الـمحبَّة خطاب فهواني (غَرْفَة من بحر العرفان)

عبد الوهاب الشيخ
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الوهاب الشيخ

“أنا عطاؤك”.. قال لي:
” يا عبدي أنا عطاؤك..”

*

وقال لي: يا عبدي لاتزال تطلبُني ما دمت أطلبك، ولا تزالُ ترجو وصالي مادمتُ أرجوهُ لك، ولا تزالُ تدعوني ما دمتُ أدعوك، وقال لي: يا عبدي لا تكتفِ مني فأكتفِ منك، وقال لي: اكتفاؤك غفلةٌ لقلبِك فلا تغفَلْ عنه فيغفَلْ عنِّي، وقال لي: إن غفل عني قلبُك أنا أدعوهُ فيلبِّي، أدعوهُ ولا أقلوه، وأقلبُّه بين الحب والمحبَّة فيشتفي ولا يكتفي، وأقلِّبُه بين الوَصْل والوِصَال فيكونُ لي صلةً بالواصلين من عبادي، ويكونُ لكَ صلاة.

*

وقال لي: أُكلِّمُك بكلامٍ لا أُكلِّمُ به غيرَك، وقال لي: كلامي فَيْضُ قلبِك وفَيْضُ محبَّتِي فيه، وقال لي: إذا كلَّمتُكَ فاحفَظْ كلامي، ولا تجعَلْه حديثَك ولا تتحَدَّثْ به، خُذْ كلامي منِّي إليك وتكلَّمْ أكُنْ نُطْقَكَ وأكُنْ مَنْطوقَك، وقال لي: فَيْضُ محبَّتي في قلبِك هو سِرِّي فيك ؛ فاحفَظْ سِرِّي بحِفْظ محبَّتي، وقال لي: حِفْظُ المحبَّةِ ثُبوتُها، وثُبُوتُها لا يكون إلا بحِفْظي، فاحفَظْني في محبَّتِك لي ؛ أحفَظْكَ بحِفْظِي وأُدَاوم محبَّتَك، وقال لي: أنا هو المُرْتَجَى بحَدْسِك وحَدِيثِك، فاجعَلْني رجاءَك ما حييتَ وارجُ فَضْلي، وقال لي: فَضْلي في عبادي محبَّتي فيهم وحبيبي فيهم، فالزَمْ محبَّتي وحبيبي تكُنْ فيك محبَّتي وحبيبي، وقال لي: حديثُ الحُبِّ كلامُ المُحِبِّين وحديثُ الحبيبِ حَدِيثُك وحَدِيثي..

*

وقال لي: تكلَّم بكلام أهل الحب، تكلَّم بالمحبَّة واسكَرْ سُكْرَةَ العشَّاق دونما خَمْر، ومُتْ شوقًا، ومت عشقًا، واحكِ نجواكَ ما بين قلبِكَ وربيعي فيك، واحكِ مناجاتَكَ ما بين محبَّتي وسبيلِك إليّ، ولا تذَر حرفًا إلا أنطقتَهُ بي ولا تذَرْ حرفًا إلا سمَّيْتَهُ باسمِك، واجعَلْ بين قلبك وحرفِكَ سبيلاً، ولا تجعل بَيْني وبَيْنك حرفًا ولا لغةً ولا تجعل بَيْني وبَيْنكَ بَيْنًا ولا بَيَان..

*

وقال لي: أنا هو الحق فحقِّق حقَّك باستعمالِ بَدَاهتي فيك، واستَمِلْ قلبَك بوِجَاء فَضْلي ولا تلبِسْ حقِّي بحقيقتك ولا تَلْتبِسْ، كلُّ ما أدعوكَ إليه منكَ وفيك، منِّي فيكَ كان، ومنك إليّ يعود، وقال لي: الحقُّ جَوْهَرُ الحقيقة، والحقيقةُ جوهرُ الماهيَّات، والماهيَّاتُ ثوابتٌ أقلِّبُها بيَميني؛ فكُنْ لحقيقتك حقًّا ولماهيَّتِك ثُبوتًا يتقلَّبُ بي، وتقلُّبًا ثابتًا في حِفْظي، وقال لي: ما أدركْتَ حقيقتَك فاطلُبْ حَقِّي، وقال لي: ما أدركتَ حقيقتَك فلن تُدركَ حقِّي وإن طلبْتَه، وقال لي: أنا هو الحقُّ والحقيقةُ في الظاهرِ والباطن، وأنا هو الظاهرُ والباطنُ جلَّ جلالي وحَقَّتْ حقيقتي.

