ـ ما الجديد الذى يطرحه كتابك الجديد ” شبكة الحضارة المعرفية” ؟
ـ أنا مهتم بتتبع الفكر العالمى بكل تجلياته ، ولهذا الكتاب شخصية خاصة فهو يجمع نظريتى فى فهم تحولات المجتمع العالمى ،وحاولت من خلاله أن أرسم خريطة للتحولات الأساسية للمجتمع العالمى وهو التحول من نموذج المجتمع الصناعى الى نموذج المجتمع المعلوماتى العالمى .
والتحول من الحداثة الى العولمة ،والتحول من مجتمع الأمن النسبى الى مجتمع المخاطر ، والتحول من الأمن القومى التقليدى الى الأمن القومى المعلوماتى ثم ظهور نموذج حضارى جديد .
ـ فى كتاب “رؤية عربية لمشكلات العالم المعاصر” قلت إن مصر السائرة فى الطريق الليبرالى لن تتوقف عن الابداع فى مجال حركات الاحتجاج الاجتماعى ، فما هى مظاهر هذا الابداع برأيك؟
ـ هناك أنماط عدة للاحتجاجات الجماهيرية ،وحاولت أن أتتبعها بوصفها تعكس تغيرات اجتماعية داخل المجتمع المصرى ،فقد سبق لى أن أنشأت فى “المركز القومى للبحوث” مرصدا اجتماعيا ليعمل بوصفه نظاما للانذار المبكر للتنبؤ بالأزمات والتواترات الاجتماعية وأحداث العنف . ثم توقف عمل هذا المرصد لأسباب بيروقراطية خاصة بالمركز، حتى عاد من جديد، وعند دراستى لظاهرة الاحتجاجات وجدت انماطا عدة لها ،منها ما يمكن وصفه بالاحتجاجات العشوائية وهى فوضوية ولا قيمة لها وتنطوى على مطالب سواء حقيقية او مدعاة، وأبرزها وأكثرها ايجابية كان احتجاج مدينة دمياط بأكملها على بناء مصنع “أجريوم “. وهذه الحالة تعتبر متفردة فى التاريخ المصرى ، حيث تكاتف جميع عناصرها بدءا من المحافظ وحتى مجموعات المجتمع المدنى والمثقفين والشعب العادى لمقاطعة هذا المشروع ، حتى نجحوا فى ايقافه لتأثيره الخطير على البيئة ، وكذلك إضراب موظفى الضرائب العقارية بقيادة كمال أبو عيطة الذى اعتبره قائدا جماهيريا فذا . واستطاع قيادة إضراب استمر اكثر من عشرة ايام دون استخدام العنف ، بل و كانت هناك لجنة ديموقراطية لادارة الاضراب ، ونجحوا فى إجبار وزير المالية على الرضوخ لمطالبهم ، واعتبر هذه الاضرابات الناجحة علامة على تحول حقيقى فى إيجابية الشخصية المصرية ،فالشخصية المصرية التقليدية كانت تمارس السلبية والخوف من السلطة ،وعدم المعارضة بشكل منظم .
ـ ولكنك قلت فى ذات الصدد إن العديد من دعاوى الإضراب والاحتجاج ليست فى صالح التحول الديموقراطى فى مصر.
ـ نعم قصدت بعض المظاهرات التى تنطوى على ادعاءات ،واعتبر انها فاشلة حقا ، مثل دعوة المدونين لاضراب 5 مايو ، وهو اضراب فاشل، يدل على وجود خلط شديد فى فهم الفرق بين المظاهرة و الاحتجاج والعصيان المدنى . وهذا نوع من السذاجة السياسية ، فهؤلاء الشباب لديهم رغبة فى المشاركة السياسية علاوة على حسن النية ،ولكن فى تقديرى الخاص تنقصهم الثقافة السياسية .
ـ ولكن إضراب 6 ابريل نجح نسبيا .
ـ هو إضراب أصحاب الفضل فيه هم عمال غزل المحلة ، وشارك فيه المدونون ،أما الاضراب الذى تبناه شباب المدونين بشكل عشوائى وهو”اقعد فى البيت” فى 4 مايو فشل فشلا ذيعا ، لانهم لم يفهموا سلوك الشعب المصرى، وجسد محاولة فوضوية للاحتجاج .
ـ كيف وجدت دراستك لما تسميها بظاهرة المدونات والفيس بوك ؟
ـ درست المدونات المصرية على مدار شهرين،ووجدت انها تنطوى على سطحية شديدة فى التفكير السياسي ، ما عدا بعض المدونات القيمة،أهمها مدونة ” بهية ” التى أعتبرها من أعظم المدونات المصرية لما بها من ثقافة سياسية رفيعة ورصانة فى النقد . دون ذلك المدونات مليئة بما هو سطحى وركيك ،ومع ذلك فهى ظواهر ستستمر،فهى ايجابية فى بعض جوانبها ، فالانترنت خلق فضاء عام جديد ، يتيح فرصة كبيرة فى التعبير بعيدا عن الرقابة والقيود ولكن لا يزال عندى امل ان تتطور المدونات خاصة تلك التى تمارس النقد السياسي . لانه يحتاج معرفة بالذاكرة التاريخية المصرية وأصول هذا التاريخ، وقدرة على المناقشة بين الايدلوجيات المختلفة ، اما موضوعات الانشاء التى تكتب تلك فلا معنى لها ، وما يدهشنى حقا البذاءة و” قلة الأدب” فى الكتابة على المدونات . وهذا غير مقبول ،فيستطيع الانسان ان يكون نقديا وعنيفا فى نقده دون تجاوز، والفيس بوك ينطبق عليه ما ينطبق على المدونات ، التى تحتوى أيضا على أعمال إبداعية رفيعة مثل مدونة “منال وعلاء”.
ـ حذرت من ” القطيعة ” بين الجماهير والحكومة بسبب الخطاب الاعلامى الذى تتبعه،فما ملامح هذا الخطاب؟
ـ الحكومة فاشلة فى علاقتها بالجماهير، ولا تشرح سياساتها بالقدر الكافى ،فأحيانا ما تكون هناك مشروعات جيدة جدا وتعجز ان توصلها بشكل حقيقى للجماهير ، واحيانا يتبنى مشروعات بها اخطاء قاتلة فلا الاختيار فلا تصل الى الجماهير ، مثل برنامج الخصخصة الذى فشلت الحكومة فى اقناع الجماهير بصحته ولم يكن مدروسا بالقدر الكافى ولم تستطع الحكومة حتى ان تقنع الجمهور بجدواه اقتصاديا ، ومثال آخر لذلك هو برنامج الصكوك الشعبية ، وهو الخاص بصرف صك بقيمة 400 جنيه لكل مواطن وهى فكرة غير مدروسة وفاشلة، وتوقفت الحكومة عن الحديث عنه.
ـ فى كتاب “أزمة العولمة وانهيار الرأسمالية” كتبت فصلا عن التحليل الثقافى لما أسميتها بأزمة الرأسمالية العالمية،فالى أى مدى ترى ان هذا التحليل الثقافى يمكنه المساعدة فى فهم هذه الأزمة؟
ـ الإقتصاد يقوم على قيم ثقافية ،والرأسمالية تقوم على قيم ثقافية اهمها ان الفردية هى الاساس بعيدا عن الدولة،وأثبتت الازمة المالية ان هذا الحافز الفردى انحرف ،وتحول هذا الاقتصاد الرأسمالى الى اقتصاد افتراضى يقوم على المقامرة وهو ما سمى باقتصاد “الكازينو” .
لذلك فإن البحث فى هذه المشكلة يجب ان يجعلنا نحفر فى الجذور الثقافية للأزمة وهى الفردية المفرطة ، وذكرت فى هذا الكتاب أنها ليست أزمة مالية وانما أزمة اقتصادية . وهى الازمة التى بمفادها تكف الدولة يدها عن الاقتصاد وترك الموضوع للقطاع الخاص بالكامل بمعنى آلية العرض والطلب ،و لن يتعافى الاقتصاد العالمى الا اذا اعيدت صياغة العلاقة بين الدولة والسوق.
ـ قلت أيضا إننا نعيش منذ نهاية عصر الحرب الباردة ما يمكن تسميته بزمن الخداع العالمى ، فما هى معالم هذا العصر ؟
ـ هى ملامح الإدعاء بأن الليبرالية الجديدة التى تدعو الى كف دور الدولة عن السوق سيؤدى الى تنمية حقيقية وسعادة البشر ، فالدولة استقالت من أداء وظائفها التنموية وهذا ملمح من ملامح زمن الخداع العالمى .
فالعولمة الاقتصادية على الطريقة الامريكية أدت الى تهميش طبقات كاملة واخراجها من الدورة الاجتماعية بل وخروج دول كاملة وليس طبقات فقط ، علاوة على الزعم الامريكى بأنها رائدة الحرية وحقوق الانسان ، وأمثلة ذلك غزو العراق و التعذيب فى جوانتامو .
ــ ولكن تصريحات الرئيس أوباما بإغلاق معتقل جوانتامو يطالعها البعض بقدر عالى من التفاؤل بالنهج الجديد للسياسة الأمريكية ؟
ــ اعتقد ان ذلك له علاقة بثنائية ” الرغبة والقدرة” وهذه معادلة صعبة ، فقد يرغب اوباما فى ادخال تغييرات حقيقية ولكن تقف امامه جماعات مصالح ما ، وتستحضرنى هنا رغبة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون تحجيم تجارة السلاح داخل بلاده. وهو ما رفضه الكونجرس، خاصة ان لوبي السلاح من أقوى جماعات المصالح فى الولايات المتحدة ،وفى المقابل قد يستطيع الرئيس أن يحدث التغيير لكنه لا يرغب فيه لانه قد يضر بمصالحه السياسية او الطبقية ، فهذه الثنائية هى التى تفسر حرية صانع القرار .
ـ كيف قرأت الضجة التى أثيرت مؤخرا فى أعقاب إعلان وزارة الثقافة عن ترجمة مؤلفات الكاتبين الإسرائيليين عاموس عوز وديفيد جروسمان ؟
ـ هذه الضجة نوع من الأحكام المتعجلة ،فقد أنشأنا فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وحدة للترجمة من العبرية الى العربية ، وكان شعار المر كز ” إعرف عدوك” ،ومعرفة العدو تكون من مصادره الأصلية ،ووحدة الترجمة من العبرية فى هذا المركز لعب أدوارا بطولية ،علاوة على الترجمات التى كانت تقوم بها الهيئة العامة للاستعلامات فى هذا الصدد .
وهناك كتب شديدة الأهمية خاصة بالمؤرخين الجدد الاسرائيليين الذين تعمقوا فى الارشيف الاسرائيلى وكتبوا عن مذابح ارتكبتها اسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى ، فكيف لا تترجم؟ .وهناك أدباء مهمين للغاية مثل عاموس عوز ينبغى ترجمة أعمالهم لأنها تعبر عن الشخصية الاسرائيلية وطموحاتها وتوجهات الجيل الجديد ومدى إيمانه بالصهيونية ،وأحد أهم مبادئ المشروع القومى للترجمة الترجمة من اللغة الأصلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن جريدة الشروق الجديد المصرية