لا يقتصر (الفشل) على الجانب الجنسي بل يشمل تقدير الذات داخل ما يُطلق عليه (الوسط الثقافي) حيث تبدو الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية أو الاعترافات التطهرية، بنيتها الأساسية ترتكز على عالم التحليل النفسي من خلال حوار ممتد بين (مريض) و(طبيب) قد يكون أي شخص آخر يعمل في مهنة أخرى كما أوضحت لنا عناوين الفصول.
(منذ عشرة أعوام تقريباً .. مرتان، أو ثلاثة كل سنة؛ أسمع، وأقرأ هذه الكلمات بصيغ مختلفة: “أنت مختلف .. لا أحد يكتب مثلك .. نصوصك تجعل من كتابات الآخرين متشابهة، بينما تقف وحدك في منطقة لا يصل إليها غيرك، الفرق بينك، وبينهم أنهم قريبون دوماً من أماكن التصوير، بل مقيمين فيها، بينما أنت بعيد” .. أسمعها من قرّاء بالصدفة على مقهى، أو في ندوة، أو داخل مكتبة، وأقرأها عبر رسائل البريد الإلكتروني، وبريد “الفيس بوك”، وتعليقات المواقع، والمنتديات التي أنشر بها .. أحياناً تأتيني بنبرة إدانة تصل حد الذهول، والغيظ لكوني “بعيد” .. كل ما أشعر أحياناً أنه ينقصني، وأنني في أشد الاحتياج إليه يختفي، ويضيع تماماً في هاتين المرتين، أو الثلاثة من كل سنة .. كل شيء عدا تلك الكلمات يصير خائباً، ورخيصاً، وتافهاً .. أشكركم كثيراً .. أنا أعرف جيداً أن معكم كل الحق).
(الفشل في النوم مع السيدة نون) رواية إيروتيكية يعتمد سردها على التشبيك المتقن للعوالم المختلفة باستخدام طريقة التداعي الحر الذي يؤرخ للتطور الجنسي للمريض بداية من طفولته المشبعة بالصراعات والهموم الأوديبية ثم مرحلة الاستمناء وصولاً إلى فشله في جذب (السيدة نون) إليه. يشرح المريض كيفية عدم ظهوره بالشكل اللائق أمام الشاعرة التي طلبت لقائه الأمر الذي قتل احتمال أن يقيم علاقة جنسية معها. يتحدث في وصف لقاءهما عن نظراتها التي كانت تشفق عليه، وتستنكر طبيعته، وشخصيته المهزوزة، وخجله المبالغ، وبلاهته الواضحة: “أنا أستحق هذا فعلاً يا دكتور، ولا أستحق غير ذلك. زوجتي أيضاً تستحقه لأنها تزوجتني”. الزوجة ـ كان مرورها عابراً وباهتاً ـ لم تضع حداً لأزمته رغم قبولها الزواج به مما يجعلنا نتساءل عن مدى سلطتها في حياة الراوي مقارنة بسلطة الأم مثلاً، وكذلك بسلطة (السيدة نون).
لا تقتصر هوامش الطبيب على تفسير (الحالة المرضية) بل نجد معظمها تأملات فكرية وثقافية متنوعة وتناول للوحات (ادموند بلير ليتون) مع توظيف (للديكاميرون) (لجيوفاني بوكاشيو)، و(دلتا فينوس) (لأناييس نن).
يظهر (ممدوح رزق) في الرواية بصفته ككاتب حيث أشار إليه (المريض) باعتباره صديقاً له، وهذا ما سمح بوجود تساؤلات وشكوك عديدة حول التطابق بين شخصية الكاتب وبين المريض والطبيب حيث ساهمت اليوميات والمقتطفات المتضمنة من كتابات سابقة لـ (ممدوح رزق) داخل الرواية من الإحساس بالالتباس وبأن هناك خدع مترابطة، ينطوي عليها كل ما يحدث.