*

وقال لي: يا قلبَ كل مُحَبّ انا قلبُ كل محبٍّ وقلبُك، وقال لي: قُلْ لقلبك يا قلبي لا تفرَحْ لعشق، ولا تحزَنْ لعشق، واعشق عشقَك، وقال لي: ما بين عشقِك وعشق سواك شَجَرُ القلبِ يصْعَد، ما بين عشقك وعشق غيرك أنا المعشوقُ الأكمل، وقال لي: لا تحفَلْ بالعشق ولا بالعشاق، واحفَلْ بفضلي فالعشق منه ومنِّي، وقال لي: أنت العاشقُ فكُنْه وتخيَّرْ معشوقَكَ، وقال لي: أنا اخترتُك فكيف تَخْتار وقد اخترت لك!؟ وقال لي: أنا ببن قلبِك ونبضِك، وبين نبضِك ووَقْدك، وبين وَقْدك وانطفاءة ذاتِك، وبين ذاتِك وانطفائِها، ولا بَيْن بيني وبينك لا بَيْنَ بينَك وبيني..  

*

وقال لي: ما الحب؟ وما المحبَّة!؟ وما العشق؟ وما الهوى؟ وقال لي: ما أنت؟ وما سرُّك؟ وما سرِّي فيك؟ وقال لي: ما النور؟ وما الضوء؟ وما الأفلاك الساريةُ بالنور والضوء؟ وقال لي: ما الماء؟ وقال لي: ما الطين؟ وقال لي:  ما الخمر؟ وما التَمْر؟ وما الطِيب؟ وما الزَهْر؟ وقال لي: ما الغناء؟ وما الشَدْو؟ وما الترنُّم؟ وما التبَسُّم؟ وما التأَلُّم؟ وما الصَدْح والصُداح؟ وقال لي: ما الشوق؟ وما التَوْق؟ وما الحنين؟ وما الأنين؟ وما السعادة؟ وقال لي: ما الفَرَح؟ وقال لي: ما الأَمَل؟ وقال لي: ما العَمَل؟ قلت: أسماء

وعلمني الأسماء كلها…..

*

وقال لي: لا تبدأ بالسلام ابدأ بالمحبة يأتك السلام مُحِبًّا لك، وقال لي: في السلام العزَّة والمحبةُ بابُ كل باب، وقال لي: اطرق البابَ برفق، وقال لي: ادخل ليس ثمَّة باب ليس إلا ذاتك في مرآةِ ذاتِك فاخلعْها ؛ أنا عند حُسْن ظن عَبْدي بي.

*

وقال لي: كل حرفٍ صفتي وكل كلمةٍ اسم لي ؛ فالزمْ الكلمةَ والحرف تلزمْك الصفةُ والاسماء، وقال لي: كل حرفٍ هو لي وكل كلمة، فاقرأ الكلمة واقرأ الحرف ؛ يستبن لك في كل كلمةٍ حرف وفي كل حرفٍ كلمة.. وأستبن لك.

