لكل ثمرة ليلة تنضج فيها بعدما تكون قد جرّبَتْ طعم السهر فى كل ساعات الليل، ونوّرَتْها كل ألوان الشمس، يكون القمر قد لَمَسَها من كل الجهات والأوضاع، مَرّ بها كل هواء العالم وماؤه، وتألقَتْ فيها الحياة، تكون المرأة مثل هذه الثمرة فى أربعينيات عمرها، تلك هى ذروة المرأة.
هل يشترط أن تكون المرأة نفسها على استعداد لأن تصل لهذه الذروة؟ هل من الممكن لامرأة أن تدخل أربعينها وتخرج منه دون أن تحصل على روعتها لأنها لم تكن على استعداد؟ أعتقد أنه بمجرد دخول المرأة هذا الأربعين الرائع الخاص المميز، فإنها تحصل فورًا على روعتها، كل واحدة على طريقتها، فكل الأربعينيات غاليات، الفارق: إلى أىّ حد هى غالية؟ أفكر وأشعر بأنهن على الدرجة نفسها، وكأنهن جميعًا امرأة واحدة أربعينية غالية كاملة، وفى الوقت نفسه لكل واحدة خصوصيتها وطريقتها، شىء مُحَيِّر وجميل.
بمجرد النظر يمكن معرفة أن تلك الفتاة التى لم تصل لأربعينها بَعْد سوف تدخله بكامل الفتنة، هى التى ستظل ناقصة حتى تدخل الفصل الأربعينى من عمرها، وهنا فقط يمكنها أن تكتمل، ولن تكون أبدًا بمثل هذا الكمال فى أىّ وقت أو مكان.
مثل سحابة تدور فى العالم، تجمع قطرات الماء من البحيرات والأنهار والبحار، وتُجرّب كل ألوان الشمس والقمر، تبحث فى السماء عن مكان يناسبها وتنتظر.. تنتظر حتى تصل للحظة اكتمالٍ تحبها، فتُمطر وتصفو بأجمل وأروع ما يكون، هكذا المرأة الأربعينية، تدور فى العالم وتجمع قطراته، أجمل لحظاته وأماكنه وأفكاره ومشاعره، تَسْعَد وتتألم، تعرف وتفهم وتشعر، تُسقِط من عالمها أشياءً وتحتفظ بأشياء، حتى تكون جاهزة لتدخل بهذا كله أربعينها الفاتن الذكى، هنا تمتلئ بسحر وكرم وفتنة وإثارة وطيبة وثقة وإبداع، المزيج الرائع من جمال الروح والجسد معًا، لا يوصف جمالها بأنه ساحر أو خيالى، أو بأىّ من الصفات التى تصف أىّ جمال، إنه جمال الأربعين وفقط، هنا تكون المرأة مُصطفاة ومختارة، وأيضًا انتقائية لأبعد حَدّ، لن تمُدّ يدها إلا لما تحبه، وتثق من أنها تحبه، تعرف هنا كم هى غالية وعالية ومكتملة بدرجة لا يمكن معها أن تسمح لنفسها بأن تهبط درجة واحدة، أو أن يمرّ بجوارها هواء غير جدير بها، هنا تكون واثقة بأن لديها الوقت لتفعل فقط ما تحب، تشعر أن لديها الوقت، فقط إذا لم تُضيّعه فى محاولات وأشياء لن تجلب لها السعادة، واضح فى عينيها هذا الشجن المحبوب والمتعَب والمرهَق، شجن على ما يمكن أن قد يكون قد مرّ، وما يمكن أن يمرّ، شجن الاكتمال والرغبة فى البوح عن هذا الاكتمال، شجن سحابة نضجت ولا بد أن تبوح بمطرها، شجن اكتمال القمر الذى يعرف أنه لن يستمر طويلاً، والبحيرات المليئة بالعذوبة وتعرف أنها لا بد ستمضى للمجهول، أشجار البرتقال التى تعرف أن برتقالها لا بد سيتساقط، شجن الكبرياء وعدم البوح، فالأمر برأيها لا يحتاج لكلمة واحدة، ورأيها صحيح تمامًا، عليكَ فقط أن تقترب بما يليق بأربعينية غالية كاملة، لتحصل على أكثر مما تمنحه سماء ناضجة.
الأربعينية، كل ما فيها عذب وصالح للحياة، وللحياة معه، كل ما فيها غال، حتى أو بالأخصّ تلك الشعرات البيضاء، الرائعة، المختبئة أو الظاهرة فى رأسها، ثم هناك ثنيّات جسدها اللطيفة، تلك التى قد تبدو زيادات أو عيوبًا صغيرة، لكنها فى الحقيقة تجعلها إنسانية وحقيقية، وأكثر جمالاً، كأنها مُحَمّلَة بكل ما جمعَتْه فى حياتها قبل أن تدخل أربعينها الرائع، تلك الأشياء التى يراها البعض عيوبًا صغيرة، أنا أُشبِّهها بحالة القصيدة الكاملة المكتملة، وبما أنه لا توجد قصيدة كاملة مكتملة، رغم أننا من الممكن أن نقرأ قصيدة ونصِفها بالمكتملة، فى الوقت الذى نعرف أنه لا قصيدة مكتملة أبدًا، ولكن ضِمنيًا نقصد أن عدم اكتمال تلك القصيدة يؤكد ما يمكن أن يكون اكتمالها، كذلك الحال مع الأربعينية، فما يراه البعض عيوبًا صغيرة هى نفسها الأشياء التى تؤكد اكتمالها، المرأة الأربعينية هى القصيدة المكتملة بعدم اكتمالها، لكنه ليس كأىّ عدم اكتمال، إنها طريقة الأربعين الجميل وأسلوبه، فتوصف الأربعينية بأنها: القصيدة الكاملة/ المرأة الكاملة.
الأربعينية تعرف تمامًا ما هى عليه، لذا هى ممتلئة بهذا الكبرياء الرائق الهادئ، لا التكبر السخيف الفَجّ، كبرياء عذب بسيط، لا يشبه أىّ كبرياء، هو فقط مُخصَّص لهذا الفصل المذهل ولا يصلح لغيره، كما أن هذا الفصل لا يكتمل إلا به، كبرياء مثل سماء قريبة، لكنها فى الوقت نفسه أبعد ما يكون إذا لم ترضَ بأن تمنح نجومها ومطرها، هنا تكون المرأة فى ذروة قدرتها على المَنْح والعطاء، ليس المَنْح المجانى بالطبع، لكنه إنتقائى، وفى الوقت نفسه بلا حدود، هنا تكون قد أدركَتْ تمامًا سخافة البُخل وألعاب المراوغة وإهدار الوقت، وأن المَنْح والعطاء أجمل وأسهل وأكثر حياة، سيكون الكرم والحنان والثقة والبذل عاملاً مشتركًا فى كل ما تفعل وما تمنح، هى تعرف أن فصل الأربعين أفضل وقت للعطاء، تريد أن تمنح كل شىء الآن، لأن الآن هو أفضل ما لديها، وما لديها يكون فى أفضل حالته الآن.
الأربعينية تعرف قيمة العمر، كم هو غال، وأنه مثل كل شىء ينفد، كل شىء وكل وقت له قيمته لديها، لا وقت للكذب أو التردد أو ادخار شىء لفيما بعد، هى هنا لا تريد أن تدخر أىّ شىء، تريد أن تصل سريعًا للجوهر، هى إنْ لم تستطع أن تُوقِفَ الوقت، فيمكنها أن تستغله كله فى أشياء حقيقية ومحبوبة، هى أيضًا فى بعض حالاتها يمكن أن تتهوّر وتُهدر المزيد من الوقت كطريقة للوصول لأشياءها المحبوبة والحقيقية، تتهوّر بلهفة تناسب لهفة الفصل الأربعينى ورغبته فى الحياة، تحتاج الأربعينية أحيانًا لظروف مواتية، وأن يكون بعض الحظ السعيد بجانبها، كى ينكشف كم هى واحدة من أجمل كائنات العالم، ونحظى بتألّقها.
