أين اختفت الجدائل؟

ياسمين الغمري
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ياسمين الغمري

أذَّن الديك عند بزوغ الفجر، وأخذ الكون يتفتح كزهرة الآذَرْيُونُ مطلقًا أشعته الذهبية لتخترق زجاج النوافذ ويستيقظ من هو نائم. كان من بين الهاربين من الحياة تحت غطاءٍ شتويٍ جَدّ لأحفاد صغار، بنت في السادسة وأخ لها في العاشرة، وما أن سمع الجَدّ صياح الديكة حتى طرد النُعاس عن جفنيه ووضع جسده في ردائه المنسوج من الصوف وأتم واجباته الصباحية المعتادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، إلى أن انتهى من إعداد وجبة الإفطار للصغار قبل الذهاب إلى المدرسة.

على المائدة بيضٌ وجُبْنةٌ وخبزٌ. جلس الثلاثة يتناولون الطعام في صمت. دقائق قليلة مرت، كسرت ميرفت -الطفلة الصغرى- حاجز الصمت.

ـ جدي، أريدك أن تضفر لي شعري مثل سوزان صديقتي. البنات في المدرسة يسخرون مني لأني لا أعرف كيف أضفر شعري مثلهن.

هز الجد رأسه إيماءة منه بالموافقة. انتهوا الثلاثة من تناول الطعام، وانطلقت ميرفت مسرعة لتأتي بالفرشاة حتى يمشط جدها شعرها ويجمله بالضفائر. اهتزت الفرشاة في يد الجد بشدة وسقطت على الأرض، فأحنت ميرفت جسدها تلتقطها، أخذها الجد ثانية محاولًا التحكم فيها إلا انها انفلتت من بين يده وسقطت. بعيون هاربة اعتذر الجد للطفلة واعدًا إياها أنه سيصنع من خصلات شعرها أجمل جدائل ستراها في حياتها غدًا.

جاء الغد، فكان نسخة مكررة من الأمس وسقطت الفرشاة مرارًا من يد الجد، وفشلت كل محاولاته لليوم الثاني وظلت الأيام تشبه بعضها طيلة شهر. وعيون ميرفت ترسل عَبْرَات صامتة يتلاقها الجد فتنزل على خديه هو، وينظر إلى يده المرتعشة في توسل علها تساعده في عقد جديلة واحدة للصغيرة، لكن دون جدوى!
****

أمام مرآه صغيرة معلقة على الجدار الملاصق لباب البيت، وقفت ميرفت وخصلات شعرها مستسلمة بين أنمالها الصغيرة، تُقَسَّم ميرفت شعرها إلى ثلاث مجموعات كما قالت لها سوزان: ماما تفرقَّ شعري؛ جزءًا يذهب ناحية اليمين وآخر يسارًا وتبقى خصلات المنتصف كما هي في مكانها، ثم تأتي الضفيرة في النهاية تجمعه مرة أخرى. فيعود شعري قويًا كما كان.

قسمت ميرفت شعرها ثم وقفت حائرة تنظر إليه لا تعرف ماذا تفعل بعد ذلك، حاولت تذكر كلمات صديقتها وكيف كانت أمها تجمع شعرها في ضفيرة سميكة، لكن الكلام هرب من ذاكراتها. ضربت الأرض بقدميها وأطلقت تنهيدة قوية من الداخل ثم عقدت شعرها على شكل قطعة دائرية في منتصف الرأس وذهبت بصحبة أخيها إلى المدرسة.

سخرت سوزان من ميرفت في هذا اليوم كثيرًا: تسريحة شعرك تشبه تسريحة شعر جدتي. ضحكت سوزان وذهبت تلعب مع فتيات أخريات.

تحت شجرة كبيرة أوراقها في فناء المدرسة، جلست ميرفت أسفلها تبكي كثيرًا، بعيدًا عن صديقاتها.

عن بعد ميزها أخوها الكبير وأسرع الخطى نحوها ليعلم ماذا حدث؟ فقصت عليه ميرفت الحكاية كلها.
بأصابع يده الصغيرة مسح دموعها، ووعدها أنه سيحاول أن يضفر لها شعرها. هدأت ميرفت واستكانت في حضنه.

في اليوم التالي وقف الطفلان أمام المرآة يحاولان عقد جديلة صغيرة بمساعدة فيديو يشرح لهم كيف يمكنهم عقد ضفيرة للشعر.

عشر مرات يعيدون تشغيل الفيديو. ليتعلموا كيف تُعقد الضفيرة، لكن تفشل كل المحاولات.

بكت ميرفت طويلًا، وأخيها جالس جوارها يطبطب على كتفيها، ثم فجأة نظرت إلى رأس أخيها وثبتت عيناها لدقائق، وهزت رأسها والدمع شامخ داخل عيونها وأسرعت نحو المطبخ، أمسكت بمقصِ وقامت بقص شعرها بعشوائية وارتعاش صوتها يردد: لا أريد ضفائر بعد اليوم.

أسرع إليها أخيها، وقف عند عتبة الباب ينظر إليها وكأن الجليد سقط عليه، حاول أخذ المقص من يدها، لكن كل شيء كان انتهى. وقت الإنقاذ انقضى. ذهب إلى غرفتها وأحضر قبعة قرمزية اللون ووضعها على رأس أخته: تشبهين الأميرات كثيرًا.

ضحكت ميرفت فسقطت الدمعة من عيناها، وقالت لنفسها: نعم أنا اشبه الأميرات، لا حاجة لي لجدائل بعد اليوم.

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال