العادات السيئة للماضي

العادات السيئة للماضي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ومن بين دفتيّ الكتاب

سقطت رسالة

لم أفتحها

لأنني سئمتُ تلك

العادات السيئة للماضي

الاختباء في الجيوب والحقائب

إيقاظ الموتى في أحلام الظهيرة

وبالأخص

إرباك القلب

بالألحان القديمة

فالمرء لا يمكنه

مهما أجاد الغناء

أن يدندن لحنين

في الوقت نفسه. 

هذه السطور من قصيدة الماضي، هي ما أعطت الديوان الجديد لمحمد خير عنوانه: العادات السيئة للماضي، الصادر مؤخراً عن الكتب خان، والمطرّز بقصائد أغلبها قصير للغاية، كأنها زخارف دقيقة التفاصيل، أو طوابع بريد لرسائل خفية بداخلها، رسائل تعرف طريق رحلتها إلى الروح في هدوء ودون ضجيج.

لا أستطيع أن أدّعي معرفة حميمة بقصيدة النثر، أقرأها وأتواصل معها وأحب منها وأكره، دون أن أوقف طويلًا أمام مشكلات التعريف والمصطلح، ادخاراً للوقت والطاقة لفعل القراءة المجرد، والمتعة العارية من الإضافات والمتخففة، وهو مطلب قراءة الأدب عموماً والشعر بأشكاله على الخصوص، نلجأ إليه كما نلجأ لموسيقى خفيفة وناعمة كلما أزعجنا نشاز العالم وضجيجه، وكل من ينشد هذا الملجأ بين دفتي كتاب يستطيع أن يجده في هذا الديوان الصغير، الذي سينتهي بأسرع مما قد يتوقع القارئ، والذي قد يشعر برغبة في إعادة قراءته من جديد ما إن يصل لقصيدته الأخيرة.

محمد خير أحد القليلين أثبتوا خطأ مقولة “صاحب بالين كذّاب”، وأن التخصص في نوع واحد من الكتابة الأدبية أجدى وأفضل، فرغم أنه بدأ بقصيدة نثر العامية، ونشر فيها ديوانين هما ليل خارجي وبارانويا، فقد كان له علاقة قديمة مع فن القصة القصيرة أسفرت عن مجموعتين بديعتين هما عفاريت الراديو، ورمش العين، ثم أصدر روايته الوحيدة سماء أقرب قبل نحو عامين، هذا إلى جانب عمله بالصحافة وكتابته لبعض أغنيات قدّمها اللبناني زياد سحّاب. ولا أظن مع هذا أن خير يغيّر جلده تماماً عند انتقاله من نوع إلى آخر، بل يحتفظ معه بصوته ونبراته وإحساسه الإنساني وولعه باصطياد المفارقة الناعمة وحرصه على جزالة اللغة وأناقتها. وصوت خير هنا بالمعنى الأدبي والحسّي كذلك، فكل من صادف أن سمعه يقرأ قصصه أو قصائده سيذكر نبراته الدافئة ومخارجه الواضحة وإحساسه بكل كلمة ينطقها، ولن يجد الواحد صعوبة في تخيّل صوت خير يتلو قصائده هذه بينما يقرأها.

ربما يبدو ديوانه الجديد امتداداً من نوعٍ ما لكتاب قصائد النثر الفصحى السابق عليه مباشرةً، هدايا الوحدة، فالهموم الوجدانية التي تناوش أغلب القصائد هي نفسها تقريباً، الوحشة والافتقاد وأطياف الماضي وألعاب مرور الوقت واقتفاء الأثر الباهت في الداخل والخارج على السواء. وربما أحبّ بعضنا قصص خير أكثر من قصائده، وقصائده أكثر من روايته أو أغنياته، لكنّه لا يستطيع التشكيك في مصداقية التجربة ككل وما وراءها من جهد وجدية. قصائد خير في العادات السيئة للماضي طيّبة، لا تلعب ولا تخرّب ولا تهدم ولا تؤذي ولا تتهكم، لا تترفّع على اعتماد نَفَس عاطفي يسري في أوصالها كخيطٍ دقيق لكنه مرئي ومسموع، خيط لا يتراخى إلى حد رومانسية ساذجة ولا يشتد أيضاً إلى حد مساءلة الذات ومكوّنات التجربة. يرصد بحب وقبول، ويتلهف على الصورة أكثر من المعنى، يعانق الوحدة ليخدعها تماماً كما فعلت المعلمة في قصيدة خطورة ما قد يحدث في الحضانة:

بكى فاحتضنته المعلمة

لتطيّب خاطره

لكني رأيتُها تضحك

من وراء ظهره

ولسوء الحظ

كانت شخصيتي تتكوّن

في اللحظة نفسها.

 

مقالات من نفس القسم