“الشجاعة، الحرية، الحب “.. لماذا تحولت بعض كتب الأطفال إلى أدب عالمى؟

ahmed al shareef
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد الشريف

الشجاعة، الحرية، الحب، هو الاسم الذى اختاره المتحف الوطني في هلسنكي، للتعبير والاحتفال بعالم “مومين” والتجوال عبر الكلمة والصورة إلى  قيم وفلسفة “مومين” وفق تعبير الكاتب والناقد بيتر مارتن. فبعد الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لكتب مومين في عام 2020 وما بعدها، قامت دور النشر في النرويج والسويد وفينلندا بإعادة طبع كتب مومين.

لكن ماذا نعرف عن عالم مومين ، وعن الكاتبة؟ هي سلسلة كتب للكاتبة والرسامة الفنلندية السويدية “توفا ينسون”، تسعة كتب للأطفال وأربعة كتب مصورة نشرت في الفترة من 1945 إلى 1970حول مومين وأصدقائه وعائلته في وادى مومين.

الكتب مبنية على ذكريات طفولة الكاتبة أثناء العطلة الصيفية في الأرخبيل الفنلندى – ولدت في عام 1914 ورحلت عام 2001- ومن ضمن المعلومات عنها أنها نشأت وتربت في منطقة  فنلندية يتحدث سكانها بالسويدية، من هنا جاء السؤال، هل هى فنلندية أم سويدية، الجدير بالذكر أن السويدية والفنلندية هما اللغتان الرسميتان في فنلندا. في عالم “مومين” يتم تمويه الأشخاص والأنواع البشرية على هيئة أشكال مختلفة، كما ينظر إلى البساطة الواضحة لهذه السلسلة من الكتب، على أنها بنى فوقية حول الأسئلة المهمة.

 تتناول الكتب في شكل حكايات وفانتازيا، قضايا مثل العلاقات الأسرية وتنمية الشخصية والخوف من الكوارث. ينعكس الموقفان الأساسيان لمومي في الحكايات حول: حلم المغامرة وحلم الإنقاذ، أنه يرغب في تجربة المغامرة، والأهم من ذلك رغبته أن يكون بطلًا وينقذ شخصًا ما. ترجمت سلسلة كتب مومين إلى أكثر من خمسين لغة وتم تكييفها مع العديد من الوسائط الأخرى، رسوم متحركة، أوبرا، أفلام الرسوم للتلفزيون والسينما، أصبح صورة واسم مومين على منتجات مختلفة: أكواب شرب الشاي والقهوة، كؤوس شرب الماء الزجاجية، علب الحلويات والشوكولاته، لانش بوكس للأطفال، أقلام، ملابس.. إلخ.

وتم افتتاح منتزه ترفيهي في فنلندا تحت اسم “وادي مومين” في عام 1993. لكن ما الذى يتكون منه هذا العالم؟ يتكون من عدة شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية:

1- “موميترول”، أنه الطفل الوحيد لمومي بابا ومومي ماما، ودود، مخلص وشجاع، أفضل صديق له هو “سنوسمومريكين” لكنه يختفي كل خريف في الجنوب، فهو يحب السفر، و”موميترول” لا يريد ذلك، يريد أن يكون في المنزل. هناك أيضًا الآنسة “سنور” التى تحبه كثيرًا، كما يعتقد هو أنها جميلة. يحب “موميترول” الماء وهو جيد في السباحة، وقد حقق إنجازات عديدة، على سبيل المثال أنقذ “ماي الصغيرة” من طوف جليد، وهوجيد كذلك في التخطيط.

2- “مومي بابا”، هو رب الأسرة، و مشغول دائمًا بجعل الجميع في حالة جيدة، لكنه يحتاج إلى وقت لنفسه وأفكاره، يحب تقديم النصائح للآخرين، له رؤية فلسفية نوعًا ما فيما يخص الطبيعة. يقضى الكثير من الوقت في كتابة مذكراته التي يقرأها عند الانتهاء من فصولها . كما أنه عملي عندما يتعلق الأمر بالبناء والإصلاح، لكن ليس في الأعمال المنزلية فهو يترك هذا لمومى ماما .

3- “مومى ماما”،  تراعي أن يحصل الجميع على وقت ممتع وتجعل الجميع يشعرون بالأمان، وتدعوهم إلى منزلها دائمًا، إنها مركز الأسرة ولديها حل لكل مشكلة تقريبًا، وتحب تزيين الحديقة وصنع الملابس ويمكنها الرسم والتلوين، حكيمة، وتعرف أنه يمكنك التعلم من أخطائك: “لماذا يجب على المرء أن يكون لديه كل شىء بالطريقة التى اعتاد عليها”،  وعلى الرغم من أنها قلقة بعض الشيء بشأن طفلها لأنه غالبًا ما يكون في خطر، لكنها تدعمه دائمًا: ” اهرب ! صاحت ماما موميترول. الشرطة هنا ! لم تعرف ماذا فعل ابنها، لكنها كانت متأكدة تمامًا أنها موافقة على ما قام به . “

4- “الآنسة سنور”، تحب موميترول الذى يعتقد أنها جميلة جدًّا، لديها رموش طويلة وغرة شقراء وخاتم ذهبي حول قدم واحدة. حساسة للغاية، وغالبًا ما تسعى للعزاء والمساندة من موميترول.  تتمتع كذلك بشخصية غزلية وترغب في ممارسة ألعاب تدور حول بطلة جميلة وبطل إنقاذ من نوع وعلى شاكلة موميترول: “هل نلعب دور أننى جميلة بشكل رائع وأنك اختطفتنى .”

لكن “الآنسة سنور” تتدخل أيضًا عند الحاجة إليها ، فقد أنقذت “موميترول” من أخطبوط عملاق بإعمائه بمرآتها .

5- “سنوسمومريكين”، هو متشرد دائم التنقل، يأخذ الحياة كما تأتى، لايهتم بامتلاك الأشياء، فيسافر بأمتعة خفيفة أينما يريد. يحب الحرية ويحب الذهاب لصيد الأسماك أو المشى ليلا بمفرده. إنه موسيقي كذلك، ويعزف على  الهارمونيكا وراوٍ جيد، مع كرهه للقواعد والأنظمة، لا يتحدث كثيرًا، لكنه يجعل الجميع يشعرون بالأمان.  يعرف الكثير ولا يخاف من الشخصيات ذات السلطة. عندما يغادر يعلم أن “موميترول” سيفتقده، لذلك يكتب له العديد من الرسائل.

6- “ماي الصغيرة”، هى صغيرة جدًّا بحيث يمكنها أن تأخذ قيلولة في سلة الخياطة الخاصة بمومي ماما، لكن لديها شخصية تشغل مساحة كبيرة. تقول بالضبط ما تعنيه، وهذا يمكن أن يزعج الآخرين،  لاتخاف من أى شىء، من اللطيف أن تقف بجانبك عندما تنشأ خلافات، لكنها خصم صعب المراس. أنت لاتعرف أبدًا ما يمكن توقعه من “ماي الصغيرة”، فهى مليئة بالمفاجأت، تقول:”أنا فقط سعيدة أو غاضبة .” شعرها الأحمر مرفوع دائمًا لمنتصف رأسها، وترتدى فستانًا أحمر فاتحًا يناسب مزاجها .

 7- “سنيف”، يعيش أيضًا في منزل “مومين”.  يسمع بأذنيه الكبيرتين ويمكنه تحذير الآخرين من الخطر، لكنه أخرق للغاية ويمكنه قلب الأشياء.  كما أنه يخاف بسهولة، ويتفاخر ويتذمر ويلوم الآخرين عندما تسوء الأمور. يشكو كثيرًا ويحتاج الكثير من الاهتمام، غير أنه بمثابة الأخ الأصغر لـ”موميترول” وغالبًا ما يكون معه في المواقف الدرامية.

هذه أبرز الشخصيات إلى  جانب بعض الشخصيات الأخرى في “وادى وعالم مومين”. ولكن ماذا عن بساطة وعمق هذا العالم معًا، ولماذا أضيف هذا العمل المكتوب والمرسوم خصيصًا للأطفال إلى قائمة الأعمال التى صارت عالمية يقرأها الكبار والصغار كحكايات أندرسن، علاء الدين والمصباح السحري، الأمير الصغير، أليس في بلاد العجائب، الدب ويني أو ويني ذا بوه، وشارلي ومصنع الشيكولاته وغيرها. لعل من البدهيات القول إن هذه القصص والحكايات تعيدنا إلى عالم طفولتنا المفتقد، بذائقة وخبرة الكبار بالطبع، لكن ليس هذا كافيًا كى يصبح ما نقرأه من قصص معينة قصصًا وحكايات عالمية، لذا يمكن أن نضيف ما يسمى بالمشترك الإنسانى: مشاعر، أحلام، أفكار، خيال، ورؤية العالم والحقائق والناس والأشياء، من زوايا بكر بسيطة وعميقة معًا. زد على ذلك الشكل واللغة والبناء الفنى الجديد  والمختلف عن السائد.

 يمكنني أيضًا أن أضيف إلى ما ذكرت الحب بل العشق الجارف الذى كان يحمله هؤلاء الكتاب والفنانون لأعمالهم عندما كتبوها أو رسموها للأطفال،  واستحضر هنا مقولة والت ديزني  صاحب الشخصية الكرتونية ميكى ماوس، والتى تكشف عن شعور عميق حول أهمية مايقوم به وتفانيه في فنه ، فقد قال ذات مرة : “أنا أحب ميكي ماوس أكثر من أى امرأة عرفتها في حياتى . “وعودة إلى عالم مومين، نجد أن الكثير مما ذكرت ينطبق على هذا العمل وصاحبته ولنقرأ معًا هذه السطور والجمل المقتبسة والتى ذكرها بيتر مارتن في مقالته عن عالم مومين:

.. قال موميترول بكآبة: ” سيكون أمرًا فظيعًا إذا اصطدام مذنب بالأرض…سينفجر كل شىء. كان هناك صمت طويل ثم قال سنوسمومريكين ببطء : سيكون الأمر مروعًا إذا انفجر العالم. إنه جميل جدًّا. “

.. “عندما اختفي الساحل، ظهر البدر مستديرًا واصفر فوق البحر. لم يسبق لمومى بابا أن رأى مثل هذا القمر الكبير والوحيد، ولم يسبق له أن  أدرك مطلقًا  أن البحر بهذه الضخامة كما يراه الآن.”

.. ” في الخارج ضاعفت العاصفة من غضبها. امتزج صوت الأمواج الآن بأصوات غريبة: ضحكات، ركض أقدام، وقرع أجراسًا كبيرة في مكان بعيد قرب البحر. استرخى سنوسمومريكين ساكنًا ومستمعًا، حالمًا ومتذكرًا رحلته حول العالم.”

.. ” كان العالم كبيرًا جدًّا في تلك الأيام، وكانت الأشياء الصغيرة صغيرة بطريقة ألطف بكثير مما هى عليه الآن، وتناسبنى كثيرًا جدًّا بصورة أفضل. إذا كنت تفهم ما أعنيه .” (مومى بابا)

ونختتم بتعليق جاء على صفحة دار CappelenDdam التى أعادت طبع كتب عالم مومين، للكاتب النرويجي آنش هيجر الذي أبدى إعجابه بعالم مومين فكتب: “كم هو كبير، وكم هو متنوع، وكم هو مضحك ومبهج، وكم هو عميق التفكير. ” ويتساءل هل يعنى عمق عالم مومين أن نتوقف عن التفكير فيه كحكايات ممتعة تمتلئ بروح الدعابة للأطفال؟ الإجابة لا بالطبع ، فعالم مومين بحكاياته والرسومات والقصص الساذجة والطفولية، مثل كل الأدب العظيم يمكن قراءته بطرق متعددة تبدأ من المتعة وتنفتح بلا خوف على الأسئلة الكبيرة والصعبة في الأدب والفن بشكل عام، تلك المتعلقة بما يعنيه أن تكون إنسانًا، وكيف نتواصل مع بعضنا البعض وكيف نتعامل مع بعضنا البعض، ماذا نفعل عندما لا يمكن تحقيق أحلامنا ومثلنا العليا؟.

…………………..

*روائي ومترجم مصري

 

 

مقالات من نفس القسم