أفلام اكتمل تصويرها ولم تُعرَض أبدًا!

الصورة الوحيدة المتبقية من فيلم ليالي المذؤب (1968)
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

ماذا يحدث بعد اكتمال تصوير فيلم سينمائي؟ الإجابة: يُعرَض تجاريًا، ويحظى بأي مكسب مادى، مع تقييم نقدى، ثم يستمر لاحقًا عبر وسائط متنوعة. هذا المقال عن أفلام أسوأ حظًا بكثير؛ رغم اكتمال تصويرها، فإنها لم تنل فرصة عرض جماهيري، وراح أغلبها ضحية للضياع أيضًا!

أفلام اختفت فى ظروف غامضة:

Las noches del Hombre Lobo أو ليالى المذؤوب (1968):

فيلم رعب إسباني صُوِّر فى باريس، تشير معظم الروايات أن مخرجه رينيه جوفار مات فى حادث سيارة، عقب أسبوع من إرسال الشريط لمعمل التحميض، ليختفي الفيلم بعدها من الوجود. ورغم محاولة بطله بول ناسشى البحث عنه، فإن كل آماله قد خابت؛ ليبقى فيلمًا لم يشاهده، أو يجده، أحد.

The Merchant of Venice أو تاجر البندقية (1970):

ترجمة سينمائية لمسرحية شكسبير، من كتابة أورسون ويلز، وإنتاجه، وبطولته فى الدور الرئيسي، وإخراجه. بعد انتهاء التصوير فى أوروبا، سُرق النيجاتيف من مكتب الإنتاج الخاص بويلز فى روما، ولم يظهر من وقتها. حزينًا لفقدان الفيلم، أعاد ويلز تصوير أداءه لمونولوج “شايلوك” الأشهر، على شريط سينمائي مدته دقيقتين، عُرِض بعدها بربع قرن فى الفيلم التسجيلي أورسون ويلز: فرقة من رجل واحد (1995).

خيط أبيض، خيط أسود (1984): 

فيلم فلسطينى الإنتاج، صُوِّر فى المغرب، قام ببطولته نور الشريف، صفية العمرى، أمينة رزق، إلى جانب الممثلة الإيطالية دانييلا سيلڤيريو, والأمريكية بن كورنيست، وكتبه السيناريست الإيطالى سيرچو إميديا، وصوّره مدير التصوير الإيطالي الشهير كارلو دى بالما، وأخرجه المغربى بو غالب البوريكى. الفيلم يدور حول الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، وكان محاولة جادة، سخية الإنتاج، لتعريف العالم بأن الفلسطينيين أصحاب قضية وليسوا إرهابيين، بل إن ما يُمَارس ضدهم من إسرائيل هو الإرهاب الحقيقى. عانى الإنتاج من مشاكل عديدة، منها تنازُع شركتين على الفيلم، وبعد إنتهاء التصوير، اختفى النيجاتيف من معمل التحميض فى روما، لتحوم الشبهات حول العدو الإسرائيلى، الذى من مصلحته حجب حقائق مثل التى يردّدها الفيلم. فى لقاء مع قناة النايل سينما سنة 2014، أعلن النجم نور الشريف أن الفيلم موجود، ولكن أياد خفية تحتجزه فى مكان ما، كشيء من الأفضل عدم عرضه للعالم!

*********************

تعديلات تمحو الأصل:

Walking Down Broadway أو المشى فى برودواى (1933):

أخرج إيريك ڤون ستروهايم هذا الفيلم الرومانسي لحساب شركة فوكس الأمريكية، لكنه لم يعجب المنتجين، فأعادوا مونتاجه، وتصوير مشاهده، بشكل شبه كلى، عبر مخرجين آخرين (آلان كروسلاند وراؤول وولش)، وأطلقوه بعنوان Hello, Sister أو أهلًا يا أختي، فى السنة نفسها، ليفشل فشلًا ذريعًا. الفيلم الأصلي لم يُعرض، وفُقِدت نسخته.

Nad Niemnem أو على الضفاف (1939):

فيلم درامي بولندي، من اخراج واندا چاكوبوسكا وكارول زولوسكى، حُدِّد عرضه فى 5 سبتمبر 1939، لكن ألمانيا النازية غزت بولندا فى 1 سبتمبر. بعد الاحتلال، رفض الرقيب النازي عرض الفيلم، باعتباره عملا متعمقًا فى التاريخ البولندي؛ لكن لإعجاب النازيين بمستواه الفنى، أعادوا مونتاجه، وغيّروا شريطه الصوتي، بإضفاء حوار جديد، مُحوِّلين إياه إلى دعاية مناصرة لألمانيا! أنقذت قوات المقاومة البولندية الثلاث نسخ المتبقية من العمل الأصلي فى شتاء 1939، لكن هذه النسخ لم تظهر إلى الآن، وأغلب الظن أنها دُمّرِت خلال الحرب العالمية الثانية.

