إسرائيل و الآثار الفلسطينية الغارقة

خالد عزب
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. خالد عزب

لم تكن لدولة اليهود في عصري داود وسليمان حدود بحرية، بل كانت دولة داخلية، ولكن حينما رسمت حدود الدولة الصهيونية قرر المخططون لها ان تضم هذه الدولة ذلك الشريط الساحلي لفلسطين، وهذا يدل على ان الاعتبارات الإمبريالية الاستراتيجية تجب الاعتبارات العاطفية الدينية الخاصة بإسرائيل او المملكة العبرانية او الحدود التاريخية لإسرائيل. ومن المعروف ان اليهود في العصور القديمة لم تكن لهم معارف بالبحار، بل كان الفلسطينيون هم سادة البحار، واصطدموا باليهود واستخدموهم كعمال الى ان هزم داود جالوت الفلسطيني، واندمج الفلسطينيون بعد ذلك مع الكنعانيين ليصبحوا شعبا واحدا. ويروج اليهود ان فلسطيني اليوم هم الذين هزمهم داود، ليروجوا ان الصراع صراع تاريخي له جذور.

في هذا الإطار وظف اليهود الآثار البحرية على طول الساحل الفلسطيني لخدمة سياساتهم ومقولاتهم، وتتركز أعمال قسم الآثار البحرية بدائرة الآثار الإسرائيلية في المنطقة الواقعة جنوب يافا، وهى منطقة غنية بالآثار الغارقة التى تعود الى حقبة الحروب الصليبية والى العصور الحجرية، وهى تضم عملات ومراسي للسفن وتدل الآثار الموجودة بها على وقوع معارك بحرية عنيفة بين أساطيل دول رغبت في السيطرة على فلسطين، أما ثاني المواقع التى يهتم بها اليهود فهو ساحل عكا، حيث جرى العديد من المعارك البحرية خاصة في العصور القديمة وفى فترة الحروب الصليبية، و أولى القسم البحري في إدارة الآثار الإسرائيلية اهتماما شديدا ببقايا معدا جيش نابليون بونابرت الذى حاصر عكا عام 1799 ، ففي أعقاب فشل الحصار وعند انسحاب نابليون الى مصر، أمر جنوده المنهكين بتأثير المعارك والأوبئة بإغراق كل الأسلحة الثقيلة والمدافع التى قد تعوق الانسحاب السريع في البحر، وقد استخرج الإسرائيليون بعض الأسلحة الغارقة خلال سنوات عقد الستينات، والبعض الآخر بدا استخراجه منذ عام 1976، عندما بدا الغواصون والمنقبون عن الآثار القيم بمسح للساحل رعته جمعية بحوث أعماق البحار ودائرة الآثار الإسرائيلية، وتم استخراج بنادق وسيوف وعدة مدافع برونزية يرجع تاريخها الى نهاية القرن الثامن عشر، كان أبرزها مدفعا عثمانيا كان قد استولى عليه الفرنسيون قبل ذلك.

وفى قيصرية عثر الصيادون الفلسطينيون في الفترة من 1940 الى 1950 في شباكهم على العديد من الآثار منها تماثيل رخامية، اشهرها تمثال لطفل بدون راس ترتكز قدماه على مقدمة سفينة، وعثروا كذلك على عملات وأحجار كريمة  ورسوم بحرية، وتماثيل برونزية لإيزيس وديوسكوريس، وهى آلهة مصرية يونانية مرتبطة بالأساطير البحرية والملاحة، ومعظم الآثار التى تم العثور عليها في ساحل قيصرية تعود للحقبتين اليونانية والرومانية. وقد استولى اليهود على هذه الاثار من الصيادين الفلسطينيين بالقوة وأجبروهم على مغادرة المنطقة.

واقام اليهود متحفا لهذه الاثار المنهوبة في مستعمرة اسدوت. وقد عثر في ساحل منطقة الجليل سنة 1989 بواسطة ماجان ميشيل على قارب صيد روماني، وبقايا سفن تعود للقرن الرابع الميلادي، ولم يتم انتشال هذه الاثار الى الان انتظارا لتشييد متحف للقوارب البحرية تكون هذه الاكتشافات نواته. وعندما درست إسرائيل هذه الاثار الغارقة لم تعثر في اى منها على اى إشارة لدولة اليهود القديمة ولو حتى إشارة الى اليهود كجماعات او كأفراد، نظرا لان كل هذه الاثار إما تعود الى مصر الفرعونية او الى الفلسطينيين او الكنعانيين او الرومان او البطالمة او الفترة الإسلامية او فترة الحروب الصليبية .

وعمدت دائرة الآثار الإسرائيلية على إخفاء كل ما يتم الكشف عنه من آثار تؤكد عروبة فلسطين في مخازن الدائرة في القدس الغربية.

وامتلكت دائرة الآثار الإسرائيلية الجرأة على لىّ ذراع بعض المكتشفات الأثرية البحرية، خاصة ما يعود منها للفترة البطلمية والبيزنطية حيث وضعت بعضها في متحف ارض التوراة الذى أقيم عام 1992 في القدس، بهدف إقناع السائح الأوروبي بتسلسل تاريخ إسرائيل وانه حلقة لا تنقطع، وان المسيحي المؤمن بالتوراة يستطيع استكشاف تاريخ الأرض المقدسة التى يزورها من خلال هذا المتحف. وفى نفس العام وفى ظل غياب العرب أصحاب التراث البحري العريق، شارك اليهود في الاحتفالات الدولية التى أقيمت بإيطاليا في جنوه بإيطاليا بمناسبة مرور 500 عام على اكتشاف كولمبس للأمريكتين بمعرض عنوانه: ( حضارات البحر المتوسط في إسرائيل القديمة من العصر البرونزي الى عصر الصليبين ) شمل خرائط لموقع الآثار الغارقة على طول ساحل فلسطين. وللأسف فان معظم معروضات المتحف تنتمي لحضارات ليست لليهود أدنى علاقة بها كالحضارة الفينيقية.

يمتلك اليهود فضلا عن ذلك برامج بحثية خاصة بالآثار الغارقة ترعاها جامعة حيفا التى تمتلك قسما للحضارات البحرية،ومركزا للدراسات البحرية. ومن ابرز العاملين في هذا المجال من الباحثين اليهود دانا داف كاشتان وهو أستاذ بجامعة حيفا، وقد عمل مديرا للمتحف البحري الإسرائيلي، ويشرف حاليا على برنامج بحثي تحت عنوان : ( مساهمات اليهود في تاريخ ملكيات السفن والملاحة ).

ان من الملفت للنظر في هذا السياق عده أمور منها إصدار إسرائيل كتبا بالعبرية واللغات الأوربية عن هذا التراث الغارق، أدرت عليها ريعا كبيرا، بينما لازال النشر العلمي المصرى في هذا المجال معدوما. ان إسرائيل تمتلك متحفا بحريا وأقساما في متاحفها للآثار الغارقة بينما المتحف البحري المصرى المقرر اقامتة في الإسكندرية، مازال في إطار المشروع المقترح، كما ان لدى إسرائيل برنامجا لمسح سواحل فلسطين اثريا والاستفادة منها سياحيا وهو ما يتم حاليا في سواحل يافا وعكا، بينما مشروع توظيف الاثار الغارقة على سواحل الإسكندرية وابوقير مازال في بدايته، ومازال في بدايته ، ومازال يحتاج لدفعة قوية لتفعيل نشاطه.        

 

 

       

 

مقالات من نفس القسم