الحيوانات في قصائد أحمد شوقي تروي الحكايات

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ياسمين مجدي

"(إنني لست حريصة على حياتي أيها السفيه، وإنما كل ما أعنيه إن مت بعد ابني فمن يبكيه؟!) ضحك الجميع من قول الفأرة الجبانة، وفهموا أن تهديدها ليس فعلاً، بل كلامًا، وتيقنوا أن صمود الفئران للقطط استحالة، ورددوا في وجهها تلك المقالة:" إن حضر القط اهربي يا فأرة".

تنتهي كل قصة بحكمة في كتاب “حواديت وحكايات” للكاتب مصطفى غنايم. ومن منبع الحكمة يأتي لنا الكتاب بحكايات الطير والحيوان، وهي الحكايات التي اشتهرت في الأدب العربي بكونها أدب الحكمة.

أخذ مصطفى غنايم حكايات الكتاب عن قصائد الشاعر أحمد شوقي للأطفال، فحوَّل القصيدة من نص مكثف إلى حكايات يعيش معها الأطفال، كما يذكر غنايم في المقدمة: “الكتاب… هو إعادة تقديم بعض الحكايات الشعرية التي صاغها أمير الشعراء للأطفال.. من خلال تحويل هذه القصائد والأشعار إلى قصص وحكايات بأسلوب نثري قصصي يتسم بالإيقاع والموسيقى”.

صدر الكتاب في ثلاثة أجزاء وكانت الحكايات هي: “الديك الهندي والدجاج البلدي، الكلب والحمامة، الذئب والثعلب في السفينة، الليث والذئب في السفينة، الفيل والأرانب، الثعلب الذي انخدع، سليمان والحمامة، البلابل التي رباها البوم، أنت وأنا، الفأرة والقطة”.

ومع أن المؤلف حوَّل قصائد أحمد شوقي إلى قصص، إلا أنه احتفظ بالحس الموسيقي في أسلوب الحكاية، واستعمل جملاً موسيقية مباشرة، مثل قول البطل الشجاع: “لا أنت ولا أنا.. من اليوم سأصبح أنا وقومي ضد الظلم.. كلنا كلنا”.”احذر يا خبيث ياغدار فقد انخدع الثعلب المكار”.

كان المؤلف أمينًا في نقل عالم شوقي الشعري إلى القصة، كما أنه احتفظ بعناوين نصوص شوقي نفسها، فيقول شوقي عن الفأرة حين تعرف بموت ابنها:” فوَلوَلتْ وعضَّتِ التُّرابَا/  وجمعتْ للمأتمِ الأترابا”. والمعنى نفسه سيكتبه مصطفى غنايم قصصيًا:”أخذت المسكينة تضع على رأسها التراب، وجمعت الأقارب والأغراب، وأقامت مأتمًا لابنها الذي فارق الحياة”.

وفي بعض النصوص كان يقوم المؤلف بالتصرف قليلاً في الأحداث، فالحمامة التي فتحت رسائل الملك دون أن يعرف، قامت في نص أحمد شوقي الشعري بالاعتراف للملك: “قالت فقدت الكتب يامولاي في أرض اليمامة/ لتسرعي لما أتاني الباز يدفعني أمامه/ فأجاب بل جئت الذي كادت تقوم له القيامة/ لكن كفاك عقوبة من خان خانته الكرامة”. أما في نص مصطفي غنايم، فالحمامة لم تعترف للملك ، إنما “ظلت تبكي حسرة وندامة، لأنها لم تحفظ الأمانة، وألبست نفسها ثوب المهانة. تحسرت الخائنة لأنها أضاعت على نفسها التكريم، وأنها لم تكن أهلاً لثقة نبي الله العظيم”.

ولم يستخدم مصطفى غنايم جملاً كاملة من نصوص شوقي إلا نادرًا، واكتفى بأخذ كلمات الحكاية الرئيسية ويضعها هو في سياق وأسلوب قصصي مبسط وشارح لنص شوقي.، ففي نص سليمان والحمامة، كان المشترك بين نص شوقي وغنايم، كلمات، مثل: “الزعامة، تاج، تهامه”. واستعمل غنايم كلمات أسهل، فبدلاً من قول شوقي “أن تعطى رياضًا في تهامه”، كتب غنايم المعنى نفسه أبسط: “أن تمنح بساتين وحدائق واسعة في أرض تهامة”.