*********************

نسخ خفية من أفلام معروفة:

The Magnificent Ambersons  أو آل إمبرسون العظام “النسخة الأولى” (1942):

حصد الفيلم الأول لأوروسون ويلز، Citizen Kane أو المواطن كين (1941)، نجاحًا فنيًا كبيرًا، لايزال يسمو به لقمة قوائم أعظم الأفلام فى التاريخ، لكنه مُنى فى وقته بفشل تجارى. بعده مباشرة صنع ويلز هذا الفيلم من 132 دقيقة، لكن بعد عرضه على عينة من الجمهور رأته كئيبًا، تخوّف استديو “أر، كيه، أو” من تكرُّر فشل المواطن كين، فأمروا بحذف مقاطع طويلة، وإعادة تصوير مشاهد عديدة باستخدام مساعد المخرج فريدى فليك، والمونتير روبرت وايز، ليصبح الفيلم “الجديد” 88 دقيقة لها إيقاع متفاءل، لكن مع شخصيات تختفى فجأة، وأحداث مبتورة، ونهاية غير مفهومة. حاول ويلز لاحقًا التفاوض مع شركة “وارنر”، التى اشترت “أر، كيه، أو”، ليعيد صنع النسخة الأولى، التى رأى أنها أفضل بكثير من المواطن كين، لكنه اكتشف أن المشاهد المحذوفة – على حد قوله – “رُميت فى المحيط”!

Cleopatra أو كليوبترا “النسخة الأولى” (1963):

أنت تعرف ذلك الفيلم الضخم، الذى قام ببطولته ريتشارد بيرتون مع إليزبيث تيلور، وأخرجه چوزيف آل. مانكوفيتش، وكانت مدته 4 ساعات. لكنك لا تعرف أن هذا الفيلم كان – أساسًا – من 6 ساعات سيقسما إلى جزأين، يُعرض كل منهما بمفرده، الأول بعنوان “قيصر وكليوبترا”، والثاني بعنوان “أنطونيو وكليوبترا”. لكن الاستوديو رأى أن العلاقة الغرامية التى اشتعلت بين بطلى الفيلم فى الواقع أنتجت دعاية للفيلم تجعل من الخطورة تأخير عرض الجزء الخاص بهما. لذا قطع مقص المونتاج ساعتين من الفيلم. تجرى الأقاويل مؤخرًا بأن هناك جهود لتجميع هذين الساعتين، وتوليف الفيلم من جديد، لإعادة صنع تلك النسخة الأولى، خاصة أن بعض هذه الشرائط قد عُثر عليها بالفعل.

I’ll Do Anything أو سأفعل أي شيء “النسخة الموسيقية” (1994):

فيلم ساخر عن كواليس العمل فى هوليوود، من بطولة نك نولتى وچولى ريتشاردسون، أخرجه چيمس إل. بروكس، وشمل 8 أغنيات لمطربين مثل برنس وكارول كينج وسينياد أوكونور، إلى جانب استعراضات راقصة. لكن بعد عروض تجريبية test screenings رفض الجمهور الأغنيات، فحُذفت والاستعراضات كاملين، ليتحوّل الفيلم إلى دراما خالصة. صحيح أعلن بروكس مرارًا أنه سيُصدر director’s cut أو نسخة خاصة بالمخرج تعرض الأغاني والرقصات، لكن بعد مرور 20 سنة لم يتحقّق شيء من ذلك، بل إن أغاني الفيلم لم تُطرح فى الأسواق أيضًا!

*********************

نزوات مخرجين:

Deruhi e, Deruhi e أو إلى دلهى، إلى دلهى (1943):

بتكليف من الجيش الياباني، سافر المخرج الياباني المتميز أوزو ياسوجيرو إلى سنغافورة لإخراج فيلم دعائى يروِّج لقوة اليابان فى خضم الحرب العالمية الثانية؛ لكن أوزو لم تكن لديه نية حقيقية للعمل، فقضى عامًا كاملًا فى القراءة، ولعب التنس، ومشاهدة الأفلام الأمريكية. ومع نهاية الحرب فى أغسطس 1945، حرق السيناريو، وما صوّره من الفيلم. كانت النتيجة أن احتجزه الجيش، ليعمل فى مستعمرة مطاط، قبل ترحيله إلى اليابان. هل شعر أوزو بعبثية الدعاية للجيش الياباني بعد هزيمته فى الحرب؟ هل كره فكرة الأفلام الدعائية أو الحرب ذاتها؟ أيًا ما يكون، يظل فعله هذا شاهدًا على حرية الفنان فى تحطيم فنه.  

The Day the Clown Cried أو يوم أن بكى المهرج (1970):

أخرج نجم الكوميديا الأمريكي چيرى لويس هذا الفيلم، وقام ببطولته، فى دور مهرج سيرك ألماني، يُحبس فى معسكر اعتقال نازي، لسخريته من هتلر، وعند إيداع اليهود معه، يُؤمر بتسلية الأطفال منهم، فى أثناء إرسالهم للإعدام بالغاز. عاجزًا عن تغيير الوضع، لا يملك المهرج إلا أن يدخل معهم غرفة الإعدام، مستمرًا فى إضحاكهم، ليموتوا معًا. بعد الانتهاء من التصوير والمونتاج، كره لويس الفيلم، مُعتبرًا إياه دون المستوى، ثم وضعه فى خزانة، ولم يُخرِجه للنور حتى تاريخه. فى ندوة سنة 2013، سأل أحد الحاضرين لويس (87 سنة)، عما إذا كان سيُفرِج عن الفيلم أم لا؟، فأجابه الأخير: “لا، لأنه فيلم سيئ.. سيئ.. سيئ”!!

*********************

“المنتج” عاوز كده!

A Woman of the Sea أو امرأة البحر (1926):

هذا هو أول وآخر فيلم أنتجه شارلى شابلن بدون أن يخرجه أو يقوم ببطولته، وذلك تشجيعًا لبطلة أفلامه السابقة بيرفانس، التى لعبت الدور الأول، والمخرج التجريبي چوزيف فون سترينبرج، الذى اضطلع بالإخراج. بعد إكتمال الفيلم، كرهه شابلن بشدة، واصفًا إياه بـ”غير الإنساني”، ومع اتفاق مساعديه على أنه عمل غير جماهيري، قرّر عدم إطلاقه سينمائيًا. بعد 7 سنوات، حاصرت إدارة الضرائب شابلن، فعرض عليهم حرق كل نسخ الفيلم، لإلغاء الخسائر التى سبّبها إنتاجه، وكانت موافقتهم سبيلًا إلى إنهاء امرأة البحر من الوجود كلية، ليصبح العمل الوحيد الضائع من تراث شابلن السينمائي.  

The Fantastic Four أو الرائعون الأربعة (1994):

اشترى المنتج بيرند إيتشنر من شركة مارڤل حق الاستغلال السينمائي لشخصيات الأبطال الخارقين الأربعة، التى ينشرون مغامراتها فى قصص مصورة. لكن إشترط العقد بينهما صناعة فيلم عنهم قبل موعد محدّد، وإلا سقط الحق. ولاقتراب هذا الموعد، وعجز إيتشنر عن إنتاج فيلم ضخم فى الوقت ذاته، اضطر أن “يسلق” هذا الفيلم بميزانية مليون دولار، مُبرِّرًا الأمر بقوله: “مارڤل لم تشترط أن يكون الفيلم كبيرًا!”. وعلى الرغم من الدعاية للفيلم، وتحديد موعد لإطلاقه عالميًا، فإنه لم يُعرض. لماذا؟ لأن مارڤل خافت أن يكره المتفرجون شخصياتهم بسبب هذا الفيلم الفقير، فدفعوا لإيتشنر ضعف تكلفه الإنتاج، بشرط عدم عرض الفيلم، وتدمير كل نسخه. مُحتفظًا بحق استغلال الشخصيات، أنتج إيتشنر فيلمًا ملائمًا سنة 2005 بـ90 مليون دولار، ثم جزءً ثانيًا له سنة 2007 بـ130 مليون دولار. تسربت نسخة من الفيلم القديم على موقع يوتيوب منذ 10 يوليو 2011، حيث لايزال معروضًا به إلى اليوم.

Sweetie Pie أو فطيرتى الحلوة (2002):

يُقال إن المليونيرة الأمريكية الطائشة باريس هيلتون قد أنتجت هذ الفيلم التشويقى من بطولتها فى بداية العقد الأول من هذا القرن، وعندما شاهدته بعد اكتماله، ولم يعجبها، أمرت بتدميره، ومسح صفحته من موقع IMDb، مع إلغاء أى إشارة له على شبكة الإنترنت. العجيب أن صفحة الويب التى قرأ فيها كاتب هذا المقال هذه المعلومة تم إلغاؤها مؤخرًا، ولم يصبح لها أثرًا. حظ سيئ طبعًا لكل من عمل بالفيلم، لكن قياسًا على موهبة هيلتون التمثيلية الزهيدة؛ نحن الأوفر حظًا باختفائه!

……………

*نُشرت فى مجلة الإمارات الثقافية / العدد 28 / ديسمبر 2014.

*صورة الغلاف هي الصورة الوحيدة المتبقية من فيلم “ليالي المذؤوب” ـ 1968

 

 

 

مقالات من نفس القسم