أحـمد عبد الرحـيم
دار نص مسلسل “ابن حلال”، للكاتب حسان دهشان، عن العامل الفقير حبيشة، الذى يُجبَر على الاعتراف بجريمة قتل يسر ابنة الممثلة سهام، بدلًا من مرتكبها الحقيقى نائل ابن الوزير ثروت. ورغم وعده بسنوات سجن بسيطة، فإنه يُحكم عليه بالإعدام، ليهرب قبل تنفيذ الحكم، مُقرِّرًا الانتقام.
تجاريًا، احتوى النص على عناصر جاذبة عديدة. فالجو مثير، يحوى صراعًا مشتعلًا، وكونت دى مونت كريستو من العشوائيات، ناهيك عن مشاهد تغازل الجنس من بعيد، وقريب جدًا أيضًا.
دراميًا، هناك إيقاع لاهث. جمل حوار عالية الجودة؛ تتماس ومفردات الشارع الجديدة. بعض الخطوط البارعة؛ كعلاقة الضابط بالصحفية، والتى تمثل فى مجملها العلاقة المتوترة بين القانون والعدالة. الخط الخاص بسعد، منفِّذ العمليات القذرة للوزير، والذى يقلقه وصول طفلته إلى سن البلوغ، مما يعنى – طبقًا لوظيفته – نزولها للسوق كسلعة من هذه التى يسهِّل بيعها وشراءها؛ وهو خط شديد البلاغة والندرة. أو خط عبيط العزبة، مسكَّر، الذى ترهص أحلامه بمستقبل كابوسى، ويعادل بمرارة بين الطهر الأخلاقى والتخلف العقلى. وأخيرًا ذلك التناقض المرعب، بين الشخص المثالى، والعالم المتوحش الذى يعيشه، وهو ما يضعنا أمام اختيارين طاحنين؛ إما أن تحتفظ بمثاليتك لتُهزَم، وإما أن تقضى عليها لتنتصر.
هجائيًا، حَفِل النص بسلبيات مؤسسات كبرى. كالإثارة وتزييف الحقائق فى الإعلام؛ مُمثَّلًا فى الصحف والقنوات الفضائية. الفساد والظلم والضعف فى السلطة؛ مُمثَّلًا فى ضباط وزارة الداخلية ومسئولى الحزب الوطنى. الانحراف الأخلاقى والعنف المرضى فى الأسرة؛ مُمثَّلًا فى أسرة الوزير. التصابى والإهمال التربوى؛ مُمثَّلًا فى أسرة الممثلة. و – ربما لأول مرة – انهيار مؤسسة السجون، والتى تنتشر فيها المخدرات بلا رادع، ويأتمر فيها السجّان بأمر المسجون. ناهيك عن النظرة الكلية لعالم مصر المعاصر، حيث مجتمعان على طرفى نقيض جبار؛ مجتمع الكبار، الأغنياء الحاكمين، الذين يرتعون فى المتع وفاسدون بالكامل، ومجتمع الصغار، الفقراء المحكومين، الذين يعجزون عن الحياة، ويروحون ضحايا لمفاسد الكبار.
إذن أين المشكلة وقد امتلك النص ما يمكن أن يجعله مسلسلًا إجتماعيًا بوليسيًا، يثير قضايا هامة، ويعرض تشويقًا طيبًا، خاصة مع إحاطته بعناصر كلها متميزة؛ كالإخراج القوى، والتصوير المبهر، والديكور الأنيق والمعبر، والموسيقى عميقة الشجن؟! المشكلة لم تكن إلا فى النص ذاته؛ إذ إن المؤلف مال إلى الميلودراما بكل سيئاتها، والتجارية بمعناها المبتذل، ولم يُدِر تحولات شخصياته بصواب.
الميلودراما تنخر فى جسد المسلسل، بكل صورها. مثلًا، المغالاة فى الشر: رشدى جار حبيشة شيطان على الأرض، يبخل على بيته، ويضرب كل أسرته، ويبيع ابنته، ويتسبّب فى انتحار زوجته، ويتحرّش بابنة جارته، ويطرد ابنه بعد تعريته بالكامل (!) لمجرد سعيه للخطوبة بدون إذنه (!!). والصدف: حبيشة يصادف خالد ابن رشدى فى السجن، نائل يصادف ريم أخت قتيلته نائمة فى بيت صديقتها، حبيشة يقابل المجرم الصعيدى المسن كامل فى القسم ثم يصادفه فى السجن، ميمى حبيبة حبيشة تصادف ثروت فى حفلة، الضابط يصادف حبيشة فى المولد الصعيدى (وسط مئات البشر!). و – بالتأكيد – المصائر المأسوية: عادل صديق يسر يصيبه نائل بالشلل، يُسر يطعنها نائل 22 طعنة، عفاف زوجة رشدى تحرق نفسها، سميح زوج سهام يقتله رجال ثروت ضربًا، ميمى تنتحر شنقًا، رشدى يحرقه ابنه، نهلة تموت بعد صفع أبيها سعد لها (!)، مسكر يُقتَل خطأ، حنان وسعد ونائل وثروت يعدمهم حبيشة، وحبيشة نفسه تغتاله الشرطة.. لو أرهقتك القراءة، حاول تخيُّل إرهاق المشاهدة!
التعامل الدرامى مع مجتمع فاسد لا يعنى الانغماس فى فساده، لكن إذا ما كان المؤلف بِدُفِّ الابتذال ضاربًا، فشيمة أهل مسلسله تعاطى المخدرات والخمر، وممارسة الرذيلة، ورقص الكاباريهات. يصل الأمر إلى الإغراقية على مستوى المخدرات؛ فبلطجية الحارة، وزملاء عمل حبيشة، ونزلاء السجن، ويسر، وزوجها نعوم، وصديقتها عزيزة، كلهم يتعاطون الحشيش والبانجو والترامادول والكوكايين، وكأن البلد صارت غرزة كبرى! يصل الأمر إلى ذروة الإزعاج مرتين، مرّة عندما يصبح وفيرًا ومجانيًا؛ فنعوم يتعاطى الكوكايين كما شرب الماء، وعزيزة تتعاطى الكوكايين بـ”لازمة ومن غير لازمة”، لدرجة أن نراها تنفرد بنفسها فى حمام الديسكو للتلذّذ بشم المخدر، لا لشىء إلا لينفرد القاتل بيسر (بدلًا من انشغالها بمكالمة تليفونية مثلًا، أو دخولها الحمام لأسباب طبيعية!). ومرّة أخرى، أعتى، عندما يصبح الأمر إعلانًا طويلًا عن روعة الإدمان، خاصة عندما لا يقدم المسلسل ولو انتقادًا عابرًا للفعل، أو يعرض أيًّا من مخاطره. فمثلًا تتعاطى عزيزة الكوكايين يوميًا، ومع ذلك لا يظهر عليها إلا كل مظاهر الصحة والجمال، بعيدًا عن أى اختلال. فهى لا تعانى مطلقًا من المخدر، بكل كوارثه، أو تتسبّب فى مصائب، بفضل تناوله. وكأن صناع العمل يعلنون أن تعاطى الكوكايين شىء عادى، لا مشاكل فيه، بل هو – مع التركيز على ما يجلبه من راحة وابتهاج – متعة بديعة!!
أضف لذلك إغراقية الفساد الجنسى، فالشخصيات النسائية فى العمل إما ساقطة، وإما تسقط. يسر تمارس الجنس بلا زواج على فراش صديقتها عزيزة، وبقية صديقات عزيزة يمارسن الجنس فى حمامها! سوتى تعمل غانية لصالح ثروت، ثم تشجِّع ميمى على الدعارة. ميمى تخون زوجها، ثم تبيع نفسها بمليون جنيه. حنان تسرق زوجها، ثم تهرب مع عشيقها، ثم تعمل غانية فى كباريه (يبدو فى هذا المسلسل أن كلمة “فتاة” معادلة لكلمة “غانية”!). صحيح كانت هناك نماذج مضيئة كفاطمة الصحفية، ودينا زوجة سعد، لكنهن نقاط فى محيط، إلى جانب أن وجودهن لم ينفِ تلك الرغبة الصارخة فى دفع كل الشخصيات – غصبًا – نحو مستنقع رذيلة سحيق!
الحديث عن “غصبًا” يقودنا إلى أضعف ما فى هذا النص؛ وهى مسألة “تحوّل الشخصيات”، والتى صارت بسبب إدارة المؤلف لها، غصبًا أيضًا، درسًا نموذجيًا فى البناء الخاطئ لتحوُّل الشخصية فى الدراما!
مثلًا، بعد أن كانت ريم نقيض أختها يسر على طول الخط، كإنسانة ملتزمة أخلاقيًا، تدين جميع السلوكيات الخاطئة لأمها وأختها، وتعيش مغتربة وسطهما، ملاحقة طموحها العلمى—تتحوّل فجأة، وبدون أية مقدمات، إلى نسخة مكرَّرة من أختها، لنراها تردِّد قيمًا عدمية، تنشد المتعة المادية ولا شىء سواها، مكتشفة بين ثانية وضحاها “أن العمر قصير ومش عايزين نضيعه من غير متعة!”، فتنطلق للملابس العارية، والرقص فى الديسكوهات، وشرب الخمر، وشم الكوكايين!!! أقسم بالله أنى لم أر تحوّلًا للشخصية، مُدمَّر الأساس ومنافيًا للمنطق كهذا، لا فى أسوأ الأفلام المصرية أو حتى الهندية!
يتفاقم الأمر ليصبح آفة، بل وباء. فميمى، حبيبة حبيشة التى تعبده، بمجرد أن يبيعها أبوها للثرى الخليجى العجوز، تتغيّر ظاهريًا وداخليًا، فتخلع حجابها، وترتدى ملابس ضيقة ومكشوفة، وتعشق الماكياچ الصاخب، وتسمترئ بيعها، ساعية لأن يهبها زوجها كل ما تريد مقابل إسعاده جنسيًا (!!)، ثم تمارس الرذيلة مع جارها الشاب، ثم تبيع نفسها لأحد الرجال نظير مبلغ خيالى، باكية على ما فعله بها بيع أبيها لها؛ رغمًا عن أن ما تفعله لا يصدر إلا من فتاة دائمة الشره، أصيلة الانحراف، لا تريد فى كل مرة إلا الجنس أو النقود، وأغلب الظن أنها لو تزوجت حبيشة من البداية، لخانته مع رجل أكثر فحولة، أو باعته بمبلغ كبير، وإذا كانت فى النهاية انتحرت ندمًا على ممارسة الزنا، فلماذا لم تفعل ذلك بعد أول مرة؟!
أما حنان أخت حبيشة فتوافق، بغباء عجيب، على الزواج من رشدى قاتل زوجته! ثم بعد أن سرقت أخاها بإيعاز من خطيبها الأول صرصار السباك المسطول، ليستولى على المال ويطعن حبيشة بسكين؛ توافق، بغباء أعجب، على خطة الصرصار نفسه كى تسرق زوجها رشدى، وتهرب معه، لمجرد أن ترى بحر الإسكندرية!! أى بحر هذا الذى أغرق التحوُّل السليم للشخصية، لتثق حنان مجددًا فيمن خدعها، وطعن أخاها، وتصير – بعد أن كانت ترفض لمسها بدون زواج – زوجة خائنة أيضًا؟! لا يوجد تفسير غير أن المؤلف عايز كده. الألعن أنه عند خوفها من القبض عليها، تهرب للعمل كراقصة وغانية! الحق أنه مع وجود شخصيات عاهرة أو منحلة من الأصل، مثل سوتى، ويسر، وعزيزة؛ صارت كل الطرق فى ابن حلال تؤدى إلى الحرام، وغدا الكباريه هو الملاذ الأكيد للجميع!
حتى أم حبيشة، تلك المرأة الصعيدية الخالصة، نشهدها وهى توافق كل الموافقة على تحوُّل ابنها إلى قاطع طريق، وزعيم عصابة، وقاتل، بدون ذرة إدانة أو لوم. وإذا ما كانت عقليتها الصعيدية تجعلها ترى انتقامه ممن ظلمه ثأرًا له شرعية، فماذا بشأن من يسرقهم؟؟!! إن مجموع هذه الانقلابات المذهلة لا يشير إلى سهولة التحلّل الأخلاقى فى العالم، وإنما سهولة التحلّل الأخلاقى فى “هذا” العالم!
ينال الوباء الشخصيات الرجالية، وإن كان على نحو أقل. فخالد ابن رشدى، الشاب الخنوع، يصدمه قيام أبيه بدفع أمه للانتحار، وبيع أخته لثرى خليجى مقابل المال، وطرده له مرتين من البيت، حتى انتهى به الحال نائمًا فى الشارع. طبيعى أن يشتد الغضب داخله، والرغبة الانتقامية ضد أبيه، فينضم إلى رجال حبيشة، بعد سيطرتهم على العزبة، ثم يقتل أباه بدم بارد، بعد معرفته لانتحار أخته، هازمًا كل ضعفه السابق، متحوّلًا إلى وحش متبلد. العيب الوحيد لهذا التحوُّل، هو أن إشعال فتيله جاء بسبب انتحار الأخت “بعد” طلاقها من زوجها الخليجى الذى فرضه الأب عليها. أى أنها فازت بحريتها فعليًا، وقد يكون انتحارها قد وقع لأسباب أخرى عديدة، اختزلها خالد، أو المؤلف، بسذاجة فى الأب. لكن إذا ما تغاضينا عن ذلك، فمن المستحيل التغاضى عن “نكوص” خالد، وتحوّله بعد التحوُّل، تاركًا هذه القسوة المرعبة والنظرة الميتة التى ابتلعت شخصيته القديمة، عائدًا إلى الخنوع مجددًا، معترفًا على حبيشة أمام رجال أمن الدولة، ليبيعه لهم، بلا مقابل، واشيًا بكل دقة، بتفاصيل تسليح حبيشة وأماكن رجاله. حسنًا. ما الدافع أولًا لخالد كى يخون الشخص الوحيد الذى أشفق عليه، فى العزبة أو فى السجن، ووهبه الحماية والسلاح؟ لا يوجد. وما الدافع ثانيًا لكى يرتد إلى ضعفه وارتعاشه، ويلقى بشخصيته الجديدة فى سلة المهملات؟ لا يوجد أيضًا!
لا تنس بطل العمل، حبيشة. إن هذا الفتى القناوى النزيه الذى لم يتنفس إلا قهرًا، يسعى لتحقيق العدالة، بعيدًا عن نظام قوّضته فوضى أخلاقية وسياسية واقتصادية. محاولًا بناء يوتوبيا للصغار ضد المدينة الفاسدة للكبار، لكنها وإن جاءت يوتوبيا إجرامية، أثبتت كونها أقل فسادًا وأكثر إنصافًا من العالم المحيط (هناك تلميح ذكى ومخيف، باستقلالية العشوائيات عن المدن، وتحلّلها الكامل من قوانين الدولة). لكن هذا الفتى النزيه.. كيف تحوّل إلى مجرم نبيل؟!! حبيشة لا يعرف السرقة، فكيف يمارسها بهذه البساطة؟! وكيف يستريح لأكل الحرام ما دام باع الزيت المسروق بثمن رخيص؟ وكيف تمكّن من مصالحة عصابات الصعيد المتناحرة؟ أو إخضاعها لتعمل تحت قيادته، وتمده بالسلاح والرجال؟ هل لأنه متهم بجريمة سرقة وقتل فقط؟ أما لأنه يجلس على المصطبة مدخنًا فى ثقة، ومضيِّقًا عينيه؟! متى اعتاد إطلاق الرصاص من المدفع الرشاش بهذه الحنكة؟ وكيف أصبح روبين هود مصر بهذه السرعة؟ ثم كيف بعد أن أقام إمبراطورية الصعايدة، حصل على كل هذه الأموال التى حقّق بها العدالة الاقتصادية فى العزبة، ليوزِّع الطعام مجانًا على الفقراء؟!! منطق الأحداث هنا لزمه شىء من التروى، والبناء الصحيح، عبر أحداث ومشاهد، بخل بها المؤلف على عمله، فقدم فكرة جميلة، لكن فى صياغة ركيكة. وإذا ما كان حبيشة قد جاء من حى عشوائى، فإن تطوّر عالمه لم يقل عشوائية.
ثمة عناصر أخرى ساهمت فى الإساءة للنص، فالعنصر الجنسى، مُمثَّلًا فى شخصية يسر، جاء تجاريًا صرفًا، من أول ملابسها العارية طوال الوقت، إلى اهتمام الكاميرا بتسجيل تضاريس جسدها فى كادرات تعطى كامل التفاصيل؛ وهو ما يلفت النظر بعيدًا عن أى دراما أو أداء تقدمه مشاهدها، ليصبح “جسدها” هو البضاعة الرئيسية.
وبمناسبة الجسد، يقع المسلسل فى عشق التعرى؛ كصورة أو فكرة. ففضلًا عن الملابس المثيرة ليسر، وأختها، وأمها، وصديقتها، وميمى، وسوتى غانية الوزير (بل سكرتيرة الوزير!)، نجد سعد يعرى فاطمة تمامًا ثم يتركها فى الصحراء، ورشدى يعرى ابنه خالد تمامًا ثم يطرده فى الشارع، وخالد يحاول فعل المثل معه لاحقًا، وسوتى يُحقَّق معها عارية إلا من ملاءة، وهناك مشاهد تتعمد الإيحاء أن شخصياتها تنام عارية تحت أغطية الفراش، وتتر النهاية ليس إلا عرضًا بطيئًا لجسد حبيشة عاريًا إلا مما يستر عورته. أليس هذا ابتذالًا؟ ومفرطًا؟!
أداء ممثل شخصية سعد ارتمى فى مبالغة أحادية، فهو يفتح عينيه على آخرهما، ويبتسم الابتسامة الشريرة الواسعة، متعاملًا مع شخصية الشرير باسلوب بدائى ينتمى إلى مدراس عفا عليها الزمن، فما بالك أن سعد هذا – بالأساس – يُفترض أنه واحد من أغنى الشخصيات دراميًا، لحمله قيم الخير والشر معًا فى صراع – للأسف – لم يتح له الظهور بين ثنايا انفعالاته أو وراء قناع شرّه. بذكر المدارس التى عفا عليها الزمن، تابع أداء ممثل شخصية نائل، والذى اعتبر أن المرض النفسى ليس إلا تبريقًا وزعيقًا!
صحيح أن محمد رمضان لا يزال يقاسى نوبات التحوُّل لأحمد زكى، خاصة مع تشابه شخصية حبيشة، إلى حد ما، مع شخصية منتصر التى أداها أحمد زكى فى فيلم (الهروب – 1991)، لكن بفضل جهوده انخفضت كثافة هذه النوبات. ما زاد واستفحل هو السؤال الذى لا إجابة له؛ لماذا لا يتجه للعب الحديد، وبناء العضلات؟! كيف أصدق، أنا وملايين المشاهدين، أنه بطل العالم فى المصارعة، الذى يهابه أتخن تخين؟!! لن يضره، بل سيفيده، أن يحاول إقناعنا بذلك. لأنه ببنيته الجسدية هذه يبدو عرضة للموت إذا ما نفخ فيه أى من كل هؤلاء البشر الذين يقاتلهم فى أعماله، ويهزمهم شر هزيمة!
لن أتحدث عن عدم تدقيقه فى أعماله. لا شك أن شخصية حبيشة أعجبته، ورأى فيها اقترابًا من “أولاد حلال” كثيرين فى مجتمعنا، ولا شك – أيضًا – أن مسائل كالمبالغة المليودرامية، والابتذال التجارى، أعجبته لكونها ستحقِّق نسبة مشاهدة عالية، وستثير الجدل فى وسائل الإعلام المتنوعة، وهو ما يرجوه أى نجم فى بدايته. لكن إذا كان هذا طريقًا صائبًا للشهرة فى زمننا، فإنه ليس طريقًا صائبًا للتمكن الفنى فى أى زمن؛ والرسالة موجّهه لنجم العمل، ومؤلفه، واللذين يحملا موهبة لا جدال فيها، لكنهما يسيئان إليها باختيارات غير موهوبة.
أخيرًا، لدى تعليق حارق. هذا المسلسل، الزاخر بأخطاء الكتابة وأنواع الابتذال، ليس إلا إنتاج قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصرى. أى إنه مُنتَج بأموال الدولة، أو بالأحرى أموال الشعب! يبدو أنه لأسباب مادية بحتة، اضطر التلفزيون القومى أن يستسلم لتجارية رخيصة، بعدما صارت أمور اشتهر بها، ونجح بسببها، كالرقى مثلًا، أعجز من تحقيق رواج جيد هذه الأيام، أو الاستئثار بالمشاهِد من وسط حوالى 60 مسلسلًا تُذَاع فى شهر واحد. باختصار، صار سوق المسلسلات التلفزيونية حاليًا كسوق السينما، تتوسّل فيه للتفوق بألاعيب تجارية، كالجنس والعنف والميلودراما، ولقد نزل التلفزيون السوق كى يبيع، لكنه يبيع – بهذا الشكل – سمعته وتاريخه أيضًا.
لا يكاد “ابن حلال” ينحت أمير إنتقام جديدًا، حتى يحطّمه بميلودراما زاعقة، وابتذال للجنس والعنف والمخدرات، وهدم لقواعد تحوُّل الشخصية فى الدراما. إن هذا النص يشبه إلى حد كبير شخصية يسر، من حيث الفتنة الظاهرية، والتشوه الداخلى أيضًا، وبينما تروح هى ضحية القتل، يختار هو الانتحار.. بملء إرادته.
بطاقة المسلسل
ابن حلال
تأليف: حسان دهشان.
بطولة: محمد رمضان – وفاء عامر – محمود الجندى – ريهام سعيد – أحمد فؤاد سليم – محسن منصور – ميريهان حسن – حسام داغر – سهر الصايغ – وفاء قمر – نورهان – حنان سليمان – هالة فاخر – أحمد حاتم – إسلام جمال – سارة سلامة.
منسق مناظر: عباس صابر – شادى عباس.
الموسيقى التصويرية: خالد جودة.
مدير التصوير: أحمد زيتون.
اخراج: إبراهيم فخر.
……………..
(نشرت فى مجلة أبيض وأسود / العدد 33 / سبتمبر 2014)