فرانسوا باسيلي
الجزء الأول – مرايا الروح
في شهر مارس عام 2020 أعلن حاكم نيويورك منع التجول في أنحاء المدينة لأول مرة في تاريخها، آمراً الملايين أن تلزم بيوتها منعاً لانتشار فيروس الكورونا الذي راح يحصد الأرواح الهلعة، في أيام معدودة صارت نيويورك الأعلي في أعداد المصابين والقتلي، والملايين سجينة بيوتها، ونيويورك هي مدينتي منذ أن تركت القاهرة مهاجراً في السبعينات، ومن يومها وأنا رهين المحبسين، أو المدينتين، وديواني “شمس القاهرة، ثلوج نيو يورك” يقول ذلك بعنوانه. وهذه المقاطع هي الجزء الأول من ديوان جديد أكتبه في العزل.
مقدمة
رفع المرايا
أجلس في غرفةٍ تحاصرني الجدران، قدمي لم تعد تنفعني، نسيت الرقص الذي لم أتقنه يوماً، قلت للروح فلترقصي بدلاً مني، المدينة سجنٌ وأنا المسجون والسجان، يصدم الجدار رؤيتي فأعلق مرايا علي الحيطان، مرايا أري بها ما يري وما لا يري، صرت سجين المكان إذن سأفر لبحر الزمان أستنفر الأولين والآخرين وأكتب تعويذةً في سياق الأقدمين.
أفر إلي ما كنت فيه وما كان في الإمكان، جسدي قعيدٌ إذن أستقل الخيالات سرج حصان، أعود بريئاً إلي سالف العصر وما كان قبل الأوان، أتسلح بالسيف والحرف في البدء كان الكلام وكان اللسان، وفي البدء أكتب ما كتب الرهبان في البستان، وفي لغة القرآن أكتب ما يمنح الشعر فرح الحلم ودمعة علها آخر الأحزان.
الأرض جائعةٌ للمزيد من الأجساد والبلاد في الشرق والغرب كلها مدافن الرحمن.
أعلنت الحرب راقداً، هامداً ممدداً، لا أري عدوي ولا قائد الفرسان، نسيت أنني في حربٍ منذ البدء، لا أعرف سبباً لها لعلها كلٌ من كلٍ أو جزءٌ من جزء أو خطأ أو خطةٌ أو عدوان.
الرعب يقرع بابي، أسأل من أنت؟ قال أنا أول حرفٍ في الكلمة، وآخر حرفٍ في الجملة، زائدٌ بلا مزيدٍ وناقصٌ بلا نقصان، أنا الطاعون أنا الطوفان، قابض روح المدينة، أنا الدين والديان، وأنا آخر الإنسان.
قلت لماذا جئتني؟
قال لست وحدك، جئت للعالم بما ليس في الحسبان.
أدفع الكابوس عني، أسأل قلبي، أستلهم الوهم والوحي والمتنبي، والخيل والليل والبيداء والشعراء والأنبياء تعرفني، أستنطق الصخر والزهر والأرض أضربها وتضربني.
لا مكان سوي المكان، لذا أعلق المرايا علي الجدران، فأري ما يري وما لا يري.
مرآة الأرملة
لا أحد بالشوارع ..
نيويورك الكثيرة الشعب تجلس وحدها،
العظيمة في الأمم صارت كأرملةٍ هجرها أولادها،
السيدة في البلدان تجري دموعها إلي الهدسون، والهدسون لا يمتليء،
أين تهربين وتختفين وأنت لا ترين وجه عدوك،
هل صب إلهٌ من آلهة الأساطير لعنته عليك لكثرة خطاياك؟
لم يشفع لك أنك حاضنة المهاجرين والهاربين من كل فجٍ عميق.
نيويورك .. نيويورك
الناطحات عماليقٌ تبكي واقفة
هل تبكي الآلهة؟
الروح تخرج من جسد المدينة
مثل “الكا”
تخرج من جسد الفرعون الممدود
فيظل حياً ميتاً في إنتظار عودتها
في مراكب الشمس التي لا تعود
بحياته الثانية
فيدرك الفرعون أن أيامه الفانية
كانت هي الخلود
و”الكا”
ليست سوي سيرته الباقية.