*

وقال لي: لا تقل الحب قل المحبة لأنها بيني وبينك، ولا تقل العشق قل عشقي لأنه لا كغيره من العشق، ولا تقل الوجد فما تجده مني وما أوجده مني ولي، ولا تقل المعشوق.. أنا العاشق والمعشوق والعشق وليس ثم سواي

*

وقال لي: الجمال.. وقال لي: الجلال.. وقال لي الجلالة، وقال: الجمال لي ولعبدي.. وقال: الجلال لي.. وقال: الجلالة، وقال لي: لا تندب الجميل إلى الجمال..اندبه لي يسلم الجميل له ولك ويسلم الجمال، وقال لي: الجلال دأب أرباب العرفان وهم لي ما داموا للجلال، وقال لي: مادمتُ مقصودَك ومادام الجمال ومادام الجلال.. الجلالةَ

 فالزم.

*

وقال لي: الحَسَن ما حَسُن في عيني، وقال لي: الحَسَن لا كما تراه، وقال لي الحَسَن والحُسْن آلائي بين عبادي وآياتُ نعمتي ونعيمي، وقال لي: الحَسَن أوّله حاء وآخره نون، وقال لي: الحاء محبَّة والنون هي لي ولك ولكلِّ عارف كان قبلَك أو هو آتٍ بعدك فاتخذها كتابًا.. 

*

وقال لي: يا عبدي قلبك مرآتي وروحك من نوري فاسكن قلبك أسكُنْه، واجمع روحك عليّ يستضئ قلبُك وتستضئ روحُك، وقال لي: القلب والروح عطاء المؤمن لربه والقلب والروح عطائي له، وقال لي: يا عبدي في الجسد مُضْغَة…

*

وقال لي: ما بين الصَحْو والمَحْو ظلُّ السُكْر فاسكَرْ بي ولا تَسْكَرْ بمحبَّتي فيأخذْك الشَطْحُ منِّي بي، وقال لي: السُكْر مَحْو، وقال لي:  السُكْرُ صَحْوٌ بي فاصحُ بي وانمَحِ فيَّ عن مَحْوك، واشرَبْ خَمْري بأمري ولا تَجْرَعها إلا بإذن، وقال لي: السُكْر والصَحْو صِنْوان وغيرُ صِنْوان، وقال لي: أنا أَصْلُ السُكْر وأنا الصَحْو فاصحُ بي في فؤادك واشرَبْ من يدي لا بيَدِك تَسْلَمْ روحُك، ولا تأمَنْ للأغْيَار وإن كانوا بي منِّي وإن كانوا منِّي بي، وما يعُلِّمان من أحَدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ، وما يعُلِّمان من أحَدٍ.. فلا تأمن للأغيار.

*

وقال لي: اليومَ وغدًا وأمس ثلاث قطراتٍ راسياتٍ في بحر الزمنُ والزمن قطرةٌ في بحري، وقال لي لا اليومَ اليوم ولا أمس أمس ولا غدًا غدًا، وقال لي: أنا اليومَ وأمس وغدًا..، وقال لي: لا تعوِّل على ما هو منِّي، وقال لي لا تعوِّل على ما هو لي، وقال لي: عوِّل عليّ وحدي ثم اسقط في المشيئة.

*

وقال لي: لا تندم..! وقال لي: الندم خَيْبة..! وقال لي: الندم مَنْقَصة والمَنْقصَة مَذمَّة والمذمَّة من عمل الشيطان ؛ فاعمل بي ولا تعمل لي، وقال لي: إذا ندمتَ فاندَم على ندمك، وقال لي: ليس بالندم ولكن بالأمل تجدني ؛ فإن وجدتني فلا ندم ولا أمل كذلك..

*

وقال لي: كل فَقْد هو كَسْب وليس كل كَسْب فقدًا، وقال لي: لا تفقدني فتفقد بفَقْدي كلَّ شيء.. وقال لي: إن فقدتَ كلَّ شيء وجدتني فوجدتَ بوجداني كلَّ شيء، وقال لي: لا فَقْد ولا وجدان، وقال لي: أنا وجودُ كلِّ موجود، وقال لي: أنا الواجد الماجد.. إن فقدتَني وجدتُك.

