محمد عويس
يا حواء التي نُفينا لأجلها
وما زال آدمُ يعطشُ لمذاقِ التفاحةِ في فخذيك طالباً العودة
لرحمٍ من طين ونهد من شوق الخطيئة
كأنكِ الجنةُ إذا ضحكتِ
والجحيمُ إذا استلقيتِ على صدري
نارُكِ تطهّر إثمي البارد
ولذّتكِ تُفجرُ أنهارَ الغفران.
يا صاحبي في الأرض التائهة
رأيتها ذات مساءٍ تنسلُّ من فستانها كقطعةِ نارٍ ناعمة
كأنها لا تمشي بل ترقص
بل تتبخّر
وتتركُ وراءها أثراً لا يُمحى
رائحةُ أنثى نضجتْ بما يكفي لتُزلزلَ قلب نبي رسالته الهداية
وتوقظَ فيكَ رجلاً يشتهي أن يُلقى من الجنّة مرّةً أخرى
فقط ليأكلَ منها النعيم
مذاق لبنك كمذاق تين الرغبة
ذات طعم ساحر وأشواك تقطع الحلقوم
كمن يطير من الملائكة بأجنحتها
حرمت من الطيران فوق الجحيم
يا حواء سمائي العابرة
وأرضي الخالدة
نهدُكِ ليس نهدًا
بل مَعبدانِ صغيرانِ يبتهلُ لهما فمُ الجائع
إن شربتُ منهما
يرتوي قلبي
ويجفُّ عقلي
وأموتُ ساجداً على صحنِ صدركِ
فكيفَ لهذا الندى أن يكون فيكِ وحدكِ
جعلتِ زهدَ الراهب يعصى عزلته
تلك الحلمتان اللتان لن أراهما
رُمّانتانِ تعمّدتا بنبيذِ الخطيئة
أن ترسم حياة الطغاة
واستبداد الملوك
وحرية شعب
إذا لامسها لساني
انفجرتْ في روحي زوابعُ الغريزة
لكفرت بإيماني أن للنساء مذاق
بل هن طعام الجنة ورائحة الخلد.
مؤخرَتها من منحوتةٍ تشتهيها النارُ ولا تحترق
كأنّ الله صبّ رغباتِ الرجالِ كلّها في استدارتها
ليختبرَ من يقدر أن يمرَّ بها ولا يسقط
أراكِ تنامين على جنبكِ الأيسر
فينحني الليلُ احترامًا
وينهضُ القمرُ ليُكحّل جسدك بضوئه الحاني
فهل تعلمين كم من الشهواتِ تنتحرُ كلّما حركتِ رمشًا
كلما تمايلتِ في سيرك
كلما تراقصتِ كالمجاذيب
روحي البريئة تدنست بمعطف المعصية
خلعت ثوب التوبة عن حبك
وأعلنت عصياني الأبدي لإنسانيتي البلهاء.
خصركِ
سوطُ الإغواءِ في يدِ الشيطان
لا يُرى
لكنّه يُجلدني كلّما اقتربتُ
سُرّتكِ
قبلةُ البداية
بابُ الجنّة حينما يُفتَحُ بلعابِ العاشق
هناك يبدأ الطوفانُ الصغير
فخذاكِ
طريقان إلى النعيم
ما بينهما نهرٌ من رعدةٍ
إذا غصتُ فيه
غرقتُ في ذاتي
واستحليتُ الغرق
ولن أتعلق بـ”القشاية”
وليُغلق فوقي نهرُ موسى وأغرق
فانكسرت العصا وابتلعتني الأفعى
وجنون حواء في عقلك
أنتِ لا تُمارَسين
بل تُعبدين
جسدكِ دينٌ قديم
كتُبُه على الجلد
وشريعتهُ في شهقةٍ تتكررُ بينَ فخذين
لذّتكِ
أعمقُ من لذّةِ غيمة القبائلِ حين تمطر
أشدُّ من نكاحِ الحروبِ بعد المجاعة
أطهرُ من أن تُنكر بالسوط
وأقذرُ من أن تُروى دون أن ترتجفَ الحروف
كأنكِ الجنّةُ إذا شهقتِ
والجحيمُ إذا صرختِ
أراكِ
فتُغفرُ خطاياي كلّها
ثم تُكتبُ من جديدٍ حين ألمسك
يا طينة حواء القديمة
ما خلقتِ لتكوني أنثى
بل خلقتِ لتُوقِعي آدمَ مرارًا
ولتلعني الملائكةَ بالصمت
وترقصي فوقَ جسدي المحرّم
وتقولي له
لنزرع صبار القيامة
ونلقى بورود الحنين
ونسير فوق المقبرة
ويطفو النيل فوق الروح
وترقص الشياطين
في ملهى ليلي
يجمعنى بك
وتحاصرنا
أصواتُ الغناء
وتصدح لنا العصافير
وأقول لك وأنت جثة هامدة:
أدخل بقوة وحب وإن احترقت
يا ملاك مخلد حُرِّم عليه وهجُ النار
حين نزعتِ عني جلدَ العقل
ودسستِ إصبعكِ في فمي
فطار الكلام واللسان
وظل القلب مثقلاً بالحزن
وإني حملت في الذكريات
وخلفت لك فراغاً معتماً
تحفه الهموم والضجر
كنتِ تعرفين أني لن أعود آدم
ولا رجلاً
بل ذئباً يُبايعكِ على الدم واللحم واللذة
كنتِ عاريةً أمامي
لا كما يُعرّى الجسد
بل كما تُسلخُ الأرواح
تقطرين زيتَ الشهوةِ من عينيكِ
وتقولين لي
ازحف
كلّما زحفتَ أكثر منحتُك أكثر
فزحفتُ
حتى صارت يداي قدمي
وصار لساني مذبحاً
وذراعيّ محراباً
واستحالت شهوتي صلاةً لا تنتهي
لا تعرفها الملائكة
بل تصدقها الشياطين
ويتمناها البشر ويضحكون.
أقبّلكِ كما يُقبّلُ المحكومُ فأسَ الجلّاد
وألعقُ نهديكِ كما تلعقُ الكلابُ جراحَها
وأدخل في قلبك لهب من أحب وكره
كمن يدخل محرّماً إلى قدس الأقداس
مرتجفاً متمرداً مؤمناً.
صراخكِ
نشيدُ المخلوقاتِ المنفية
لا يسمعه الله
لكن يسمعه الشيطان
ويضحك.
في مؤخرتكِ خُطّتْ كتبُ الإثم
ومن بين فخذيكِ وُلدتْ كلُّ أديانِ اللذة
كلّ الصوفيةِ المنحرفة
كلّ رسل العشق الذين سقطوا لأنهم جاعوا إليكِ
أنتِ الذنب
وأنا المؤمنُ المتعمدُ أن يغوصَ فيه
المتمادي في التكرار
الذي يصلّي بلعابهِ عند سُرتكِ
ويركعُ على عظمِ حوضكِ
ويشهق حينَ يدخلُكِ
كأنما يدخلُ ذاته للمرةِ الأولى.
كنا ننهارُ فوق بعضنا
لا نعرفُ من منا يأكلُ الآخر
من منا الذئب
ومن الفريسة
من يقودُ من
ومن يُغفرُ له أولاً.
أقسمتِ لي بعدها
أنكِ سمعتِ الملائكة تبكي
وأن الجنّةَ فُتحتْ للحظة
ثم أُغلقت
لأننا لم ندخلها
فاخترنا الجحيم.
لكننا ابتسمنا
أتعلمين لماذا
لأن الجحيم الذي يُمارس بالحب
أطهرُ من جنّةٍ بلا جسد
ولا تنهيدة
ولا صرخة.
تعمّدتْ الموت، كمثل حواء بخطيئتي
وأنا اغتسلتُ بمائها كيوسف
فغُفرتْ لي الأرض كحب زليخة
ولم تُغفر السماء فمت آثماً.