إيهاب خليفة
-0-
“..تَائِهٌ وَ أَسْتَفْسِرُ عَنِ الطَّرِيقِ..”
جوجل إيرث
-1-
أحملُ قُمامةً من ذكرياتٍ،
أرتدي يابسةً
بها ألفُ رقعةٍ من الخذلان،
عبرَ شيخوختي، أمضي
باحثًا عن وجودي
الذي نسيتُهُ
كما تُنْسَى الأحلام بعد يقظة مفاجئة
على وسادة متربة،
وحيدًا
ولا شيءَ يشبهني سوى صحراء
مرت عليها ريح غامضة
ومرت الريح غامضة
دونما أثر.
-2-
طاعنًا في الهذيان،
سألتُ بحرًا عن يابسةٍ مفقودةٍ؛ فأغرقني.
سألتُ يابسة عن نهر أحنُّ إليه،
فخاصمتني.
سرتُ وراء ستة آلاف فراشة
من الحنين.
صعدتُ أعلى قمة من الاحتمالات،
تمشيتُ فوق سحابات أسى،
حتى سقطتُ
قطرة
قطرة
في مطفأةِ سجائرَ للزمن.
-3-
أنا جـــوجل إيــــــرث
لا أجد من يقودني إلى حيث أريد،
ولا أذكر ماذا أريد!
…تائهًا…
وبلا طمأنينة، أمضي
في تيه يفضي بي
إلى الضياع…
-4-
أنا
مجرمٌ،
دللتُ كوابيسَ كثيرةً على مخابئ مُطارَدين،
أرشدتُ احتمالات غامضة
إلى حيث يوجد أعزل
إلا من مخاوفه،
وحيث تزوره غابةُ الهواجس،
حملتُ إليه الكفنَ الرحيمَ،
قلت: ليرتاح من مطاردات تنهك حدائقه،
وبررت لنفسي
اغتيال كل شيء.
-5-
مع الصواريخ الأكثر سفالةً،
لم أهرول؛ لأنقذ عصافيرَ زينةٍ،
أو أسماكًا مشغولةً بالفراشات
التي تسكن جلدها،
أو زهرة متيمة بالحب.
الذين علقوا بالمكان لم يكن لهم ذنب
سوى حمقي.
-6-
قتلتُ ابتساماتٍ بأطفالها،
نسفتُ ذكرياتٍ كانت تلهو في أراجيحَ طيبةٍ،
فجرتُ هاتفا ينشد مساعدة من شفةٍ ما،
من روحٍ ما،
لقلبٍ ما،
كأسوأ حذاء في قدمٍ قاطع طريق كنتُ،
كمرحاض تفرغ فيه الحرب عادتها،
أو تقيء فيه الذكرياتُ…
نسيانَها البغيض.
-7-
أيضًا
استدرجتُ جيوشًا؛ لتمشي من تيه إلى وطن،
دون أن أدلها على ينابيعَ – كانت- قريبةً،
تركتُها تموتُ كأفيال الغابات في مواسم
انتحار الأشجار، وهذيان الشمس.
..
تركتُها تتحللُ كجثةِ نهارٍ
مات بطيئا
ومرتعدا
وبلا هاتف
في الليل.
-8-
لا أستطيبُ الضوءَ،
أنا منحدرٌ من سلالةِ خفافيشَ،
الليل لا يعطل خطواتي
مهما كان ملغمًا بالهواجس.
يقال أن في سلالتي،
– ولا أعرف كيف –
عرقا كلبيًّا،
مما جعل لي حواسًا فوق بشرية.
-9
كنيزك رحيم أخبركم بإحداثيات الذكرى؛
ومسارات النسيان!
– تقدموا يمينا بعد ثلاث عجائز،
ثم يسارًا بعد خمس ضحكات يابسات.
– سيروا باتجاه الشمس التي تقيء،
ثم توقفوا عند وجه الليل الممزق.
– وراءالظل،
مع النهار النحيل،
قبل ماسورة الذكرى.
– عند كشك الأمنيات المشمَّع، بجوار مقبرة الصرخة.
–10–
تحت هذه القصور توجد جثثُ قصورٍ أخرى
عميقة في جلد الأرض المتيبس،
ودونما نعش
توجد تعاساتٌ مطمورةٌ في النسيان،
تصرخ كل ليلة ولا يسمعها أحد،
توجد أحلام هنا
كانت تتمشى بفساتينَ مكشوفةٍ عند الصدر،
وبلا أكمام،
وُضعت كماماتٌ فوق أنوف هذه الأحلام
حتى ماتت مغدورة.
عند هذا المرحاض كانت صومعة ناسك،
تتبرك بها أنامل وشفاه.
سلة النفايات تلك موجودة مكان شرفة لديكتاتور
كان في داخله مئات المناطيد الهوائية،
طارت تباعا كسرب جراد،
ثم تلاشت كفقاعة.
–11–
هنا كانت توجد قُبلة
تحت هذه البناية الغامضة،
التي تغوص عشرات الصرخات في صمت الأرض.
ثمة عاشقان احتميا بتوتة عظيمة،
أخذا الأحلام في حكاية
تطير بعيدًا عن الحقد ،
و قبل اشتباك متوقع؛
رفرفا كملاكيْن وغابا
بينما ظلت القبلة معلقة.
كان من المفترض أن تكون هنا مقبرة مقدسة
للحنين،
للحرير
أولقبلة غامضة
لكن لكي لا يرجعَ الحبُّ ثانية،
إلى ديارٍ كهذهِ
بُنِيَتْ هنا ثكنةٌ عسكريةٌ غامضةُ الوجود.
–12–
أنا جوجل إيرث
.. جزء من عنكبوت هائلة خلقتها آلهة المتاهة،
كل ليلة ألتهم حواس المغدور بهم،
ألتهم الضحية بينما أمصمص الحواس:
عبر يوتيوب ألتهمُ المخيلة،
عبر ماسنجر أربك الوحدة،
عبر ياهو ألغمُ المصير،
عبر توتير أضخمُ الأنا،
عبر فيسبوك أصنعُ عائلة مضادة للعائلة،
عبر إنستجرام أسلعِنُ الطمي.
أنا النخاس الرقمي
القواد الافتراضيّ
سلاسلي كلمات مرور،
و مقبرتي
شاشة باللمس.
………….
* مقاطع من “اعترافاتٌ مُوجزةٌ لجوجل إِيرث” تحت الطبع