اكتب ما لا تعرف

art8
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد رحيمة

إن كنتَ كاتبًا أو بحثتَ قليلًا عما يخص الكتابة، فلا بد أنك سمعت النصيحة الشهيرة التي تقول: “أكتب ما تعرفه.”

كنتُ ولا زلت أختلف مع الشكل الخارجي الذي تقدّمه تلك النصيحة. حين قرأتها للمرة الأولى لم أفهم المقصود، ولا زلتُ لا أفهمه تمامًا إلى الآن، أيعني هذا أن أكتب عن الوقائع التي شهدتها بنفسي فقط؟ أو عن خبراتي الشخصية والخبرات التي تعاملتُ معها بشكل مباشر؟ إن كان هذا هو القصد فإنه يتعارض تمامًا مع هدفي من كتابة القصص والروايات. المتعة بالنسبة لي هي في استكشاف الأشياء التي لا أعرفها، وأن أعرف عنها أثناء الكتابة. أن تأخذني الكتابة إلى المعرفة لا العكس.

أحد أبطال روايتي الأولى (السابع والصندوق) طفل أخرس هو حمزة. وطوال حياتي بأكملها لم أتعامل ولو مرة واحدة مع طفل أخرس. الشعلة الأولى لتلك الشخصية حدثت بسبب إحدى شخصيات رواية The Stand لستيفن كينج. مع أني لم أنتبه لذلك إلا لاحقًا. حين ظهر حمزة للمرة الأولى على الصفحات وأنا أكتب واكتشفتُ أنه أبكم، ذهبتُ حينها للبحث عنهم. لم أكن أنوي قبل الكتابة أن يكون حمزة أبكم. لم أكن أعرف حمزة قبل الكتابة. عرفتُ أثناءها من هو. بحثتُ بعدها عن البكم وقرأت عنه وشاهدت وثائقيات. واستكشفتُ بمخيّلتي كيف سيكون شعور حمزة وهو يلعب مع أصدقائه الذين يتكلمون. لم أعرف واحدًا مثله طوال حياتي. لو كنتُ اقتصرتُ الكتابة على ما أعرفه فقط، لما قابلتُ حمزة ولا عرفته. عرفتُ ما أريد الكتابة عنه ثم كتبتُ. فعلُ الكتابة هو الذي يقود للمعرفة.

بالطبع يكون الأمر عكس ذلك أحيانًا، حيث أعرف عن الشيء أولًا أو أقابله، ثم تأتيني الرغبة بالكتابة عنه. ولكن ما فهمته من تلك النصيحة، “اكتب ما تعرفه”، أنها تحتم عليّ أن ما أكتب ما أعرفه فقط. إن ذلك يحرمني من الكثير من المعرفة. حياتي القصيرة وخبراتي الضئيلة لا يكفون. ثم إنه إن كان كذلك فقط فهو في غاية الملل.

في مقال بعنوان: (Should you write what you know? 31 Authors weigh in) (هل عليك أن تكتب ما تعرفه؟ 31 مؤلف يجيبون)، والمنشور على موقع LitHub، جمعت الكاتبة إيميلي تيمبل آراء 31 كاتبا عالميا عما يخص تلك النصيحة.

سأترجم هنا إجابات 3 كتّاب أحبهم.

 

كازو إيشيجورو (الحائز على نوبل في الأدب عام 2017):

“إن (اكتب عما تعرفه) أغبى شيء سمعته. نصيحة تشجع الناس على كتابة سيرة ذاتية مملة. إنها عكس إطلاق شعلة الخيال وقدرات الكتّاب.”

 

دان براون (مؤلف شيفرة دافنشي وغيرها من الأعمال الشهيرة):

“كثير من الناس يقولون (اكتب ما تعرفه). أشعر أنه من الصعب جدا الانخراط بشكل فكري لمدة عام او اثنين في موضوع واحد. عليكَ أن تكتب ما أنت بحاجة للتعلم بشأنه. اجعل عملية الكتابة عملية تعلم بالنسبة لك. في رواية (الجحيم) عرفتُ الكثير مما كنتُ لا أعرفه عن الهندسة الوراثية، وعن دانتي. وعملية تعلّمي، أثناء كتابة الرواية، وأثناء البحث والتكلم مع متخصصين، هي التي حافظت على حماسي. لهذا إذا قال كاتب شاب: “لا أعرف ما عليّ الكتابة عنه.”، سأسأله: ما الشيء الذي أردت دومًا أن تعرف عنه أكثر؟ اذهب واعرف عنه. إن أردت أن تعرف عنه فمن المحتمل أن هناك شخص آخر يريد ذلك، واجعل عملية تعلّمك هي الحافز الذي يدفعك لاصطحاب الآخرين في تلك العملية، خلال روايتك.”

 

لي تشايلد (مؤلف السلسلة الشهيرة جاك ريتشر):

“أظن أن (اكتب ما تعرفه) نصيحة شديدة السوء. قليلون جدًا يعرفون ما يكفي لجعل قصة ممتعة، وقليلون جدًا يستطيعون مراوغة الكتابة المملة والمكتظة التي تنتج عادةً عن ذلك. ولكن (اكتب ما تشعر به) نصيحة جيدة. إن شعرتَ من قبل بالخوف أو القلق أو الغضب أو النشوة، استرجع تلك المشاعر وأطلقها حسبما يناسب احتياجات حبكتك.”

 

لذا إن كان المقصود بتلك النصيحة هو أن أعرف ما سأكتب عنه ثم أكتب عنه، أو أن أكون واعيًا بما أكتبه، فلسنا مختلفين.

 

 

مقالات من نفس القسم