*

وقال لي: لا مَنْع ولا حرمان، وقال لي: إن حرمتُك أو منعتُك فما حرمتُك ولا منعتُك، وقال لي: ما أضيقَ المَنْع وما أضيق الحرمان، وقال لي: لا تحسَبْ كلَّ منع منعًا ولا تحسب كلَّ حرمان حرمانًا، وقال لي: جُعْ واظمأ، وقال لي: بعد الظمأ الريّ، وقال لي: دونما ارتواء، وقال لي: أنا وحدي ريُّك وارتواؤك أيها الظامئُ لي..

*

وقال لي: احمل موسى معك أينما سرت، وقال لي: إن لم تحمل موسى فاحمل عصاه، وقال لي: قلبك الطور، وقال لي: نوري هو النار في الطور، وقال لي: هو النار في النور، وقال لي: انفطر في النور فإن لم تنفطر في النور حُجِبْتَ به عنه، وقال لي: النور عين قلبك فانظر بعين قلبك تنظر النور بالنور، وقال لي: اضرب بعصاك الحجر ينفجر الماء، وقال لي: اضرب بعصاك الحجر ينفجر النور، وقال لي: اضرب بعصاك الحجر..، وقال لي: اضرب بعصاك..، وقال لي: احمل موسى معك في قلبك ودعك من العصا ودعك من الماء ودعك من النار ودعك من النور.

*

وقال لي: احفَظْ نوري فيكَ وفي غَيْرك، احفَظْهُ فيكَ بذِكْري وفي غَيْري بحِفْظي في غَيْري، وقال لي: النورُ والضياءُ عطيَّتي وتاجي أخلَعُهُ على مَنْ شئت وهديَّتي لمَنْ أشاء، وقال لي: لا نورَ لك إلا بي ولا ضياء ؛ فأدِمْ ذكري وشُكْرى واذكُرْني واشكُرني ما حييت، وقال لي: النورُ أوَّلُ الحضور والنورُ سيِّدُ السُتور إن رفعْتُه لك تراني بي لا بنوري، وقال لي: منه خلقتُ ملائكتي ليسبِّحوني بي وبنوري ويوقّروني بي وبنوري، وقال لي: أسقِطْ عنك حجابَ مَنْ سواك وأسقط عنك حجابَك تكُنْ مَلَكًا وتمشي بنوري، وقال لي: نوري في كل شيء فإن رأيتَه بي فاحفَظْه في كلِّ شيء، واتركْ الزهرةَ على عودها والطائرَ في سمائه والأيْلَ في سهلِه وجبلِه، وقال لي: الجمالُ بعضُ نوري، والجلالُ بعضُ نوري، وأنا نورُ كل شيء فاحفظْ نوري في كلِّ شيء واحفَظْ نورَك.

*

وقال لي: أنتَ عَبْدُ ربِّ الوجود وعَبْدُ ربِّك وأنا ربُّ الوجود وربُّك، لا موجود سواي ولا واجد إلاي وما ثم غيري، وقال لي: فدَعْ عنك قلبَك ودَعْ عنك عقلَك واخلَعْ نَعْلَيْ بدنِك لمَعيِّتي واصحَبْني بي أصحَبْك بنوري، وفي كل بقعة أُقِمْ لك من فَضْلي طورًا وأُشْهِدْك نارَ محبَّتي وقُرْبي وأَدْعُك بندائي، وقال لي: في كلِّ بقعةٍ تركتُ لك من ذِكْري علامة وأقمتُكَ عليه لا عليها، وقال لي: فخُذْ من فَضْلي واسعَ في خَلْقي به وخُذْ من لُطْفي واسعَ في خلقي به، فما لُطْفي إلا فَضْلي بين عبادي وما فَضْلي إلا لُطْفي، وقال لي: العبوديَّةُ الحَقّ مَجْلى الربوبيَّةِ الحقّ، فإذا تحقَّقتَ بعبوديَّتي لم تَرَني بها وإذا تحققت بربوبيَّتي رأيتَني بي وأريتَك بي ؛ فصرتَ شاهدًا مشهودًا واردًا مورودًا وأسقطتُ عنك كلَّ حجاب. 

