الروائي العراقي أحمد سعداوي: في ظل الحريات الجديدة المختلطة بالفوضى في العالم العربي لدينا واقع جديد، في جانب منه يبدو خيالياً

الروائي العراقي أحمد سعداوي: في ظل الحريات الجديدة المختلطة بالفوضى في العالم العربي لدينا واقع جديد، في جانب منه يبدو خيالياً
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

خلود الفلاح

بعد الإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية العربية للعام 2014 ، ووسائل الاعلام بين التكهن والتأكيد لمن ستكون الجائزة وبمجرد الإعلان عن الفائز اتجهت الأنظار إلى الروائي العراقي أحمد سعداوي وروايته"فرانكشتاين في بغداد"، هي الثالثة لسعداوي بعد روايتيه، الاولى "البلد الجميل" الحائزة على الجائزة الأولى في مسابقة الرواية العربية في دبي 2005، وروايته الثانية "إنه يحلم أو يلعب أو يموت" التي حازت جائزة هاي فاستفال البريطانية 2010، أما وعن جائزة بوكر للرواية العربية لهذا العام فقال: "أن هذه الجائزة قدمتني للعالم و كسرت الحاجز بين المحلي والعالمي"، مشيراً الى أنه سيتم ترجمة الرواية إلى 22 لغة عالمية".  

خلود الفلاح

بعد الإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية العربية للعام 2014 ، ووسائل الاعلام بين التكهن والتأكيد لمن ستكون الجائزة وبمجرد الإعلان عن الفائز اتجهت الأنظار إلى الروائي العراقي أحمد سعداوي وروايته”فرانكشتاين في بغداد”، هي الثالثة لسعداوي بعد روايتيه، الاولى “البلد الجميل” الحائزة على الجائزة الأولى في مسابقة الرواية العربية في دبي 2005، وروايته الثانية “إنه يحلم أو يلعب أو يموت” التي حازت جائزة هاي فاستفال البريطانية 2010، أما وعن جائزة بوكر للرواية العربية لهذا العام فقال: “أن هذه الجائزة قدمتني للعالم و كسرت الحاجز بين المحلي والعالمي”، مشيراً الى أنه سيتم ترجمة الرواية إلى 22 لغة عالمية”.  

وأعتبر قراء الرواية أن ما حملته الرواية من فنتازيا خصوصا في شخصيتها المحورية، ذلك الكائن الخيالي المتشكل من أشلاء جثث المفخخات. وهو من أعطى للرواية بعداً مغايراً عن المضامين التقليدية التي تتطرق لها بعض الأعمال الادبية، الأمر الذي أسهم في انتشار الرواية وتداولها بشكل كبير.

أحمد سعداوي كاتب وشاعر عراقي من مواليد بغداد عام 1973. عمل في العديد من الصحف والمجلات والمؤسسات الصحفية المحلية، وعمل مراسلاً للبي بي سي في بغداد 2005-2007. يعمل حالياً في إنتاج وكتابة الافلام الوثائقية وإعداد البرامج التليفزيونية وكتابة السيناريو. حائز على الجائزة الأولى في مهرجان الصحافة العراقية فرع الربورتاج العام2004.

_ سؤال الحياة، الموت، الطفولة، سؤال الكتابة. كيف تجيب على هذه التساؤلات؟

ـ لا اعرف. نكتب ربما لمجابهة الموت، تغليفه، الادعاء بانه بعيد وسيأتي في الفاصلة الأخيرة.

_هل تحتاج الرواية العربية إلى نصوص تتسم بالجرأة في طرح الأفكار حتى ولو كان المحرك للفكرة كائن خرافي؟

ـ الكائنات الخرافية تملأ تراثنا الأدبي والثقافي، بالإضافة إلى انها تعيش بيننا. وهنا نحن بالاعتراف بوجودها لا نفعل شيئاً سوى أن نكون واقعيين أكثر، ويكون الأدب الذي يتطرق الى هذه المنطقة المظلمة من حياتنا، أدباً أكثر واقعية.

في نهاية المطاف، التحدي الدائم، هو كيف تكون أكثر واقعية في تصويرك للقصص التي ترويها، وأعتقد أن الواقعية اليوم تختلف عن الواقعية أو صورتها في حقب سابقة كما عكسها أدباء آخرون من أجيال سابقة.

هناك أسئلة جديدة يطرحها هذا الطوفان من الأحداث الذي نغرق فيها، وهذه الصور التي يكشفها المجمتع عن نفسه، في ظل الحريات الجديدة المختلطة بالفوضى، عقب سقوط الديكتاتوريات في العالم العربي.  لدينا واقع جديد، في جانب منه يبدو خيالياً وغير قابل للتصديق أو الفهم، الأمر الذي يستوجب أدواة جديدة في الادب لمعالجته ومحاولة تصويره.

_ رواياتك” البلد الجميل” و” إنه يحلم أو يلعب أو يموت”، حصدت جوائز ولكن لم يحتف بها كما حدث مع رواية “فرانكشتاين في بغداد” ماذا تقول؟

ـ نالت الروايتان حضوراً طيباً، وفوزهما بالجوائز ساهم في توسيع المعرفة بي وبمشغلي الأدبي، ولكنه بالتأكيد لا يقارن بالتأثير الاعلامي الذي تحمله جائزة البوكر العربية. في كل الأحوال زيادة الانتشار والتعريف بالروايات يعطي فرصة للأديب، أياً كان، لاختبار عمله الحقيقي، لدى قطاع القراء العام. فهو الحكم الذي يمكن ان يثبت ويصادق على الاعتراف الذي حصل عليه الاديب من خلال الجوائز، أو يجعله يتراجع ويتوارى ما ان ينتهي صخب الجوائز.

 

_ من يقرأ عنوان روايتك” فرانكشتاين في بغداد” سيتبادر إلى الذهن إنها رواية بغدادية وبعد القراءة سيكتشف انها تروي حكاية مدن عربية تعيش أحداث مشابهة لبغداد. برأيك هل مهمة الأدب الخروج من حيز المكان الضيق إلى عالم أوسع؟ وهل اعمالنا الإبداعية تحمل رؤانا كصناع لها أم هي صناعة رؤية المجتمع؟

ـ باشرت في كتابة فرانكشتاين في بغداد في منتصف عام 2008 ، واستغرقت الكتابة فيها حوالي اربع سنوات، وخلال ذلك لم يكن هناك “ربيع عربي” بالمعنى المتعارف عليه، ولكن الرواية كانت مشغولة بالواقع العراقي عقب الاحتلال وسقوط النظام الديكتاتوري في العراق. ومن المفارقات ان نتائج الربيع العربي حملت صوراً مشابهة لما عايشه العراق عقب 2003. حيث الحرية المختلطة مع الفوضى، وخروج القوى الاجتماعية من عقالها والصدام بين المكونات والجماعات السكانية، واختلاط مشاريع التحديث مع المشاريع ذات البعد الاصولي والديني، واكتشاف المجتمع لذاته ومحاولة التعرف عليها واعادة تعريفها وغيرها من قضايا تبدو الآن وكأنها واحدة على طول العالم العربي وعرضه، ليتشابه العراق مع مصر وسوريا وليبيا وتونس وغيرها من البلدان العربية في طرح ذات الاشكاليات والأسئلة.

هذا كله جعل العديد من قراء الرواية يعكسون ما يجري فيها على بلدانهم وشعوبهم، ويرون فيها مقاربة لوضع يعيشونه أو يفهمونه. ومن الجيد ان الرواية ساهمت في تقريب صورة ما كان يجري في العراق وفي الوقت نفسه لمس عصب عميق في معاناة الانسان العربي اليوم. وهناك اليوم من المتابعين من خارج العالم العربي من يرى في “فرانكشتاين في بغداد” صورة مجازية مناسبة عن اللحظة العربية الراهنة، كما في تقرير نشر في مجلة النيويورك. ما هو أهم برأيي أن تساهم هذه الكتابات التي نقدمها كروائيين اليوم في تعزيز الوعي واثارة الانتباه إلى القضايا الأساسية التي نعيشها جميعاً كمواطنين.

_ ستترجم روايتك الفائزة بجائزة بوكر للرواية العربية إلى عدة لغات أجنبية. هل ستصل برأيك للقارئ الغربي بنفس الصدى والترحيب الذي قوبلت به عربيا؟

ـ لا يمكن التكهن أو التخمين بذلك. بالتأكيد أي روائي يكتب للقراء في كل مكان، بغض النظر عن اللغات والثقافات، ولكن لكل ثقافة قياساتها ومزاجها وحاجاتها من القراءة، والنجاح في لغات مختلفة هو حدث كبير بكل تأكيد، يضع الكاتب بشكل مباشر أمام افق العالمية. ولكن لا أحد يستطيع التخمين كما قلت، وبالنسبة لي سأنتظر أن تظهر روايتي باللغات الأخرى كي أرى التأثير وردة الفعل التي ستحققها لدى القراء.

_ هذا سؤال اعتقد مر عليك كثيراً. هل كنت تتوقع الوصول للقائمة القصيرة خاصة وان القائمة الطويلة كانت تضم كُتابا أصحاب أعمال روائية متميزة ومعروفين عربيا أيضا؟ ثم كيف تصف لي شعورك عندما وجدت اسم أحمد السعداوي ضمن القائمة القصيرة؟

ـ انا كانت لدي ثقة كبيرة بعملي الروائي، ولكن التكهن بما تقرره لجان التحكيم في الجوائز هو أمر صعب. ما ان ارتقت روايتي إلى القائمة القصيرة حتى تزايدت ثقتي بان الرواية ستكون منافسة قوية على الجائزة. ثم تعززت ثقتي أكثر مع الصدى الذي حققته لدى القراء في عموم العالم العربي، قياساً بالروايات الأخرى. وكان من الممكن ان أتقبل فوز أي رواية من الروايات الخمس الاخرى في القائمة القصيرة، لأنها كلها اعمال جيدة وتستحق الفوز.

_ لماذا أخترت العام 2006 ، لأحداث الرواية؟

ـ تجري أحداث الرواية خلال عام واحد تقريباً؛ من ربيع 2005 وحتى شهر فبراير 2006. وهذا العام كان حاسماً بشكل كبير في تهيئة ساحة الصراع الأهلي، الذي اندلع بشكل رسمي ومعلن وواسع النطاق في شباط 2006 ليستمر على مدى عامين محرقاً الأخضر واليابس في البلد.

في عام 2005 كانت المليشيات والجماعات المسلحة من كل الطوائف والجماعات قد وصلت الى ذروة قوتها وسطوتها على الشارع، ولم تكن تنتظر سوى قدحة الشرارة للدخول في حرب أهلية شاملة. وهذا ما حصل في تفجير مرقد سامراء الديني في شهر فبراير 2006.

ما ارادت ان تركز عليه الرواية هو كيف أن المجتمع بلجوئه إلى السلبية والاتكال على الابطال الشعبيين، وسيادة الخوف والفزع، يساهم، من دون ان يدري، في تهيئة أجواء الجريمة. الجريمة التي تتجه إلينا جميعاً، نحن الجناة والضحايا في الآن نفسه.

_ من هادي العتاك إلى أم دانيال، فرج الدلال، أم سليم، شخصيات من هامش المجتمع برأيي هم الوجه الحقيقي لأي مجتمع، هذه الشخصيات ذات الخلفيات المتنوعة هي من منحت عملك الروائي إضافة سردية؟

ـ هذه الشخصيات مستلة من واقع حي البتاويين الشعبي، وهي في ذات الوقت تمثل مقطعاً عرضياً لشرائح اجتماعية موجودة في كل مكان من بغداد أو العراق. بالإضافة إلى شخصيات من طبقات أخرى، كما هو الحال مع علي باهر السعيدي، والعقيد سرور مجيد، ونوال الوزير وغيرها من الشخصيات. كل شخصية من هذه الشخصيات هي احالة واقعية، وهي رمز في ذات الوقت.

_ الرواية مشحونة بالرموز والاشارات والاستعارات هل هي مكتوبة لقارئ من نوع خاص؟

ـ أفضل الروايات برأيي هي تلك التي تحوي طبقات ومستويات، فيتواصل كل قارئ حسب خلفيته ومستوى ثقافته، مع جانب معين أو مستوى معين من هذه الرواية. هناك مستوى الحكاية التي يتعرف عليها جميع القراء، وهناك مستوى رمزي يعطي طبقة عميقة من القصة المروية. وهذا ما نراه في واقع الحال مع الكثير من الاعمال الروائية العالمية التي حققت حضوراً ورسخت في الذاكرة الانسانية.

_هناك من يتحصلون على جوائز ويتوقفون عندها وتمر سنوات دون أن نقرأ لهم جديد وهذا حدث مع من نالوا البوكر في السنوات الماضية. برأيك هل الجوائز يمكن تسميتها “منطقة خطر”؟    أقصد بمنطقة خطر ان الجائزة تجعل الكاتب متردداً في تقديم جديد قد لايكون بمستوى العمل السابق.

ـ بالتأكيد النجاح والانتشار والنجومية تزيد من الحذر لدى الكتاب وتزيد من نسبة القلق إزاء النجاح الممكن للأعمال القادمة. يتحول العمل الفائز بسرعة إلى عقبة امام الكاتب يحتاج إلى تجاوزها.

لكنها من جانب أخر تحوي أمراً ايجابياً، فلا ينشغل الكاتب بالرغبة بالحضور والانتشار، ويرجع إلى مشغله ليكتب ما يرغب به من اعمال، مع شعور بأن ما سيكتبه سيجد صدى استناداً إلى السمعة التي حققها. والأديب الذي لديه ما يريد قوله سيجد نفسه يكتب ويستمر بالكتابة، بغض النظر عن الظروف والنجاحات أو الاخفاقات التي يوجهها.

_   هل تعتقد أن ما تمر به بغداد منذ العام 2003 ، أفرز جيل كبير من الروائيين العراقيين كإنعام كجه جي وعلي بدر وسعد هادي وميسلون هادي وغيرهم؟

ـ في الحقيقة التوجه الى الرواية بشكل كبير ابتدأ منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وفي المكتبة العراقية اليوم من هذا التاريخ حوالي مئتي رواية. ولدينا أسماء كثيرة من أجيال مختلفة قدمت اعمالاً ابداعية مهمة، منها الاسماء التي ذكرتيها في السؤال وأخرى ما زالت تواصل الكتابة والانتاج المتنوع.

بالتأكيد كانت الأجواء ما قبل 2003 مقيدة للكتابة الروائية، بسبب سيادة سلطة الحزب الواحد والقراءة الواحدة للتاريخ والمجتمع، والحرية النسبية التي حصلت بعد زوال هذا النظام ساهمت في تنشيط المشغل الروائي العراقي والكتابة بحرية أكبر. بالإضافة إلى أسماء مهمة أخرى ظلت تكتب في المنافي والمهاجر وتقدم اعمالاً نوعية متميزة.

_ أعمالك ليست سيرة ذاتية لأحمد سعداوي بقدر ما هي سيرة لبشر وأمكنة وشوارع ومباني ومعالم تاريخية لم تسلم من ويلات الحرب والصراعات الطائفية؟

ـ هناك دائماً شيء من السيرة الذاتية في أي رواية مكتوبة، ولكن الرواية بحدها العام هي قراءة للتاريخ والمجتمع، بكل ما يحويه من تفاصيل، وأي روائي يسعى لتطوير مشغله الروائي سيجد نفسه في مواجهة علوم انسانية عديدة كعلم التاريخ والاجتماع والفلسفة والنفس والانثروبولوجيا. وسيجد نفسه معنياً بالاحصائيات والارقام ومصادر الثقافة الشعبية والعقائد والاديان وقراءة الاماكن والعمارة والابنية وكل شيء يمكن تخيله. لهذا فالكتابة الروائية ليست امراً هيناً وليست مجرد تسلية أو عمل يخضع للوحي والالهام وتشغيل الخيال.

_ هل هناك مشروع روائي قادم؟

_ لدي عمل اكتب فيه حالياً اسمه “الرحلة غير المؤكدة والأخيرة” وهذا الأسم مذكور اصلاً داخل رواية “فرانكشتاين في بغداد” ويتحدث عن تجربة حقيقية مر بها عدد من الشباب العراقي في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي.

 

مقالات من نفس القسم