مرآة الزهرة
نيويورك .. نيويورك
المدينة الأقوي في العالم، المدينة العالم، المدينة الرمز والسطوة، المدينة الجسد والشهوة، ضربتها حشرةٌ في شكل زهرة، فيروسٌ فرسٌ مفترسٌ يزحف أو يطير يقتحم الصدور، ضربةٌ غير مرئية تهدد الملايين في حرب العشرين عشرين،
حشرةٌ في شكل زهرة أخذت المدينة علي غرة، طعنتها في الظهر وهي ترقص رقصتها الإمبراطورية، طعنتها في برودواي وهي تعرض مسرحية هاملتون التاريخية، طعنتها في الوول ستريت في خزائنها المالية فأسقطت بلايينها ملاليم وسنتات، نطحتها في سحاب الناطحات، في كبريات المولات، في كبريائها القوس قزح، في المأتم والفرح، في متحف المتروبوليتان، في كاتدرائية سانت كاترين التي لم يرحم ذهبها اللصوص، ضربةٌ أركعتها وأرقدتها علي أرصفة الصابواي بجوار الهومليس والمنبوذين.
مرآة الشجرة
نيويورك .. نيويورك
هل أرسلت الأرباب لك الكتاب
الموسوم بالسموم
يموت كل من يقرأ فيه فصل الضحك
المتعارض مع قوانين الصلاة والسجود
وأنت لا تصلين سوي في وول ستريت
أهو عقاب الجحود؟
أم تفاحة الحرية الحمراء أغوتك
فأكلت من شجرة المعرفة
وصرت كالآلهة لك الخلود؟
هل سيشفيك هذا من قسوة قلبك
أم يزيد من شهوة غلك؟
وأنت لم تعرفي في جموحك نحو السحاب
سوي أسنة الحراب
نيويورك .. نيويورك
يصرخ فيك القادمون من كل صوب
الهاربون من شرق وغرب
وهم يهللون كيريا لايسون.. كيريا لايسون
قدوس، قدوس، رب الصباؤوت
السماء والأرض مملوءتان
من مجدك وكرامتك
إرحمنا يا ألله الآب ضابط الكل
أيها الرب إله القوات كن معنا
****
مرآة مينا
نيويورك .. نيويورك
قال لك مينا موحد القطرين
أنا مؤسس أول دولةٍ في العالمين
وأنتِ آخر دولةٍ تملكين ولا تحكمين
وبين أول الدهر وآخره
ما صنع الحداد والجلاد
هوت بلادٌ وعلت بلاد
لا أنت أول ولا آخر الصاعدين الهابطين
فادفعي الدين الذي عليك للدائنين
وقال إخناتون
الذي عاف أن يقول لآمون آمين
أرسلت لك شاعراً من رسلي المخلصين
حاملاً كتاب الخروج إلي النهار
فكسرت قلبه مرتين
مرةً حين ألقيت الكتاب في النار
وأنت تقهقهين
ومرة حين ألقيت ثلجك في القلب
فنمت شجرة صبار
لا أشبعت الرائحين ولا الغادين
مرآة مولانا
لم تكفنا الكمامات
للحماية من الفيروس
ولا لنخفي وجوهنا خزياً
عن وجه إلهٍ كان حياً
في جفوننا الشاخصة للأعالي
ثم رأيناه مصفراً كوجوه موتانا
قال مولانا جلال الدين
كأنه رآك من قبل قرون
كل ما في فرعون موجودٌ فيك
لكن أفاعيك حبيسة جبٍ دفين
لعلهم ظلموك كما ظلموا فرعون
وهم لا يعلمون
وقال قسطنطين مؤسس المسيحية
موحد الطبيعتين الإلهية والبشرية
كأنه رثاك من قبل قرون
سيجيء زمنٌ خئون
تخلو فيه كاتدرائية سانت باتريك
في الفيث أفينيو من المصلين
الذين راحوا ينتظرون الفيروس في بيوتهم
وقد تحولت إلي مدافن افتراضية
كمواقع الفيسبوك
***
مرآة الماروانا
نيويورك .. نيويورك
ضربك فيروسٌ ينتقل في الهواء مع رذاذ الصراخ، مع شهيق العاشقين، مع لهاث الموتي، مع زفرة العربي الأخيرة وهو يودع مدينة بكي عليها كالنساء، مع أصابع باعة الماروانا علي الأرصفة، مع الصوت الصارخ للباستور القسيس المنذر بنهاية العالم مهدداً المسنين بالإسراع في التوبة والخضوع وتسليم كل شيء ليسوع الذي صار مجيئة الثاني قاب فيروسين أو أدني.
