الغرفة المجاورة: تأمل ناقص في الحياة والموت والحدود غير المرئية

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. شادن دياب

يدعونا بيدرو ألمودوفار، هذا المخرج البارع، مرة أخرى لاستكشاف موضوعات حميمة وعالمية في فيلمه الغرفة المجاورة (The Next Room). يعد هذا العمل أول فيلم طويل له باللغة الإنجليزية، ويحمل أداءً متميزًا لجوليان مور وتيلدا سوينتون، حيث يتناول الفيلم موضوع “الموت الرحيم” من زاوية الصداقة، والحب، وكرامة مواجهة الموت.

يقدم الفيلم عبر جمالية مذهلة قرار امرأة مريضة بوضع حد لحياتها لإيقاف صراعها مع المرض في مكان هادئ ومثالي تقريبًا. لكن هذا الرفاه في القدرة على الاختيار يشكل في حد ذاته تناقضًا قاسيًا. ففي الوقت الذي تتحرك فيه البطلتان في ديكور يعج بالسكينة، يأتي ذكر لحروب العراق كونها مراسله سابقة للحروب. يتم التطرق إلى العراق أو البوسنة أو فيتنام، دون ذكر لضحايا الحرب اللاتي لم تتح لهن يومًا حرية اختيار نهايتهن؟

هؤلاء النساء، المحاصرات في الحروب والنزاعات، لا وجود لهن في عالم ألمودوفار. لا يمكنهن اختيار الموت بكرامة، لأنهن لا يملكن دواءً ولا أماكن آمنة ولا رفاهية السلام. هن ضحايا غير مرئيات، محكومات بموت قاسٍ، غالبًا بدون اسم أو تكريم. هذا الغياب في السرد صارخ. هل يمكننا حقًا الحديث عن خيار الموت دون التطرق إلى أولئك اللاتي لم تتح لهن هذه الحقوق أبدًا؟

الغرفة المجاورة تسلط الضوء على تعقيد الموت الرحيم، لكنها تبقى في إطار غربي، يكاد يكون منفصلًا عن الواقع العالمي. الحروب، كالحروب في البوسنة والعراق وغزة والسودان أماكن أخرى، تذكر كخلفية بعيدة، لكنها لا تُستكشف بعمق. هذا الإغفال محبط، لأنه يخلق فجوة بين إنسانيتين: الأولى التي تملك رفاهية الاختيار، والثانية التي لا تملك سوى الخضوع.

ألمودوفار، الذي طالما عرف بالاحتفاء بصلابة النساء في أعماله، يبدو هنا مترددًا في عبور هذه الحدود غير المرئية بين العوالم. هذه البطلة، رغم كونها متأملة وشجاعة، تمر بجانب هذه الحقائق. لماذا لم يتم إنشاء رابط أوضح بين بحثها الشخصي ومعاناة النساء اللاتي تُركن في صمت وسط النزاعات المسلحة؟

النساء، اللاتي يعشن ويمتن في ظل قسوة الحروب، غائبات عن السرد. ومع ذلك، كان بإمكان تضمينهن أن يضفي عمقًا عالميًا على الفيلم. هذا التناقض القاسي بين العالمين كان من الممكن أن يثري التأمل في الاختيار والكرامة والإنسانية المشتركة.

في النهاية، أجد نفسي غير راضية. الغرفة المجاورة تقدم جمالًا ساحرًا، لكنها تبدو وكأنها تتجاهل النساء غير المرئيات، اللاتي ليس لديهن صوت أو رفاهية أو خيار. هذا “العالم المجاور”، بين الجمال والقسوة، يبقى غامضًا، شبه بعيد عن المتناول. ربما اختار ألمودوفار التوقف عند هذا الحد، لكن لا يسعني إلا التفكير في أن هذا الفيلم كان بإمكانه أن يكون جسرًا لاستكشاف أكثر جرأة للحدود بين هاتين الحقيقتين الإنسانيّتين المتناقضتين.

 

مقالات من نفس القسم