الأربعينية تخلصَّتْ من عكارتها وشوائبها، نقية، عذبة، متفهمة، بسيطة، تلقائية، وشجية، هى أكثر رومانسية وواقعية فى الوقت نفسه، وكأنها فصلَتْ نفسها عن الحياة قليلاً، وصنعَتْ لنفسها حياة موازية، فالآن هى تنظر للحياة بشكل أكثر عمقًا وهدوء ولهفة وحبًا، كأنما وضعَتْ يدها على قلب الأشياء وروحها، وتستطيع أن تُبعِد نفسها عن الشوائب السخيفة، وتلك الأشياء التى كانت تَعْلَق بها فى وقت سابق ولا تستطيع أن تتخلص منها بسهولة، الآن تستطيع بسهولة وحسم أن تُبقى هذه الأشياء بعيدًا عنها، الآن هى لا تريد أن تُعكّر عالمها، ولكن أن تملأ حياتها بأشياء تسعدها بالفعل، أشياء انتقائية تحبها من قلبها، كأنها قد حصلَتْ الآن على جوهرتها، فيمكنها أن تحتفظ بها فى عمق قلبها، أو تحتفظ بها بطريقة أخرى بأن تُقطّعها قطعًا صغيرة تهديها لمن يمنحونها الأمان والسعادة، لمن لا يُعكّرون لها أربعينها الغالى، لمن يحققون لها أحلامَ وأمنيات ورغبات هذا الأربعين المُتطلِّب، الراغب بالحياة أكثر من أىّ وقت مضى أو سيأتى، المُتفهِّم، البسيط، والمحتاج لمن يتفهَّمه، ويمنحه دون أن يطلب ليحافظ له على كبريائه اللطيف العذب.
أربعين المرأة مثل امرأة تزداد جمالاً كلما تقدَّمَتْ فى العمر.
برأيى، أن الذكاء هو أكثر مثير حِسِّى- جنسى فى المرأة، بالطبع هناك الأشياء المادية المعتادة أو التفاصيل الخاصة، ويختلف ترتيبها من رجل لآخر، لكنى أتحدث عن ألمع وأقوى مثير، وأكثر ما يدوم بين كل المثيرات الأخرى، كما أنه قادر على تجديد نفسه وأن يكون أكثر إثارة بمرور الوقت، وأقصد هنا ذلك الذكاء اللاّمع، سريع البديهة، خفيف الروح، المَرِح، الصافى، المُحَلّق، الخالى من النفعيّة، والأنانية، ذكاء جامح ومتألق وبرىء مثل الطبيعة، ذكاء نقى، شفاف، ولا يتحوّل فى أيّة لحظة إلى غباء، أنت تريد أن تعيش مع هذا الذكاء، تصاحبه، تلهو معه، تلاعبه، تبتكران لنفسيكما فنونًا للتحدّى والتسلية، تُكَوِّن معه فريقًا ثنائيًا يغازل العالم، ذكاء تفهمه ويفهمك، يشعر بك وتشعر به، وتخترعان معًا تفاصيل لا نهائية تخصّكما، وبالطبع ستحب أن تمارس معه الحب، نعم، تمارس الحب مع هذا الذكاء، حَرْفيًا.
المرأة الأربعينية لديها فرصة كبيرة كى تحصل على هذا الذكاء الإضافى، اللاّمع، والمثير حِسِّيًا أكثر من أىّ شىء آخر.
ذكاءُ المرأة يُنير جمالَها مثلما تُنير الشمسُ العالم.
الذكاء يُنير الجمال، كما أنه جمالٌ بحَدّ ذاته.
المرأة الأربعينية، واحدة من أجمل صور الحياة، واحدة من أجمل فرص الحياة، هى مزيج من كل إمراة يُحتَمَل وجودها فى العالم، فقط فى فصل الأربعين يمكن للمرأة أن تكون حبيبة، زوجة، صديقة، أخت، أم، ابنة، وجَدّة، كل هذا معًا فى الوقت نفسه، كما يمكنها أن تكون وحدها دون أن تشعر بالوحدة، وربما تكون –على غير ما تستحق_ وحيدة.. وحيدة تمامًا.
الأربعين ليس فقط أجمل وأعمق وأبسط وأكرم مراحل عمر المرأة، لكنه أيضًا من أجمل الأشياء الموجودة فى الحياة، الأربعينية هى الكريمة الأكثر كرمًا فى الحياة، لا تدخر أىّ شىء، ولا يمكن لأىّ أحد، أو أىّ عالم، أن يدخر عنها أىّ شىء، وكل ما فيها يستحق الحب.