جنازة في الصحراء تحتوي على عدد قليل من الحضور أغلبهم يرتدون الجلباب مصحوبًا بذقون كثيفة الشعر لندرك سريعا هويتهم الدينية وانتمائهم السلفي؛ يضعون المتوفي في القبر لندرك إنه كابوس الشيخ – الذي قام بدوره أحمد الفيشاوي – ومع توالي الأحداث نجد أن “الفيشاوي” هو إمام المسجد المجاور للمنزل والذي فقد قدرته على البكاء والخشوع بعد أن بلغه خبر وفاة المطرب “مايكل جاكسون” وهو الأمر الذي يجعلنا نمر بفترات حياته المختلفة أملاً في إيجاد شقوق نستطيع من خلالها قراءة شخصية الشيخ والأمور التي آلت إليه طول حياته ليخرج بمظهر السلفي الملتزم وإن كان في صورة هزلية مثيرة للضحك للبعض!
“الهوس الديني” كسبيل للتطهر من متاع الدنيا وخبر وفاة “مايكل جاكسون” تسببا في ذهاب الشيخ إلى الطبيب النفسي بعدما أصابته الهلاوس السمعية والبصرية فضلا عن هوسه بعذاب القبر بعد الموت الأمر الذي كان يدفعه إلى النوم أسفل السرير في عالم من الظلام والوحشة؛ للشيخ ابنة في مرحلة الطفولة كانت الصورة المرآوية له عندما كان في مرحلة المراهقة فمثلما بحثت الطفلة عن الأغاني والرقص علي الإنترنت كان المعادل الموضوعي للأمر هو “شرائط الكاسيت” وسماعاته التي ارتبطت بفترة مراهقة الشيخ والتي جسدها “أحمد مالك ” وكلاهما لاقي تعنت من قبل الأب ، فالطفلة كان تعنت والدها ديني أما “جاكسون” – كما سمي في تلك المرحلة – فقد كان لرغبة والده في تعلمه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا “مايكل جاكسون” تحديدًا؟ فوجوده في قصة الفيلم كان المحرك الأساسي للشخصية المحورية، ربما يمكننا أن نصل إلى استنتاج أن “جاكسون” عُرف بتمرده على السلطة فكريا وتمرده في الغناء حيث اعتمد على أسلوبه الخاص في الرقص والغناء وحتى الهيئة الشكلية سواء في ملبسه أو في طبيعة لونه الجسدية التي تمرد عليها ، أما “جاكسون سلامة” فقد كان نسخة مزيفة أخذ منه فقط الهيئة الشكلية أما تمرده الحقيقي فلم يكشف مطلقا وحتى عندما تعرض لعنف أسري جسدي من قبل والده – ماجد الكدواني – لم يدافع عن نفسه بل ظل يخفي عنه رغبته في محاكاة المطرب مايكل جاكسون ؛ وهناك ربط أكثر قدرة علي إجابة السؤال السابق وهو أن كلا من جاكسون المراهق والشيخ السلفي يمتلكان قشرة خارجية زائفة تقتصر على “الرداء” لإثارة الإعجاب ،فجاكسون حاول إثارة إعجاب زميلته بالمدرسة والشيخ حاول إثارة إعجاب خاله – محمود البزاوي – والذي قام بتربيته بدلا من والده عقب انتهاء مماهاته لمايكل جاكسون وهنا يكون قد خلع رداء جاكسون ليرتدي رداء السلفي ولكننا حتى قبل نهاية الفيلم بدقائق لم نكن ندرك هذه الحقيقية التي أمامنا ووصلنا إلى أسمه وقد كان ” خالد” !
