أجرى الحوار: أحمد عبد الرحيم
من حوالى أسبوع، وصلنى إيميل باللغة الإنجليزية، مُرسَل ممن عرّفوا أنفسهم لى كشركة إنتاج فرنسية تدعى GANKO FILMS، يدعوننى لمشاهدة فيلم أنتجوه هذا العام (2013)، يدعى Phantom أو شبح. فى الأساس، هم وجدوا بريدى الإلكترونى على موقع IMDb، ضمن مقالات النقد السينمائى التى أنشرها هناك تحت اسم (Elshikh 4)، لكنهم لم يتصلوا بى لأنى حاصل على لقب Top Reviewer فى هذا الموقع، أو لأن عدد مقالاتى وصل إلى 1155 مقالة، وإنما لأنى – كما تضمنت رسالتهم – أكتب عن أفلام غير أمريكية، أو أفلام أمريكية غير تقليدية. أحالتنى الرسالة إلى موقع به نسخة من الفيلم، مترجمة إلى اللغة الإنجليزية، يمكن مشاهدتها on line، لكن بعد كتابة كلمة سر معينة، سيتم تغييرها بعد أيام.
الفيلم عبارة عن حوار يمتد لمدة 76 دقيقة، بين فتاة عادت ليلًا من عملها اليومى، لتعانى الأرق، وفتى يجاورها فى الفراش، كلاهما يعانى الخوف والاغتراب فى مدينة قاسية تكاد تمسخ سكانها، فيتبادلان الآلام والآمال، طيلة هذه الليلة، حتى تبزغ الشمس، ويستبشران خيرًا بالنهار الجديد. فى بداية المشاهدة، شعرت أنى بصدد عمل بدائى، لكن بعد أول 5 دقائق، فوجئت بأنه عمل جميل، يمثل اتجاهًا فنيًا مختلفًا، ويقدم مستوى متميزًا على صعيد الكتابة أو الإخراج، وبأنه عالمى فى إنسانيته، وشديد الصدق فى مناقشته لأزمة الشباب ليس فقط فى طوكيو، حيث تدور الاحداث، وإنما فى أى مدينة كبرى.
وعليه، انفعلت بالفيلم، وكتبت مقالة عنه فى IMDb، ليصلنى إيميل جديد من شركة الإنتاج، يطالبنى بمعرفة عنوانى فى مصر، كى يُرسلوا لى نسخة DVD من الفيلم كهدية على المقال، ليس لرؤيته الإيجابية، وإنما تطبيقًا لخطة ترويجية هدفها مكافأة كتّاب أول 15 مقالة عن الفيلم، سواء مدحوا أو قدحوا. طبعًا، رفضت العرض، لأنى لا أكتب فى هذا الموقع انتظارًا لمكافأة، كما أن مشاهدة هذا الفيلم كانت مكافأة كافية لى، وإن كنت طمعت فى شىء آخر، وهو محاورة مع مؤلف / مخرج الفيلم، الفرنسى (جوناثان سولير). طلبت منى شركة الإنتاج الإنتظار كى يعرضوا الأمر عليه، وقبل مرور يوم، وجدت ردهم بأن الرجل يرحِّب، بل على حد قوله “يتشرّف” بإجراء محاورة مع صحفى مصرى، وأتذكر تعليق شركة الإنتاج: “..وما أجمل تجاوز الحدود الثقافية، عندما يُخرِج مخرج فرنسى، فيلمًا يابانيًا، ويكتب عنه صحفى مصرى!”.
أرسلت أسئلتى إلى (سولير)، والذى اكتشفت من خلال إجاباته أنه قمة فى التواضع ومحبة الفن، وها هو الحوار كى تحكموا بأنفسكم..
سيد سولير، حدثنا عن المؤلف والمخرج السينمائى الفرنسى جوناثان سولير، من هو؟ ولماذا يُخرج أفلامًا فى اليابان وليس فرنسا؟!
