ولدت فرغ فروخزاد بطهران سنة 1934 في أسرة كثيرة الأفراد . و تحت تأثير والدها المهتم كثيرا بالأدب ، وخصوصا الشعر ، اهتمت فروغ باكرا بهذا المجال ، و بدأت تكتب بعض القصائد الصغيرة التي كشفت عن موهبة شعرية جلية . بعد أن أنهت دراساتها ، تدربت على فني التصميم و الرسم . و في سن السادسة عشرة من عمرها ، مغرمة بشغف ، تزوجت پرويز شاپور Parviz Chapour، الذي يكبرها بخمسة عشر سنة . في سنة 1952 ، ظهرت مجموعتها الشعرية الأولى الموسومة بعنوان : الأسيرة ، و عمرها لم يتجاوز سبع عشرة سنة . هذه المجموعة عرفتها على الجمهور . كما نشرت أيضا بعض القصائد في مجلات متعددة . و قد أثارت ضجة إحدى قصائدها التي نشرتها بعنوان : الخطيئة :
اقترفت خطيئةً مليئة بالشهوة ،
اقترفت خطيئة في حضن دافئ و متوقد .
“ لأول مرة في تاريخنا الأدبي ، تتحدث امرأة عن رغبتها ، و كذلك عن شهواتها“ (3) . و قد أصبحت بعدها موضوع العديد من المقاربات ، و اتهمت ، على الخصوص ، بأنها فاسقة . في حين كانت حياتها الزوجية تتدهور، لم تكن ولادة ابنها كاميار كافية كي تخلصها من السأم . و من الحزن الذي يغلفها و يشلها . و بعد طلاقها رفضت الحفاظ على ابنها الوحيد ، الذي لم تره حتى موتها .
عندما كانت ثقتي معلقة بحبل العدالة المرن .
و في المدينة كلها يقطعون قلوب أنواري
حينما اغلقوا عيون حبي الطفولية
بعُصابة القانون السوداء
و في أوقات مُتعكِّرة من عيني
ينبجس الدم
و في حياتي
لم يكن هناك شئ ، لا شئ سوى تَكْتَكَة الساعة
لقد فهمت : يجب ، يجب ، يجب
أن أعشق الجنون (4)
و بموازاة مع الشعر ، اهتمت فروغ بالمسرح و كذلك بالسينما ، فقد أخرجت فيلما وثائقيا بعنوان : البيت أسود ، الذي يعرض الحياة البئيسة لمرضى الجذام .
لقد كتبت عدة مجاميع شعرية من ضمنها الأسيرة (1952) ، الجدار (1957) ، العصيان (1959) ، ولادة ثانية (1962) ، و أخيرا مجموعة “لنؤمن بحلول الفصل البارد “، التي لم يسمح لها موتها المفاجئ سنة 1966 ، على إثر حادثة سير مرعبة ، بإكمالها .
الشعر مرآة امرأة
يمكن تقسيم العمل الشعري لفروغ إلى جزأين مختلفين ، يشهدان على تطور فكر مبدعتهما التي تخرج تدريجيا من الإطار المقيد للأحاسيس الأنثوية . كي تصل إلى عالم أكثر شساعة يهم الوجود ، الكائن البشري و الحياة اليومية .
فالقصائد التي تضمها المجاميع الشعرية الثلاث (الأسيرة ، الجدار ، العصيان) و المؤلفة من سنة 1952 إلى 1959 ، تعكس ، مثل مرآة ، صورة امرأة و حيدة و متمردة . تحركها أحاسيس أنثوية خالصة ، و تقف ضد القواعد و الأعراف الاجتماعية التقليدية . تهيمن موجة الشغف على الجو الشعري لقصائد فروغ الأولى . وكل هذا الشعب الذي يعبر روحه يُعبر عنه من خلال شبكة من الكلمات تضع في الضوء تعرجات فكرها و أحاسيسها : قلب ، حب ، ليل ، عتمات ، قبلة ، أمل ، أسف ، سجن ، رغبة ، قبر ، موت ، الله ، يد ، نافذة…نعد أيضا الكلمات التي نجدها بشكل متكرر من قصيدة إلى أخرى . تُعبر عن حياة امرأة مسجونة داخل شرنقة الحياة الزوجية ، لتحاكم وجودها الفارغ و الذي بدون هدف ، الرتيب و غير المفيد . امرأة ، كي تتخلص من خيبة الأمل و السأم ، تلجأ إلى عالم الشعر الساحر . و تعبر ، تحت شكل رباعيات و من خلال تجميع كلمات ، تعابير و صور ، عن مطالب أنثوية . و الأبيات التالية تظهر إلى أي حد الإحساس بأن تكون سجينة يتسلط على الشاعرة :
أفكر و أعرف أنني أبدا
لن أستطيع التحرر من هذا القفص
حتى و إن حررني السجان
فلن تكون لدي القوة كي أطير (5)
الشعر : نظرة امرأة متشائمة إلى العالم
انطلاقا من “ ولادة ثانية “عثرت ، أخيرا ، على لغتها الخاصة ، التي تتغذى من تجاربها الأنثوية خاصة . في هذه المجموعة تقدم لنا فروغ نوافذ مفتوحة على عوالم أخرى ، و التي تعبر من خلالها عن الأحاسيس التي لم تجربها أبدا داخل عالم الأعراف الأنثوية المحدود . و هي تتبنى بجرأة وجهة نظر متشائمة ، تصف فيها مجتمع زمانها ، و مشاكل الشعب الإيراني في مرحلة وسطى بين التقليد و الحداثة – في كلمة واحدة : الحياة اليومية . و كل هذا مستعملة لغة بسيطة و في نفس الوقت مزخرفة .
لعل الحياة
زقاق طويل ،
تعبره كل يوم امرأة بسلتها
لعل الحياة
حبل
به يعلق نفسه رجل إلى شجرة
لعل الحياة
تلميذ
يدخل إلى المدرسة
لعل الحياة هي إشعال سيجارة
فضاء مخدر بين عناقين ( 6 )
مع ذلك ، فإنه في االعمل الشعري الأخير لفروغ “لنؤمن بحلول الفصل البارد “ المؤلف من قصائدها التي كتبت خلال الثلاث سنوات الأخيرة من حياتها ، تظهر الولادة الشعرية الجديدة للشاعرة التي بلغت أوجها . حيث تصور الشاعرة وضعيتها في الأبيات التي تفتتح المجموعة :
وأنا
امرأة وحيدة
تقترب من فصل بارد
فهمت الآن وجود الأرض الملوث
و يأس السماء البسيط و حزنها
و ضعف يديها الإسمنتيتين .( 7 )
كل قصائد هذه المجموعة ليست سوى تطويرا لأفكارها الأولى التي تقدم لنا صورة كائن بشري مجروح و حساس ، يتأمل العالم من خلال نافذة كبيرة . القارئ في ذلك شاهد على تحول جذري في ما يتعلق بالشكل أكثر من المضمون . الشاعرة تظهر أكثر فأكثر ملهمة من طرف الشاعر نيما Nima **. فقد غادرت شكل الرباعيات كي تتبنى أسلوبا أكثر حرية ، مرتبط بسعة أفقها و كذلك سعة خيالها .
إن الشاعرة فروغ لا تبحث عن اتباع مسار جمالي فقط . و لكنها تصبو أكثر لوصف العالم الواقعي بجميع تجلياته المادية و الروحية . و ذلك باستعمال ألفاظ بعيدة عن اللغة الشعرية أحيانا . إنها تتحدث عن الأشياء العادية ، مما يسمح لها بأن تكشف لنا خبايا لا قيمة لها و غير متوقعة من الحياة اليومية .في هذا الاتجاه ، فالألفاظ الرومانسية التي تهيمن على العالم الشعري لدى فروغ في بداية طريقها الأدبي تختفي شيئا فشيئا في مجموعتيها الأخيرتين . الحب ، الليل ، و النافذة تظهر فيهما بطريقة متميزة . لكن المعنى المحتوى في هذه الألفاظ هو موضوع تحول كبير . فهذه الشاعرة الكبيرة أدخلت إلى العالم الشعري ألفاظا جديدة مثل مكنسة ، مطبخ ، حبل غسيل ، شذرات ، طائرة ورقية ، مزهرية ، كلمات متقاطعة ، دخان السيجارة ، اتساع الحب ، الجمعة المضجرة ، كوب ، دولاب ، فسقية ، سبحة زجاج ، أزقة فارغة…كذلك يتحول شعر فروغ إلى شعر ملموس ، حي و أكثر قربا من يومي كل إنسان .
إن شعر فروغ هو ، تقريبا ، انعكاس للحياة . يمكن أن نقول حسب نيما Nima: هي واحدة من الشعراء المعاصرين العظام . و التي ، بعد نشرها لثلاث مجموعات شعرية ، أحدثت أيضا ولادة جديدة داخل الشعر الفارسي .
إضاءات :
* النص مترجم عن مجلة طهران التي تصدر باللغة الفرنسية :Revue de Téhéran, Numéro N° 13, décembre 2006
** نيما هو الشاعر الإيراني نيما يوشيج Nima Youshij ( 1897 / 1959 ) ، اسمه الحقيقي علي اسفندياري ، أبو الشعر الفارسي و رائده الأكبر . و قد اعتبرت قصيدته الطويلة التي نشرها سنة 1921 بعنوان “الأسطورة “بمثابة بيان للشعر الإيراني الحديث . فقد كسر الأشكال القديمة و حرر الشعر الإيراني من قيود القصيدة العمودية . ( المترجم )
هوامش :
[1] Revue de Téhéran, Numéro 1, p 55.
[2] Hoghoughi, Mohammad, Notre poésie contemporaine 4/ Forough farrokhzad, éd. Negab, Téhéran, 1383, p. 31.
[3] Ibid.
[4] Hoghoughi, Mohammad, op. Cit., p. 276. ” La Fenêtre “
[5] Ibid., p. 59.
[6] Revue de Téhéran, op. Cit., p. 56.
[7] Hoghou