الإنسان أجمل فكرة في العالم

أراك في الجنة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

في روايته ” أراك في الجنة ” الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، التي يزاوج محمد الفخراني في عناوين مشاهدها بين الترقيم والعنونة، يقدم لنا بطليْ الرواية وهما مُدرّسة العلوم والتي يُطلق عليها حبيبها وزوجها ” تخيَّل ” التي عيبها الوحيد، كما يراه حبيبها، هو أنها مؤمنة، والشاب الحبيب الكاتب ” نقار الخشب ” الذي يتهم من حوله بأنهم مغفلون، لأنهم يرون عكس ما يرى. 

الفخراني الذي يبدأ روايته بقوله الإنسان أجمل فكرة في العالم، يقدم لنا شخصية لا تؤمن بوجود إله، أو تشك في وجوده، وترى أن الجحيم المزعوم لا يزيد ولا ينقص عن الجنة المزعومة، بادئًا المشهد الأول في الرواية بقول الراوي: كان في الجنة، أو كانت الجنة فيه، ولم يعرف.

في مكان ما يلتقي البطل امرأة ويسألها أين نحن هنا؟ وتجيبه بأنه في الجنة، غير أنه يقول في نفسه هل أنا في كابوس، أو لعنة ما؟ متطلعًا إلى المارة هاتفًا: لو أن هذه الجنة، فأين الإله؟ قائلًا في نفسه إنه لا يؤمن بوجود إله، لا جنة ولا نار. 

هنا نجد شخصية تشعر بأنها في حالة من الفوضى، لذا تعتبر نفسها داخل لعبة من ألعاب الواقع، وفي جنة حقيقية أيضًا، لكن دون أن يكون هناك إله طبعًا.نقار الخشب يحب العالم رغم أنه يراه مليئًا بالألم. 

هنا الحب وحده الذي جمع بين اثنين مختلفين في ما يعتقدان.زوجة تؤمن بوجود إله، وزوج لا يؤمن بوجوده، أو يراه قاتلًا وظالمًا وعديم الرحمة، متساءلًا هل يصلح أن يكون إلهًا من يقتل بشرًا أبرياء في زلزال أو فيضان، أو أي كارثة من تأليفه؟ فيما ترى الزوجة أن من يستطيع أن يقرأ كتاب الكون كاملًا يعرف لماذا يموت أبرياء في زلزال أو فيضان.         

فلسفة حياتية

الرواية تحمل فلسفة حياتية ما، ساعية إلى الوصول إلى ماهية وجودنا في الحياة ولماذا: ” أعتقد أن لكل شخص أسباب ليكون هنا، البعض على الأقل، لكن بعيدًا عن الأسباب، هل تفضّل لو لم تكن موجودًا، أقصد لو سئلت قبل أن يكون لك وجود، ماذا كنت ستختار؟ ”

أيضًا ثمة رؤية مغايرة تحاول أن تنقلها إلى القارئ حتى لا يخرج من قراءتها خالي الوفاض، واصفة القمر بأنه الرومانسي الأول، بطل الرومانسية، رغم أنه أكثر من يرى مآسي البشر وأحزانهم ويعرف أسرارهم. كذلك ترى الرواية أن الموت لا يستطيع أن يوقف أي حياة، وما يدفع إلى الموت قد يدفع إلى الحياة بطريقة أخرى. أيضًا تحاول الرواية أن تُفرّق بين فكرة الموت وفكرة القتل، كما ترى أنه لا أحد يعرف الحكاية كاملة، وأن ما يراه بعضنا صوابًا، هو عين الخطأ في نظر آخرين.

نقار الخشب، رغم كونه يشك، على الأقل، في وجود إله، إلا أنه يبدو محبًّا للإنسان ولفكرة وجوده في العالم، ويصعب عليه ما يفعله الإله، إن كان موجودًا، بهذه الكائنات المسكينة. كذلك تريد الرواية أن تقول لنا إن كثيرين لا يفهمون شروط لعبة الحياة، وإن هناك آخر يتحكم في كل شيء، وأننا لن نحصل على كل ما نطلبه، حتى وإن طلبناه مرارًا وتكرارًا.كما تقول لنا إن الإنسان لو لم يجد ما يريده في الجنة، فربما فكر في الانتقال إلى الجحيم، وبمحض إراداته.                                   

شرط وحيد

أراك في الجنة التي تطرح العديد من الأسئلة التي تتعلق بوجود إله أو عدمه، ولماذا جئنا إلى العالم وأين سنذهب بعد الموت وكيف نشأ الكون؟ تُظهر غباء الإنسان في كثير من أحواله وتصرفاته وأفكاره، وتُبين كم يعيش في جحيم من الأفكار، كما تحاول مناقشة فكرة ماذا سيحدث بعد الموت، وهل هناك نهوض من التراب مرة أخرى؟ وهل سيعود الإنسان بحالته بعد الموت كما كان قبله؟ إلى جانب أنها تحتفي بالإنسان، كإنسان، بعيدًا عن معتقداته وأفكاره، قائلة إننا يمكن أن نعيش معًا متجاورين، دون أن يُقصي بعضنا الآخر، وبذا يتحول المكان الذي نعيش فيه إلى جنة حقيقية، لا مجازية.كما تضع الرواية شرطًا وحيدًا لمن يدخل الجنة وهو لا بد وأن يكون إنسانًا وفقط. 

الرواية رغم صغرها ” 127 ” صفحة من القطع المتوسط، إلا أنها ممتعة بما تقدمه من أفكار فلسفية تحاول رؤية العالم وقضايا الوجود الإنساني من زوايا أخرى. وبعيدًا عن الرواية، لا بد من أن أحيي الروائي الذي لم تُغْره الروايات الطويلة التي تتجاوز صفحاتها المئات، وكلها ثرثرة يمكن اختصارها في القليل من الصحفات، وحتى وإن لم تكن كذلك، فأين رحمة الكاتب بالقاريء الآني الذي لم يعد لديه لا وقت ولا صبر على قراءة مثل هذه المطولات، التي يبدو كُتابها أنانيين غير واضعين القاريء بظروفه المستجدة نصب أعينهم لحظة الكتابة؟ ولكي لا يهجم عليّ أمثال هؤلاء أقول إن عبقرية الروائي ليست في ضخامة روايته، بل في ما تود أن تقوله، وتصل عبقريته مداها حين يقول ما يريد في أقل عدد من الصفحات، وأظن أن أي فكرة في العالم يمكن أن تحتويها صفحات قليلة، لا المئات منها.

مقالات من نفس القسم