قبل أن أوضّح لك لماذا صنعت فيلمين فى اليابان (فيلم Aru manazashi أو نظرة محددة 2011، ثم Phantom أو شبح عام 2013)، لابد أن أشرح لك أننى عندما اكتشفت السينما اليابانية، خاصة أفلامهم المستقلة المنتمية لنهاية ستينيات القرن الماضى وسبعينياته، انبهرت بها للغاية، لدرجة أنى فكرت فى أهمية دراسة اللغة اليابانية لأتفهّم هذه الأفلام أفضل. وهكذا بدأت الحكاية. لذا بدأت أعلِّم نفسى، ثم استكملت ذلك فى الجامعة. وقضيت سنتى الجامعية الثالثة بإحدى جامعات طوكيو ضمن برنامج تبادل الطلاب. لقد كان ذلك عام 2009 / 2010، حيث كانت أول رحلة لى باليابان، وفى الواقع أول رحلة لى خارج بلدى فرنسا. وقلت لنفسى وقتها، إنى لن أعود إلى فرنسا إلا بعد أن أخرج فيلمًا. لكن لعدم امتلاكى المال اللازم، قرّرت استخدام تقنية POV (تقديم الصورة من وجهة نظر عين واحدة طوال الفيلم)، وأسلوب أفلام found-footage (كأن يبدو مستوى الصورة سيئًا عن عمد؛ للتعبير عن قِدم وقت التصوير، أو رداءة تخزين الفيلم، أو فقر الفيلم الخام) مُنفِّذًا ذلك عبر كاميرا رخيصة. بعد هذه التجربة، التى أنتجت فيلمًا مدته 52 دقيقة، شعرت بالثقة، وفكرت فى أنى أستطيع إتمام فيلم أطول. لذا يمكنك القول إن حبى للسينما اليابانية دفعنى إلى تعلم اللغة اليابانية، والذهاب إلى اليابان مرتين، مما أعطانى الفرصة لصناعة أفلام هناك.
من هم مخرجوك المفضلون؟ ولماذا؟
هناك عدد كبير، أنا فعلًا أشعر بالخجل لعجزى عن ذكرهم جميعًا. لكن لو التزمنا بمن كان لهم التأثير الأكبر علىّ، إذًا لابد أن أذكر أولًا Maya Deren أو مايا ديرين (مخرجة أمريكية، عاشت بين عامى 1917 و1961، وأخرجت أفلامًا عُرِفت بالتجريب وصفرية الميزانية)، والتى تعلّمت منها أنه عندما تصنع فيلمًا، لا يوجد قواعد يجب أن تتبعها، وأن الفيلم لا يتوجّب عليه أن يحمل معنى كى يصبح مثيرًا للاهتمام، وأنه – قبل كل ذلك – إذا أردت صناعة فيلم، فعليك بحمل الكاميرا، والتصوير، بدون أن يتدخل أحد.
بعض من المخرجين الذين أفضّلهم يشتركون فى هذا التمرد وهذه الحرية؛ مثل الفرنسيين Jean-Luc Godard أو جون لوك جودار، Chris Marker أو كريس ماركر. بالإضافة لبعض مخرجى السينما اليابانية المستقلة فى الستينيات أمثال Koji Wakamatsu أو كوجو واكاماتسو، Toshio Matsumoto أو توشيو ماتسيموتو، وShuji Terayama شيجا كوجو واكاماتسو تيراياما.
من المخرجين المعاصرين الذين أفضلّهم: الأرجنتينى Gaspar Noé أو جاسبر ناى، لأنه يحاول جاهدًا دفع حدود اللغة السينمائية إلى آفاق جديدة فى كل فيلم يقدّمه، ويبدو أنه لا يتضايق مطلقًا من تقديم فيلم يعلم أن عددًا كبيرًا من الناس سيكرهه. أيضًا المخرجة اليابانية Naomi Kawase أو ناعومى كاواسى، لإيقاعها التأملى البطىء. وأخيرًا الفرنسى Quentin Dupieux أو كوينتن دوبوكس، لأنه – فى رأيى – استوعب تمامًا الطريقة المختلة والظالمة التى تُنتَج بها الأفلام (خاصة فى فرنسا)، ويُبقى ميزانية أفلامه فقيرة جدًا، حتى لا يضايقه أحد وهو يصنع أفلامه الكوميدية السريالية العجيبة!
كلهم يشتركون فى كونهم يؤمنون بأنه لا توجد قواعد فى صناعة السينما، وأن الدافع الرئيسى يجب أن يكون المتعة، والإثارة، والشغف فى أن تكون مبدعًا، وهو ما لا أشهده فى أغلب الأفلام التى أراها.
من أين أتت فكرتك لفيلم Phantom أو شبح؟ بشكل آخر، من الواضح اهتمامك بما أسميه “ماسأة المدينة”، أو معاناة الخوف والوحدة فى المدن الكبرى، فهل تعيش هذه المأساة؟ وهل كان بطلا الفيلم “هى” و”هو” مجرد صور منك؟!
