فهذا الفتى الذي غادر عالمنا فجأة في سن صغيرة للغاية ..ربما لم تتجاوز الثالثة والعشرين وربما أقل ، كان قد قدم –حتى هذا التاريخ- لجيله من الشعراء (أولا) ، ثم للشعر بعامة (ثانيا)، نموذجا متقدما ومتجاوزا للسائد حتى هذا الوقت في فهم الشعروفي وعي القصيدة ؛ ولذلك كان “قنديل”- وسيظل- في قلب جيل السبعينات الشعري ، إن لم يمثل بحضوره وبشعره وبثقافته المتقدمة جدا في هذا الوقت طليعة هذا الجيل وبصيرته المتشوقة للمستقبل بكل المعاني.
نعم، كان “علي قنديل” بصغر سنه وبزمن تعاطيه للشعر الذي لم يتجاوز بضع سنوات ، وبنوعية هذا الشعر نفسه ومنطقه المعماري وأفقه المجازي وصوره اللافتة الجديدة وصدقه الكامل وما يكتنز بين ثناياه من بكارة لافتة وثقافة شاملة ووعي متقدم يتجاوز –بكل المعايير- سنوات عمره الغضة، ما اثار ومازالا يثير الدهشة البالغة بين قارئيه الآن وعارفيه ومجايليه وقتها . كان “علي قنديل” يبهرنا بوعيه وفهمه وثقافته.. وبالمناسبة فقد كان “قنديل” أيضا (منظرا) على مستو عال جدا، له عدد من الدراسات اللافتة المدهشة في هذا الوقت الباكر وأذكر أنه كتب عن شعري –تحديدا- ديواني الأول “ست الحزن والجمال”، دراسة مدهشة للأسف ضاعت مني ، أخذها أحد الأصدقاء لقراءتها ولم أرها مرة أخرى ولم يكن عندي صورة منها فلم يكن التصوير قد عرف في هذا الوقت الباكر من أوائل السبعينات .وأنا أهيب من هذا المنبر بمن يملك هذه الدراسة وغيرها من دراسات أن يبرزها حتى يتسنى لنا بنشر هذه (النظرات) النقدية للشاعر الفذ، وإلقاء الضوء على جانب مازال غفلا وغير معروف من تجربة الشاعر العبقري “علي قنديل” وهو جانبه النقدي والتنظيري.
كان “قنديل” كما نقول في حسنا الشعبي (ابن موت) ، فقد كان جميلا متواضعا خلوقا ، محبا لأصدقائه الشعراء ولأهله الفقراء وللمعرفة والثقافة وكان شاعرا بصيرا متشوفا رائيا ، وما كان أشبهه في ظني ورؤيتي له ب”رامبو” الشاعر الفرنسي العبقري، الذي أبدع شعره كله الذي قلب الشعر الأوروبي الحديث كله في سن باكرة جدا . ربما أصغر من “قنديل”، ثم ترك الشعر نهائيا بعد ذلك وهو حي يرزق لبقية عمره، كما تركه” قنديل” بوفاته العبثية المفاجئة .
رحم الله شاعرنا الفذ “علي قنديل” رحمة واسعة ، فقد كان حدثا استثنائيا بكل المعاني شعريا ، برؤيته وفهمه وريادته الباكرة لمنطق جيل السبعينيات الشعري ، وفكريا ؛ بوعيه وثقافته ورؤيته التقدمية المستقبلية ، وإنسانيا بروحه المحبة وتواضعه الجم ومزجه العبقري بين العلم والفن أو بين الطب والأدب أو بين الشعر والكهانة.