إبراهيم فرغلي: أسطرة الواقع تقودني للسخرية منه

إبراهيم فرغلي: لا بد للكاتب أن يستفيد من خبرته الشخصية في علاقته بأولاده
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره:محمد مهدي حميدة

الروائي إبراهيم فرغلي أحد الأسماء في جيل الروائيين المصريين الجدد، تمتاز كتاباته بالسعي الدائم إلي التجديد وخلق أجواء متمايزة عما تطرحه روايات الأنداد،وفي حواره مع "الزمان" سعينا لإضاءة الكثير من الأمور المتعلقة بحياته الإبداعية إضافة إلي التعرف علي مواقفه الشخصية من الكتابة والنقد والعمل الصحافي وما إلي ذلك من الأشياء التي ترسم صورة قريبة إلي حد ما تحاول الكشف عما يعتمل في دخيلة هذا المبدع الذي يبني مشروعه الروائي بوعي شديد وذهنية متقدة.

حاوره:محمد مهدي حميدة

الروائي إبراهيم فرغلي أحد الأسماء في جيل الروائيين المصريين الجدد، تمتاز كتاباته بالسعي الدائم إلي التجديد وخلق أجواء متمايزة عما تطرحه روايات الأنداد،وفي حواره مع “الزمان” سعينا لإضاءة الكثير من الأمور المتعلقة بحياته الإبداعية إضافة إلي التعرف علي مواقفه الشخصية من الكتابة والنقد والعمل الصحافي وما إلي ذلك من الأشياء التي ترسم صورة قريبة إلي حد ما تحاول الكشف عما يعتمل في دخيلة هذا المبدع الذي يبني مشروعه الروائي بوعي شديد وذهنية متقدة.

من أين تستمد أفكار رواياتك؟ وهل تضع نصب عينيك السمات والقوالب التي تميز كتابات جيلك بحيث يمكن استعارتها بشكل أو بآخر داخل النص الإبداعي أم أن أجواء الرواية هي التي تفرض الأسلوب والبناء؟

ــ من المؤكد أن أجواء الرواية هي التي تفرض أسلوبها وبناءها، لكن هذا الأسلوب يتشكل في الوعي خلال عملية التخلق، ولا يبدأ قرار الكتابة عادة إلا عندما أدرك أنني وجدت الصوت الذي أبحث عنه، والذي يعبر، في نفس الوقت، عن المضمون.بالنسبة لسمات الجيل وقوالبه فهي سمات موجودة في النصوص من الأساس، بمعني أن هذا الجيل كتب كل منهم تجربته، ومنها أسس النقاد رؤاهم حول سماتها. وأتصور أن الكتاب الذين يتسمون بأصالة تجاربهم في هذا الجيل يعرفون تماما ما يرغبون في إنجازه، وفقا لرؤية كل منهم الخاصة. وبالتالي، فأنا أكتب وفقا لتقنيات تخصني تماما، وكتابتي، فيما أتصور، هي الوحيدة، بين كتابات الجيل التي تؤسس لسحرية واقعية، لها شخصية مختلفة تماما عن سحرية أمريكا اللاتينية. بالنسبة للأفكار فهي عملية بالغة التعقيد في الواقع. ولا تعتمد علي عنصر بعينه. أحيانا تأتي الفكرة من موقف عابر، في الطريق، أو في أثناء مشاهدة عمل سينمائي، أو قراءة كتاب، أو حتي في خلال حوار مع صديق من الأصدقاء. وربما من قراءة خبر ما في صفحات الحوادث. لكن هذه الفكرة أيا كانت، ربما تكون الخطوة الأكثر سهولة؛ لعموميتها، واشتباكها مع وقائع الحياة، مهما تكن درجة غرابتها، لكن التفاصيل هي التي تمثل العبء الأكبر، وهي التي تحتاج للاحتشاد، والتقمص، والاستدعاء، والتذكر،والابتكارمن جب الخيال العميق، أو من اجترار الواقع فنيا.

العلاقة بين الرجل والمرأة تهتم في رواياتك بالتأكيد علي العلاقات المعيشة التي تجمع بين المرأة والرجل فما الذي تراه متمايزا في هذه العلاقة بين ما هو كائن في الحياة وما هو مطروح داخل النص؟ـ

ـ حاول أن تتخيل علاقة بين رجل ومرأة يعانيان كلاهما من الخرس. كيف ستكون العلاقة بينهما، وهل سيستطيعان بدون اللغة من تحقيق أي درجة من درجات التفاهم والتناغم بتواصلهما المختل، أو المنقوص ذاك؟ الإجابة كما أظنها هي نعم، بل وربما يحققان نجاحا قد يفوق نجاح آلاف من الثنائيات اللذين لا تنقص كل زوج منهم اللغة، وسيلة للتواصل، ومع ذلك فلا تزيدهما إلا نأيا عن بعضهما البعض، ومراكمة سوء فهم يقوم علي محدودية دلالة اللغة نفسها.هذا هو جوهر التناقض الذي يشغلني التعبير عنه في مجمل أعمالي القصصية والروائية علي السواء. كيف ترث الأجيال خيبات آباءها بوصفها وصفات نجاح لعلاقاتهم العاطفية بينما هي ليست إلا دوائر مفرغة من سوء الفهم المتبادل والتعايش المُغَلِّف لضغائن مضمرة؟ لماذا تخفت النزعة الإنسانية في العلاقة بين الرجل والمرأة لحساب فوارق جنسية، لا أساس موضوعيا لها من أي نوع، ولحساب فروقات واختلافات طبقية، وثقافية. بينما يتمكن رجل وامرأة من دينين مختلفين،مثلا، وثقافتين مختلفتين ، بل ولغتين مختلفتين من تحقيق علاقة عاطفية مثالية في بعض الحالات. المؤكد أنهما اعطيا الاعتبارات الإنسانية الأولوية، وهذا ما أحاول أن أعبر عنه فنيا بطرق شتي، عن مجتمعاتنا التي فقدت إنسانيتها، رغم أنها أكثر من يتشدق بمكارم الأخلاق والتدين، بشرط أن يتم التعبير عن ذلك بأعلي درجة من الفنية في حدود خبراتي الفنية والمعرفية والنقدية

ما الذي تطمح إلي تحقيقه من خلال مشروعك الروائي؟ ـ

ـ هناك جزء من إجابة هذا السؤال تناولته في السؤال السابق. لكن طموحي الفني هو ترسيخ طريقة تميز أسلوبي، ولغتي، بتأسيس نص يقرأ بوصفه نصا واقعيا من بدايته لمنتهاه وفي نفس اللحظة يفاجأ القاريء بأن ما يقرأه ليس سوي أسطورة، أو محاولة لأسطرة الواقع، أو السخرية منه، أو توضيح مدي ابتذاله. بكلمات أخري تأسيس اتجاه يمزج الواقع بالأسطورة بصبغة خاصة جدا, وأظن أن عجائب المجتمعات التي نعيش بها وننتمي إليها تمثل مصدرا يفيض بالإلهام في اتجاه كهذا، لكني في الواقع أيضا أريد أن أكتب نصا له طابع عولمي مفتوح علي العالم والثقافات الأخري، لأنني أعتقد أن النصوص الراهنة في غالبيتها تعاني من الاختناق بالذاتية وضيق العوالم التي تتناولها

ماذا تعني الجوائز الأدبية بالنسبة لك خاصة بعد تأسيس جائزة بوكر العربية وترشيح دار العين لروايتك الأخيرة “جنية في قارورة لنيل الجائزة؟ وهل تعتقد أن مثل هذه الجوائز تدفع الكتابة الروائية للتميز عن ذي قبل؟ـ

ـ لا ولم تعن الجوائز لي شيئا علي الإطلاق، لأن تقدير اللجان يخضع لذوق أعضائها ومعاييرهم، وهي ليست موضوعية بالضرورة. لم أتقدم لأي جوائز، باستثناء الدورة السابقة من جائزة ساويرس، ربما لأنها جائزة أهلية، ولم أحقق فيها أي نجاح، والطريف أن أحد الكتاب القصصيين من أعضاء اللجنة خرج بعد إعلان الجوائز ليؤكد بحماس للصحفيين أنه قَاتَل حتي لا تذهب الجائزة لفلان (يقصدني)، وحتي الآن لم أفهم لماذا هذا القتال، ولم أهتم أن أعرف. هذا الكاتب أصافحه بحرارة ودماثة عندما ألتقيه بينما أشفق في أعماقي عليه وعلي امثاله. لكني ممتن له تماما لأنني قررت منذ تلك اللحظة ألا أعرض نفسي لمثل هذا الموقف مرة أخري. إذا حدث أن رشحتني جهة أو دار نشر لجائزة فأهلا وسهلا، لكني لن أتقدم لجائزة بنفسي مرة أخري.الجوائز في الغرب لها أهمية أولا لأنها متعددة، وتتسم بالمصداقية، وتحقق مبيعات كبيرة للكتاب الحائزين عليها وتنعش العملية الإبداعية. لكن هذا ما لا يجب أن ينشغل به الكاتب علي الإطلاق. الكاتب لديه مشروعه، ويسير في تحقيقه سواء حقق جوائز أم لم يحققها، وما يذكره تاريخ الأدب هو النص نفسه، وليس الجوائز. ومع ذلك فهي في ظني مسألة مهمة لتعويض الكاتب معنويا في مجتمعات تعناني من الأمية الثقافية وغياب المعرفة بأهمية دور الكاتب .

من هم الكتاب الأكثر قربا منك ؟

ــ الحقيقة أن هذا السؤال يحتاج للتحديد، فلو كنت تقصد الكتاب الذين أشعر بأنهم قريبين مني بمعني حبي لكتاباتهم، فمنهم مثلا دوستويفسكي، وبول أوستر،هرمان هسه، وساراماجو، والغيطاني ومحفوظ وصنع الله ابراهيم والمخزنجي، ويوسا ، ومصطفي ذكري، وسلمان رشدي، وحنيف قريشي.أما لو تقصد القريبون علي مستويات شخصية فمنهم المخزنجي، ومصطفي ذكري،سحر الموجي، وياسر عبد الحافظ وياسر عبد اللطيف.وربما لا تحضرني أسماء أخري.أما لو أن ما تقصده التقارب في الكتابة، فربما أجد أن هناك ثمة أطياف مشتركة مع النص الذي تكتبه منصورة عز الدين، بدرجة ما، من حيث البحث عن الغرائبية، والتلغيز.

العمل الصحفي هل يقف عائقا أمام كتاباتك الإبداعية؟ أم أنه يفتح أمامك آفاقا وعوالم متجددة؟

ــ درست إدارة الأعمال، لكني قررت أن أصبح كاتبا في فترة مبكرة من دراستي الجامعية، وكنت أعتقد أنني سامتهن مهنة الإدارة، وأنني سأفصل ذلك تماما عن الكتابة، وعندما امتهنت الصحافة تعاملت مع الموضوع بنفس الطريقة. لدي مهنتي التي أحبها، ولي فيها طموحات خاصة، لا تعوضني عنها الكتابة الأدبية، والعكس صحيح تماما. لذلك لم تعطلني الصحافة، رغم أنها مهنة خطيرة تأكل الوقت والعلاقات الاجتماعية وأوقات القراءة والكتابة. لكن الكاتب إذا كان لديه مشروعه لن يتعطل لأي سبب، دون أن يتوقف عن الشكوي من ضيق الوقت الذي يحتاج إليه. مصطفي ذكري مثلا علي النقيض له كل الوقت، فهو متفرغ تماما، ومع ذلك فالكتابة تأخذ عنده وقتها،بينما يتوزع بقية الوقت في الكثيرمن الأنشطة مثل القراءة أو مشاهدة الأفلام والإنصات للموسيقي، وهو يصدر كتابا كل ثلاثة أعوام. لكني أعتقد أن الصحافة فتحت لي آفاقا رحبة، وأدخلتني عوالم ومجتمعات لربما كان من الصعب التعرف عليها في الظروف العادية.

ما الذي يحرك إبراهيم فرغلي ويدفعه فورا للكتابة؟

ــ لا شيء، سوي بريق فكرة جديدة، أو حالة نادرة من حالات الصفاء الذهني التي تجعل الكتابة ممتعة.

