احذروا من الأفلام العائلية الهوليوودية!.. (نقاط مخيفة فى أعمال لطيفة)

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

لا أخفيكم سرًا؛ رغم أنى تجاوزت سن الرشد بزمن، فإنى صرت أبتعد عن الأفلام الهوليوودية ذات التصنيف R، الموجهة للكبار فقط، وذلك لطغيان الجنس، والعنف، والبذاءة اللفظية، والأفكار الإلحادية عليها. للأسف، مصنع الأحلام اللطيفة الذى تربينا على أعماله أمسى فى العقود الأخيرة مصنع كوابيس. لهذا صرت متابعًا لأفلام التصنيف G الموجَّهة لكل الأعمار بما فيها أطفال سن الروضة، وأفلام التصنيف PG الموجهة للأطفال لكن تحت إشراف الوالدين، وكلاهما تصنيف يندرج تحته ما يُعرَف بالأفلام العائلية، التى تختفى منها العناصر المؤذية السابقة، وتقدم – أحيانًا – درسًا أخلاقيًا إلى جانب المتعة والترفيه؛ وهو غاية المراد بالنسبة لى كمشاهد. لكن – وحاول تخيل مأساتى – حتى هذه الأفلام، المُفتَرض أنها أليفة، صرت أقابل فيها المقرف والمزعج، وأصبح لزامًا علىّ أن أشاهدها بحذر، وأفرز للصغير صالحها من طالحها.  

الأسباب واضحة وبسيطة؛ فهذه الأفلام إنتاج أمريكى، وهى تقدم ثقافتها التى تختلف عن ثقافتنا. صحيح أن الانفتاح على المختلف ضرورى؛ فقد نجد فيه الغائب عنا، والواجب تعويضه فينا، لكن هذه الثقافة تحمل المعيب والمنحرف، والمشكلة الأكبر أنها تنتشر بيننا، وتحظى بإعجابنا.. لماذا؟ لامتلاكها قوى الشيوع والجاذبية، ولغياب المصفاة الخاصة بنا، التى تجيز وتحجز وفق أصولنا القيمية؛ بسبب ما نعانيه من انهيار تعليمنا، وتردى ثقافتنا. ومن ثم، يحدث تأثر بتلك الثقافة الأجنبية؛ يمدنا بإيجابياتها نعم، لكن يوقعنا فى أوحالها أيضًا!

لن أطيل عليكم فى كلام نظرى، فما أحلى الكلام العملى، لذا تعالوا نراجع هذه المجموعة من الأفلام الهوليوودية الشهيرة، المنتمية إلى التصنيف الرقابى G، وPG، لنرى هل كانت أفلامًا لطيفة بالكامل، نأمن لها ولخطاباتها، أم أنها شملت ما لا يُطمئَن له، أو يُحمد عقباه؟!

**************************

رسائل مقلقة:

فيلم The Muppet Movie أو فيلم عرائس المابيت (1979)، إخراج: چيمس فراويلى.

رغم أن الفيلم يحكى قصة رائعة عن كفاح ضفدع لتحقيق حلمه فى صناعة عمل سينمائى يجمعه وأصدقاءه الفنانين المغمورين، ورغم أنه حافل بمرح طفولى، وأغانى مؤثرة، وضيوف شرف من كبار النجوم، فإن ثمة نقطة فيه لم تُرِحْنِى مطلقًا؛ فالضفدع يتصادق وفرقة روك هيبية تعيش فى كنيسة مهجورة، بل تنوى تحويلها إلى مقهى تُعزَف فيه الموسيقى! ومن ملامح السخرية أن على باب الكنيسة لافتة تعلن أن نهاية الضلال فى “هارى كريشنا”؛ وهى منظمة دينية هندوسية ظهرت فى الولايات المتحدة سنة 1965، والسخرية هنا من تحلّل الدين فى المجتمع؛ فلا هذه الكنيسة صارت تقيم الصلوات المسيحية، أو تعطى دروسًا هندوسية، لكن الأنكى أنها ستتحوّل إلى محل تجارى يبيع المشروبات والموسيقى؛ وكأن هذا هو الحل الأمثل بدلًا من إعلاء القيم الروحية، وإذا ما كانت أىّ من هذه التفاصيل بعيدة عن وعى الصغار، فإن فكرة مسخ دار العبادة إلى مكان للتسلية تصل إليهم، ومن شخصيات يعدّها الفيلم طيّبة ومبدعة، ولا يتم إدانتها داخل الأحداث بأى شكل!

