إلى أين يذهب توم هانكس؟

جرايهاوند
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العبادي

يبقى الشغف الأكبر والشغل الشاغل للفنان الحقيقي هو التطور، فمهما وصل المبدع إلى قمة من قمم النجاح يظل السؤال الأهم بالنسبة له هو سؤال الخطوة التالية: ماذا بعد؟

فالمبدع ذو الوعي يعرف جيدا أن الثابت الوحيد في هذا العالم هو التغير، وكم من المبدعين تجاوزهم الزمن وسقطوا في غيبة النسيان بعد الوصول للقمة، بسبب فشلهم في التعامل مع تغيرات العالم وعدم قدرتهم على تطوير أداءهم وركونهم إلى محاولة تكرار نجاحاتهم السابقة.

وإن كانت مشكلة التطور تلك تواجه الفنان في مختلف مجالات الإبداع، فإن وطأة هذه المشكلة تزيد في مجالات الإبداع (الجماعي) التي يعتمد فيها نجاح الفرد على كفاءة منظومة من الأفراد تقوم سويا بإنتاج العمل الفني، كمجالات الإبداع المرئي في السينما والمسرح وغيرها من الوسائط.

فلو ضربنا مثلا للمبدع “الفردي” بالفنان التشكيلي أو الكاتب مثلا.. نجد أنه سيد قراره فيما يتعلق بإنتاج إبداعه وتطويره بناء على قناعاته وكفاءته الشخصية.

أما في حالة المبدع “الجماعي” فالوضع يختلف.. فأداء الممثل السينمائي مثلا يتأثر بعوامل جمة من ظروف الإنتاج، والأهم أنه يتأثر بقدرات وكفاءة كل المشاركين في تنفيذ العمل.. ابتداءً من المخرج وليس انتهاءً بأصغر عامل في طاقم التنفيذ.

هنا يصبح من أهم العوامل التي تؤثر في تطور الممثل هو حسن اختياره للأدوار والمشاريع الفنية التي يشارك فيها.. فكم من ممثلين استطاعوا أن يرفعوا أسهمهم الفنية والجماهيرية عبر دقتهم في اختيار أفلامهم (ليوناردو دي كابريو مثلا)، وفي المقابل نجد آخرين خسروا معظم رصيدهم بسبب اختياراتهم السيئة ( نيكولاس كيدج وربما جوني ديب).

أما “توم هانكس” فهو في وضع خاص، حالة استثنائية نادرا ما يصل لها أبناء الفن السابع، فهو يحافظ على أداء مميز مثير للإعجاب حتى حين يشارك في أفلام دون المستوى في عناصرها الأخرى.. يبدو أداءه وكأنه لا يتأثر بضعف الكفاءة والتنفيذ في العناصر الأخرى للعمل سواء على مستوى السيناريو أو على مستوى تنفيذ الصورة.. وهو الوضع الذي يذكرني بالراحل “أحمد زكي” الذي استطاع أن يقدم أداءات رائعة حتى في الأفلام التجارية سيئة الإنتاج.

لكن لو تعلمنا شيئا من تاريخ السينما فهو أن الجمهور لا يمنح “شيكاً على بياض” لأحد.

وفي حالة توم هانكس سنجد العديد من علامات الاستفهام المحيطة بمسيرته في العقد الأخير. نلاحظ تراجعا كبيرا في المستوى العام للأفلام التي تصدى لبطولتها.. بعضها “أفلام للنسيان” لم تحظ بإعجاب نقدي أو جماهيري، وحتى الناجح منها لم يصل لتوهج أفلامه السابقة.

ويمكن مع قليل من التجاوز إن نقول أن مستوى أفلام توم هانكس يسوء بمضي الوقت.. فمن أعمال متوسطة الجودة لمخرجين أصحاب تاريخ “جسر الجواسيس، سولي، كابتن فيلبس” وصلنا لعمل ضعيف المستوى لمخرج هزيل: جريهاوند.

 بميزانية 50 مليون دولار يقدم لنا المخرج آرون شنيدر فيلما ملئ بنماذج السفن المصغرة ومؤثرات الكمبيوتر الساذجة.. وخالي من القيمة.

هو الفيلم الروائي الطويل الثاني فقط لـ”شنيدر”.. وبعد فترة انقطاع أكثر من عشرة أعوام عن الإخراج.. انجازه الأكبر هو حصوله على أوسكار أحسن فيلم قصير عام 2004، هذه السيرة الذاتية الهزيلة تجعل اختياره لإخراج فيلم بهذا الحجم لغزا حقيقيا!

ورغم أن تاريخ السينما يذخر بالعديد من قصص النجاح التي بدأت بإعطاء فرصة كبيرة لمخرج واعد.. إلا أن شنيدر لم يثبت جدارته بالفرصة، لو استثنينا من الفيلم الأداء المميز لتوم هانكس سنجد أمامنا فيلم أقل من المتوسط.. يصلح للتسلية وتضييع وقت بعض الظهيرة.. وربما لا يصلح:

” فيلم أبوي مقتضب ومبسط، أقصر من قيلولة بعد ظهيرة يوم أحد وأقل إثارة منها”.                                       

ديفيد إيرليش. موقع إندي وير

شخصيات مسطحة خالية من أي أبعاد، سرد تقليدي لأحداث معتادة في هذا النوع من الأفلام، دون أي محاولة للتجديد أو كسر المألوف. بل حتى دون إجادة للـ”مألوف”، أداء الممثلين باهت لكن لا يمكن أن نلومهم على أدائهم لشخصيات باهتة في السيناريو.

بالحديث عن سيناريو “توم هانكس”.. هذا السيناريو يذكرني بمقولة “حسن حسني” في أحد أفلامه: “يابني الكار ده مش كارك!!…”.. ضحالة للشخصيات وتسرع في الأحداث. ربما كان من الممكن إنقاذه بتدخل المخرج أو إعادة كتابة بالاستعانة بسيناريست أكثر احترافية.. لكننا أمام سيناريست “نجم” ومخرج “ضعيف”.

حتى أداء “توم هانكس”، وإن أجمعنا على تميزه إلا أنه لم يأت بجديد، فهو الأداء المتوقع من خبير تمثيل مثل “هانكس”، ومن السهل أن نلاحظ التشابه بين أدائه هنا وأدائه في: “إنقاذ الجندي ريان”.1998.

تحدث شنايدر في حوار مع “NBC” عن الأفلام التي أثرت في مشروعه، فحدد ثلاثة أفلام: سفر الرؤية الآن.Apcalypse Now إخراج فرانسيس فورد كوبولا. 1979، الغواصة. Das Boot إخراج وولفجانج بيترسن 1981، وإنقاذ الجندي رايان. Saving Private Ryan إخراج ستيفن سبيلبرج 1998.

قال شنايدر كلاما كبيرا ثم أتى بأفعال صغيرة، فالأفلام التي ذكرها أجمع عشاق السينما على أنها ليست من أحسن الأفلام الحربية فقط، بل من أحسن أفلام السينما عموما، ورغم وجود نقاط تشابه بين هذه الأفلام الممتازة وفيلم “شنايدر”، إلا أن هذه التشابهات لم تتجاوز كونها مجرد تقليد سئ.

المفارقة أن بمراجعة ميزانية Das Boot – وهو الفيلم الذي يعرض أيضا لحرب الغواصات في الأطلنطي خلال الحرب الثانية – ومع حساب معدل التضخم وتغيير العملة. نجد أن هذه التحفة السينمائية الألمانية تكلفت أقل من “جريهاوند” بعشرة ملايين دولار على الأقل!!

“جرايهاوند” هو فيلم محدود الجودة مثل مئات الأفلام التي تنتجها أمريكا سنويا للتسلية ثم تنساها بمنتهى البساطة.. لكن الذي منحه الفارق ليعيش أكثر من أقرانه هو وجود اسم توم هانكس في خانتي التمثيل والسيناريو.

مقالات من نفس القسم