المدينة اليتيمة لا تعرف لها أباً
يجيئها المهاجرون الغرباء عن أوطانهم وأنفسهم، فهل يجدون فيها ما فقدوا؟
بدل فاقد.. تعبير مراوغ، فالمفقود لا يعوض، المفقود هو الزمن-الوطن والوطن-الزمن،
المكان والزمان، فإذا استعضت بمكانٍ عن مكان، فكيف تعيد الكان ياما كان؟
لا يعود ما فات
كأن شيئاً مات.
لم يخرج الثوار بعد للميادين
لم يهتف المارقون بعد في الشوارع
تسقط الآلهة القديمة
نريد آلهة جديدة
فيظهر بليونير قعيد
يقول أنا قائد الثورة
زعيم الفقراء
أنا إلهكم الجديد
لم تلق الممرضات بعد
بكماماتهن في نهر الهدسون
لم تكشف الروح عن الروح
لم يخرج الجسد من الجسد
فيروس يكشف أسوأ ما فيك وأنبل من فيك يا سيدة العصر، يسارع التجار برفع أسعار أجهزة التنفس الصناعي فيهددهم حاكم الولاية، بينما يتطوع الأطباء والممرضات من المتقاعدين بالعودة لمساعدة المستشفيات المكتظه بالمرضي معرضين أنفسهم لخطر الموت.
قالت الممرضة للرجل المسن
المصاب بالفيروس.. إطمئن، إطمئن
أحضرت لك جهاز التنفس الإصطناعي
فابتسم المهاجر المريض في وهن
وقال يا عزيزتي
لم أتنفس تنفساً طبيعياً
يوماً واحداً
منذ أن تركت الوطن.
***
مرآة المسيح
نيويورك .. نيويورك..
أنت كما أنت منذ أن جئتك قبل دهرين وحين، بقلبٍ غض جئتك وفي يدي غصن زيتونٍ وتين، أنت لست كما أنت منذ الأمس ومنذ الغد، تتغيرين وتتجددين، تصهرين ما شئت من مهاجرين فإذا أولادهم ليسوا لهم كما تنبأ جبران، كيف لم أجد مسكنه في الشارع الثامن الذي كتب فيه “النبي”؟ واحتراماً لوحيه عادوا به ودفنوه في بلده لبنان، لماذا هاجر إذن؟ تخطفينه حياً وتعيدينه ميتاً، كم جبران دفنت في سراديب ناطحاتك؟ أولاد المهاجرين أولادك، أولاد الأفاعي أولادك، الإبنة الكبري للقياصرة أنت، يمشي المسيح في شوارعك باحثاً عن أورشليم القديمة في أورشليم الجديدة، ولا أثر لهما.
نيويورك تقف علي أطراف قدميها
كراقصة باليه
تتحرك بحذر
تقطع الطريق بحذر
تدخل المتجر بحذر
تلقي بربع دولار أمام الهومليس بحذر
تلقي السلام للعابرين علي بعد
تقبل البويفريند من خلف الزجاج
لا يلمس الجسد الجسد
وتستقبل المسيح في أحد السعف
بلا سعف
لا تلمسيني
قال المسيح للمجدلية
والمدينة تلمس لا أحد.