**************************

البذاءة الحاكمة:

فيلم The Goonies أو الحمقى (1985)، إخراج: ريتشارد دونر.

لا شك أنه فيلم مغامرات ممتع، يدور حول مجموعة أطفال يبحثون عن كنز، ويحاربون عصابة تلاحقهم. لكن لا شك أيضًا أن كوميديته سقطت فى حضيض البذاءة؛ فالحوار متخم بألفاظ خارجة، وهناك تعبيرات جنسية يغيظ بها الأبطال بعضهم البعض (كأن يقول أحدهم أنه سيقيم علاقة مع والدة الآخر!)، ناهيكم عن مشهد لتمثال رجل عار يلهو الأبطال بأعضائه التناسلية لأكثر من مرة، وقبلات بين أفراد هذا الفريق وبنات أكبر سنًا. حسنًا، من زاوية متساهلة جدًا، سنقول إن الفنان حر فى إبداعه، وهذا ما يراه فنًا، لكننا – كذلك – أحرار فى اختيارنا، وأنا لا أرى فى ذلك فنًا بقدر ما أرى انحطاطًا، وفى ظل ظروف متعددة؛ يتحوّل أبطاله المعتلين إلى قدوات، وأفيهاته القذرة إلى كلام دارج على ألسنة الصغار. العجيب أنه رغم ظهور التصنيف الرقابى PG-13، أو ممنوع لأقل من 13 سنة، قبل إنتاج هذا الفيلم بعام، فإنه عُرِض تحت تصنيف PG الذى يبيحه للسن الأصغر من ذلك!

**************************

الشذوذ الجنسى:

فيلم The Princess Diaries 2: Royal Engagement أو مذكرات الأميرة – الجزء الثانى: خطبة ملكية (2004)، إخراج: جارى مارشال.

تضطر الأميرة الشابة الظريفة من الجزء الأول إلى البحث عن زوج، بسبب قانون ما فى مملكتها يلزمها بالزواج فى سن الواحدة والعشرين، لهذا يُعرَض عليها مجموعة من الصور لأمراء عزّاب، حتى تختار من وسطهم عريسًا، وحينما تختار منهم شابًا وسيمًا، يخطرها خادمها بأن هذا الأمير شاذ جنسيًا، وله “حبيب” يراه وسيمًا أيضًا، فترفع البطلة ذراعها، كما صديقتها المُقرَّبة، هاتفتين معًا: “Right on!”، وهو صياح موافقة وتشجيع يعكس موقف البطلة وصديقتها من الشذوذ الجنسى بشكل عام. لا يتبقى إلا إبلاغكم أن هذا الفيلم نال تصريحًا رقابيًا فئة G؛ أى يمكن عرضه على أصغر الأطفال، دون إشراف من الوالدين!

**************************

الابتذال ممتع؟!

فيلم Flubber أو فلابر (1997)، إخراج: ليس مايفيلد.

سأنسى أن نجم الفيلم روبين ويليامز، المعروف بأداءه الكوميدى البارع، لم يبد هنا أى براعة، وسأنسى أن الفيلم إعادة ضعيفة لفيلم The Absent Minded Professor أو الأستاذ الجامعى شارد الذهن (1961)، لكنى لن أنسى كيف احتوى هذا الفيلم على كوميديا لفظية وبصرية لا تناسب الأطفال، أو حتى الناضجين. تأمل معى هذه اللحظات: يدخل البطل إلى محاضرته، ثم يكتشف أنها محاضرة فن تشكيلى تحتوى على عارض وعارضة شبه عاريين! يستمع البطل خطأ إلى سؤال، ظانًا إياه “كيف تعالج استثارتك الحسيِّة؟”، فيرد بإجابة صادمة! يبتلع الشرير كرة مطاط سريعة، فتخرج من مؤخرته! كانت هناك عشرات البدائل لهذه اللحظات، والتى يمكنها الإضحاك على نحو أقل رخصًا، لكن انتصر الابتذال فى فيلم موجَّه للصغار. لذا فإما أن هذا اختيار خاطئ من جانب صناع الفيلم، تماهت معه الرقابة الأمريكية، وسمحت به لجمهور الأطفال، وإما أن هذا ما يعتبره صناع الفيلم، ورقابتهم، ترفيهًا للأطفال؛ وهو ليس بالضرورة ما يجب أن نعتبره نحن أيضًا.   

**************************

العنف:

فيلم Holes أو حُفَر (2003)، إخراج: أندرو ديڤيز.

طفل يُتهم ظلمًا بالسرقة، فيُودع فى إصلاحية، يجبره مديرها على حفر الصحراء، بحثًا عن ثروة مفقودة. من خلال هذه القصة، يعرض الفيلم شخصيات قاسية، وجرائم شريرة، كى يفوز للشخصيات الطيّبة، لكن ما حدث أنه استغرق حتى الثمالة فى شخصياته القاسية، وجرائمه الشريرة! مثلًا، هناك مُعلِّمة تتحول إلى قاتلة، ثم تجمع ثروة من السرقة، ثم تهدِّدها إحدى تلميذاتها بالقتل للاستيلاء على ثروتها! تعذيب البطل على أيادى زملائه المتنمِّرين طال إلى درجة غير محتملة، وهناك تركيز على وجه الشرير الذى تشوّه بسمّ ثعبانى، وحضور زائد لسحالى مهلكة اللدغات؛ تنتحر بها إحدى الشخصيات الرئيسية! ووسط هذا الجو الشرس، ستسأل: هل غاية الفيلم إنشاء طفل قوى يطيق ذلك، أم هى محاولة لتقديم عمل مختلف المذاق ليس إلا؟ فى الحالتين، هذا أفضى إلى فيلم بغيض العنف مثل أسوأ أفلام الكبار.

**************************

كوميديا الجنس والتقزيز:

فيلم Mousehunt أو مصيدة الفأر (1997)، إخراج: جور ڤربنيسكى.

أخوان يرثان قصرًا، ولا يستطيعان التصرف فيه بسبب فأر مشاغب يسكنه. هذه الفكرة قام بتأليفها وإخراجها أناس لا صلة لهم بسينما الأطفال، أو بالسواء النفسى؛ فالفيلم يبدأ بجثة والد البطلين وقد تم رميها فى بالوعة مجارٍ، بعدها يتعرى ابنه من ملابسه كافة إغواءً لزوجته، ثم يعبث أخوه بجسد امراة بحثًا عن الفأر فيها، فضلًا عن شخص يتقيأ صرصارًا أكله، وآخر يأكل فضلات الفأر؛ لتبلغ الروح الحلقوم، وترفض هذه القذارة كلية. أتذكر على ملصق الفيلم رأيًا لناقد أمريكى يقول: “أكثر فيلم مضحك فى سنة إنتاجه”، بينما هو بالأحرى: “أكثر فيلم مُمرِض!”. التعجب ليس بخصوص صناعة هذا، فالفنان – كما ذكرنا – حر!، وإنما بخصوص كيفية بيع هذا فى فيلم PG؟! فلا أظن أن الاستهانة بأجساد الموتى، والإغواء الحسى، والضحكات الجنسية، واستمراء التقيؤ، وأكل الفضلات بضاعة يجب، أو يمكن، تقديمها للأطفال، وإلإ فأى ذائقة نبنيها فيهم على هذا النحو؟ والسؤال هنا مطروح على هوليوود التى يبدو تجردها من الضمير مؤخرًا، وإلى مشاهديها حول العالم حتى لا ينسوا ضمائرهم. 

**************************

القدوة الرجيمة:

فيلم The Cat in the Hat أو القط فى القبعة (2003)، إخراج: بو وولش.

