أحمد أحمد عبد المقصود
تقديم
تقوم هذه الورقة البحثية بدراسة مركزية السارد وحضوره، والفضاء النصي الذي يحتله من خلال الآلياتِ السردية التي يستخدمها، وتجعل صوته مسيطرًا علي السرد، وُتمَحوره حول ذاته واهتماماته، وترصد العلاقة بين حضور هذا الصوت وبين المؤلف الحقيقي، وذلك في ثلاثة نماذج تنتمي إلي الكتابة الروائية للروائيين الجدد الذين أخذت أعمالهم تنتشر في مصر منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي .
وتدرس هذه العلاقة من منطلق فرض يري أنه ثمة علاقة تماه ٍ بين السارد والمؤلف في الكتابة الروائية الجديدة، وأن هذا التماهي بوصفه علاقة بين طرفين: مجازي ( السارد ) وحقيقي ( المؤلف )، يدفع إلي رؤية السارد بوصفه صوتـًا فنيـًّا للمؤلف. وهذه العلاقة مشروطة بتصور أن النص الروائي الجديد ( الذي يصلنا من خلال صوت السارد، وهو ذات مجازية متخيلة ) لا يمثل المؤلف ـ وكذلك ما يتصل به من خبرات حياتية، و وقائع حقيقية، وأشياء موجودة في عالمه الحقيقي الخارجي ـ إلا بشروط خطابه الأدبي. و أول هذه الشروط إعادة بناء ما هو واقعي أو حقيقي، ليصبح علامة نصية مجازية لها قوة الحقيقي أو الواقعي. ومن ثم يصبح النص الروائي الجديد بخطابه الأدبي هو مصدر التعرف علي السارد/ المؤلف الذي صار علامة أو عنصرًا نصيـًّا، ومع هذه الصيرورة تنتفي الإحالة إلي السيرة الذاتية للمؤلف أو العالم الخارجي.
تجربة (المؤلفــة) وتجربة السارد(ة) في ” دنيازاد
” العلاقة بين المؤلف والسارد في نص مي التلمساني ” دنيازاد ” أكثر تعقيدًا منها في “الخوف يأكل الروح” لمصطفى ذكري، وتنشأ عنها مشكلة ترتبط بنوع النص لا نصادفها في نص مصطفي ذكري. فطبقـًا لتصريح المؤلفة الحقيقية، فإن روايتها ” دنيازاد ” تحكي تجربة شخصية، تجربة ولادة طفلتها دنيازاد وموتها. لكن الاكتفاء بهذا الوصف غير دقيق؛ لأن النص يجعل من حدث الولادة نقطة انطلاق لسرد تجارب وخبرات أخري. فالسرد يبدأ بحادثة موت ” دنيازاد” في سياق ضمير المتكلم للساردة:
“جاءت دنيازاد إلي الغرفة 401 للمرة الأولي والأخيرة تودعني في
أكفانها البيضاء». ( ص7)
لكن سرعان ما يتحول هذا الحدث إلي مثير لأحداث أخري ترويها الساردة، وتؤدي فيها الذاكرة دورًا أساسيا : الزواج، ليلة الزفاف في بيت أسرة الزوج، الحمل، المخاض وآلامه، الجراحة، موت المولود، الدفن، بشائر حمل جديد). وفي سياق القص تستدعي أحداث منتقاة بعناية ذات صلة بأزمة الفقد : جانب من طفولة الساردة وتكوينها الثقافي، وبيع البيت، واستقالة الساردة من عملها. ويمزج السرد هذه الأحداث الخارجية بأفعال الوعي الداخلي ونشاطه: تخيل الساردة لمراحل نمو دنيازاد، والمشاعر ـ خاصة المخاوف والأحزان ـ والأفكار المقترنة بها، وهناك من جانب الساردة تتبع لحالتها الانفعالية، وتطورها الداخلي بعد موت دنيازاد، وتأثيرها علي علاقاتها، وهو ما يظهر بوضوح في نهاية الرواية بعنوانها الدال ” نقطة تحول”، وهو فصل يلخص ويضيف :
” بعد مضي شهور، كنت قد كتبت كتابًا جـديدًا وقدمت استقالتي و خاصمت عـددًا من صديقاتي و شربت السيجارة السادسة في حياتي و قررت أن أنجـب طفـلا ً ثالثا يتحـرك الآن في جـوفي . كما أنني تشاجرت لأسباب تافهة وكـدت أصدم رجلا بسيارتي…ثم إنني شاركت زوجي بيع بيـت العائلة وشاركـت شهاب الدين تجربة الحب الأول…لكني أعربت عن سأمي من البواب الجديد الذي لا يغسل السيارة جيدًا ومن الخادمة الجديدة التي تكسر صنبور الماء…ومن أم زوجي التي تكثر السؤال عن تفاصيل كل شيء… أتابع في حرص سريان الدماء المنتفضة علي جانبي الجبين وأتخيل أني مصابة بلوكيميا (هل يسري المرض الآن في نطفة هذا الطفل الثالث الذي أنتظره حقا دون حماس كبير؟ ماذا لو أصبت حقا بلوكيميا؟). صرت الآن أثير غضب زوجي.ترك المنزل ليلتين وعاد.أعطاني خطابا طويلا. قرأته وبكيت في رقة الهواء.لازلت إذن أشعر بمشاعر طيبة تجاه الأشياء…. أشعر بالخوف…». (ص82،81)
يظهر من سياق السرد، في المقتبس، ولغته حضورًا كثيفـًا للذات الساردة ومعاناتها: ضمير المتكلم والمنولوج، والتصريح بعمليات شعورية متميزة، والحس الرومانسي الذي يطل من الخوف من فقدان المشاعر الطيبة، ومن الحرص علي إظهار أحاسيس معينة بالرغم من الحالة الانفعالية السلبية التي تمر بها الساردة ( الإحساس بـ”رقة الهواء” ). وفي المقتبس تروي الساردة أحداثا تلخصها بلغة موجزة ومكثفة، وهي أحداثا واقعية، يعتمد بعض الباحثين علي واقعيتها، فيصفون النص بأنه “رواية سيرة ذاتية”، وهو مصطلح مركب يدل علي أن النص مركب من شكل الرواية وبعض خصائص السيرة الذاتية، ولهذا علاقة بمسألة حضور السارد وتماهيه مع المؤلف.
من الواضح أننا أمام نموذج روائي يرتبط فيه حضور السارد، وتماهيه مع المؤلف ـ بشكل أساسي ـ بالصيغة الأدبية، الصيغة الأدبية بمعني ضيق يقتصر علي الدلالة علي الموضوع وليس علي الشكل أو تقنيات السرد(2). فموضوع السرد، تجربة ذات بُعد سير- ذاتي لمؤلفة لها وجود تاريخي متعين، وهذه التجربة السير- ذاتية ترويها ساردة ـ في المقاطع الخاصة بها ـ بضمير المتكلم. إذن عبر ضمير المتكلم يمثل صوت ساردة متخيلة، وعبر موضوع سردها تمثل مؤلفة حقيقية . وهناك عناصر أخري بجانب الصيغة الأدبية (التجربة الشخصية المروية ) دفعت بعض الباحثين إلي المطابقة بين الساردة والكاتبة، وتبني معادلة ( السارد = المؤلف ): فهما امرأتان شابتان، حرفتهما الكتابة الإبداعية، ولهما التكوين الثقافي نفسه(3). ومثلما ُيستخدم مصطلح نوعي مركب ( رواية سير ذاتية ) لتحديد الشكل السردي لـ ” دنيازاد “، يستخدم مصطلح مركب (الراوية الكاتبة ) لتحديد نمط الصوت السردي الأنثوي، وهو مصطلح يدل علي تطابق الشخصين المتخيل والحقيقي. ويعزز التطابق علامات أخري، يتم التعامل معها علي أنها علامات تشير إلي مرجع خارج النص، منها الإهداء، والتصريح باسم الزوج ( وليد)، والمكان الحقيقي متمثلا في الحي السكني، والإشارة إلي نصوص للمؤلفة، مثل ” نحت متكرر”.
وبناء علي ذلك يعتمد توصيف الشكل السردي ونمط الساردة في ” دنيازاد “علي وجود مرجع خارجي، ومعرفة بالسيرة الذاتية للمؤلف(ـة)، وهذه المعالجة ربما تكون مقبولة لأغراض الدراسة العلمية، لكنها تنتج مشكلات عند النظر إلي النص من زاوية العلاقة بين المؤلف والسارد، هذه المشكلات تخص تشكيل النص، ونوعه، وتلقي القراء الذين يشكل مصطلح تحديد النوع أفق توقعاتهم. فنوع النص محدد بمصطلح ” رواية”، ويغيب من الغلاف أية علامة تشير إلي ” العقد السير- ذاتي”، علي غرار ما نجد في نص نعمات البحيري “يوميات امرأة مشعة”، فبالرغم من تحديد نوعه بمصطلح “رواية” فإن العنوان يتضمن مصطلح ” يوميات”، ومن ثم يتحدد شكل النص وخصائصه من تفاعل المصطلحين معًا، ونصبح إزاء “رواية سيرية” دون حاجة إلي مرجع خارجي. والقراء الذين لا يعرفون شيئـًا عن سيرة المؤلفـة الحقيقيـة سيتلقـون النص بوصفه رواية، أي نصًّا يقدم حدثا متخيلا لشخص متخيل، وسوف يتعاملون مع الشخصيات والعلامات الأخري (مثل الأسماء والأماكن والوقائع) علي أنها علامات خيالية، لا مرجع لها في العالم خارج النص.
الصوت السردي وبنية الزمن لهما دور في هدم وهم التطابق، فالساردة لا تروي الأحداث بمفردها، هناك صوت آخر، صوت الزوج الذي يكاد يقتسم وظيفة السارد مع صوت الزوجة الساردة، أقول يكاد لأن حضوره أو المساحة التي يشغلها ـ إذا ما وضعنا في اهتمامنا الشكل الطباعي المختلف للمقاطع التي يرويها الزوج ـ يتضاءل تدريجيا أمام حضور صوت الساردة والمساحة التي يشغلها، كلما تقدمنا نحو نهاية الرواية. وهناك علة واضحة لإدخال صوت الزوج ـ غير التفسير الذي تربطه بتكامل منظوري النوع الإنساني للحياة ـ وهو اكتمال الحدث.
فالزوج يروي بضمير المتكلم الأحداث التي لم تعاينها الساردة بنفسها، وغابت عنها : ما حدث في غرفة العمليات ولحظة الخروج منها، وخبر موت الطفلة وإخفاءه عن الزوجة/الساردة، ونتيجة التقرير الطبي، وطريقة إخبار الزوجة، وإعداد المقبرة، كما يروي ـ بوصفه شريكا للساردة في فاجعة موت دنيازاد ـ مشاعره وأفكاره الباطنية تجاه الحدث، وكأن الكاتبة تريد للساردة أن تكون من ذلك النوع الذي يظهر موضوعيا، فلا يروي إلا ما كان شاهدًا عليه.
وينظم السرد الأحداث وفقـًا لنظام زمني أدبي معقد نوعًا ما، بالرغم من البساطة التي يبدو عليها النص. فتروي الأحداث بطريقة غير منتظمة يتداخل فيها الماضي والحاضر، وهي سمة لخطاب الساردة بوصفها صاحبة اليد الطولي في السرد، إذ يمكن وصف خطابها السردي بأنه خطاب زمني صريح، بمعني أن الحس بالزمن يطبعه بقوة، ويظهر ذلك من خلال تواتر علامات زمنية تحدد زمنًا معينا، أو تشير إليه إشارة غير متعينة. سنأخذ العنوان الأول ” سلة ورد ” نموذجًا، فهو يبدأ علي لسان الساردة بلحظة ما بعد الولادة (الموت)، ثم تستعاد لحظة الحمل والإعداد لاستقبال المولود، ثم الدفن، ثم الخروج من المشفي والعودة إلي البيت. عند هذه النقطة الزمنية يتحول ما كان حاضرًا إلي ماض، تصبح دنيازاد ماض يستعاد مع لحظة الحاضر التي ترصد فيها المشاعر والوضع الذي آلت إليه الحياة بعدها، ومنذ تلك اللحظة تكثر أفعال الاستعادة والتذكر، وتتداخل الإشارات الزمنية للماضي والحاضر:
“كثيرًا ما كنت أشعر أننا أربعة أفراد في الأسرة فلا أجد غير ثلاثتنا منذ تسعة أشهر، كنت أعـد العدة لاستقبال هذا الكائن الرابع الذي نما بداخلي، بتفاصيله اليومية.
اليوم أفتقده وأستعيد حياتي بصورتها الأولي.عاد جسدي إلي سيرته الأولي. وعاد كل شيء إلي نقطة البدء». ( ص24)
هذا المقتبس مجرد نموذج لخطاب ذي طبيعة زمنية في الرواية، خطاب تشيع فيه الدوال الزمنية المحددة بشكل واضح. وعندما نقول إن تجربة ولادة دنيازاد وموتها نقطة انطلاق لاستعادة شطر من الحياة: ذكريات من الطفولة، والزواج، وبيع البيت، والحمل، والولادة والموت، وأن هذه الأحداث تنسب إلي المؤلفة الموجودة في العالم خارج النص، فإن هذه الأحداث كتبت بشروط أدبية النص الروائي، وأول هذه الشروط الانحراف الزمني الذي يشتهر به السرد القصصي عمومًا. فالساردة تتعامل مع الزمن بوصفه خبرة فردية تعيش في ذاكرتها ووعيها، بوصفه وهو ما مكنها من إعادة ترتيبه، واختيار لحظاته وما يرتبط بها من أحداث خارجية وداخلية، متحررة من قيوده التي يرتبط بها وقوع الأحداث في العالم خارج النص الأدبي. باختصار، صنعت الذات الساردة زمنها الخاص الذي يضفر الحاضر مع الماضي، وجاء خطابها مجسدًا لهذا الزمن، وهذا الخطاب الروائي بأدبيته الزمنية ـ لو جاز هذا الوصف ـ يعلق علاقة التطابق بين المؤلفة والساردة التي باتت تحيا زمنًا مختلفـًا، فالأحداث التي تسردها ( وينظر إليها علي أنها تجربة شخصية أو سيرة ذاتية ) تقع في الزمن، والزمن يعاد تشكيله، ومن ثم يعاد تشكيل ما يقع فيه، فيغدو متخيلا، يجمع بين الأصل والتحول. ويجب أن نضيف أن التحول يحدث بواسطة الكتابة، وأن الكتابة أصبحت أصلا ً، فحدث موت دنيازاد انتهي، لم يعد له وجود إلا في الذاكرة، أو الوعي الذي ربطه بأحداث الحياة الشخصية الأخري، وهنا تطرح الكتابة نفسها علي الساردة ( لأنها من نوع الرواة الذين يكتبون الأدب) بوصفها وسيلة لإبقاء ما يتهدده الزوال والفناء.
وفي هذا السياق نشير ـ من خلال كلام الساردة ـ إلي نقطتين: الأولي أن إعادة تشكيل الزمن في كتابتها ليست سوي تجسيد لعملية إعادة إنتاج للأحداث داخل الوعي :
“كان عقلي يعمل بانتظام.تعود الصور الواحدة تلو الأخري، وتحتل مساحات متباينة من رأسي.أعيد إنتاج الأحداث وأسأله عمن يعرفون». (ص22)
والثانية أن هذه العملية اقترنت برغبة في إعادة تشكيل العالم، واستعادة الذات التي ظهر للساردة من استعادة الأحداث، وإعادة إنتاجها أنها لا تعرفها بعد :
” أستعيد لحظات الألم الأولي، كالمحارات.وأكتشف أني نسيت طعم وشكل ورائحة الألم. لم تبق لدي سوي تلك الرغبة في إعادة تشكيل العالم، وفقـًا لقانون الغياب.