فكرة (شبح) أتت على نحو غير تقليدى. فعندما تيقّنت أننى من سيموِّل الفيلم، فكّرت فى ماهية الفيلم الذى استطيع تقديمة كمنتج ومخرج. ووجدت أفضل طريقة لصناعة فيلم فى تصوير الكثير بدون طاقم ممثلين (كل لقطات طوكيو، وغيرها)، ثم التصوير لبضعة أيام مع ممثلى الفيلم، ووضع حوارهما voice over أى خارج الكادر. ولم أسجِّل أى صوت مباشر فى مكان التصوير لأسباب عديدة؛ منها أنى عانيت من رداءة الصوت فى مشاريع سابقة، وأردت الصوت هذه المرة أن يكون مثاليًا، ومنها أن التسجيل فى مكان التصوير لا يمنحنى حرية مثل هذه التى يمنحنى إياها وضع الصوت فى الاستديو لاحقًا.
بعدما وضعت هذا التصوُّر فى رأسى، بدأت أفكّر فى الموقف، أو القصة، وهى بخصوص شابة يشغلها الحصول على المال، ووظيفة مستقرة، مما يدفعها إلى الحديث مع حبيبها. سبب اختيارى لهذا الموقف هو أننى كنت فى رابع سنواتى الجامعية (ضمن برنامج مدته 5 سنوات)، وكنت أقترب من الوقت الذى يتوجّب علىّ فيه أن أفكر فيما سأفعله بعد الدراسة، من إيجاد وظيفه، وخلافه. لذلك وضعت كل قلقى فى القصة. لا أعرف إن كان كلٌّ من “هى” و”هو” صورتين منّى، لكنى بالتأكيد استخدمت رؤيتى الشخصية للعالم، ووضعتها داخل حواراتهما.
فيما يختص بـ”مأساة المدينة”، فأنا لم أفكّر فيها أبدًا بهذا الشكل. ما يشغلنى بالفعل هو الاغتراب، أو الانسلاخ، أو ببساطة كيف أننا أحيانًا ننفصل عن أنفسنا. يمكننى تخمين أن ما تدعوه أنت “مأساة المدينة” هو نفسه ما أشعر به من اغتراب فى المدن الكبرى. تختلف الكلمات، لكن المعنى واحد كما أظن. وعليه، هل أعيش هذه “المأساة”؟ حسنًا. بناءً على حقيقة كون الحوارات قائمة على أحاسيسى الشخصية، فأنا – نوعًا ما – قد أكون أعيشها. ولكن صناعتى للأفلام، وكونى مبدعًا.. كلها أمور تساعدنى على تحويل هذه الهموم إلى شعور خلّاق.
باعتبارك مؤلف / منتج / مونتير / مصور / مخرج هذا الفيلم، ما هى المصاعب التى قابلتك أثناء صناعته؟
فى أثناء العملية الفنية كلها، من الكتابة إلى المونتاج، المشكلة الكبرى التى واجهتنى هى أننى لم أكن أعرف مطلقًا إلى أين أنا متجه! وياله من أمر مزعج حينما لا يكون لديك أى فكرة عما سيبدو عليه فيلمك عند الانتهاء منه. لقد كنت أشعر كمن يمشى معصوب العينين. ولكنى فى الوقت نفسه، كان لدى كل الحرية التى أردتها. فخلال كتابتى للنص، كان فى إمكانى أن أكتب أكثر من المطلوب، أو استطرد كيفما أشاء. عندما تصنع فيلمًا تقليديًا، لابد أن يكون لديك بناء سردى متماسك، تطوُّر محكم للشخصيات، ..إلخ. ولكنك عندما تكتب شيئًا مثل (شبح)، فإنه لا توجد قواعد! إنها حرية مذهلة، وإن كنت – فى المقابل – تقضى الكثير من الوقت فى القلق، لأن فيلمك لن تنطبق عليه قواعد التقييم التقليدية، التى قد تحكم عليه بأنه جيد أو سيئ، ممتع أو ممل..
فى أثناء التصوير، لم يكن هناك أية صعوبات. كانت فكرتى هى “صوّر على قدر ما تستطيع، وسوف نختار فى المونتاج”، وباعتبارى استخدمت كاميرا DSLR (آلة تصوير رقمية ذات عدسة أحادية عاكسة) فقد كنت أتمشى فى شوارع طوكيو، كمصوِّر يبحث عن أشياء يصوِّرها؛ وطبعًا هذه أمور مستحيلة ضمن إطار التصوير التقليدى، الملتزم بجدول تنظيمى مسبق، حيث لا وجود للعشوائية. (شبح) كان ممكنًا، لأنى قضيت كل وقت فراغى طيلة إقامتى بطوكيو، والتى استغرقت 6 أشهر، أهيم هنا وهناك بصحبة الكاميرا. فى الواقع، كنت أعمل فى أحد المكاتب طوال النهار، ثم أتفرّغ للتصوير فى الليل، أو خلال العطلات الأسبوعية. لقد كان أمرًا مرهقًا! ولن أفعله مجددًا. لكنى سعيد أنى فعلته مرة ما.