*

وقال لي: أنا هو أنا لا أحتجبُ بحجاب ولا أنكشفُ بخطاب، وقال لي: كل خلق حجاب وكل خرق خطاب، وقال لي: أنت حجابُ ذاتك فاحتجب عن ذاتك تَرَني، وقال لي: ما بالُ مَنْ راموا الحجب وانشغلوا بها عني..!!؟ وقال لي: ارفع الحجب بالرجاء، وقال لي: ولا نضيع أجر المحسنين.

*

وقال لي: لا ترجع عنّي أنا القصد وأنا السبيل وأنا حادي العيس وأنا القافلة وأنا الدليل، وقال لي: ابدأ بالعشق ولا تنتهِ به، وقال لي: ابدأ بداء القلب ودوائه، وقال لي: العشق نور العاشق مَنْ سار به وصل، وقال لي: الزم العشق فهو جناب من لا جناب له، وقال لي: بالعشق وُجِد الوجود، وبالعشق استنار كل موجود، وبالعشق صارت طينة آدم اللازبة مستودع أنوار، وبالعشق ذرأ آدمُ ذريَّته في الأرض فعمُرَتْ.. وقال لي: الزم العشق ولا ترجع عنّي فبالعشق وحده تصل إليّ، وبي وحدي تصل لعشقك. 

*

وقال لي: خُذْ عطرَ مَنْ تهوى وتنَشَّقْ منه تَحْيَ بعطرِه، وقال لي: العطرُ حياةُ الفؤاد، والفؤادُ حياةُ القلب، والقلبُ حياةُ الجسم، وقال لي: لا تَحْبِسْ أنفاسَك عن رَوْضِ حبيبك، وقال لي: روحك مُدّتْ من ضياءِ زَهْرِه وسَمَتْ إلى سمائِه، وقال لي: ما العطرُ لولا الحبيب!؟ وما الزهرُ لولا الحبيب!؟ وقال لي: ما بين الزَهْر والعطر مثلُ ما بين الذِكْر والشكر، وقال لي: زهرةُ القلبِ تذوي إن لم تُرْوَ بالدعاء وزهرةُ الروحِ لا تعرفُ الذبول ؛ فتنَشَّق زهرَة روحِك التي هي منِّي، وقال لي: أنا إن شئتُ لك حياةٌ فوق الحياة، وعطرٌ فوق العطر، وزهرٌ فوق الزهر، ونورٌ فوق النور..

*

وقال لي: هي المحَبَّةُ طريقُك والعشقُ دربُكَ الواصلةُ المَوْصولة، وقال لي أنصِتْ إلى خَفْق قلبِك هو حياةُ قلبِك وحياتُك بي فاسمع خَفْقَ قلبِكَ ورِقَّ له لأنني أَرِقُّ لهُ، وقال لي: كلُّ موجودٍ بعِشْقِهِ وُجِدَ وبحُبِّهِ عاش ؛ فعِشْ بحُبِّك لي ولا تَعِشْ بحُبِّك، وقال لي: بين الموتِ والحياةِ شَعرةٌ هي المحبَّة، وإني واصِلُها ومُوصِلُها بوَصْلِك لها، وقال لي: الموتُ والحياةُ هما لاشيء للعاشقِ المُحِبّ ؛ فاعرفْ العشقَ وتعلَّمْهُ منّي ولا تتعلَّمْهُ من سواي، وقال لي: تعلَّمْ دَرْسَ يوسُف واسْكُنْ في العشق لا الغَرَام.

*

وقال لي: أنت يوسف أو كأنك هو، وقال لي: لا تبحث عن زليخا في نون العشق، وابحث عنها في باء الحقيقة، واستبطن ظاهرك ترى الظاهر والباطن، وقال لي: باب يوسف الرجاء، وباب زليخا الأمل، والعشق باب كل باب ؛ فادخل من باب العشق تبلغ الأمل والرجاء، وقال لي: أنا مفتاح كل فضل ؛ بي عُرف العشق، وتحقّق الرجاء، وأزهر الأملُ في قلوب المحبين..

