اتصال هاتفي ـ دورثي باركر

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ترجمة: أماني لازار


أرجوك يا الله دعه يتصل بي الآن. عزيزي الله، دعه يتصل بي الآن. لن أطلب منك أي شيء آخر، صدقاً لن أطلب. وهذا ليس بالكثير. سيكون أمراً بالغ الضآلة بالنسبة لك يا الله، حقاً أمر ضئيل، ضئيل. فقط دعه يتصل بي الآن. أرجوك يا إلهي. أرجوك، أرجوك، أرجوك.

لو أتوقف عن التفكير في الأمر، ربما يرن الهاتف. أحياناً يحصل ذلك. لو أفكر بشيء آخر. لو أفكر بشيء آخر. لو أعد لأصل حتى الرقم خمسمائة بحلول الساعة الخامسة قد يرن في هذه الأثناء. سأعد ببطء. لن أغش. وإذا ما رن عند وصولي للرقم ثلاثمائة لن أتوقف، لن أجيب إلى أن أصل حتى الخمسمائة. خمسة، عشرة، خمسة عشرة، عشرون، خمس وعشرون، ثلاثون، خمس وثلاثون، أربعون، خمس وأربعون، خمسون… أوه، فلترن أرجوك. أرجوك.

هذه آخر مرة أنظر فيها إلى الساعة. لن أنظر إليها مجدداً. إنها الساعة السابعة وعشر دقائق. قال بأنه سيتصل عند الخامسة.” سأتصل بك عند الخامسة عزيزتي.” أظن أن هذا ما قاله ” عزيزتي” مرتين والمرة الثانية كانت عندما قال وداعاً. ” وداعاً عزيزتي.” كان منشغلاً ولم يتمكن من التحدث طويلاً في المكتب لكنه دعاني “عزيزتي” مرتين. هو لا يمكنه أن ينسى اتصاله بي. أعرف أن ليس عليك أن تستمري بالاتصال بهم، أعرف أنهم لا يحبون ذلك. عندما تفعلين يعرفون أنك تفكرين بهم وترغبين بهم وذلك يجعلهم يكرهونك. لكن لم أتحدث إليه منذ ثلاثة أيام، منذ ثلاثة أيام.

وكل ما فعلته هو أني سألته عن حاله، كما يفعل أي شخص قد يتصل به. غير وارد أن يرفض ذلك. لا يمكن أن يكون قد تناهى إليه بأني أزعجه.” لا بالتأكيد، أنت لا تفعلين،” قال. وقال بأنه سيتصل بي.  لم يكن مجبراً على ذلك القول. لم أطلب منه، حقاً لم أفعل. أنا واثقة من أني لم أفعل. لا أظن بأنه قد يقول بأنه سيتصل بي ثم لا يفعل أبداً. أرجوك لا تدعه يفعل ذلك يا الله، أرجوك لا.

سأتصل بك عند الخامسة عزيزتي.” وداعاً عزيزتي.” كان منشغلاً وعلى عجلة من أمره وكان هناك أناس من حوله لكنه ناداني “عزيزتي” مرتين. لي أنا، لي أنا. أملك ذلك حتى لو لم أره ثانية. أوه لكن ذلك قليل جداً. ذلك ليس كافياً. لا شيء كاف إذا لم أره مجدداً. أرجوك دعني أراه ثانية   يا الله. أرجوك أريده كثيراً. أريده كثيراً. سأكون طيبة يا الله. سأحاول أن أكون أفضل، سأفعل إذا ما جعلتني أراه ثانية، إذا ما جعلته يتصل بي، أوه دعه يتصل بي الآن.

آه، لا تدع صلاتي تبدو ضئيلة جداً عليك يا الله. أنت تجلس هناك في الأعلى، عجوز ناصع البياض، وجميع الملائكة من حولك والنجوم تنساب بالقرب منك. وأنا أجيئك بصلاة عن اتصال هاتفي. آه لا تضحك يا الله. كما ترى، لا تعرف كيف يكون الشعور. أنت آمن جداً هناك على عرشك، والأزرق يدوِّم من تحتك. لا شيء يمكنه أن يمسَّك، ما من شخص يمكنه أن يلوي قلبك بيديه. هذا عذاب يا الله هذا عذاب سيء، سيء ألن تساعدني؟  بحق ابنك ساعدني. أنت قلت بأنك ستفعل ما يطلب منك باسمه. أوه يا الله باسم ابنك الحبيب يسوع المسيح ربنا دعه يتصل بي الآن.