استعمل أحمد شوقي نصوصًا قصيرة ومكثفة لتكون قريبة للطفل، لذلك حين حولها مصطفى غنايم إلى قصص، أضاف من عنده زوايا قصصية للحدث، ففي نص “الثعلب الذي انخدع”، يقول شوقي أن الثعلب سمع أهل القرية ينادون الخبيث منهم باسم ثعلب، ففرح، وقال : “ما ضَرَّ لَو وافَيتُهُم زائِراً أُريهُمُ فَوقَ الَّذي اِستَغرَبوا/ لَعَلَّهُم يُحيونَ لي زينَة/ يَحضُرُها الديكُ أَوِ الأَرنَبُ”. وحين حول غنايم النص إلى قصة، أضاف خلفيات مختلفة للقصة، وجعل الثعلب لا يزور أهل القرية فحسب، لكنه: “يلبس ثوب رجل حكيم، وكان في هيئته وقورًا وديعًا”.

حتى الحكمة الرئيسية في النص غالبًا كان يكتبها مصطفى غنايم بأسلوبه، وإن كان الأفضل أن يحتفظ غنايم من نص شوقي بجملة رئيسية تكون هي روح النص وحكمته، مثل أن أنهى أحمد شوقي نص الثعلب بجملة رئيسية: “فَلا تَثِق يَوماً بِذي حيلَةٍ/ إِذ رُبَّما يَنخَدِعُ الثَعلَبُ”.. وكتبها غنايم “احذريا خبيث يا غدار فقد انخدع الثعلب المكار”. وكان من الأنسب لغنايم أن يستعمل جمله الحكمة الرئيسية في القصيدة، لتكون جسرًا بين النصين.

وأيضًا في نص “البلابل التي رباها البوم” كانت هناك حكمة رئيسة في نص أحمد شوقي تقول: “بلابل الله لم تخرس، ولا ولدت/ خرساً، ولكن بوم الشئوم رباها”. وغنايم لم يستعملها بشكل مباشر، لكنه شرحها وبسطها للأطفال: “إن كل طيب ونافع  وبديع، لا يثمر، ولا يصلح أبدًا من خبيث وفاسد ووضيع”.

وتخلص غنايم من بعض الأشياء التي تصف طائفة بعينها، ليكون الموضوع مفتوحًا وعامًا للطفل، دون أن يلصق الشر أو الخير بطائفة معينة ليبدو الشق الإنساني هو محور  الصراع  بين الخير والشر فحسب، فكتب غنايم عن رجل جبار”كان جميع الناس منه يهابون”, وهو ما كان قد كتبه شوقي، في نص “أنت وأنا”:

“يحكون أن رجلاً كردياً/كان عظيم الجسم همشريا

وكان يلقي الرعب في القلوب/ بكثرة السلاح في الجيوب

ويفزع اليهود، والنصارى/ ويرعب الكبار، والصغارا

وكلما مر هناك وهنا/ يصيح بالناس: أنا! أنا! أنا! 

ولا يبدو هناك سبب يدعو مصطفى غنايم  لتسمية نصه “الفأرة والقطة”، فالنص يتحدث عن قط مذكر داخل الحكاية، كما أنه في عدد من المصادر كانت قصيدة شوقي بعنوان ” الفأرة والقط”.

تنبع أهمية ذلك الكتاب من ربط الأطفال بالأسماء العربية الهامة في تاريخ الأدب العربي، والبحث عن قصص الحكمة في ميراثنا العربي ذات الصلة بالقيم والمبادئ العريقة. يحقق بذلك هذا الكتاب الاحتفاء بالاسم العربي القديم في الوقت الذي ينحاز فيه البعض للقصص الغربية باعتبارها الأقرب للطفل.

يبقى الإشارة إلى وجود بعض الملاحظات على الإخراج والتنسيق للكتاب. فكانت بعض الصفحات لا تحوي إلا فقرة واحدة صغيرة، بينما كان من الأفضل مراعاة توزيع الكلام وتنسيق حجمه مع حجم الفراغ في الصفحة.

 

عن الكتاب

اسم الكتاب: حواديت وحكايات.. من شعر أحمد شوقي للأطفال

اسم المؤلف: مصطفى غنايم

رسوم: صفاء عبد الظاهر

سنة النشر: 2016

مقالات من نفس القسم