القصة عن لقاء طفلين جادين أكثر من اللازم بقط متكلم عارم الاستخفاف بكل شىء، وعيشهما مغامرة فانتازية لها معنى بخصوص أهمية تحقيق الاعتدال بين السلوكين. لكن هذا المعنى الجميل تم تقديمه فى إطار قبيح. أنا لا أتحدث عن ماكياچ القط المقزِّز أحيانًا، وشخصيتى مساعديه شديدى الإرعاب، وإيقاع الفيلم المحموم إلى حد منفِّر، والأداء بشع الصخب للبطل مايك مايرز.. فقط. أنا أتحدث أيضًا عن ولع الفيلم بالشخصية المستخفِّة كأنها البطل الآسر، واستعراض سماتها الفاحشة على أنها ظريفة؛ فالقط لا يخجل من إعلان استثارته جنسيًا عند رؤية والدة الطفلين، أو الرقص بلباس سباحة حريمى، أو تعرية مؤخرته لإطلاق الريح منها فى وجوهنا، إلى جانب حديثه عن قطع الخصيتين، وشتم نفسه بأمه، وافتتانه بباريس هيلتون؛ الممثلة والمغنية المعروفة بأعمالها الخلاعية وسلوكها المنحل. يكفى إخباركم أن أرملة أديب الأطفال ثيودور چيزيل، مؤلف الكتاب المأخوذ عنه الفيلم، أفزعها ما شاهدته، مُقرِّرة منع هوليوود من اقتباس أفلام حيّة الحركة عن قصص زوجها ثانية، وإن كان هذا لن يمنع عرض الفيلم على أى شاشة!  

**************************

انقلاب القيم:

فيلم Problem Child أو الطفل المشكلة (1990)، اخراج: دينيس دوجان.

هذا ليس فيلمًا، وإنما جريمة ضد السينما والأخلاق معًا. فى بدايته، يتبنى زوجان طفلًا شقيًا فى السابعة، ثم بعدها، يتفرّغ الفيلم لاستعراض الشقاوة الشيطانية لهذا الطفل، متغزِّلًا فيها بشتى الطرق، دون أن يصلح من حال بطله، الذى يجب أن ينتهى غير ما بدأ؛ كما تقول قواعد الدراما. لكن من قال إن هذا الفيلم يتبع قواعد الدراما؟ إنه يتبع قواعد الإجرام! العمل يقدم لنا طفلًا يضرب غريمه فى منطقة حسّاسة، ويلقِّن ببغائه الشتائم الجنسية، ويصوِّر الناس فى الحمّامات، وينزل سحاب بنطاله أمام أطفال وطفلات جيرانه كى يطفئ نار مخيمهم بالتبول عليها؛ وكل هذا مبيع على أنه “كوميديا”، و – الأسوأ – “عائلية”. غاية الفيلم هى الترفيه، لكن على نحو سافل، يخاطب فى الطفل الجانب الحيوانى لا الإنسانى، مُشبعًا إياه بسلسلة أفاعيل شاذة تعتبر الفجور هزارًا، والإباحى مضحكًا، مؤسِّسة ذوقًا مختلًا يقلب الشرير إلى محبوب، والمتطرف إلى عادى.  

**************************

كانت هذه 8 نماذج لأفلام أمريكية مصنوعة لأطفالك، سيقابلونها فى وسائط مختلفة، لكن يجب الحذر منها، ومن أشباهها. لكن كيف نفعل ذلك فى زمن تجاوز فكرة الرقابة الرسمية؟ الإجابة فى الفرز الفردى، وهى مهمة صعبة وإن ليست مستحيلة؛ تقوم على التوعية بأن الثقافة الأجنبية تشمل قيمًا طيّبة، وأخرى خبيثة، وضرورة الفصل بينهما عبر مقاييسنا الخاصة المستمدة من الدين والأخلاق، إلى جانب البحث عن ثقافتنا القومية، والنهل منها، والاحتماء بها؛ إنها موجودة فى كتب، ومجلات، وأعمال فنية، ربما لا تملك مستوى الإبهار الذى تتميّز به الثقافات الأجنبية، لكنها طريق نجاة ما. باختصار، علِّموا أولادكم أن يشاهدوا، ويستمتعوا، لكن دون أن ينسوا من هم، ومن يجب أن يكونوا.

……………………

*نُشرت مختصرة فى مجلة “خطوة” السعودية – العدد 39 – يوليو 2020.

 

 

مقالات من نفس القسم