كم وددت أن أرفع الأغصان
مرحباً بالمسيح حين يدخل المدينة
نيويورك .. نيويورك.. سفينة المهاجرين
فلا يعرفه أحد وسط الهومليس الراقدين
علي الأرصفة
فلنقسم الخمسة أرغفة
والسمكتين علي جموع الجائعين
فيأكل البعيد والقريب
والحبيب والغريب
ولا تنسوا أن ترددوا
أحبوا بعضكم بعضا
وأنتم ترفعونه علي الصليب.
رأيت قلبي يخرج من صدري
تنمو له أجنحة
ويحلق مثل فراشة
تتخبط في زجاج الناطحات
ثم تسقط في وهج الأضرحة
في نيويورك روما الجديدة
بيلاطس البنطي يميل علي كرسيه
غاسلاً يديه
من دم المذبحة.
أسأل كل يوم
كم عدد القتلي؟
أين يلوذ شاعرٌ في نيويورك
ولمن يشكو فلاحٌ فصيح
قلبه فراشة
لا الأرض تكفيها ولا الفضاء الفسيح
تتخبط ملتاعةً في زجاج الناطحات
كل ناطحةٍ ضريح
والفراشة بين النار والثلج حائرة
لا الوطن القديم ولا الجديد
أشبع جوع الجسد
لا العهد القديم ولا الجديد
ضمد جرح الروح
قائد الجند يصيح
اصلبه .. اصلبه
وكاهن الشعب يصيح
اصلبه .. اصلبه
في نيويورك روما الجديدة
ما تزال الحرب دائرة
بين قيصر والمسيح.
**
مرآة الموتي
نيويورك .. نيويورك..
لا أحد في الشوارع
أين المهربون والرسامون والحواة الذين يطوفون شوارعك؟
أين تجار الشنطة والسياسيون يقبلون الأطفال؟
أين القوادون والدبلوماسيون والجواسيس والإف بي آي؟
وما هذا المتكوم علي أرصفتك
أهي جثثٌ أم أجساد الهوملس المعتادين؟
يرقدون تحت أقدام الموسرين المسرعين
لعل بليونيرٍ عابرٍ يلقي بحزمة أسهمٍ أو سندات
أو بقطعة بيتزا يسدون بها الرمق قبل الأخير.
فليخرج الفقراء إذن
رافعين الموتي
مرايا
مَنْ الجلادون منَّا
ومَنْ الضحايا؟
لم أرفع أصبعاً
فكيف أرفع صوتا؟
جئتك من أرض اخناتون المقيم في الحقيقة، متوهما أنك فيها تقيمين
قال إخنتون أول نبيٍ للإله الواحد
الحق جميل كالشمس، القرص مضيئ كالحقيقة
وأنت ناطحاتك يا نيويورك أثقل من كل حقيقة
لكن مالكيها لا يملكون ما يدفع عنهم كلمات كتاب
ولا ما يخرس طفلاً يصرخ أن الملك بغير ثياب
الملك المالك يسقط تحت سياط الفيروس يموت
لا تخفي عورته ورقة توت.
**
مرآة المتروبوليتان
نيويورك .. أشباحٌ مكممةٌ
تطاردني من المتروبوليتان ميوزيام
(كم سرت فيه كأنني في طيبة)
أشباحٌ من الموميات تصحبني
في رحلة الأبد
حمايةً من أنوبيس أو من لدغة الفيروس
قبلة الموت من جسدٍ إلي جسد
أيهما جسدي؟ وأين آلهتي لتنقذني؟
الوجه وجه نفرتيتي
والوحي وحي إخناتون
بعثا فدبت فيهما الروح فصارا
إلهين قاما من الأموات
هابطين من قمم الجبال للسفوح
ليقفا في فناء المتحف المفتوح
وقد صار قبراً في مدينةٍ تموت
كان اسمها ممفيس
أو اسمها روما، أو أنت يا نيويورك
كم تخونني المدن
وكم يخونني الأموات
ها هو الفرعون جدي في يديك جثةً حيةً
وأنا ذات يومٍ أسلم الروح
علي ساعديك فلا تدفنيني
وانثريني كالرذاذ علي جبين الريح
فلقد قضيت العمر مغترباً أنوح بلا نواح
لا أرض لي ولا وطن
روحٌ مباحٌ مستباح
لا مكان ولا زمان لي
غير المساء والصباح.
**
مرآة المهاجرين
نيويورك .. نيويورك..
كم من أجدادي، من بلادي وبلاد الآخرين، هبطوا علي ساحلكِ طائعين أو مجبرين، وهل يترك أحدٌ أرضه طائعاً؟ هل كنت أهجر مطرحي ومكاني لولا غوايتك حين تجليت لي في الحلم والعلم عاريةً ملتويةً كأفعي؟ أفردتِ لي جسداً من عسلٍ ولبن، وقدمتِ لي العالم علي طبق من ذهب، كرأس المعمدان علي طبق سالومي، وقلتِ لي عليك أن تخذل الوطن القديم كما خذلك، تتركه وتجيء لي وحدك لا تحمل معك اخناتون ولا كيريالايسون ولا الرحمن الرحيم، عليك أن تعشقني وحدي، وعليك أن تعبد جسدي، وتغير جلدك كما أغير أنا جلدي.
فألقيت بما ورائي وجئتك مستجديا، متمنياً أن أرتمي في حضنك عاشقاً معذباً شقيا، وأموت علي ساعديك راضياً مرضيا.
نيويورك .. نيويورك
مدينتي التي جئتها عاشقاً
فتحت لي وأدخلتني إلي فرح محبتها
رأيتها في كل موقف وموضع
إمرأة فاجرة
تتقصع في الشارع التاسع
تراودني عن نفسي الأمارة باللذة
وسيدة نبيلة
تساعدني في الحصول علي عمل
ورفيقة تصحبني لحضور فرانك سيناترا
في راديو سيتي ميوزيك هول
يغني نيويورك.. نيويورك
أيها المهاجر العريان
إذا نجحت هنا، نجحت في كل مكان.
If I can make it there
I’ll make it anywhere
نيويورك .. نيويورك
كم من أباطرة الأرض يجلسون في ناطحاتك
يخططون صفقة الحرب المنتظرة
والصحفيون يهرعون خلفهم
يسألون عن صحة الخبر
وأعداد المتوقع ذبحهم في المجزرة
ليكون لهم سبق النشر
والظهور في CNN
Or Fox Fake News
لشرح نظرية المؤامرة.
نيويورك .. نيويورك..
أغويتني يا نيويورك فاشتهيتك في السر والعلن، وتركتُ من أجلك الوطن آه تركتُ الوطن، وآه كم أغوتني مدنٌ وكم خانتني مدن، وأنت يا نيويورك كم تخونين كل ليلة؟
هل جاء الفيروس عقاباً وتأديباً إلهياً لك ولي كما قال كاهن الكنيسة؟
أصرخ فيكِ وأنا أجوب شوارعك والفيروس يبطش بالبشر بلا تفرقة، ويضرب المدن بلا تمييز، كيف يكون العقاب الجماعي من عند إلهٍ عادل؟
وهل كُنْتِ أَنْتِ يوماً عادلة؟ هل القوة عدل؟ هل الخدعة عدل؟ هل لاح لكِ الحق يوماً أو دنا؟
وأنا
كم ألف سنة تساوي كل سنةٍ لي هنا؟
كم أرهقتني المقارنة
بينك وبين وطني القديم
عذبتني الأساطير والأقانيم
ذهبت توسلاتي وأمنياتي سدي
ألقي السلام فلا تردين السلام
كأن بيننا حرب السنين والأيام
أنت فارسٌ يخوض حربه مدججا
بالنار والرماح
وأنا بالحزن والشعر أحارب الرياح
كم ألف مساءٍ وصباح
أتي ومضي بالعمر أدراج الرياح
كُلَّمَا صَعدْتُ دَرَجَا
إلي مَعَالِيِكِ يا نيويورك
هَبَطْتُ دَرَجا
وَسَقَطتُ مُضَرَّجَا
لا إخوتي حولي
ولا أنقذني منك
صياحٌ
أو نواح.