الأجيال الأدبية تقليعة نقدية تبدأ.. لتنتهي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 71
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
عماد فؤاد
لم أكن يومًا مِن الذين يؤمنون بأنّ الجيل الأدبي الواحد يمتلك – بالضّرورة – خصائص معيّنة تميّزه عن غيره من الأجيال. صحيح أنّ هناك مشتركات لا بدّ تجمع بين أبناء الجيل الواحد، لكن ثمّة تبانيات واختلافات عدّة يمكن ملاحظتها أيضًا، لذلك سأبدأ حديثي عن جيل التسعينيّات – في مصر تحديدًا – باعتقاد بدأ يترسّخ داخلي أكثر فأكثر، بعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود على ظهوره، ألا وهو أنّ هذا الجيل ربما يكون آخر الأجيال الأدبية التي سُتنسب إلى الفترة الزمنية التي ظهر فيها، والدليل أننا لم نعد ننسب الأجيال اللاحقة على التسعينيات إلى فترات زمنية، اختفى مُسمّى “جيل الألفينيّات” سريعًا لأن “أبناءه” كانوا “فُرادى” أكثر من التسعينيين، وليس لهذا علاقة بإمكانيات “هؤلاء” أو قدرات “أولئك”، لكنّها اللحظة التاريخية التي تفرض نسقها الخاص على تكوين جيل بعينه.
وَضعت الدعوة التي وصلتني للمشاركة في هذا التحقيق ثلاثة أسئلة صريحة أمامي للإجابة عليها، وهي: ماذا تبقّى من جيل التسعينيات؟ وما الذي أسفر عنه مشروعه الشِّعري؟ هل سقط أم لا يزال له تأثير؟
والحقيقة أنّني شعرت أنّ أيّ إجابة منّي على هذه الأسئلة، ستضعني مباشرة في خندق “المدافع” عن جيل كنت بالمصادفة أحد أبنائه، وستخرج شهادتي “مجروحة” ولا فائدة منها. لذلك، وسعيًا منّي للتفكير بصوت عال، دعونا نطرح سؤالًا آخر يبدو لي منطقيًا: لماذا نفترض أن “الجيل الأدبي” هو “كتلة صمّاء” بقيت على صورتها الأولى التي بدأت عليها؟ وبما أننا نتحدّث هنا عن “أفراد” شكلّوا ما نسمّيه بـ”الجيل الواحد”، فعلينا – أوّلًا – النظر إلى ما قدّمه هؤلاء “الأفراد” من إنتاج أدبي، كي نستطيع الإجابة على الأسئلة أعلاه، و- ثانيًا – كي نحدّد مدى تأثير هذا الجيل على غيره من الأجيال الأخرى في الحركة الأدبية، بهذا المعنى ربما نضع الأمور في سياقها الصحيح.
الأجيال الأدبية تقليعة نقدية تبدأ.. لتنتهي، ولا يبقى منها سوى تجارب “أفراد”، أضف إلى ذلك أن المصطلح النقدي نفسه عفا عليه الزمن في ظلّ التكنولوجيا الحديثة للاتصالات، القارئ العربي اليوم ليس محكومًا بالاختيار بين عناوين عدد محدود من الكتب القليلة الموجودة على رفوف المكتبة الوحيدة في قريته النائية، كما كان الحال عليه قبل 40 عامًا، ومن ثم فهو ليس مستهلكًا مجبرًا لما تُقدّمه إليه من “أدب”، أتاح هذا التعدّد مصادر متنوعة جدًا أمام القرّاء كما أمام الكُتَّاب اللاحقين لتشكّلهم المعرفي والثقافي، ما نتج عنه مواهب مختلفة لا يجمعها سوى اشتراكها في اللحظة الزمنية التي يتعاملون معها إبداعيًا. ولكن هل الأمر بهذه البساطة؟ أعتقد أن لا.
جيل التسعينيات في مصر، مثله مثل غيره من الأجيال أو الحركات الأدبية، بدأ بأسماء عديدة، وأنتهى بأسماء قليلة، شأنه كشأن غيره من الأجيال، وأعتقد أن هذا طبيعي وعادي جدًا، ما ليس عاديًا في ظني، هو التعامل حتى اليوم مع هذا الجيل باعتباره “كتلة واحدة صمّاء”، إما أن تقبلها ككل، أو ترفضها ككل، خاصة على مستوى الحركة النقدية الهزيلة أصلًا في عالمنا العربي اليوم.
نهاية؛ كنت سأرحب أكثر بقراءة إجابات الأسئلة الثلاثة أعلاه من قبل الكُتَّاب والشُّعراء من الأجيال الأخرى، سواء من سبقوا التسعينيات أو من جاؤوا بعدهم، فهم بالأحرى الأحقّ بالإجابة عليها من أبناء الجيل نفسه.
 

مقالات من نفس القسم