الخريف

رزق البرمبالي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رزق البرمبالي

بعد الشجار رقم (1066) مع زوجتة صباح اليوم، أقسم بالله العلي العظيم ثلاثا، أنه سيتزوج عليها وسيجلب لها ضرة في هذا البيت في أقل من شهر، وخرج حاملاً فأسه متجهاً إلى حقله،

كان بالسماء غيوم داكنة وقاتمة، تماماً مثل تلك الغيوم التي تملأ صفحة وجهه،

الغضب في صدره بركان نار تتأجج إيذاناً بإنفجاره عما قريب، وتدفعه إلى البِر بقسمه، إمرأة ثرثارة شريرة، لم يردعها طلاقها مرتين، ولا أسلوب الترهيب أو الترغيب معها، ألا تخشى من الطلقة الثالثة؟!، ألا تخشى على أولادها من التفكك الأُسَري؟!  ألا يأمرها دينها بطاعة زوجها؟ أسئلة كثيرة ظلت تدوي داخل رأسه  إلى أن وصل إلى حقله، 

زمجرة  برق في السماء، تبعتها ريح باردة، لكنها لم تستطع التخفيف من حر النار داخل صدره، يدفع بالفأس بقوة رغماً عنه فيحطم درنات البطاطس الصغيرة في باطن الأرض، جَزّ الحشاش بين الخطوط لاتحتاج إلا إلى ضربة خفيفه بسن الفأس،

بطرف شاله الأبيض الملتف حول  رأسه يمسح العرق الذي بدأ ينز من جبينه، ينظر إلى الأفق حوله، هناك على البعد “توحيدة”

أرملة لها وجه يضاهي قمر التمام في دورانه، ويقارب الشمس في ضياءها وتوهجها، لِم لا تكن هى الزوجة الجديدة والضرة التي سيؤدب بها زوجته الثرثارة، المحبة للمشاكل حبها لنور عينيها،

هو الآن يضرب بسن الفأس بحنان بالغ، فنار الغضب في صدره بدت تخبو، وملأ رئتيه بنسمات الهواء الباردة المنعشة، وشعور من راحة يسري في عروقه،

يقف ويرمي ببصره إلى توحيدة،التى تبدو له من بين أعواد الذرة الخضراء مهرة وادعة لاتحتاج إلى ترويض أولجام،

توحيدة…وحيده ورثت عن زوجها فدان أرض وبيت قديم لكنه كبير يطل على حديقة بها من كل الخيرات،

هو الآن بالجلباب الصوف البني والطاقية الصوف البيضاء والشال الأبيض والحذاء البني، ممسكاً بيد عروسه توحيده بفستانها الأبيض وطرحتها البيضاء الطويلة، يسيران وسط الأهل والأحباب والفرحة تضئ وجهه الأسمر النحيل، حولهم أهازيج الزفة والمزمار..” دقوا المزاهر يالا ياهل البيت تعالوا، جمع ووفق والله وصدقوا إللي قالوا”،

حمارة تنهق بصوت عالٍ جعلت قلبه يرتجف، عاد إلى فأسه ومازال حلم الزواج من توحيدة عالقا برأسه،

أنهكه التعب.. رفع فأسه فوق كتفه، واتجه إلى أسفل شجرة التوت على رأس الحقل، جلس ورمي بظهره على جذعها الضخم، يلتمس بعضاً من راحه، كانت السحب الداكنة في السماء قد إنقشعت وحلت محلها سحب زرقاء إلا أن الشمس مازالت محتجبة حول السحب إلا من شعاع صغير ترسله للأرض على إستحياء، شعر بثقل في رأسه، مدد جسده فوق القش المفروش أسفل الشجرة وجعل من يده اليمنى وسادة وإستسلم للنوم،

 غراب ينعق في جو السماء يستيقظ فزعاً، لايدري كم من الوقت إستغرق، لكنه عندما إستيقظ، وجد جسده مغطى بأوراق التوت الجافة التي ذبلت على أغصانها فوقعت بفعل حركة الهواء، جمع الأوراق وألقى نظرة إلى الأفرع فوقه، وجدها عارية تماماً،

أحس بإنقباض في صدره وغصة في حلقه،

وقال لنفسه: هذه الشجرة من عمري.

 

مقالات من نفس القسم