جاد صلاح قرقوط
جواد، أو الزمن يتبدد، أو أبو أدهم يصعد الموجة
سكون طوق أسوار البلدة. نفوس تعبة ملولة. الأرق ينهش جسدي السقيم. خارت قواي. أمعضلة هذه أم سدفة تحير الألباب؟! الطرقات متاهات و”دهاليز”، تدخلك من باب وتخرجك عند آخر، ثم تعيدك إلى نقطة البداية. لقد تأخرت. كم الساعة؟
أوقفت إحداهن في الطريق: “كم الساعة يا أخت؟”
لا أحد يجيب. هذه المشكلة!
ما حال الدنيا خاطبة مذ قال لها كوني فكانت. ولدت تعيسا في رحم خاوي الوفاض، ولم أحسب أن كينونتي تماثله، تتبع أثر خطواته، وتعكس قباحته.
مصيبة أخرى: بدأت أنسى! كل شيء يزول عن ذاكرتي كأنك تقشر موزة. يجب أن أصل إلى “بنات نعش”. تركت شيئا مهما هناك، كما أنني، لا أخفي عنك، لقد أخطأت. أخطاء كثيرة. لا أتذكر.
أليس هذا أبو أدهم القبيح؟ والله إنه هو.
دنوت منه. كان يمتطي إبله، ويهتف بنغمات هزجة: “زحفا ذهبت تمشي الأمم!”.
ناديته باسمه قرابة مئة مرة، حتى صحا من سكره والتفت، وإبله تجثو فتنهد، طورا تدور وطورا تجأر، ثم تضرب حوافرها في التربة المتطايرة هنا وهناك.
خاطبني قائلا: “ماذا تريد، يا أحمق؟”.
من شدة خوفي، أجبته بشيء من التذلل: “أبو أدهم، حبيبي أنت، ما الذي يحدث؟”.
ترجل، أمسكني بكلتا يديه، وصرخ بحماس: “لا تعلم ما يحدث! نحن ننتصر، وأنت حمار لا تهتم إلا بالمومسات أيها الداعر!”.
شعرت بالرعب، فكانت بشرته تزداد صفرة لم أعتد رؤيتها من قبل. جلد أصفر توهّج تحت الشعرات الكثيفة.
“أبو أدهم – تمهل قليلا أرجوك، عن أي مومسات تتحدث؟”. شعور من اليأس حرك الشك في نفسي.
وبعدما طرحني أرضا، رد سؤالي بجواب: “تتناسى يا جاهل؟”. بوقاحة: “أم تظنّ أنك لن تدفع مثل كل مرة؟ أتحدث عن جوجو يا كلب. جوجو التي اختليت بها البارحة”.
“البارحة؟!”، أجبته منذهلا. كم من الوقت مضى حقا؟؟!
استل من جيبه ورقة، وحدجني بنظرة واجمة ككلب هسكي شرس. استرسل: “انظر إلى المال المتراكم عليك وسوف تدرك يا عباد المومسات كم من الوقت مضى!”، واستطرد: “ما شاء الله ماركسي في الصباح وعباد مومس في المساء”، ثم سدد بعض الضربات المؤلمة التي أدخلتني جحيم السبات مجددا، تاركة كثيرا من الكدمات منقوشة على جسدي السقيم.