الأصوات

رأس مستعمل للبيع
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شيرين فتحي

حين تعلو أصواتهما، تهرع أمي إلينا ككل مرة، تضعنا في المخابئ، وباستعجال تضع في يد كل واحد منَّا ساندويتشا ليأكلَه وينام. تعطيني شريحةً من الجبن الرومي بلا خبز لأقرضَها، فقد عودتني على ذلك كي تخلصني من عادة قضم الأظافر التي لاحظتها مؤخرا، وتضع في يد شقيقتي ربع رغيف بلدي محمَّص ومدهون بمربى الفراولة كما تحبها، وتترك للرضيع كوبا من الحليب في أحد أكوابه الخاصةِ لتتأكدَ أنه لن يسكبه.

اعتدنا على هذا الطعام الذي لا يتغير أبدا في مثل تلك الأيام العاصفة التي نظلُّ ننتظرها فيها كثيرا حتى تأتي وتخرجنا من تلك المخابئ.

في الغالب كنا ننام لليلة واحدة على الأقل قبل أن تنادي علينا لنخرج، ولكن في بعض الأحيان كان الوضع يستمر لليلتين أو ثلاث. في إحدى المرات كانت الأصوات أعلى تقريبا من كلِّ مرة حتى لأنها نسيتْ أن تدخلَنا إلى المخابئ بنفسها، فانفلتنا إليها نحن بتلقائية.

غابت ليلَتها كثيرا قبل أن تأتينا بالطعام، وحين جاءت لم تكن كعادتها معنا، لم تنطقْ تقريبا، وزعت علينا الطعام وانفلتت بسرعة. لم ألحظْ أنها قد أخطأت ما بيني وبين الرضيع إلا بعدما جرِعْتُ كوب الحليب كلَّه في فمي، كدت أشعر بالأسى للرضيع الذي لن يجد ما يسدُّ به جوعه، إلا أنني قد لمحته وهو يقرض قطعة الجبن ويبتلعُها في جوفه في هدوءٍ على الرغم من أنه لم تكن قد نبتت له أسنان بعد!

ظللنا في المخابئ لعدة أيام أو ربما لأسابيع، كانت تلكَ هي أطولَ مدة قضيناها هناك، كانت تأتي أمي وتضعَ لنا الطعام دون انتباه، حتى جاءت في يوم وطلبت منا الخروج، أخبرتنا أيضا أن الأصواتَ قد انتهت إلى الأبد، أخرجتنا، ولكنها دخلت مكاننا.

أصبحنا نأتيها كل يوم بالطعام، أنا أعطيها شريحةً من الجبن لتقرضها في الصباح بدلا من أن تقضم أظافرَها، وبعد العصر تحضر لها شقيقتي شريحةً من الخبز البلدي المحمَّصِ مدهونة بمربى الفراولة بالضبط كما تحبها، وفي المساء يمنحها الرضيع كوب حليب من أكوابه الخاصة ليتأكد أنها لن تسكبه

…………………..

*من مجموعة “رأس مستعمل للبيع”، صادرة حديثا عن دار الهالة للنشر والتوزيع

 

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال