في قصة الشك، تتجرع الزوجة مهانة التغاضي عن انتهاكات زوجها المحتملة للعلاقة المقدسة، تتحمل أن يقتل الألم جزءا منها لتسمح للجزء المتبقي بالعيش، حيث ضياع الأولاد والوحدة وأطماع الناس تتربص بها إذا ما انتصرت لكرامتها وغالبت ألما يخنقها عندما يلقي الشك بظلاله على تفكيرها، ويكون عليها المفاضلة بين ألمين أو أكثر، تماما مثل ما وجد البطل نفسه في قصة “الحاجز” منتقلا من كونه صاحب قضية ومطارد إلى آخر مجهول لا يعبأ به أحد، أليس موجعا أن ينتهي النضال إلى أثر باهت أو ظل شفاف لا يثير نقمة أحد أو حتى شفقته؟ ويواصل محمد جعفر ابتكار الألم على نحو آخر في قصة “المرأة التي سقطت من غيمة” حيث تتعذر على البطلة الحياة ويتمنع عليها الموت المخلص إذ حاولت الانتحار لتهرب من وجع الأنثى المستباحة الحرية، وتصبح فوق ذلك محط اللوم المريض بالروح الجماعية التي صنعتها قرون من النظرة الفوقية للنساء ككائنات غير مؤهلة، وتبقى على الحاجز الفاصل ما بين الموت والحياة، تقف على قمة شاهقة من الفجيعة لا يطاولها حتى الألم بجبروته مهما أعيد ابتكاره ليكون على مقاس محنتها. نوع آخر من الألم طرقه الكاتب في قصة أخرى هي “الفحل الذي أكل قلبه”، ألم يقتل إنسانية الإنسان حتى لو كان برتبة مثقف، كاتب لامع يبحث عن الارتواء الحسي يتخذ من لقائه مع كاتبة مغمورة تريد ان تتسلق سلم المجد والشهرة، لا بموهبتها، بل بجسدها الفوار تمنحه ثمنا لمديح مضلل من طرفه يعينها على البروز، يتخذ من اللقاء وهو الذي جفت قريحته ونضب معين خياله قصة يدفعها لمجلة تستكتبه، ثمن مادي زهيد لقاء خسارة نفسية لا تعوض. ومن أجل أن ننهي هذا المسح الانتقائي للمجموعة، وبفضل قصة “الأعمى مبصرا”، سيكتشف القارئ أن الألم قد يكون مثمرا أحيانا، يمنح البصيرة ويحارب عمى السذاجة وقلة الحيلة والتجربة المحدودة، حيث يفهم البطل أن ألم غيرته على حبيبته السابقة وتجاهلها إياه أن الحب –مثل أي قضية إنسانية- يبقى قضية صادقة ما لم يخذلها الزمن أو تخونها التجربة أو يلوي زمامها المحك). لنتعلم أن التقدم في حياتنا واستكشاف دروب جديدة فيها إنما هو صنيعة الم عابر مهما كانت حدته نجم عن عمى مؤقت أو قصر نظر كان يجب أن ندفع ثمنه لنتعلم.
………….
* روائي وأكاديمي من الجزائر