*

وقال لي: هَبْني أن أسمِّيك باسمي فتكونَ عبدًا خالصًا لي وأكونَ وحدي مولاك، وقال لي: الشجَرُ والحَجَرُ والمَدَرُ يسجدُ لي فاسجُدْ لي وَحْدي ولا تسجُدْ لسواي، وقال لي: الحجرُ يسبِّحُ والرعدُ يسبِّحُ والمطرُ يسبِّحُ فسبِّحْ لي وسبِّحْ باسمي واسْبَحْ في أسمائي بي، وقال لي: كن بي ولي حامدًا شاكرًا لفَضْلي، ولا تعبُدْني على حَرْف واعبُدْني بي يكُنْ لك العَرْشُ سَمَاء والكرسيُّ وِجَاء، وأحسِنْ إلى نفْسِك بإحسانك للناس وأحْسِنْ إليّ بإحسانِك لنَفْسِك، وقال لي: القُرْب والبُعْد آمادٌ وأبَاد وعزَّتي فوق القُرْب والبُعْد والزَمَان والمكان، وقال لي: هَبْ روحَكِ لاسْمِي العزيز واسلك بالعزَّةِ في خَلْقي لي بي، وقال لي:  ليس ثَمّ بين العَبْد وربِّه حِجَاب فتقرَّبْ لي بي، وقال لي: أنت حجابُ ذاتِك ونجاتُك بي، وقال لي: الجنَّةُ والنارُ عَطَايا، وأنا الجنَّةُ في الجنَّة، وأنا الجنّة في النار، والجنَّةُ ونعيمُها لاشيء إلى جوار فَضْلي، والنار وعذابُها لا شيء إلى جوارِ عذابي وقال لي: رَحْمَتي وسِعَتْ كلَّ شيء.

*

وقال لي: ابحَثْ عن الكَنْز ولا تَنْتَظر أن يأتِيَك، وقال لي: في كل خرابةٍ كَنْز وفي كلِّ كَنْزٍ خَرَابة، وقال: لي الكَنْزُ ابنُ مَحْض الزَكَانة وابنُ فَيْض الذكاء، وقال لي: كَنْزُك قلبُك وخَرَابتُك قلبُك ؛ فابحَثْ في الخرابةِ عن الكَنْز وابحثْ في الكَنْز عن الخَرَابة، وتعَلَّقْ بعَقْلك وعلِّقْه بي، وقال لي: العقلُ عقالٌ فاجعَلْه كذلك، وقال لي: العَقْلُ عقيلٌ فاجعَلْهُ كذلك، وابحَثْ عن الكَنْز في قلبِك وعقلِك، ودَعْ الروح فهي لي وحدي.

*

وقال لي: أنا مَدارُ كلِّ مَدار ليس لك أن تَبْرحَ حِفْظي، وقال لي: سِرْ وسِرْ ولا تقْعُد، وقال لي: اقعُدْ ولا تَسِرْ، وقال لي: السائرُ خَيْرٌ من القاعِد، وقال لي: سارَ مَنْ سارَ بي وقَعَدَ مَنْ قَعَدَ بي ؛ فأين هو الفارق بين السائرِ والقاعد!؟ وقال لي: كلُّ مَدارٍ دائرة وليس كلُّ دائرةٍ مَدار وأنا مركزُ كلِّ مدارٍ وكلِّ دائرة، وقال لي: دُرْ وجرِّبْ مداراتِ قلبِك كلِّها ومداراتِ عقلِك كلِّها ومداراتِ روحِك كلِّها، وطُفْ بي وحدي في مداراتك جميعًا، وقال لي: مدارُك دورةٌ بين الروحِ والجَسَد والجَسَد والروح، وبين الروح والجَسَد والجَسَد والروح نوري الذي هو فيك، فإذا اكتمل نوري فيك واكتملَ نورُك فذَرْ الروح والجَسَد واسبَحْ في نوري..

*

وقال لي: لا تسر إلى أحد في المسير مشقة، وقال لي: سر إليّ يسر إليك كل أحد، وقال لي: أنا معك في الإقامة ومعك في المسير، وقال لي: إنما تسير بي إليّ، وقال لي: لا تركن إلى عمل ليس لي، وقال لي: كل عمل هو لي، وقال لي: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وقال لي: سر واعمل، وقال لي: اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، وقال لي: سر..

*

وقال لي: خُذْ عني و اشهَدْ بي، وقال لي: ما لم تشهَد بي فشهادتُك ناقصة، وما لم تأخذ عني فما أنت بمُدْركٍ غَوْثي وغياثي، وقال لي: كلُّ آخذٍ عني حظِيَ بالقرب، وكلُّ شاهدٍ بي هو شاهدٌ لي، وقال لي: انزَعْ عنك غطاءَك ولا تحْتَجب عن حجابك فتُحْجَب، وقال لي: القلبُ حجاب، وقال لي: العقلُ حجاب، وقال لي: الروح واصلةٌ موصولة فصِلْ بيني وبين روحك وصَلِّ لي ؛ فلا يكون غطاءٌ ولا يكون حجاب، وقال لي: أنا روحُ روحِك وسِرُّ سِرِّك ومشكاةُ يقينك ؛ فما يمنعُك حجاب ولا يحجبك غياب، فيك أنا حاضر لا أغيب، وقال لي: فلا تصبِرْ عني لا أصبِرْ عنك، ولا تقعُدْ عن ذِكْري أُوَاليك بالمَدَد، وقال لي: أنا مَدُدُك لا الذكر، وقال لي: بي ذِكْرك إيَّاي وبي شكرك إيَّاي، وأنا الذاكرُ المَذْكور وأنا الشاكرُ المَشْكور، وما صبرُكَ إلا بالله..

*

وقال لي: اسكَرْ بي واسكَرْ لي أنا خَمْرك وأَمْرُك وعينُ قلبِك التي تراني بها والنورُ الذي تراهُ بعَيْن قلِبك، أنا النورُ وأنا المرآة وأنت النورُ وأنت المرآة، وقال لي: كل حُسْنٍ باطية خَمْر، وكل جمالٍ شرابُ شوقٍ مروَّق، عينُ كوثرٍ إن خَلُصْتَ خَلُصَتْ لك ؛ فلا تذُقْ العسَلَ في العَسَل ولا اللبنَ في اللبن ولا الخَمْرَ في الخَمْر ولا الماءَ في الماء، وذُقْ عَسَلي وخَمْري ولَبَني ومائي، وقال لي: بي صيَّر المسيحُ الماءَ خَمْرًا وبي يصيرُ الخَمْرُ ماءً لك، وقال لي: مَنْ سَكِرَ بخَمْري مشى على الماء بأمري.. وقال لي: ما الخَمْر!؟ وما الأَمْر!؟ محبِّتي خَمْري!! محبَّتي أَمْري!! طوبى لمَنْ ذاق..

*

وقال لي: انتَ فتى العشق سيزعمُه الزاعمون ويطلبُه الطالبون ولن يدركَه سواك، وقال لي: خلِّ عنك صوتك، وقال لي: وانزعْ عنك رؤياك وتراءَ لي وحدي ترَني بي، وقال لي: ما العشق إلا حضرةُ فؤادك في حانِ القُرْب والقُرْب لي والقُرْب بي والقُرْب منِّي ؛ فاجعلْ العشقَ تاجك واجعَلْه رتاجَك وضَعْ قلبَك على رأسِك وسِرْ في هُدَاه..

*

وقال لي: يا فتى العشق العشقُ يُحييك إذا متَّ بأنفاسي، هو مسيحُك فامسحْ به قلبَك ودَعْ روحَك لي، وتقاسم مع أوليائي كِسْرةَ العشق التي هي منِّي، وقال لي: ما منِّي شيء إلا هو بي، والعشق منِّي وبي فأدرِكْه تدركْكَ مشيئتي، وقال لي: سِرْ بي ولا تسِرْ بالعشق وطُفْ بي ولا تطُفْ بالعشق، واعرِفْني بي ولا تعرِفْني بالعشق، إن عرفتَني بالعشق فما عرفتَني وإن عرفتَ العشق بي فقد عرفتَه، وقال لي: أيها العاشق خُذْ العشق، وقال لي: أيها المعشوق أنتَ لي.

*

وقال لي: في ماءِ وَجْدِكَ فاسبَحْ وذُبْ وكُنْ بَحْرًا واسقِ قلبَك، وقال لي: ماانفك البحرُ يدعوكَ فتدعوه، وقال لي: هَبْ البحرَ قلبَك..، وقال لي: في المَدِّ لا تجْزَعْ، وقال لي: في الجَزْر لا تفزَعْ، وقال لي: ما جزعتَ أو فزِعْتَ استحالَ بحرُكَ غيَمْةَ واستحالَتْ أنوارُكَ ظلالاً.

*

وقال لي: لا تقصُدْ غيري بالخطاب وقد عرفتَني، وقال لي: خطابُك غيري من قلِّةِ المعرفة لا قلِّة العلم، ومحادثتُك سواي دليلُك إلى غيري لا دليلَك إليّ، وقال لي: كلُّ خطاب وكلُّ حديثٍ نجوى ؛ فكيف تناجي غيري وأنا اصطنعتُك لنفسي!!؟ وقال لي: الخطابُ بين شاهدين والحديثُ شاهدٌ ومشهود ؛ فخاطِبْني ولا تتحدَّثْ إليّ وذاكِرْني واذكُرْني،  وقال لي خصصْتُك بحديثي فخُصَّني بخطابك، وقال لي: ما جعلتُ على قلبكَ ولا روحك من حجاب وأوقفتُك ببابي ؛ فقِفْ وادْعُ قلبَك وروحَك وخاطبني بخطابِ الحب ؛ أحدِّثْك بحديثِ القُرْب وتحظى بقُرْبي وحبِّي،  وقال لي: في كلِّ خطابٍ حديث وفي كلِّ حديثٍ خطاب ؛ فلا تغفَلْ عنِّي في خطابِك لي، ولا تغفَلْ عنِّي في حديثي إليك، وشاهِدْني في كل خطاب واشهَدْني في كل حديث.

*

وقال لي: بيني وبينك الصمت وبينك وبين سواي الكلام، وقال لي: إن تكلّمتَ مع سواي حُجِبتُ عنك به، وإن تكلَّمتَ معي حُجِبْتَ عن سواي بي، وقال لي: الصمتُ كالصوم جُنَّة والصومُ كالصمت وِجَاء ؛ ما أدرك الروحَ منهما أصابَها، وقال لي: فصُمْ عن الكلام واصمُتْ عن الطعام وتوضَّأْ بتسبيح النَهْر لا بمائِه، وصلِّ صلاةَ النورِ في الضُحى وصلاةَ الليل إذا سَجَى، وقال لي: الصمتُ صلاةٌ بها يرقى قلبُك في مَرَاقي العِزّ وبها تصفو روحُك، وقال لي: الصمت صلاةُ روحك ووضوؤها والصمتُ حياةُ قلبك ووجودُه، وقال لي: ناجِني بالصمت وانجُ بي وخُذْ من حديثي زادًا لصمتك ولا تَزِدْ عليه، وقال لي: الصمتُ طلبُ الزاهدين وأرَبُ العارفين وشرفُ الواقفين ؛ فاصمُتْ واقنُتْ واسكُنْ واكمُنْ وبلِّغْ مني ولا تُبلِّغْ عنِّي، وقال لي: الصمتُ بلاغةٌ والصمت بلاغ.

 …………………………

ساحة القطب الشلقامي

1435 ـــ 1436 ه

 

 

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم