1] رواية جلاديولس ص 479. .
[2] وهيبة والهروب الأخير. 410.