لا بد أن أتوقف عن هذا. لا ينبغي عليَّ أن أكون هكذا. أنظر، من المفترض أن شاب يقول بأنه سيتصل بفتاة وثم يحدث شيء ما ولا يفعل، هذا ليس أمراً رهيباً أليس كذلك؟  لأنه يحدث في شتى أنحاء العالم في هذه الدقيقة تماماً. أوه لمَ أهتم لما يحدث في جميع أنحاء العالم؟ لم لا يمكن لهذا الهاتف أن يرن؟ لم لا يمكنه ذلك؟ لم لا يمكنه ذلك؟ ألا يمكنك أن ترن؟ آه أرجوك هل يمكنك؟ أنت ملعون قبيح رائق. قد يؤلمك أن ترن أليس صحيحاً؟ أوه ذلك قد يؤلمك عليك اللعنة سأنزع توصيلاتك القذرة من الجدار، سأحطم وجهك الأسود المعتد بنفسه إلى شظايا. عليك اللعنة وإلى الجحيم.

لا، لا، لا. لابد أن أكف عن ذلك. لابد أن أفكر بشيء آخر. هذا ما سأفعله سأضع الساعة في الغرفة الأخرى فلا يمكنني النظر إليها. إذا ما كان عليَّ النظر إليها سيتوجب عليَّ السير إلى غرفة النوم وهذا سيكون أمراً عليَّ القيام به. ربما قبل أن أنظر إليها ثانية سيتصل بي. سأكون رقيقة معه لو اتصل بي، إذا قال بأنه لا يستطيع أن يراني الليلة سأقول:” لماذا، لا بأس عزيزي، لماذا، بالتأكيد لا بأس.” سأكون كما كنت معه في أول مرة التقيته بها ثم ربما سأعجبه مجدداً، كنت عذبة دوماً في البداية، أوه من السهل جداً أن تكون عذباً مع الناس قبل أن تحبهم.

لابد أنه لا يزال يحبني قليلاً. لا يمكنه أن يدعوني ” عزيزتي” مرتين اليوم لو لم يكن لا يزال يحبني قليلاً.  لم ينته كل شيء لو كان لا يزال يحبني قليلاً، حتى لو كان فقط قليلاً، قليلاً جداً. كما ترى يا الله، لو فقط تدعه يتصل بي لن أطلب المزيد. سأكون رقيقة معه، يمكن أن أكون مرحة سأكون كما كنت تماماً، وحينها سيحبني ثانية. وحينها لن يكون عليَّ أبداً أن أطلب منك أي شيء آخر. ألا ترى يا الله؟ إذن هلا جعلته يتصل بي؟ هلا فعلت رجاء، رجاء، رجاء؟

هل تعاقبني، يا الله لأني لم أكن صالحة؟ هل أنت غاضب مني لأني فعلت ذلك؟ أوه لكن يا إلهي هناك الكثير من الأناس السيئين-لا يمكن أن تقسو عليَّ وحدي. ولم يكن الأمر بالغ السوء لا يمكن أن يكون سيئاً. لم نؤذ أحد يا الله. الأمور تكون سيئة فقط عندما تسبب بالأذى للناس. لم نؤذ شخصاً واحداً أنت تعرف ذلك. أنت تعرف أنه لم يكن سيئاً، أليس كذلك يا الله؟ إذن هلا جعلته يتصل بي الآن؟

إذا لم يتصل بي سأعرف أن الله غاضب مني. سأصل حتى الرقم خمسمائة مع حلول الساعة الخامسة وإذا لم يتصل بي عندها سأعرف أن الله لن يساعدني ثانية ابداً. ستكون هذه إشارة. خمسة، عشرة، خمسة عشر، عشرون، خمسة وعشرون، ثلاثون، خمسة وثلاثون، أربعون، خمسة وأربعون، خمسون، خمسة وخمسون… لقد كان سيئاً. أعرف أنه كان سيئاً. حسناً يا الله أرسلني إلى الجحيم. أنت تظن بأنك تخيفني بجحيمك أليس كذلك؟ تظن جحيمك أسوأ من جحيمي؟

لا ينبغي علي، لا ينبغي فعل هذا. لنفترض أنه تأخر قليلاً بالاتصال، هذا ليس أمراً يستدعي رد فعل هستيري. ربما لن يتصل، ربما هو قادم من غير أن يتصل. سيستغرب إذا ما رآني أبكي. هم لا يحبونك إذ تبكين. هو لا يبكي. أتمنى من الله بأن أجعله يبكي. أتمنى أن أتمكن من جعله يبكي ويدب على الأرض ويشعر بأن قلبه ثقيل وكبير ويتقيح في داخله. أتمنى لو استطعت أن أجرحه كالجحيم.

هو لم يتمن لي ذلك. لا أظن أنه يعلم كيف أشعر بسببه. أتمنى لو يعلم دون أن أخبره. هم لا يحبون أن تخبريهم بأنهم جعلوك تبكين. هم لا يحبون أن تقولي لهم بأنك تعيسة بسببهم. إذا ما فعلت سيظنون بأنك تملكية ومتطلبة وحينها سيكرهونك.  يكرهونك متى قلت أي شيء حقيقة تفكرين فيه، عليك دوماً أن تلعبي بعض الألاعيب الصغيرة.

أنا أوه أعتقد أنه ليس علينا ذلك، أعتقد أن هذا كان كبيراً جداً ويمكنني أن أقول كل ما أقصد قوله. أظن بأنك لا تستطيعين أبداً. أظن أن ليس هناك أي شيء كبير إلى ذلك الحد. أوه لو يتصل فقط، لن أقول له بأني كنت حزينة بسببه. هم يكرهون الحزانى. سأكون عذبة ومرحة جداً، لن يستطيع إلا أن يعجب بي. لو يتصل فقط، لو يتصل فقط.

ربما هذا ما يفعله. ربما هو قادم إلى هنا دون أن يتصل. ربما هو في طريقه الآن. شيء ما قد حصل له. لا، لا شيء يمكن أن يصيبه. لا يمكنني أن أتصور أن مكروهاً أصابه. أنا لم أتصوره يوماً صريعاً. لم أره ممدداً بهدوء طويلاً وميتاً.  أتمنى لو كان ميتاً. هذه أمنية فظيعة. هذه أمنية جميلة. لو كان ميتاً سيكون لي. لو كان ميتاً لن أفكر أبداً بالوقت الحالي وبآخر بضعة أسابيع. سأتذكر فقط الأوقات الجميلة. ستكون جميلة تماماً. أتمنى لو كان ميتاً. أتمنى لو كان ميتاً، ميتاً، ميتاً.

هذا سخف. من السخف أن تتمنى للناس أن يكونوا موتى فقط لأنهم لم يتصلوا بك في نفس الدقيقة التي قالوا إنهم سيفعلون فيها. ربما الساعة مسرعة، لا أعرف إذا كانت صحيحة. ربما هو لم يتأخر على الإطلاق. أي شيء قد يجعله يتأخر قليلاً. ربما كان عليه أن يبقى في مكتبه. ربما ذهب إلى البيت ليتصل بي من هناك وجاءه شخص ما. هو لا يحب أن يتصل بي في حضرة الناس. ربما هو قلق فقط قليلاً، قليلاً جداً لأنه يجعلني أنتظر. ربما أمل بأني سأتصل به، يمكنني أن أفعل ذلك، يمكنني الاتصال به.

لا ينبغي، لا ينبغي، لا ينبغي علي. أوه يا إلهي أرجوك لا تجعلني اتصل به. أرجوك امنعني من فعل ذلك. أعلم يا الله تماماً كما أنت تعلم بأنه لو كان قلقاً علي سيتصل من أي مكان كان فيه أو لو كان هناك الكثير من الناس من حوله. أرجوك اجعلني أعرف ذلك يا الله. أنا لا أطلب منك أن تسهل الأمر علي، ليس بوسعك أن تفعل ذلك، لذلك كله أنت خلقت عالماً. فقط اجعلني أعرفه يا الله. لا تدعني أستمر بالأمل. لا تجعلني أحدث نفسي بأشياء مريحة. أرجوك لا تدعني آمل يا عزيزي الله، أرجوك لا.

لن أتصل به. لن أتصل به ثانية البتة طوال حياتي. سيتعفن في الجحيم قبل أن أتصل به، ليس عليك أن تعطيني القوة يا الله فأنا أملكها، إذا ما أرادني يمكنه الوصول إلي، هو يعرف مكاني، هو يعرف بأني أنتظر هنا، هو شديد الثقة بي، شديد الثقة. أتساءل لمَ يكرهونك حالما يثقون بك؟ علي أن أفكر بأن شعورك بالثقة سيكون له أثر بالغ العذوبة عليك.

سيكون من السهل جداً أن أتصل به. حينها قد أعرف. ربما لن يكون حماقة ترتكب. ربما هو لا يمانع. ربما سيعجبه ذلك. ربما كان يحاول الاتصال بي. أحياناً يحاول الناس الاتصال بك بواسطة الهاتف ويقولون إن الرقم لا يجيب. أنا لا أقول ذلك فحسب لأهون على نفسي، هذا يحدث حقيقة. أنت تعلم بأن هذا يحدث فعلاً يا الله. أوه يا الله أبعدني عن ذلك الهاتف. أبعدني. دعني أملك بعض الكبرياء. أظن بأني سأحتاج إليه يا الله. أظن بأنه سيكون كل ما أملك.

أوه، وما ذا يهم الكبرياء عندما لا أستطيع أن أحتمل الامتناع عن التحدث إليه؟ الكبرياء بهذا الشكل سخف، أمر صغير تافه. الكبرياء الحقيقي، الكبرياء الكبير هو ألا يكون لديك كبرياء. أنا لا أقول ذلك فقط لأني أريد أن أتصل به. أنا لن أفعل، هذا حقيقة، أعرف أنها حقيقة. سأكون كبيرة. سأكون أكبر من مجرد كبرياء صغير.

أرجوك يا الله امنعني من الاتصال به، أرجوك يا الله.

لا أرى ما يفيد الكبرياء في ذلك. هذا مجرد أمر صغير، ماذا سأفيد من الكبرياء، ماذا سأفيد بإثارة هذه الضجة من حوله. ربما أسأت فهمه. ربما طلب مني أن أتصل به عند الخامسة.” اتصلي بي عند الخامسة، عزيزتي.” ربما قال ذلك، جيداً جداً. ربما لم أسمعه بشكل صحيح.” اتصلي بي عند الخامسة يا عزيزتي.” أنا واثقة بأن هذا ما قاله. يا إلهي لا تجعلني أتحدث بهذه الطريقة مع نفسي. دعني أعرف أرجوك، دعني أعرف.

سأفكر بشيء آخر. سأجلس بهدوء تام. إذا استطعت أن أجلس بهدوء. يا ليتني أستطيع الجلوس هادئة. ربما يمكنني القراءة. أوه، كل الكتب تحكي عن أناس يحبون بعضهم بصدق وبعذوبة. ما الذي يريدون من كتابة أشياء عن ذلك؟  ألا يعرفون أنها ليست حقيقة؟ ألا يعرفون بأنها كذبة، إنها كذبة لعينة؟ ما الذي يجعلهم يروون عن ذلك في حين أنهم يعرفون كم يتسبب بالألم؟ عليهم اللعنة، عليهم اللعنة، عليهم العنة.

لن أفعل. سأكون هادئة. هو ليس أمراً يستدعي الهياج. انظر، لنفترض أنه كان شخصاً لا أعرفه معرفة جيدة. لنفترض أنه فتاة أخرى. حينها كنت سأتصل وأقول،” حسناً بحق الله ما الذي حدث لك؟” هذا ما سأفعله ولن أفكر بالأمر. لم لا يمكنني أن أكون طبيعية وغير متكلفة فقط لأني أحبه؟ يمكنني أن أكون، صدقاً يمكنني. سأتصل به وأكون رفيقة جداً وسارَّة. انظر إذا لم أفعل، يا الله، أوه لا تدعني أتصل به، لا، لا، لا.

إلهي، ألن تجعله حقاً يتصل بي؟ هل أنت واثق يا إلهي؟ ألا يمكنك أن ترق أرجوك؟ ألا يمكنك؟ أنا لا أطلب منك أن تدعه يتصل بي في هذه اللحظة يا الله، فقط دعه يفعل خلال وقت قصير. سأعد خمسمائة حتى الخامسة. سأفعل ببطء شديد وبوضوح شديد. إذا لم يتصل حينها، سأتصل به. سأفعل. أوه أرجوك يا عزيزي الله، عزيزي الله الطيب، يا أبتي المقدس في السماوات دعه يتصل قبل ذلك الحين، أرجوك يا الله، أرجوك.

خمسة، عشرة، خمسة عشر، عشرون، خمسة وعشرون، ثلاثون، خمسة وثلاثون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 دورثي باركر (1893 ـ1967)  شاعرة أمريكية ، كاتبة قصة قصيرة، وناقدة.

 أماني لازار ـ مترجمة سورية 

مقالات من نفس القسم