ثقافة المكان
“نحن لا نسكن إلا الأماكن التي نغادرها” هي مقولة لجبرا إبراهيم جبرا ، ويبدو الأمر حقيقي في أفلام عمرو سلامة ففي أفلامه الأخيرة أصبحت الأماكن محركة أساسية للعلاقات وكاشفة للذكريات ، فكانت المدرسة هي مكان أساسي في فيلمه “لا مؤاخذه” وبالمثل في هذا الفيلم، ففي الطفولة كتب موضوع تعبير يتحدث فيه إلى الله وكان الأمر الذي أثار إزعاج مديرته المدرسة فاستدعت والده الذي عبر عن سخطه من فعلتها وهشاشة تقديرها للمواقف وفي المراهقة كانت المكان الذي أكمل تحطيم هويته عند إعجابه بالفتاة التي جعلت منه مجرد مسخ ؛ أما الشقة فكانت عامل أساسي في حياة الشيخ وهذه الشقة هي التي كبر فيها منذ نعومة أظافرة عندما كانت والدته – درة – على قيد الحياة والذي ظل متأثر بغيابها حتى ارتدي سلسلتها النسائية فكانت تلك الشقة بمثابة المكان الحميم الوحيد الذي يستطيع أن يبحث عن ذاته الحقيقية فيه .
وهناك مكان آخر آثر في الشيخ ولكن هذا المكان يكون في حالة عدائية معه نافرا منه وهو ” المسجد ” فقد كانت كل علامات التدين مجرد شكل ومنها البكاء في الصلاة حتى تأتي لحظة الخشوع والتطهير الذي يخفف الذنوب ومنه كانت أول صدماته تجاه ذاته الحقيقة إنه لا يستطيع مواصلة الزيف بالبكاء الأمر الذي اضطره للجوء إلي البصل من أجل إثارة غشاء عينيه للبكاء وهو الأمر الذي لم ينجح سوي لثواني معدودة ، أيضا المسجد هو المكان الذي تسبب في إثارة غريزتين من غرائز الحياة وهما حب الحياة والغضب وذلك عند حضور مايكل جاكسون للرقص بين الحشود وهو ما كان وهم بصري وسمعي إلا أنه تسبب في ضربه لأحد المصلين ، كذلك عدم تمكنه من إكمال زيفه عندما احضر خاله ليتباهي به امام باقي الأخوة من الشيوخ بحيث يبدو الإيمان وكأنه غشاء حقيقي ومزيف في ذات اللحظة (حقيقي لمنعه متع الحياة رغم إمكانية الموازاة ومزيف لأنه يعتمد علي الصورة وكلما كان الشخص أكثر ظهورا كان أفضلهم).
لم نكن أمام مأساة فلم نتعاطف معه وهو الأمر الذي فضلته في الفيلم الذي ابتعد عن محاولات الابتزاز العاطفي الرخيصة ولكنه أيضا حرمني متعة الفيلم ، كان هناك شيء ناقص فيه أبعاد الشخصيات غير مكتملة وتطور العلاقات في حالة خلل وتشظٍ فلم أدرك سبب كراهيته لشقة الزوجية وبالمثل لم أدرك لماذا قبل الفتاة التي أحبها في المدرسة عندما كبر في العمر وأصبح في مرحلة الشيخ؟ والتي قامت دورها ياسمين رئيس ( بل إني للحق لا أجد ضرورة لهذا المشهد من الأساس) فضلا عن سطحية الرمزيات كالسيارة المُعطلة المرهونة بمسار حياته، والثعبان الذي لجأ إليه في عمله الإذاعي كالتأكيد علي فكرة المسيطر بوجود الثعبان الأقرع المسئول عن عذاب الميت داخل القبر، وأعمال “الجرافيك” البسيط الواضح الذي كان في صالح الفيلم لأن حضوره كان لتمثيل فترة لاوعي الشيخ أثناء الحلم .
في النهاية حتى إن كان في التجربة بعض نواقص وغياب مبررات إلا أنه فيلم يستحق المشاهدة، ويستحق أن نثني على “عمرو سلامة” عليه لشجاعة طرحه بكسره لأحد التابوهات المحرمة في السينما المصرية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقدة سينمائية