سحر عبد الله
يقول الكاتب C.S Lewis إنه رغب في الكتابة يوماً فكتب قصة للأطفال، ذلك أنه وجد أن قصة الأطفال هى أفضل وسيلة لما يريد أن يعبر عنه. فكاتب الأطفال هو الذي يصنع الأحداث ويبدعها بموهبته ويصورها بقلبه، ثم يبعث بها إلى الطفل فيعيش معها ويستمتع بها.
لذا فالأطفال في حاجة إلى كاتب مبدع يدخل إلى عالم الطفولة الساحر، ليس فقط من خلال عقله وإنما من خلال ذكريات الطفولة والخيال، وأن يكون في ذلك شيء من مرح الطفولة فيتمثلهم أمام عينيه، منتقيا مفرداته بصدق.
وهذا هو الطاهر شرقاوي، فعندما تقرأ مجموعته القصصية الموجهة للأطفال “شجرة البرتقال” تدرك كم المشاعر الانسانية الصادقة التى يصفها، فلغته السهلة والتى تكون مفرداتها أنغاماً ساحرة، تنقلك إلى عالم تتحدث فيه شجرة البرتقال عن مشاعرها بأنها لم تعد حزينة، لم تعد وحيدة، أو تطلعنا الغيمة البيضاء برغبتها في البقاء بعيدا عن الصحراء بالقرب من البيوت والنيل والناس، والقطار الأخضر نشيط متحمس أما النخلة العالية فتحس بالخجل ،.فيدخلنا إلى عالمه الخاص .
الطاهر شرقاوي حين كتب للأطفال لم يكتب بطريقة مختلفة فقط، بل ظل ينتقي كلماته بعناية كما اعتاد عليه وكأنه ينتقي من شجرة الكلمات الخاصة به وحده، مكوناً لنفسه مقاييس جمالية خاصه به، فيختار أن يقول لنا أن النخلة العالية “تحس” بالخجل فهو يختار تلك الكلمات التى تشعر بقربها والتى تنفذ اليك منذ اول لحظة تقرأها ، بمجرد أن تسماعها بداخلك فيحدث لك نوع من الاقتراب الشديد والالفة بل التوحد ايضا مع تلك النخلة ، فالأغنام ” تقعد ” في ظل شجرات الصفصاف، وتنبه الأم صغيرها الخروف “خد بالك” والنخلة العالية كل صباح “تبص” على النخل القصير حولها، اختياره الفعال لمفرداته يجعلنا نمر معه بتجربة الإستمتاع بالجمال ونحس بشعور الابتهاج أو الدهشة أو الحزن فهذة التجارب الجمالية في لغته الفنيةجمعت بين الاستجابات العاطفية والثقافية،فبتلك الخبرة اللغوية التى يقدمها لنا في شكل فنى ادخل إلى قلوبنا البهجة والمرح منميا احساسنا بالجمال والخير .
ويمكننا أيضاً من خلال لغته أن نتعرف على انفسنا فنرى العالم مع الزرزور الرمادى الذي فضل شجرة التوت عن جميع الأشجار، ولكن صديقه يخبرنا أنه ليس مكان افضل من الاخر” بل أنت من يجعل المكان جميلا” فمعه ستكون اقرب إلى الطبيعة وهى أكثر قربا اليك فتتعرف على أبعادها. وستشعر بأنك جزء من العالم منتميا إلى الإنسانية كلها، لقد ربط حياة الاولاد بالقطار الاخضر وليس العكس اذ هو اطلق صفارته يحمل الاولاد حقائب المدرسة يقفون على عتبات البيوت، وفي آخر النهار عندما يظهر القطار الأخضر يتوقفون عن لعب الكرة ،فهو يبنى فينا الأنسان
وسيدهشك كيف يجمع بين الكلمة المكتوبة و المسموعة في صياغته فالأطفال تستمع وتميز الأشياء من اصواتها وتربط بيها فنجده يحدثنا عن القطار الأخضر ذو الذراعين الحمراوين ينخفضان ويرتفعان “توووك تااااك” والخروف الذي يشعر بالحر وينساب العرق على جسده فيقول “ماااء.. مااا” فيقترب من لغة الحكى المحببة للطفل.
والكلمة المكتوبة تسعد الأطفال وتطلق العنان لأحلامهم وطاقاتهم الإبداعية والتخيلية فهو ايضا ما نجده حاضرا في كتاب الطاهر “مدت الغيمة البيضاء ساقيها في حالة استرخاء وكسل” كيف تمنع نفسك من ان نرى معه تلك الصورة.
لقد رسم لنا بكلمته لوحة فجعلنا نتفاعل مع النص اذ يجيد التفكير في وظيفة الكلمات والصور وهو دائما في حالة مراقبة لما يدور حول فيلتقط ما قد يراه الاخرون عادي مهتما بكل التفاصيل الصغيرة، مما يغنى النص وهو اكثر ما يجذب الطفل لما تقدمه له فهو تواق إلى استكشاف الحياة من حوله والكاتب الذي يمكنه أن يقدم لنا تجاربه مشبعة بالخيال ويستغرق فيه يكون قد قدم لنا ادبا حقيقيا للطفل
“والان قبل أن اطير : سلام يا صديقى”.. بالتاكيد سنتلقى مرة اخرى في كتابة مدهشة ومشوقة للطفلJ.