ما هو أفضل رأى سمعته، أو مقالة قرأتها، عن فيلمك؟ وما هو أسوأ رأى أيضًا؟!
فى المعتاد، لا أتعامل بحساسية مع النقد، سواء كان يمدح أو يذم. ولكن الشىء الوحيد الذى أحزننى عند قراءته هو رأى قال: “إن هذا الفيلم يجب أن يُعرَض فى متحف فن حديث، وليس دار عرض سينمائى”. أحيانًا ما أقرأ هذا عن أفلام غير عادية أخرى، لكنه يضايقنى فى جميع الحالات، لأنه يعنى أن دور العرض السينمائى بالنسبة للبعض يجب ألا تكون مكانًا للتجريب، بل مكانًا للانسجام، وهو عكس ما أؤمن به كلية. تكرّر الأمر بطريقة أخرى، عندما كتب ناقد فرنسى (رغم إعجابه بالفيلم) متحيرًا لمن يوجَّه هذا الفيلم؟! وهو ما أحزننى أيضًا؛ حيث ترى عقليات ما أن الأفلام لابد أن تُصنع لجماهير معينة! على المنوال نفسه، قرأت أن “هذا الفيلم كان يمكن أن يكون أفضل إذا ما كان قصيرًا”، وكأنك إذا أردت أن تجرّب، فهذا ممكن فقط فى الفيلم القصير، أما إذا أردت ان تقدم فيلمًا طويلًا، فلابد أن تكون متمسكًا بالمألوف، ومعدوم الأصالة، وهو ما اختلف معه تمامًا. بهذه النوعية من التفكير، أفلام مثل الفيلم الأمريكى 2001 A Space Odyssey أو أوديسا الفضاء 2001 (1968)، والروسى Man with a movie Camera أو رجل مع كاميرا سينمائية (1929)، والأمريكى Koyaanisqatsi أو عالم بلا اتزان (1982)، ضمن أفلام أخرى، لم يكن ليُكتَب لها الوجود من الأصل.
لكن يظل أفضل ما أقرؤه عن (شبح) هو كل مرة يكتب فيها شخص ما – سواء كان ناقدًا محترفًا أو مشاهدًا بسيطًا – كم أحس بـ”ارتباط” الفيلم به.. أو أن هذا الفيلم “تحدّث إليه”. بالنسبة لى، هذا رائع. أنا صنعت (شبح) بطريقة أنانية جدًا، متحدثًا عن همومى الشخصية. لذلك عندما يحس أناس – خاصة من بلاد مختلفة عن بلدى، وثقافات مختلفة عن ثقافتى – بأن هناك صلة تجمعهم بما يتردّد فى هذا الفيلم، ويكتبون كيف أنهم يعانون نفس هموم بطليه، أشعر بأن فيلمى لم يكن عديم الجدوى بالكامل!
ما هى خطتك للدعاية لـ(شبح) عالميًا؟
حتى أوائل 2014، سأظل أروّج له فى فرنسا، وجزئيًا على الإنترنت. بعد ذلك، أخطِّط لأصعب خطوة؛ وهى البحث عن موزعين فى دول أخرى، يقومون بالدعاية للفيلم بطريقتهم. أنا أريد للفيلم أن يتواجد بدونى، وكأنه لم يعد ملكى. أنا أحب أن أصنع أفلامًا كما تكتب رسالة، وبمجرد الانتهاء منها، تضعها فى زجاجة، وتلقيها فى البحر، ومن ثم لا تصبح ملكك مجددًا. سأسعى بكل جهدى أن “ألقى” الفيلم فى كل مكان أستطيع الوصول إليه (كان سولير قد أخبرنى برغبته فى عرض فيلمه بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى العام القادم 2014).