ما هي انطباعاتك عن كتابات كل من مصطفي ذكري، ياسر عبد اللطيف، هيثم الورداني،علاء الأسواني،منتصر القفاش، سحر الموجي، ميرال الطحاوي ؟

ـ يبدو لي هذا السؤال محرجا لأن أغلبهم من الأصدقاء، لكني، بمنتهي الموضوعية، هذا إذا كان لرأيي في كتاباتهم أي قيمة من الأساس، أعتقد أن كتابة ذكري كتابة ذات مستوي رفيع تكشف عن ثقافة رفيعة وموهبة كبيرة جدا، ربما أن الذهنية أحيانا تحد من سيولة النص وتوسيع عوالمه. كتابة ياسر عبد اللطيف نموذج للسهل الممتنع، تبدو سهلة بينما هي مقتصدة ومكتوبة بإتقان بالغ. هيثم الورداني صاحب عوالم قصصية شديدة الخصوصية، تتمتع بدرجة كبيرة من الفنية، تؤرخ لجيل من المثقفين ببراعة، وتؤرخ عالما من المقاهي والمجتمعات الهامشية ببراعة. كتابات علاء الأسواني هي عودة للنص الكلاسيكي مع فارق أساسي يتمثل في عدم العناية باللغة بشكل منفر، وروايته الجديدة شكل من أشكال الروايات الشعبية المشوقة. منتصر القفاش كاتب مجيد، لكن لا أعرف لماذا لا أنجذب كثيرا لكتاباته. سحر الموجي،وهي بالمناسبة من أقرب أصدقائي، لكن هذا لا يخول لي مجاملتها، إذا طلب رأيي في أعمالها، فهي تهتم بكتابة المقالات السياسية أكثر من اهتمامها بالأدب، وتسيطر عليها النسوية علي حساب الفن. أتذكر،هنا، أن صنع الله ابراهيم ترجم كتابا فاتنا بعنوان “اللحظة الأنثوية” ضم عددا من النصوص البديعة لمجموعة من الكاتبات من أرجاء العالم أغلبها عن العلاقة بين الرجل والمرأة من منطلق نسوي في أغلب الأحيان، لكنها نسوية غاضبة بحق، والغضب معالج علي مستوي عال من الفنية، وهذه النصوص في مجملها واعية بأن النسوية لا تعني خلق موقف مقابل تتحول فيه الأنوثة إلي تطرف مقابل للمنطق الذكوري. ميرال الطحاوي، كاتبة جيدة، لكنها للأسف التفتت للتسويق لأعمالها علي حساب التفرغ للكتابة. وأظن أن نصها به التباسات تعطل قراءته وتغيم الشخصيات لصالح حالة من البوح النسوي الذي لا يسهل الإمساك به بسهولة. أكرر أن رأيي لا قيمة له، وقد أوفي النقاد أغلب هؤلاء الكتاب الأصدقاء حقهم وزيادة.

برأيك هل تتوازي حركة التقييم والنقد مع الانفجار الروائي الحادث الآن أم أن الأمر يختلف عن ذلك؟ وما الأسباب ؟

ــ بالتأكيد لا، وهذا السؤال عادة ما يجاب عليه بنبرة صاخبة، لكني في الواقع أخشي أن أوقظ النقاد من سباتهم العميق وغفوتهم الأبدية التي تسببت في كوارث عدة، منها تسيد معايير التسويق من قبل بعض الكتاب علي حساب نصوص جيدة كثيرة لا يمتلك أصحابها موهبة التسويق. كما أتاحت الفرصة لتشويش المناخ الإبداعي بأعمال جماهيرية لا تزيد عن كونها حكايات شعبية بينما يتناولها الجمهور بوصفها أدبا، كما أن غياب النقاد الكارثي هذا أدي الي استسهال، ولا أريد أن أقول تجرؤ بعض الكتبة علي نشر أعمال ما كان لها أن تري النور قبل أن يدرك أصحابها خطورة ما يفعلونه. بل وتجرؤ بعض المهتمين بعلوم الاجتماع والأطباء علي الكتابة عن الأدب والترويج له، مما جعلهم يلعبون دورا خطير في تكريس المفاهيم الأخلاقية في قراءة النصوص الأدبية وهذه كارثة.والأسباب عديدة منها كبر سن أجيال النقاد ، وعدم ظهور جيل جديد من النقاد لمواكبة ما تسميه بالانفجارة الروائية. لقلة مردود العمل النقدي، ربما، ولعدم وجود منابر نقدية، وربما كرد فعل للمستوي الاجتماعي والسياسي العام الذي يفيض بالعشوائية والضحالة والتغييب، بينما النقد، الجاد والمبتكر، لا تمارسه إلا مجتمعات واعية. أرجو ألا تكون نبرة صوتي قد ارتفعت عن الحد، فمثل هؤلاء النقاد الذين تخلوا عن أدوارهم يجدر بهم ألا يفيقوا وأن يستمروا في غفوتهم، فهذا أكرم لهم ولنا علي السواء.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم