آية الله الحسيني
جاءني رد خطيبتي السابقة الأخير في محادثتنا غريبا، خطيبتي التي انفصلت عنها منذ شهرين لم تبادلني خلالهما كلمة واحدة، طلبت لقائي لأمر عاجل، ولما سألتها عما هو الأمر العاجل، جاء الرد كلمة واحدة: أنساك.
هل أنا بحاجة إلى تذكيري أنها تنساني وتلتهى عني؟ هل تريد أن تلقي عليّ سخافاتها التي لم أفسح لها المجال لإلقائها وقت افترقنا؟ هل هذا انتقامها الرقيق مثلها تماما؟
“-حسنا، غدا على المقهى في الخامسة”
أنتظرها كما كنت أفعل، أتت من بعيد، لم أرها منذ شهرين ولا مرة واحدة، بدت جيدة المظهر وإن نقص وزنها بعض الشيء، تعقص شعرها وتحمل حقيبة يد كبيرة تضمها إلى صدرها، جلست بلا كلام، انتظرت لدقيقتين لما أتى النادل ليسأل ماذا نطلب؟ كان من عادتها أن تطلب هي، لم تتحدث.
“قهوة محلاة وعصير برتقال من فضلك”.
هتفت: “- هل تذكر أني أشرب عصير البرتقال؟”
قلت “= نعم، في كل مرة التقينا شربت عصير البرتقال.”
نظرت إليّ في وجوم، “= هل انت بخير؟”
التفتت حولها وكأنها تحاول تذكر المكان، وقالت: “- ما هو اسم والدتك؟”
“= هل طلبت لقائي لتسخرين مني؟”
” – لا، أريد أن أعرف فعلا ماذا كان اسمها “
” = نحن افترقنا منذ شهرين، ليست مدة كافية للنسيان التام. “
“- تقصد تطلقنا منذ شهرين”
ازدردت لعابي، نعم لقد عقدنا قراننا، وهذا أدعى أن تعرفي أسماء افراد أسرتي”
قالت بأسى: “أنا أنساك، لقد أقامت صديقاتي مزحة أن نذكر أسماء أحبائنا السابقين متبوعين بلعنة أسماء أمهاتهم، ولم أستطع تذكر اسم والدتك.”
“= اسمها حنان”
“- ليست المشكلة في اسمها، أنا أنساك انت، أنسى تفاصيلنا سويا، لقد وصلت إلى رقم هاتفك على هاتفي بصعوبة لأنني نسيت الاسم الذي سجلت به”
أفرغت حقيبتها أمامي، بعثرت مجموعة من الصور
“- عندما تركتني فجأة وأرسلت لي قسيمة طلاقي بدون أن تبدي أي سبب، وقعت في كرب عظيم، فقدت حبي الأول والوحيد، فقدت صديقي المقرب منذ أن كنا في الجامعة، كدت أموت، ولكي ينقذني عقلي المسكين فقد جعلني أنسى كل يوم كنت فيه.”
“= أعتقد أن هذا جيد لك”
كنت أعلم في قرارة نفسي كم تسببت لها في جرح عميق، الشيء الأكثر مأساوية أنني لم أعلم سببا لذلك، كل شيء تداعى فجأة فحسب، تشدو أم كلثوم في الخلفية، “أنساك دا كلام؟” ليصبح الموقف أكثر صعوبة عليّ، أعلم أنها لا تدعي شيئاً.
“- انظر، انظر كل هذه الصور، يوم تخرجنا، أعياد ميلادنا، لقاءات أصدقائنا، حفلات الغناء التي حضرناها سويا، يومي الأول في العمل، تكريمي فيه، كل هذه الأيام لا أذكر منها لحظة واحدة، لولا الصور لشككت أني قد عشتها، أنا الآن شخص بلا ذكريات سعيدة والسبب أنت!”
أخذت تبكي، شعرت بالسوء، أمسكت بيديها، سحبتها بشدة وقالت” – لا، لا أريدك، لا أريد حتى لماذا فعلت هذا بي، أريد أيامي الجميلة.”
“= ربما هو رد فعل نفسي دفاعي فقط، ستتذكرين كل شيء وتكونين بخير”.
“وإن لم أتذكر؟ “
” = تنسي وتصنعين ذكريات جديدة، هل يمكنني مساعدتك؟”
نظرت إليّ نظرة جامدة ونهضت فجأة، تاركة حقيبتها والصور أمامي، ثم التفتت في منتصف طريقها لتقول “من أنت؟ تشبه شخصا ما أعرفه.”