(هذه الرواية محاولة تعويض عن جميع الستاتسات الساخرة، الذكية، الصادمة، المثيرة للإعجاب، التي لم أكتبها خاصة كتعقيب على الأحداث السياسية، والتي التزمت خلال حدوثها بالصمت لأنها حقاً لم تكن تعنيني مهما كانت أهميتها، وخطورتها عند أغلب الناس .. اللحظات التي لم أكن أريد التحدث عنها، وخشيت لو فعلت أن يبدو كلامي ثقيل الدم، سخيفاً، ميئوس من قدرته على مجاراة ما يقوله الآخرون .. كنت ألتزم الصمت ـ ويشهد سقف حجرتي على هذا ـ مراقباً بحسرة كيف يكتسب اللزجون شعبية محمومة، ومتزايدة نتيجة التحليل، والتعليق، والألش على الأحداث .. تخيلوا ـ عليكم اللعنة ـ أن يكون هذا من ضمن أهداف الرواية!!!).
إن ما يظهر لنا طوال الوقت هو أن الرواية سيرة ذاتية تحاول التخلص من كوابيس متراكمة لعل أبرزها موضوع المركزية القاهرية، الذي ربما تتم مقاومته بواسطة دمج الخيالات بالواقع في سياق هازيء:
(في 24 / 8 / 2013 نشر موقع الحوار المتمدن هذا الخبر:
العثور على نص مسرحي داخل اعتصام رابعة يتخيل حكم المسيحيين لمصر
“كشف المقدم ” فريد عبد العزيز ” من وحدة مكافحة الشغب، وأحد المشاركين في فض اعتصام رابعة العدوية أن قوات الشرطة عثرت أثناء تمشيط منطقة الاعتصام على كيس بلاستيكي أسود، بداخله مجموعة من الأوراق تبين أنها عبارة عن نص مسرحي يتناول حكم المسيحيين لمصر .. قال المقدم أن المسرحية تتحدث عن مجموعة من القساوسة تأتيهم معونة من أمريكا، واسرائيل يبنون بها حماماً عمومياً مخصصاً للرجال، والنساء من الأقباط فقط، ثم يعيّنون شيخا أزهريا للإشراف على الحمام، وحفظ الأمن به .. كما جاء في النص فإن القساوسة أصدروا أوامرهم للشيخ بأن عمله لا يقتصر على منع دخول المسيحيين من باب المسيحيات، أو العكس، وإنما الحرص أيضاً على عدم اختلاط أصوات قضاء الحاجة الصادرة من الرجال والنساء، وذلك بإصدار أصوات تشويش كالكح، والتصفيق، والزغرطة، ودب الأرض بالقدمين، وهو ما حرص الشيخ الأزهري على تنفيذه .. هذا، ولم يُعرف حتى الآن إذا ما كان هذا النص قد تم تنفيذه فعلا أثناء فترة الاعتصام، أم أنه ظل على الورق فقط”.
أنا الذي اخترعت هذا الخبر، وأنا الذي نشرته، وأنا الذي استمتعت بتعليقات، وردود أفعال كل الذين صدّقوه).
يمزج السرد بين العقلانية والتهكم، مع استخدام لغة عفوية تناسب حالة (الفضفضة) ولكنها ذات وعي منتهك، يحرم الأجساد من قدسيتها خاصة تلك التي كانت أدوات تعذيب في الطفولة ثم تحولت في الرواية إلى أدوات للعب الفصامي:” قد تكون أنت غير موجود يادكتور .. ربما تشعر أيضاً أنك تتوهم حضورى .. ليس هناك ترابط يمكن أن يصل بأى منا إلى التأكد من أن الآخر أمامه فى هذة اللحظة“.
(الفشل في النوم مع السيدة نون) رواية لا تنتقم من الهزائم بل على العكس أراها تحاول الانتقام من الطمأنينة التي تجعلنا نتأرجح مع بطلها بين اليأس والحكمة واللامبالاة. الانتقام من راحة النفس المتوهمة في الأقنعة والحقائق والاحتمالات، وفي تصديق الرغبات سواء تحققت أو لم تتحقق: “أن الامنيات لا تتحقق إلا لحظة خسارتها، خصوصا لو كانت ضد فرديتك، وأن تحويلها إلى لغة هى فخر التصديق وخيبة الأمل، واستخدام الحياة بوصفها سكرتيرة حسناء للخيال، وتجيد اللعب له“.