عدت إلي زوجي وابني الوحيد وبيتي الوحيد وبعض أصدقائي، ولم أجد بعد نفسي التي تصورت أني أعرفها» . (ص 24،23)
كتابة ” دنيازاد ” استجابة لتلك الرغبة، فقد أعادت الساردة فيها تشكيل العالم وفقـًا لغياب دنيازاد، فتقلب الغياب إلي حضور، والموت إلي حياة، غير أنهما حضور وحياة مجازيان ليسا مثل الحياة الحقيقية التي تروي في السير الذاتية. ويهدي النص المكتوب دون أن تمهره المؤلفة باسمها، ويجمع بين كونه إهداءً حقيقيا (“إلي شهاب الدين”) ومجازيا ( ” ووجه دنيازاد ” ) في آن واحد.الإهداء المجازي موجه إلي “وجه” دنيازاد، لماذا المجاز المرسل؟ لأن الوجه هو أول وآخر ما طالع الساردة من دنيازاد، ومن ثم مَثـُل في الذاكرة مقترنًا بها وبكل ما ارتبط بها من مشاعر وآلام وتصور للحياة قبل الولادة (كان تصور الساردة للحياة مرتبطا بوجود أربعة أفراد) وبعدها. الرغبة في تصوير الحياة قبل الولادة وبعدها ـ وليس كتابة سيرة ذاتية بأسلوب روائي ـ هو هدف الكتابة، وحدث الولادة والموت محرك لهذه الرغبة، ووقود للكتابة الروائية التي لا تعبأ إلا بنفسها وبما تريد قوله بقطع النظر عن الصيغة الأدبية أو الموضوع الذي ستعيد تشكليه ليقول ما تريده الكتابة، وما نقوله يرتبط بالحمولة التراثية لاسم دنيازاد الُمتخَذ عنوانًا للرواية.
دنيازاد شقيقة شهرزاد صاحبة فكرة قص حكايات للملك شهريار، لإعادة تأهيله نفسيا، وتغيير تصوراته عن الحياة وعن المرأة، وهو ما يحدث عندما تنتهي شهرزاد من قص حكاياتها. والساردة تدرك ـ بحكم أنها في النص كاتبة ـ دور دنيازاد في إنقاذ حيوات من الموت بالحكي، وكتابتها هي الحيلة نفسها، فهي تلعب دور دنيازاد وتنقذ الابنة من الموت من خلال الكتابة السردية. إذن ليست الساردة هي المؤلفة الحقيقية، الساردة شخصية نصية تماثل شخصية دنيازاد في نص ألف ليلة وليلة، ولا تماثل مي التلمساني في العالم خارج النص، ومن هذا المنظور، يعلق التناص علاقة التطابق، ونصبح أمام علاقة تماه أو تماس تؤسسها الصيغة الأدبية في النص.
إذن الطرح السابق لا ينفي وجود علاقة بين الساردة والمؤلفة الحقيقية، ففي الوقت الذي يقوض فيه وهم التطابق الذي نشأ بسبب الربط بين الصيغة الأدبية ووقائع خارجية غير نصية، يقيم علاقة نصية من نوع آخر. وكان الدافع وراء ذلك معالجة بعض المشكلات التي نشأت عن ذلك، مثل إدراج الرواية ضمن (الرواية -السير ذاتية)، وما ترتب عليه من تحديد نمط السارد بأنه ( الراوي الكاتب)، وتبني معادلة السارد هو المؤلف، وذلك كي نصل إلي المشكلة، بل المعضلة الأساسية التي لم نشر إليها حتي الآن، وهي إساءة القراءة ( الإساءة بمعني الخطأ ) التي تتأسس علي الخلط بين ما هو مجازي وما هو حقيقي، أو بين التجربة الواقعية والتجربة الفنية، وبالتبعية بين المؤلف الحقيقي والسارد، فتتعامل مع النص علي أنه نص حقيقي وليس أدبيا يخضع لشروط الخطاب الأدبي المجازي، وأنه يهدف إلي التعريض بفئةٍ أو كيان ٍ أو مؤسسةٍ ما، وقد تتحول تلك القراءة المسيئة إلي نوع من الإيذاء أو تتسبب فيه.