هل تبحث عن الجوائز السينمائية؟ أم – كما يقول فيلمك – البشر لا ينبغى تقييمهم بالمراتب الحضارية المعتادة فقط؟
بالنسبة لى، أنا لا أعطى أهمية كبيرة للجوائز. إنها حقًا لا تعنى أى شىء. كيف يمكنك القول أن فيلمًا أفضل من آخر؟! ولكن للأمانة أنا لا أحتقر الجوائز أيضًا، ولسبب بسيط؛ هو أن الأفلام لابد أن تُشاهَد، لكن ليتحقق هذا، فيجب أن يتم الحديث عنها، وأنت تحظى بالعديد من التغطيات الصحفية إذا ما نلت جوائز. وفى وجهة نظرى كصانع أفلام مستقلة، أى نوع من التغطية هو أمر جيد. وأنا لن أتضايق إذا ما نلت جائزة. دعنى أقلْها بهذا الشكل: لو حقّق فيلمى أى جائزة، فعلى نحو شخصى لن أهتم كثيرًا، ولكننى سأسعد بالطبع إن كان هذا سببًا لحديث البعض عن الفيلم.
لو حظيت بفرصة إخراج genre movie أو فيلم أنواعى، كأفلام الترفيه الهوليوودية المألوفة، سواء كان فيلم أكشن، أو كوميدى، أو غيره، فهل تفعلها؟
لكم أحب أن أخرج كوميديا فى يوم ما، لكنى لا أعتقد أنى موهوب لدرجة كافية. الأفلام الكوميدية هى أصعب أفلام على الإطلاق. لذا فأنا أفضّل أن أضع أمورًا طريفة فى أفلامى عن أن أصنع فيلمًا كوميديًا بالكامل. الأمر ذاته مع أفلام الرعب. أنا أظن أن الأفلام الأنواعية شديدة الصعوبة، لأنك مطالب بالتزام قواعد النوع، وامتاع عشّاقه. بالإضافة إلى إيمانى أن الأفلام تقوم على محاولات صنع الأشياء بطريقة مختلفة عما هو تقليدى، ومن المؤكد أنك لو قمت بذلك فى فيلم أنواعى، فإنك قد تفقد عشاق النوع ومشاهديه المخلصين.
أنا أحب أفلام الرعب الآسيوية منذ زمن بعيد، رغم أن كمًا كبيرًا منها ليس أفلامًا عظيمة، لكنى أكتفى بمحبة مشاهدتها. تخيّل أنى حلمت بصناعة فيلم رعب آسيوى خاص بى، قبل حتى شروعى فى تعلم اللغة اليابانية!
حدثنا عن مشروعك القادم..
لا أحب الحديث عن “المشروع القادم”، لأنى كلما أحجمت عن الحديث عنه، كنت حرًا فى فعل كل ما أريد. لكنى لو تكلمت عنه لأحد، فأخشى أنى سألتزم بالوصف الذى قمت به. أوسكار وايلد كتب يومًا: “التعريف يَحد”، وهو ما أؤمن به بقوة. فلو عرّفت ما أريد القيام به، فسيقع الفعل فى أسر هذا التعريف. أنا أفضّل ألا أقول شيئًا عن المشروع القادم، كى أمنحه الحرية.
عندما كنت أصنع (شبح)، لم أكن أعرف ما الذى أفعله، وكنت عاجزًا عن تعريفه. لدى الشعور ذاته بخصوص المشروع القادم. كل ما يمكننى قوله هو أنى لو حظيت بفرصة صناعة الفيلم الذى أفكّر فيه حاليًا، فسيكون ربما أقل ذهنية عن (شبح)، يتم تصويره فى فرنسا، باللغة الفرنسية، خلال صيف 2014 إن أمكن. لكنه طريق طويل جدًا حتى صيف 2014، ويمكن لى أن أغيّر فكرى عشرة آلاف مرة حتى ذلك التاريخ.
أخيرًا، مسألة تشغلنى على نحو شخصى، هل كانت شخصية “هو” فى الفيلم.. مجرد شبح طوال الوقت؟!
ألا ترى أنى لو أجبت عن هذا السؤال؛ فسوف أقتل الغموض. عدم إجابتى تفتح الباب للمشاهدين كى يفسّروا كيفما يشاءون. ولذلك فإن السؤال الذى يهم ليس “أكان شبحًا أم لا؟”، وإنما “هل تظن – أنت – أنه كان شبحًا أم لا؟!”، وحقيقة أن السؤال جال بذهنك، فهذا لا يعنى أن يمر مرور الكرام..
(11 نوفمبر 2013.. عبر أسلاك الإنترنت العظيم).
====================================================
نشرت فى مجلة الثقافة الجديدة / العدد 281 / فبراير 2014.